يرى المختص في الصحة العمومية الدكتور فتحي بن آشنهو، أنه آن الأوان لاعتماد نظام صحي وقائي يعتمد بالأساس على توعية المواطن و يسمح بمواجهة الأزمات مثلما تعيشه بلادنا اليوم أمام انتشار فيروس "كوفيد 19"، مضيفا في حوار للنصر أنه يجب العودة إلى المراكز الصحية الجوارية التي يفترض أن تكون الحلقة الأولى في مسار العلاج و تُجنٍّب المستشفيات مظاهر الاكتظاظ و الضغط، ليؤكد الطبيب أن الوضع خطير و يستوجب تحلي المواطن بأقصى درجات الثقافة الصحية.
حاورته: ياسمين بوالجدري
أعلِن أمس عن ارتفاع عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا المستجد بالجزائر إلى 5، و وصلت حالات الإصابة إلى 60. كيف تقرأ الوضع؟
أولا، يجب ألا تكون هناك حالة هلع بسبب ارتفاع أعداد الوفيات و الإصابات، و علينا فقط أن نقارن بالزكام الموسمي الذي قتل هذا العام 26 شخصا على الأقل بالجزائر. كورونا المستجد هو فيروس انتشر في العالم و ليس بالجزائر فقط، و أصبح جائحة. العلماء لم يتوصلوا بعد إلى لقاح لأن شكل "كوفيد 19" يتغير بسرعة، لكن هناك وسائل فردية تحمينا منه و تطبق على كل البشر.
يجب الابتعاد عن الهلع
ما هي هذه الوسائل؟
النظافة و غسل اليدين لمدة دقيقة على الأقل بالصابون العادي، كما يجب أن نغسلهما لمرة كل ساعة على الأقل، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يتواجدون في أماكن عمومية و المكاتب و يستعملون وسائل مختلفة و يلمسون مقابض الأبواب باستمرار. أنصح كذلك بتجنب التجول في الشوارع و خاصة المقاهي. لقد لاحظت أيضا كيف يركب المواطنون في وسائل النقل و أجسادهم متلاصقة، كما أن هذه الوسائل غير نظيفة، و أشير أيضا إلى أن أي عملية تعقيم يجب أن يسبقها تنظيف اليدين بالماء و الصابون.
لقد اعتدنا أيضا على تصرفات سيئة جدا، بتقبيل الآخرين عند الالتقاء بهم و لمسهم و معانقتهم. هذه العادات السيئة و الخطيرة تسمح للفيروس بالانتقال من شخص إلى آخر و هذا أكبر خطر، فبالنظافة و تطبيق هذه التوصيات البسيطة نضع حواجز أمام الفيروس. يجب أيضا تجنب تناول مضادات الالتهاب لأنها تزيد من تدهور وضع المصاب، و إذا راود شخص ما شك بأنه مصاب من خلال ظهور أعراض كالسعال و الحمى، فعليه أن يذهب إلى الطبيب بأقرب مركز صحي و ليس المستشفى.
غسل اليدين يستغرق دقيقة على الأقل
الكثير من المواطنين يضعون الكمامات لكنهم يجهلون الطرق الصحية لاستعمالها. ما هي النصائح التي توجهها في هذا الخصوص؟
هذا الجهل مردّه عدم وجود تربية صحية للمواطن. الكمامات يجب أن تخضع لمعايير في الصنع و الاستعمال، فهي تستخدم عندما يكون الشخص مريضا بالزكام الموسمي و السعال ليحافظ على المحيط و لا يصل لعابه للآخرين، لأن الفيروسات شغلها الشاغل هو التنقل من شخص إلى آخر، و الكمامة تشكل حاجزا أمامها.
ارتداء الكمامات أصبح موضة، و لقد شاهدت أشخاصا يضعونها لكنها لا تغطي أنوفهم التي يتسرب عبرها الهواء. الكمامات صارت تباع حتى عند محل الأواني، في حين أن قماشها يجب أن يكون خاصا حسب نوع الفيروس. كل وسائل الصحة سواء تعلق الأمر بالمعقمات أو الأقنعة أو القفازات تخضع لمعايير تضعها السلطات المختصة سيما وزارة الصحة، ليتم بموجبها منح الترخيص بالوضع في السوق.
تعوّدنا على تصرفات خاطئة تزيد انتقال الفيروس
ماذا عن طريقة استخدام القفازات؟
لقد لاحظت أن باعة في محلات حلويات عصرية يستعملون القفازات أثناء خدمة الزبائن، لكنهم يقبضون الأموال بنفس هذه القفازات، علما أن أخطر وسيلة لنقل أي ميكروب هي النقود سواء كانت معدنية أو ورقية.
لكن الواقع يقول إن تعاملاتنا كلها نقدية و ليست الكترونية، فما الحل؟
المرحلة التي نعيشها اليوم هي بمثابة صفعة جاءت لتوقظنا، نسأل الله أن تمر هذه السحابة بسلام، لننطلق بعد ذلك في اعتماد نظام صحة وقائية و ليس صحة علاجية تركز على المستشفى و فاتورة الأدوية.
المختصون في علم الفيروسات يؤكدون أن أكبر تهديد للبشرية هو الفيروسات، وهو أمر يجب أخذه بعين الاعتبار، و ديننا الاسلامي حثنا على الوقاية، فالرسول محمد منع الدخول أو الخروج من مناطق بها أوبئة. يجب أن نتحلى بتربية صحية دينية تنبثق من التاريخ الاسلامي، في حين أن من هب و دب أصبح اليوم عالما في الدين و الطب.
التوعية ساعدت بلادنا في التغلّب على وباء السل
وضعية مستشفياتنا معروفة لدى العام والخاص، وهو ما صار مبعث قلق للمواطنين خاصة ما تعلق بتوفير أسرّة و أجهزة الإنعاش. كيف سيكون الوضع إذا بلغنا المرحلة الثالثة من الوباء مثلما حدث في فرنسا؟
بالنسبة لي، نحن في المرحلة الثالثة من الوباء من الآن، فالأمر يتعلق بجائحة مست كل الكرة الأرضية و الجزائر ضمنها، لذلك فنحن مهددون إذا لم نأخذ الأمر بعين الاعتبار. أتمنى أن يكون المستشفى آخر مرحلة من مسار المصاب، فمن المفترض ألا يصل إليه إلا عندما تكون الوضعية خطيرة بأن يحطم الفيروس الجهاز التنفسي و يؤدي إلى شلله.
هل سيكون عدد أجهزة الإنعاش كاف في حال ارتفع عدد الإصابات أكثـر؟
وزارة الصحة هي الوحيدة التي يمكنها الإجابة على هذا السؤال. أتمنى ألا نصل إلى هذه الدرجة من الخطورة، و لنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يحدث لو افترضنا أن آلة التنفس الواحدة تكفي للتكفل بـ 3 أو 4 أشخاص في المصلحة الواحدة، ثم يأتي إليها 20 أو 25 مريضا!
الكمامات ليست موضة واستعمالها يخضع لمعايير
خارج المستشفيات، ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المراكز الصحية المنتشرة بالقرى و المدن؟
لقد تم تعويد المواطنين طيلة عشرات السنوات على الذهاب مباشرة إلى المستشفى الذي من المفترض ألا تصل إليه إلا الحالات الخطيرة، رغم وجود وحدات قاعدية يجب أن نتقدم إليها أولا. هذا أكبر خطأ وقعنا فيه، و هو ناجم عن تركيبة النظام الصحي الخاطئة. لقد تم التعدي على النظام الصحي و محينا هذه الوحدات القاعدية من أذهان الجزائريين، فأصبح أطباء العيادات الصحية موظفين يأتون على الثامنة صباحا و يغادرون عند الواحدة ظهرا.
المستشفيات يفترض أن تكون آخر حلقة في العلاج
أفخر بتاريخ قطاع الصحة في الجزائر، فنحن متعودون على الأوبئة، لقد واجهت بلادنا سنوات قليلة بعد الاستقلال وباء خطيرا أدى إلى خروج القيح و الدم من أفواه الجزائريين و هم يمشون.. هو مرض السل الذي قضينا عليه آنذاك ليس بملايير الدينارات بل بالتوعية و تبيين أهمية التلقيح و الحجر الصحي و الكشف المبكر، لكن اليوم نحن ندفع الثمن بسبب النظام الصحي المتبع، لذلك وجب إعادة النظر فيه، و الدراسات تقول إن صرف دولار واحد على الوقاية يقتصد 15 دولارا من الميزانية الصحية.
جهل المواطنين مردّه غياب ثقافة صحية
كيف يمكن للجزائر أن تستخلص الدروس من تجارب البلدان الأخرى التي انتشر بها الوباء بشكل أكبر على غرار الصين و إيطاليا وفرنسا؟
هناك بلدان أثبتت فشل أنظمتها الصحية، لكن ما أدهشني هو كيفية مواجهة الصين للوباء، فقد بينت أن لها علماء قادرين على التكفل بالمرض، فقد عرفوا ما هو «كوفيد 19» بناء على معلومات علمية ثابتة، و أدركوا أنه ليس خطيرا و بأن خطورته الكبيرة تكمن في تنقله السريع، فوضعوا حواجز و إجراءات شملت غلق كل شيئ و تم تجنيد أفراد الجيش لهذا الغرض، و في حالة عدم احترام الحجر تتم معاقبة المخالفين.
إهمال دور الوحدات الصحية الجوارية أكبر خطأ
في أوروبا رأينا أرقاما مرعبة لارتفاع الحالات بسرعة، و في الجزائر حطت 30 طائرة بمطاراتنا قادمة من أوروبا في ظرف 3 أيام، و برأيي هذا تصرف غير عقلاني.
أدهشتني طريقة مواجهة الصين للوباء
برأيك، هل الجزائر قادرة على تجاوز هذه المحنة؟
مفتاح الجواب يرتكز على تصرف المواطنين فردا فردا، لذلك أنصح كل مواطن بأن يغسل يديه و لا يذهب للأعراس و الملاعب و غيرها من الأماكن التي تشهد تجمع الأشخاص، لأن «كوفيد 19» ينتقل في الهواء. بالمقابل على السلطات و وسائل الاعلام أن تركز على هذا الموضوع حصرا لأن الوضع خطير فعلا، ليس على الجزائر فقط، بل على كل سكان الكرة الأرضية، لذلك وجب عدم مواجهة الأمر بالسخرية، كما يتعين على السلطات العليا بالبلاد و على رأسها رئيس الجمهورية، مخاطبة الشعب كل أسبوع و كل يوم. لقد أعجبني تصريح الوزير الأول عندما خاطب المواطنين قائلا بأنه لم يتم غلق المدارس و الجامعات لكي يخرج الأطفال للتجول، بل يجب البقاء في المنازل، و نحن نرى اليوم كيف أن بعض الأحياء الشعبية مكتظة بالمارة.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى