ثقافـة الكتابـة الرياضيـة منعدمـة في الجزائــر
يُدين الصّحفي الرياضي، يزيد وهيب، في هذا الحوار الذي خص به النصر، ما أسماه بالممارسات السلبية وغير القانونية للإعلام الرياضي في مجال كرة القدم، حيث يتحدث عن صحفيين تحوّلوا إلى مسيّرين للاعبين ويستعملون صفتهم للضغط على الأندية، في حين يدافع عن حق المحلّلين في الانتقاد وحق الجمهور في انتقاد المحلّلين، معتبرا أن النقاش حول الكرة دخل منطق قمع الرأي المخالف، كما يؤكد على أن تزايد الإمكانيات المادية والدعم المالي للأندية قد أدى إلى تفاقم مشكلة الفساد في الوسط الرياضي.
النّصر التقت بيزيد وهيب، رئيس القسم الرياضي لجريدة الوطن، خلال جلسة بيع بالإهداء لكتابه الجديد حول اللاعب أحسن لالماس في دار نشر “ميديا بلوس” بقسنطينة، حيث حدثنا عن كتابه أيضا وعن المراحل الأولى لكرة القدم في الجزائر المستقلة.
حاوره: سامي حبّاطي
• النصر: هل يمكن أن تقدم لنا كتابك الجديد “أحسن لالماس الأسطورة” ؟
يزيد وهيب: بكل تواضع، كتابي فيه أجزاء من حياة الحسن لالماس كشخص وشاب وكلاعب كرة قدم، وقد حاولت الأخذ بيد القارئ في رحلة يتعرف فيها على شخصية لالماس والمكان الذي نشأ فيه وكيف اكتشف رياضة كرة القدم، بالإضافة إلى زملائه والمشاكل الرياضية التي واجهته في صغره، وأشير هنا إلى أنني لم أتطرق لمشاكله الشخصية وإنما إلى المشاكل التي عرفها في مساره الرياضي، وقد مررت عبر مراحل مسيرته الكروية إلى غاية النهاية، التي استخرجت منها بعضا من التفاصيل التي عاشها، على غرار لقائه باللاعب آمادي تيام.
بومدين منع لالماس من اللعب في أوروبا حفاظا على المصلحة الوطنية
• النصر: وماذا حدث في هذا اللقاء ؟
يزيد وهيب: تيام هو حارس منتخب جان دارك داكار السينغالي، وقد واجهوا شباب بلوزداد في الجزائر وكأس إفريقيا، وكانت مقابلة صعبة وعنيفة، حيث لكم الحارس تيام، وكان ضخم الجثة، أحسن لالماس ما تسبب له في جرح في الرأس، في حين قررت الجزائر حينها أن يقاطع شباب بلوزداد مقابلة الإياب في داكار حفاظا على أمن وحياة اللاعبين. بعد ثلاثين سنة التقى تيام بلالماس في الحج، فاقترب منه وسأله إن كان قد تعرفه عليه، لكن لالماس لم يتعرف عليه إلى أن عرف تيام عن نفسه، فتعانقا وعادا إلى ذكريات ثلاثين سنة وتسامحا بشأن ما وقع حينها.
لقد حاولت في كتابي أن أبرز الجوانب النفسية لشخصية لالماس من خلال محطات مختلفة من حياته، ومن بينها أن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وجه دعوة إلى لالماس في سنة 2006 عن طريق وزيره بلخادم من أجل حضور مأدبة عشاء على شرف زين الدين زيدان لاعب المنتخب الفرنسي، جزائري الأصل، لكن لالماس رفض الدعوة وقال حينها إن اللاعب جزائري لكن مشواره مع المنتخب الوطني الفرنسي، كما اعتبر أن الرئيس السّابق قد أعطى قيمة للاعب فرنسي وأغفل لاعبي جبهة التحرير الوطني الجزائريين، كما أنه رفض زيارة الوزير الأول الأسبق، عبد المالك سلال، له إلى منزله عندما كان مريضا ولم يقبل الهدايا التي قدمت له. لالماس قوي الشخصية، ومهاراته كلاعب غنية عن التعريف.
بدلة كلاسيكية ومئتي دينار مكافأة التأهل لكأس إفريقيا في 67
• النصر: هل نفهم من كلامك أن هذه الأسباب هي ما دفعك إلى خيار الكتابة حوله ؟
يزيد وهيب: لقد وقع خياري عليه، لكن الحقيقة أن هذا الكتاب يعبر عن كل لاعبي كرة القدم من أبناء جيله، وخصوصا اللاعبين الدوليين، الذين كانوا جميعا لاعبين كبار، ويملكون نفس المواهب والقدرات ويستحقون جميعا كتبا تؤرخ لكل واحد منهم. من المحتمل أن يعلق قارئ اليوم بالقول “إنهم لم يقدموا الكثير”، ولكنني أؤكد أن ذلك يعود إلى عدم مشاركتهم في المنافسات لأنها لم تكن بكثافة اليوم والإمكانيات المتوفرة.
• النصر: ربما يعود ذلك إلى غياب الدعم والرعاية في ذلك الزمن.
يزيد وهيب: نعم لم تكن الرعاية متوفرة، وكان اللاعبون موظفون ويتدربون من منتصف النهار إلى الثانية بعد الزوال دون وقت لتناول الغداء، حتى أنهم يتناولون أحيانا ساندويشا فقط. لاعبو جيل اليوم يستحقون ما ينالونه من دعم، فهم لم يسرقوا ما يتقاضونه، ولكنهم جاؤوا في زمن تتوفر فيه الإمكانيات، على عكس جيل لالماس، الذي حرم من الإمكانيات المادية ولعبوا رغم ذلك وأدوا ما عليهم. الكرة الجزائرية نشأت في 1963 في ظروف قاسية، ومع ذلك فقد استطاع هذا الجيل في ظرف عقد ونصف أن يجعل الشعب الجزائري يعشق كرة القدم، حيث لم تخل الكرة آنذاك من متعة الفرجة.
وقد حصل لالماس على عروض للعب في النوادي الأوروبية لكن هواري بومدين منعه من المغادرة من باب أن ظهور لالماس في النوادي الأوروبية سيدفع الشباب الجزائريين إلى التوقف عن متابعة البطولة الوطنية لفائدة البطولات الأجنبية، ففي ذلك الزمن كان التفكير في كرة القدم يتجاوز الجانب الرياضي إلى المصلحة الوطنية.
لالماس رفض دعوة بوتفليقة لمأدبة عشاء وزيارته من طرف سلال
• النصر: لكن ألا ترى أن هذا الأمر قد حرم أحسن لالماس، وربما لاعبين آخرين أيضا، من مشوار كروي عالمي ؟
يزيد وهيب: الظروف كانت تفرض ذلك، وأحسن لالماس لم يكن وحده، بل إن كل فريق جزائري ينشط في القسم الأول كان يضم لاعبين اثنين على الأقل يملكان تأهيلا عالميا من الطراز العالي، وربما لو توفرت إمكانيات كبيرة لاستطاعوا حمل الكرة الجزائرية بعيدا.
• النصر: نلاحظ اليوم أن الإمكانيات متوفرة مثلما قلت، فهل يصل مستوى لاعبي اليوم إلى أسلافهم الذين عاصروا مرحلة ما بعد الاستقلال؟
يزيد وهيب: يجبُ أن نُجري المقارنة في ظروف موضوعية ففي سنة 1967، تأهلت الجزائر لكأس إفريقيا للمرة الأولى في إثيوبيا، ولم تمنحهم الدولة أكثر من بدلة كلاسيكية مع لواحقها ومبلغ مالي بمائتي دينار. ربما قد يثير هذا الأمر الضحك اليوم، ففي مقابلات ما بين الشوارع قد يحصل الفائزون على أكثر من مئتي دينار، لكن لاعبي المنتخب الوطني حينها لم يحتجوا أو يطالبوا بالمزيد لأن الظروف لم تكن تسمح بأكثر من ذلك. وقد استمروا في مشوارهم رغم غياب ضمانات للتكفل بهم في حال إصابتهم، وأؤكد أن الشعب الجزائري لم يعشق الكرة في الثمانينيات ولكنه أحبها منذ عهد الاستعمار، وعشقها أكثر في الأشهر الأولى من الاستقلال بظهور النوادي الجزائرية، التي حملت تسمياتها رمزية وطنية.
المفاهيم الخاطئة رسخت في الممارسة الإعلامية الرياضية
الهدف الأساسي من كتابي هو أن يصل إلى أيادي الشباب، فلا يكفي أن نعيش على الأساطير المحكية وإنما يجب أن نوثق ونكتب، ومن حق القارئ أن ينتقد أو لا يصدق.
• النصر: نلاحظ نسبة قليلة جدا من الكتب التي تدور حول التوثيق البيوغرافي لحياة لاعبي كرة القدم أو تروي محطات رياضية. إلى ما يعود السبب في رأيك ؟
يزيد وهيب: ثقافة الكتابة الرياضية شبه منعدمة والصحفيون لا يكتبون، رغم وجود عدد من الصحفيين المتخصصين في الرياضة وخصوصا في كرة القدم، الذين ألفوا كتبا حول الفريق الوطني ومنتخب جبهة التحرير وحياة اللاعبين والمدربين، فكتابي ليس الأول، لكن لا صدى لهذه المؤلفات، وهذا ليس خطأهم، فالكتاب يعيش أزمة والمجتمع عموما قد تخلى عن القراءة، وتفاقم الأمر مع تطور وسائل الاتصال وشبكات التواصل، رغم أن الكتاب عنصر أساسي في التكوين الثقافي العام للفرد. قراءة الكتب الرياضية تتيح فهم الأنساق التنظيمية للكرة الجزائرية، كما تتيح فهم المعيقات التي تحول دون تطورها.

• النصر: ألم يساهم الفساد في تراجع مستوى الأداء الكروي رغم توفر الإمكانيات مقارنة بما كانت عليه الكرة في الماضي ؟
يزيد وهيب: في المرحلة التي أتحدث عنها لم يكن الفساد مسجلا، لكن مشاكل الفساد مرتبطة أيضا بتوفر الإمكانيات والدعم المادي الكبير، فالأموال تساعد على تطوير الكرة لكنها قد تفسد أيضا. اليوم نرى في كرة القدم، والرياضة الجزائرية عموما، أن الأموال قد أفسدت بعض اللاعبين، الذين يدفعهم المقابل المادي المرتفع إلى السّعي خلف تحسين الأداء المتواصل بصورة جنونية قد تنتهي باستعمال المنشطات، رغم ما يكتنف ذلك من مخاطر على صحة اللاعب بالدرجة الأولى، كما أن هذا الواقع يمثل القاعدة التجارية لسماسرة الرياضة، حيث يدفعون اللاعب إلى أقصى حدوده.
النقاش الرياضي دخل منطق أن تكون معي أو ضدي
• النصر: بالنسبة إليك كصحفي، ما رأيك في أداء صحافة كرة القدم في الجزائر، بعدما أصبحت تسجل الكثير من الزلات المعيبة لعملها، على غرار ما وقع مع لاعب المنتخب الوطني هشام بوداوي؟
يزيد وهيب: يركز جمهور المتابعين نقدهم على الإعلام الرياضي بصفة عامة، لكنه لا يمثل في الحقيقة إلا انعكاسا، بينما نسجل مثل هذه الأمور في جميع المواد الصحفية الأخرى، مثل الاقتصاد والسياسة، ورغم أن الصحفي إنسان خطّاء قبل كل شيء، إلا أنه ينبغي عليه تفادي الوقوع في هذه الزلات لأنها تسيء لصورة الإعلام.
• النصر: ألا ترى أن صحافة كرة القدم تقع في كثير من الأحيان في الخلط بين النقل بموضوعية وبين موالاة الفريق الذي يناصره الصحفي ؟
يزيد وهيب: يسجل هذا الأمر فعلا، وأعتقد أن هذا الأمر يعود إلى التأطير والتكوين، خصوصا لدى الصحفيين الجدد، الذين يسيرون على خطى الصحفيين القدماء، ومن الصعب تجسيد الحيادية في الصحافة الرياضية اليوم على أرض الواقع، فهذه المفاهيم الخاطئة قد كُرّست ورسخت نفسها في الممارسة الإعلامية.
• النصر: من جانب آخر، ألا تعود في رأيكم موالاة الصحفي لفريق ما على حساب آخر لمشكلة الاتصال لدى الأندية الرياضية، بحيث يعتمد الصحفي على مصادر المعلومة من اللاعبين وطاقم الفريق ليجد نفسه بعد ذلك مجبرا على المهادنة حفاظا على مصادره ؟
يزيد وهيب: أظن أن المشكلة تتجاوز التعتيم على المعلومة، فهناك صحفيون يشغلون مهمة “مسيّرين” مستغلين ما تمنحهم صفتهم المهنية من فرصة الحديث في التلفاز أو الإذاعة أو الكتابة، حيث يتعمدون التأثير سلبيا على رؤساء نوادي أو مدربين بسبب عدم توقيعهم مع لاعبين أوصوا بهم، وهناك على سبيل المثال من يتحامل على لاعب بسبب عدم منحه ما يعادل شهرا من أجرته. أعتقد أنه ينبغي إدانة هذه الممارسات في مجملها، وليس لها الحق في الوجود بتاتا، كما أنه لا يحق للصحفي أبدا أن يتدخل في شؤون النوادي أو في اقتراح اللاعبين، فضلا عن أنها ممارسة ممنوعة أخلاقيا وقانونيا.
سماسرة الرياضة يدفعون اللاعبين إلى المنشطات
• النصر: تشهد الساحة الإعلامية الرياضية اليوم تحليلات تأتي في البلاطوهات على لسان لاعبين قدماء، وتثير الكثير من الصدى السلبي، على غرار تصريحات علي بن شيخ. هل ترى أن التمتع بمهارات اللاعب الكبير تكفي لكي يكون المرء محللا ومعلقا أم أن الأمر يتطلب اكتساب مزيد من المهارات ؟
يزيد وهيب: ينبغي توجيه هذا السؤال إلى القائمين على المؤسسات الإعلامية التي توظف هؤلاء الأشخاص. أما بالنسبة إلى تصريحات علي بن شيخ التي يشتكي منها كثيرون، فإني أرى أن انتقاد ابن شيخ كمحلل من حق أي كان، لكن لا ينبغي سحب ذلك على مساره كلاعب واتخاذه ذريعة للطعن في قدراته الكروية. ابن شيخ كان لاعبا كبيرا، لكن يمكن ألا تكون تحليلاته عند سقف تطلعات الجميع، رغم أنني أعتقد أيضا أننا لا يجب أن نطبل فقط.
فرنسا فازت بكأس العالم، ومع ذلك انتقد الصحفيون خطة المدرب، بينما دخلنا نحن في نفق طويل وغامض منطقه “أن تكون معي أو ضدي” وهذه المقاربة لا تناسب أي طرف. لكل أحد منا الحق في أن يدلي برأيه ويعتقد أن مقابلة ما لم تكن في المستوى، وهذا ليس طابوها، بينما المغالاة تبقى أمرا مستهجنا من أي جهة كانت.
س.ح

الرجوع إلى الأعلى