تؤكد الطبيبة الجزائرية ليليا حبية، المتخصصة في جراحة الثدي و الطب العام بمستشفى « كينغس كوليج يونيفرسيتي هوسبيتل» البريطاني، بأن نقص وسائل الوقاية في المستشفيات و ضعف تجهيز الأطباء، مشكل عالمي يؤرق الجميع، ولا يقتصر فقط على الجزائر، مشيرة إلى أن الدول الكبرى، مثل فرنسا و بريطانيا، وجدت نفسها أمام معضلة حقيقية تتعلق بنقص التجهيزات الخاصة بالإنعاش، ناهيك عن ندرة المعقمات و الأقنعة والقفازات الواقية، التي تعد الصين أول مصدر لها، خصوصا بعدما أغلق العملاق الآسيوي سوقه، و أوقف الإنتاج  و التصدير أثناء مواجهته الشرسة لوباء كورونا الذي يعد أول بؤرة له.
إصابات اكتشفت بعد أيام من خضوع مرضى للجراحة
ـ النصر كيف تواجهون الوباء كجالية و كأطباء جزائريين في بريطانيا؟
ـ كجالية لم نتخذ أية خطوات خاصة، فقط مجرد مبادرات فردية، فمثلا أسسنا أنا ومجموعة من الجزائريات العاملات هنا في انجلترا، مجموعة تواصلية على  فايسبوك، نتبادل من خلالها أخبارنا و ننشر عبرها توجيهات و نصائح، و بالنسبة للرحلات نحو الجزائر ألغيت كليا.
أما كممارسين في القطاع الصحي، فيمكنني القول بأننا متخوفون من الواقع، خصوصا و أن الرسائل التي نتلقاها دوريا من إداراتنا توحي بخطورة الوضع، المستشفيات هنا لم تكن جاهزة لهذه  الجائحة، و للظروف التي فرضها الفيروس فجأة، هناك مرضى دخلوا إلى المؤسسة التي أعمل فيها لأجل العلاج و لإجراء عمليات جراحية، دون أن تظهر عليهم أعراض المرض، لكن اتضحت إصابتهم بالفيروس بعد أن ظهرت نتائج فحوصاتهم و تحاليلهم، وهو ما استوجب ضرورة الكشف عن المرضى، خصوصا بعدما تم إحصاء 30 حالة في المستشفى الذي أعمل فيه و 71 حالة في المستشفى الثاني، التابع لنفس المجموعة.
من جهة ثانية، فإن الوضع المفاجئ  و عدد المصابين، فرض إلزامية توقيف كل العمليات غير المستعجلة، و تحويل بعض الغرف و المصالح و الأقسام إلى غرف للإنعاش لرفع طاقة الاستيعاب، و توفير أماكن احتياطية للحالات المستجدة المتوقعة، خصوصا خلال الأسبوعين القادمين.
كأطباء لسنا مطمئنين، لأن المشكل في تزايد و العدوى سريعة الانتشار، صحيح أنهم وفروا لنا الأقنعة، لكن وسائل الوقاية غير كافية وحتى غرف العزل أو الحجر الصحي  قليلة، حيث أعمل لا يزيد  عددها عن ثلاث غرف فقط، هم ينصحوننا بتجنب الاحتكاك المباشر  بالمرضى في الاستعجالات، و وضع الأقنعة، لكن ذلك غير كاف فالمرضى يترددون علينا بشكل دائم و  أكثر الأقنعة فعالية هو رقم 18 غير المتوفر بالشكل الكافي.
 توقف الصين عن تصدير وسائل الوقاية أدخل العالم في ندرة
 ـ هل تقصدين أن الوضع لا يختلف عن واقع الأطباء الجزائريين؟ وكيف وصلت الأمور إلى هذا الحد في دولة كبرى مثل بريطانيا؟
 ـ فعلا مشكل نقص إمكانيات الوقاية و ضعف تجهيز الأطباء ضد الوباء، مطروح بشكل عالمي، حتى في فرنسا، أين يوجد أحد أقوى و أهم الأنظمة الصحية في أوروبا، أطباء كبار، مثل البروفيسور  الفرنسي بومبيدو، حذروا من مغبة ما يحدث في المستشفيات، وقالوا بأن إجراءات الوقاية ضعيفة، أطباء كثر اشتكوا من ندرة الأقنعة والقفازات و وسائل التعقيم  وهو ما يعني أن المشكل عالمي و لا يقتصر على الجزائر فقط.
زملاء أطباء لنا أصيبوا ببعض أعراض الأنفلونزا ، فلزموا البيوت و طلبوا إخضاعهم لفحص الكشف عن الإصابة بالفيروس، فرفض طلبهم، ولم يتم اتخاذ قرار تعميم الفحص على الطواقم الطبية،  إلا بعدما أعد المهنيون عريضة شكوى.
صراحة كنا نظن أن الدول المتقدمة جاهزة لمثل هذه الأمور،  خصوصا وأنها تملك الأموال و الإمكانيات، لكن اتضح العكس، فمخزون المستشفيات من وسائل التعقيم و الوقاية غير كاف، لتسيير أزمات كبرى كالتي يعيشها العالم، في المستشفيات أوضحوا لنا  بأن الصين تعد المنتج و المصدر الأول لهذه المستلزمات، و بما أنها كانت تعيش حجرا عاما و حالة طوارئ كبرى، أوقفت التصنيع و التصدير، ما جعل العالم ككل  يعاني من مشكل الندرة جراء ذلك.
 ـ كيف تقيمين تعامل الجزائر مع العدوى في المرحلة الحالية، مقارنة بما تم العمل به في أوروبا؟
 ـ في أوروبا عموما لم يتم التعامل بجدية كبيرة مع  الإنذارات التي جاءت من الصين في بداية انتشار الوباء، و الآن نحن نعيش في خوف حقيقي، خصوصا وأن العدوى تنتقل بشكل مضاعف ثلاث مرات، ربما الفرق بيننا وبين الجزائر، هو أنهم هنا عمموا فحوصات الكشف على كل المرضى الذين يدخلون المستشفيات، و كل من تظهر عليهم أعراض تثير الشكوك، ما ساعدهم على معرفة الرقم الحقيقي نوعا ما لعدد المصابين، في حين لا يزال الكشف غير معمم بشكل كاف في بلادنا، أين يوجد أشخاص قد يكونون مصابين، لكنهم يتنقلون بأريحية بين الناس.
شح السلع الاستهلاكية و تخزينها عكس وجها شاحبا للحضارة
  كيف تقبل الشارع  قرار الحكومة البريطانية بعدم تطبيق أية إجراءات عزل و عدم إعلان الحجر الصحي ؟
ـ الناس هنا غير راضين عن هذا القرار أبدا، هناك اختلاف كبير بين وجهات نظرهم و وجهة نظر الحكومة، كثيرون فرضوا العزل المنزلي على أنفسهم و أطباء يقودون حملات عبر مواقع التواصل لتوعية المواطنين بأهمية البقاء في البيوت، حالة الخوف عامة، و لا أحد تقريبا يوافق فكرة الحكومة.
كطبيبة لا أؤمن بأن الإنسان قد يستطيع أن يطور مناعة ذاتية ضد فيروس مستجد و متعدد الطفرات، مثل كوفيد19،  لكن وجب القول بأن هناك حديثا عن توجه رسمي نحو غلق لندن، حتى وإن كانت وسائل النقل العمومية لا تزال تشتغل بشكل عادي.
الواقع الحالي أثبت أن الإنسان هو نفسه في كل بقعة من العالم
ـ كيف انعكست الأزمة الحالية على حياتكم اقتصاديا و اجتماعيا؟
ـ انعكست بشكل كبير،  وهو واقع ينسحب على دول العالم ككل على ما أعتقد، في تصريحه الأخير تحدث رئيس الوزراء البريطاني عن توجه لصرف مبلغ 2500 جنيه إسترليني لصالح الأفراد الذين لا يملكون دخلا قارا و غير الموظفين، لكن لا نعلم إذا كان القرار سيفعل حقيقة.
هناك نقص كبير في المواد الاستهلاكية و الغذائية، و تهافت منقطع على فضاءات التسوق،  لا ندري إن كان الناس هم من يخزنون المواد الغذائية و يتسببون في نفادها من الرفوف، أم أن المخزون غير كاف، الحكومة تؤكد بأن السلع متوفرة و كافية، لكن الواقع لا يعكس ذلك، كأطباء خصصوا لنا ساعة بعد الدوام لنتسوق، قبل أن تغلق المتاجر أبوابها، لكننا لا نجد شيئا تقريبا عندما نذهب إلى هناك.
التعاملات المالية عموما تراجعت بشكل ملحوظ، وهناك حديث عن تعليق سداد القروض بسبب نقص السيولة المتداولة.
 الواقع الحالي أثبت بأن الإنسان هو نفسه في كل بقاع العالم، وأن لا فرق بين من يعيش في الدول المتطورة و بين سكان العالم الثالث، التهافت واحد و قلة الوعي بخطورة الوضع متساوية، الناس يخزنون الأغذية ولا يفكرون في الشيوخ و العجزة.
 ـ هل لديك أية معلومات جديدة بخصوص تطورات البحث عن لقاح للفيروس؟
 ـ لا ليس لدي معلومات حصرية، أعلم أن فرق البحث تعمل  بجد ، لكن مشكل قدرة الفيروس على تطوير طفراته الجينية صعب المهمة، خصوصا وأن الجميع يؤكدون أن العدوى في الصين ليست نفسها في إيران أو أوروبا.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى