يطمئن المختص في الصحة العمومية الدكتور عبد الحفيظ عيادة، بأن الوضع الوبائي في الجزائر لا يستدعي القلق، لكنه أكد أن الاستهتار بخطورة فيروس كورونا المستجد قد يؤدي إلى انتشار المرض بشكل أكبر لينجو منه 80 بالمئة من المصابين، في حين أن الفئة المتبقية ستكون معرضة للموت، و أضاف الطبيب الذي يحظى بنسب مشاهدة قياسية للفيديوهات التوعوية التي يبثها على وسائل التواصل، أنه من الضرورة توفير حماية كاملة للأطقم الطبية، كما يوجه في هذا الحوار الذي خص به النصر، نصائح حول طرق الحجر وكيفيات التعامل مع المصابين.
حاورته: ياسمين بوالجدري
 إلى غاية نهار الجمعة أعلنت السلطات بالجزائر عن 90 إصابة بفيروس كورونا المستجد و 10 وفيات، ما مدى خطورة الوضع؟
الوضع في الجزائر إلى غاية صباح الجمعة وحسب الإحصائيات الرسمية المعلن عنها لا يستدعي الخوف، لأن عدد الإصابات يبقى قليلا مقارنة بمنحنى الإصابات بأوروبا كإيطاليا، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الفيروس دخل الجزائر منذ حوالي 3 أسابيع، لكن الإحصائيات تبقى غير دقيقة لأن الحالات المحصية تتعلق بتلك التي أجريت بشأنها التحاليل، في حين قد يكون هناك مصابون آخرون لم يخضعوا لها لكون الأعراض لم تظهر عليهم، فشخص واحد يمكن أن ينقل العدوى إلى 3 أو 4 أربعة آخرين، وإذا تحرّك أكثر قد ينقلها لـ 20 شخصا. هناك معطيات غير متوفرة لكن أعتقد أنه لا يوجد انتشار كبير للمرض في الوقت الحالي. في إيطاليا قال أحد الأطباء إن 90 بالمئة من الوفيات تخص أشخاصا مصابين من قبل بأمراض مزمنة، لذلك فهم ماتوا مع كورونا و ليس بسبب كورونا.
مشكلة كورونا ليست في كبار السن بل في المناعة
هل يُلغي هذا خطورته على كبار السن؟
مشكلة كورونا ليست في الأمراض المزمنة أو كبار السن، بل في مناعة الجسم، فحتى لو كان عمر الشخص 20 سنة، فإنه معرض للخطر وقد يموت إذا كانت مناعته ليست جيدة لأنه يدخن أو يتعاطى الكحول ولا يمارس الرياضة أو لا يتناول الأكل الصحي، و حتى كبار السن إذا كانت لهم المناعة الكافية فإنهم سيتماثلون للشفاء.
انتقدت في أحد فيديوهاتك تعاطي العديد من وسائل الإعلام مع أخبار كورونا و قلت إنها تركز أكثـر على الوفيات، كيف يجب أن يكون هذا التعاطي في تقديرك؟
لاحظت أن وسائل الاعلام تركز أكثر على أخبار الوفيات وقليلا ما تتطرق إلى من تماثلوا للشفاء وخرجوا من الحجر الصحي وهذه جزئية لا يتم الاهتمام بها كثيرا، كما يحدث أن يكون الفيروس سببا مساعدا على الوفاة وليس مباشرا لأن المصاب تكون له أمراض أخرى. لا يتم أيضا التوضيح كيف كان يعيش المتوفى وإن كان يعاني من أمراض مزمنة من قبل وكل المعطيات التي تجعل الأشخاص يأخذون كورونا بشكله الحقيقي وليس على أنه غول.
الوضع غير مخيف لكن الاستهتار سيقتل 20 بالمئة من المصابين
بما أن المناعة هي أساس النجاة من أخطار الفيروس، فكيف يمكن أن يؤثر الخوف و الهلع عليها؟
السلامة الجسدية في السلامة العقلية والنفسية، وأشير هنا إلى دراسات استمرت لحوالي 20 سنة وأجريت بعد ظهور مرض السيدا وما صاحبه من هالة إعلامية، حيث شملت مجموعتين من المرضى الأولى تُركت تعيش حياتها بصفة طبيعية بعيدا عن الخوف، أما الثانية فقد عاشت حالة من الرعب ومخاوف من المرض، وبعد 5 سنوات توفي أفراد الفئة الثانية، بينما عاشت الفئة الأولى لسنوات أخرى.
الخوف يُضعف مناعة الجسم
لقد وجد العلماء أن الخوف يزيد من إفراز هرمون «كورتيزون» الذي يرفع معدلات التوتر و يعمل على إضعاف الاستجابة المناعية، فتمكنت «السيدا» من هؤلاء المرضى، مع العلم أن مرضى «السيدا» لا يموتون بسبب هذا الداء مباشرة، بل نتيجة الأمراض الأخرى لأن هذا الداء يضعف المناعة لديهم.
لكن الجزائريين يعيشون في فضاء مفتوح تتدفق فيه الأخبار من كل جهة، فما الذي عليهم فعله؟
أنصح بالابتعاد عن جميع الأخبار المتعلقة بوباء «كورونا»، فالجزائريون أصبحوا يعرفون الآن ما هي أسباب الإصابة به وكيف يمكنهم أخذ احتياطاتهم، و الآن عليهم أن يعيشوا حياتهم بصفة عادية في المنزل. من الممكن مشاهدة الأخبار لكن لمرة واحدة في اليوم، ولا داعي لمتابعة تحليلات البلاطوهات التي تختلف مضامينها حسب الأشخاص وحالاتهم النفسية التي تؤثر على آرائهم، فبالنسبة لي، أتعامل بوجهة نظر عملية بحتة، دون أن أثير الخوف في النفوس.
هذا الوباء نقمة، لكنني أرى فيه نعمة، فربما سيلمّ شمل العائلات، و سيجعل الجزائريين يهتمون أكثر بالغذاء الصحي لأنه أساس المناعة. هناك فرصة أيضا للجلوس مع الأبناء و المطالعة، كما يمكن ممارسة الرياضة قرب المنزل دون الاتصال بالأشخاص الآخرين، وأيضا الجلوس تحت أشعة الشمس لربع ساعة على الأقل.
البقاء في المنزل فرصة للعودة للعادات الصحية
كيف يُطبق الحجر الصحي داخل المنزل؟
في الحقيقة، ينقصنا الوعي في هذا الخصوص، إذ ما تزال العادات و التقاليد تتحكم فينا، بالمبالغة في العناق والتقبيل، وهناك أشخاص يستحيل أن يقولوا للآخرين بأنهم يرفوضون ذلك، لهذا السبب وجب التحضير النفسي للشخص المعني بالحجر القادم من منطقة موبوءة، قبل مجيئه للمنزل، ثم عزله لمدة 14 يوما في غرفة توضع فيها كل أعراضه، مع تخصيص دورة مياه وحمام له، و إذا لم تتوفر هذه الشروط، يجب إرساله مباشرة إلى غرفة في فندق يخضع فيها لإجراءات العزل.
لكن العديد من الأسر الجزائرية قد لا تتوفر لديها هذه الظروف، فما الحل في هذه الحالة؟
إذا لم يتوفر ما ذكرته سابقا، على الشخص المعني ألا يرجع من المنطقة الموبوءة بكل بساطة. لقد رأينا حالة الحسرة لدى أفراد العائلة التي تبين فيها أن الأب توفي بسبب كورونا بالوادي، لتفارق العمة الحياة أيضا، و هذا الذي لا نريد الوصول إليه. لو كان كوفيد 19 سيجتاح الجزائر، فإن 80 بالمئة من المصابين سينجون و 20 بالمئة المتبقين سيقتلهم الشخص المستهتر الذي نقل إليهم العدوى. الفيروس ليس خطيرا بذاته بل الخطورة تكمن في سرعة انتشاره، وقد رأينا كيف قتل في إيطاليا أزيد من 3 آلاف شخص.
الأعراض الخفيفة لا تتطلب المستشفى وهكذا تُعالَج
كيف على الأطباء التعامل مع هذا الوضع سيما ما تعلق بوسائل الحماية، فالعديد منهم طرحوا مشكلة نقص الكمامات؟
بالنسبة لي، عمل الطبيب دون وسائل حماية يعد انتحارا، فلا يوجد قانون يجبره على العمل دون حماية. أنا شخصيا توقفت عن العمل لأنه ليست لدي هذه الوسائل. يجب على الطبيب أن يكون محميا من رأسه حتى أخمص رجليه لأن الفيروس ينتقل بالرذاذ والعطاس والكحة واللمس، لكنه ينتقل أيضا بالهواء إذا كانت المسافة الفاصلة عن الشخص المصاب قصيرة، في حين أنه يجب على الطبيب فحص المرضى عن قرب، ولهذا أؤكد أن لباس الحماية ضروري كما يتعين تغييره بعد انتهاء كل مهمة. أطباء كل التخصصات معنيون بهذا فقد يأتيهم على سبيل المثال شخص على أساس أنه مصاب بمرض مزمن، لكنه حامل في نفس الوقت لفيروس كورونا. يجب حماية الطاقم الطبي الآن، فكيف سيكون مقدورنا التحكم في المرض بعد ذلك؟
لجأت بعض دول العالم على غرار ألمانيا إلى تكوين الأطقم الطبية و شبه الطبية في الإنعاش، هل هذا الحل ناجع و قابل للتطبيق في الجزائر؟
معلوم أن الفيروس عندما يصيب الرئة يحدث بها التهابا، كما يسبب ارتفاعا في درجة حرارة الجسم ويجعل المصاب لا يأكل فيفقد أمورا كثيرة، وهنا يتدخل فريق الانعاش للمساعدة على رفع مناعة الجسم وخفض الحرارة وتغذية المريض بسائل الغلوكوز لتقوية الجسم وكذا تعديل هبوط الضغط في الدم ومساعدة الجسم بالأملاح المعدنية والسوائل التي يحتاجها ليصمد أمام هجمة الفيروس، كما تعطيه الفرصة لتشكيل الأجسام المضادة، وهو أمر يتطلب 3 أيام بالنسبة للأشخاص العاديين و من 5 إلى 10 أيام للحالات المعقدة، وبمجرد تشكل الأجسام المضادة تكون المهمة انتهت. لا أظن أننا في حاجة إلى تكوين، إذ يمكن لطبيب مختص في الإنعاش أن يشرف على عدة مرضى مع أطباء عامين و من تخصصات أخرى.
خطورة الفيروس تكمن في سرعة انتشاره
لا يحسن العديد من الأشخاص استعمال وسائل الوقاية و خاصة الكمامات، ما هي النصائح التي توجهها لهم في هذا الخصوص؟
حسب توصيات منظمة الصحة العالمية، هناك 4 فئات معنية بارتداء الكمامات، وهي أولا الطاقم الطبي والأشخاص الذين يعملون في المستشفيات، والطبيب نفسه، أما الفئة الثالثة فهم من يكونون في الحجر الصحي وأفراد عائلاتهم الذين تواصلوا معهم، الفئة الرابعة هم من يضطرون للخروج إلى العمل وقضاء أمورهم، ويعلمون أنهم سيحتكّون مع الناس. على أي شخص يصاب بأعراض فيروس كورونا التي تتراوح بين الخفيفة و المعقدة، وضع القناع.
ما هي هذه الأعراض؟
الأعراض الخفيفة هي الحمى وجفاف والتهاب الحلف وسيلان الأنف، و هي أعراض تمس 80 بالمئة من المصابين الذين ليس عليهم الذهاب للمستشفى، بل يجب عليهم البقاء في الحجر الصحي بمنازلهم وعدم الاقتراب من أفراد العائلة، و أثناء ذلك يمكنهم شرب مخفضات الحرارة مثل «باراسيتامول» ومنقوع الأعشاب «تيزان» و مشروبات تقليدية بها العسل و الليمون، ثم ترك الجهاز المناعي يتكفل بالقضاء على المرض، حيث أن أغلب من أصيبوا بالفيروس تعافوا في مدة حوالي 6 أيام.
أما الأعراض المعقدة فهي الكحة الشديدة وضيق في التنفس وارتفاع درجة حرارة وإمكانية حدوث التهاب رئوي، وهي التي تتطلب المستشفى الذي يذهب إليه شخص مصاب بانفلونزا بسيطة، لتنتقل العدوى إليه هناك.
قررت السلطات بالجزائر وبموافقة كبار المفتين، غلق المساجد لمنع تفشي الوباء، لكن الإجراء لقي بعض الاعتراضات،ما  مدى خطورة عدم الامتثال لهذا القرار؟
الفتوى التي أجازت غلق المساجد صحيحة، فحتى الطاعون لا ينتشر بدرجة انتقال كورونا. الخاصية التي جعلتنا نغلق المساجد هي الانتشار والأمر لم يحدث مع السرطان أو السيدا. لو لم نغلق المساجد لأصبحت بؤرة للفيروس الذي ينتقل عن طريق الرذاذ عبر الكحة والعطس، و عند اجتماع المصلين في مكان واحد و قرب بعضهم البعض، قد يعطس شخص مصاب وسطهم وينقل العدوى عبر الجو إلى 3 أو 4 آخرين على الأقل، كذلك إذا عطس أحدهم في السجادة أو سال لعابه أو مخاط أنفه عليها، فإن الفيروس سيصل لمن سيصلي بعده. المائضة أيضا ينتقل فيها الفيروس عند ملامسة الدلو والصنابير، فما الذي نختار، غلق المسجد أو الذهاب
عمل الطبيب دون وسائل حماية يُعد انتحارا
للصلاة و إلحاق الضرر بالآخرين؟
حققت انتشارا كبيرا على وسائل التواصل، و أنت من الأطباء الجزائريين القلائل الذين اقتحموا هذا المجال، حدثنا عن هذه التجربة وكيف كان لها تأثير في توعية المواطنين بأهمية الوقاية من وباء «كورونا»؟
خضت هذه التجربة منذ حوالي 4 سنوات، لأنه كانت لدي رغبة دائمة في نشر الوعي. لا أهدف إلى تحقيق الصدى وأكبر عدد من المشاهدات، لكن أحد فيديوهاتي حول وباء كورونا حقق 16 مليون مشاهدة على موقع «فيسبوك» لوحده. سر هذا النجاح هو توفيق من الله أولا، ثم معرفة كيفية إيصال المعلومة لأي إنسان، و لهذا هناك متابعون لي من دول عربية. هناك صدى للعمل الذي أقوم به و قد لاحظت ذلك في الشارع، أين يتحدث إلي العديد من الأشخاص، فكلما كبرت مجموعة المتابعين كلما كان التأثير أكبر.
ما هي النصيحة الأخيرة التي توجهها للجزائريين في هذه الأوقات العصيبة؟
عندما أقول لا تخافوا، فهذا لا يعني التجمع في المقاهي و الاستهتار، و النصيحة الأخيرة التي أوجهها للمواطنين، هي أن يتعاملوا بواقعية مع مرض كورونا لأنه خطير، لذلك يجب الالتزام بالقواعد التي تسمح لنا بالحد من انتشاره ومنع وصوله إلى الأشخاص الذين ليست لديهم المناعة الكافية لمواجهته. يجب أن نتكاثف يدا بيد و إلا ستحل كارثة على أمهاتنا وآبائنا.                                                                     ي.ب

الرجوع إلى الأعلى