كشف مدير مركز تنمية التكنولوجيات المتطوّرة بالجزائر العاصمة، البروفيسور غوتي مرّاد، أن مركزه استطاع إنتاج قرابة 100 ألف قناع واقي لفائدة القطاعات الحساسة العاملة في مواجهة جائحة كوفيد 19، و في حوار للنصر، دعا البروفيسور إلى إرساء تعاون «فعّال» بين قطاعي الصناعة والبحث العلمي، لكنه أكد أن ذلك مرهون بتوفير الهياكل الضرورية للباحث الجزائري، الذي يرى مدير “سي دي تي آ” أنه قد آن الأوان ليأخذ مكانته المرموقة في المجتمع، فالأمم أدركت، مثلما يبرز المسؤول، أن البحث العلمي هو السبيل الوحيد لحمايتها من الأخطار الكبرى في أوقات الأزمات كالتي نعيشها اليوم.

rحاورته :ياسمين بوالجدري

nيضم مركزكم الذي تأسس منذ أزيد من20 سنة، كفاءات جزائرية حققت عدة براءات اختراع، لكن الجزائريين لم يسمعوا به إلا خلال أزمة كورونا عندما نجح في إنتاج أقنعة خاصة. برأيك، لماذا كان المركز غائبا عن المشهد العام في السنوات الماضية؟
مركز تنمية التكنولوجيات المتطوّرة معروف منذ سنوات و هو موجود في الساحة الوطنية و يتعامل مع القطاعين الاقتصادي و الاجتماعي و له عدة منتجات أهمها هو العداد الذكي الذي زوّدنا به مجمع سونلغاز. لقد وصلنا كذلك إلى العمل في مجال القطاع الصناعي كما نعمل مع جهاز الأمن و كذلك مع قطاع الصحة منذ عقدين لأنه شريك أساسي بالنسبة لنا و منذ البداية.
نعم حقيقة، ربما مركزنا غير معروف لدى العامة، و أرجع ذلك إلى أن مراكز البحث بصفة عامة، غير معروفة في الجزائر لأن عددها غير كاف، و هذا مشكل عام. عمر مركز تنمية التكنولوجيات المتطورة يزيد عن 20 سنة، لذلك فإن له خبرة سمحت له بالوصول إلى إنتاج الأقنعة الخاصة و غيرها من الانجازات، مركزنا هو أيضا المركز الوحيد متعدد القطاعات، أي أنه لا يتبع قطاعا وحيدا، و هو يضم اليوم 220 باحثا بالإضافة إلى 600 عامل في مختلف المجالات.
nكيف بدأت مبادرة صنع الأقنعة؟
لقد تم إنتاج هذه الأقنعة في منصة النمذجة الالكترونية، و يدخل ذلك في إطار عملنا الدائم مع وزارة التعليم العالمي و البحث العلمي تحت إشراف المديرية العامة للبحث العلمي و التطوير التكنولوجي و كذلك مع المراكز الأخرى و الجامعات حسب الاختصاص.
هذه المبادرة كانت فكرة تقنيّ في المخبر و قد بدأنا فيها بمواد بسيطة من أجل إنتاج أقنعة خاصة. هذا واجبنا و الحمد لله حققناه للمساهمة في وقاية مصالح الصحة و الأمن التي تعمل في الواجهة.
nما هو عدد الأقنعة التي استطعتم إنتاجها خلال الثلاثة أسابيع الماضية؟
ننتج الأقنعة بوتيرة 5 آلاف وحدة في اليوم و قد نصل إلى أبعد من ذلك، رغم أن المنصة ليست مختصة في التصنيع، بل في النمذجة، لكن مع ضروريات الوقت الراهن تكيفنا، و أنتجنا تقريبا 100 ألف قناع.
لقد اعتمدنا على مادة البوليستيرين ذات كثافة 30 مليمترا و خيوط مطاطية مستعملة في الخياطة و بلاستيك شفاف كالذي يستعمل في الكتب و الذي نعمقه حسب طبيعة عمل الجهة التي ستؤخذ إليها الأقنعة. ما جعلنا نركب 5 آلاف وحدة فقط في اليوم، هو أننا لا نستطيع تعقيم كل الأقنعة، إضافة إلى أن هناك نقصا في الآلات المستعملة في قطع مادة البوليستيرين، لكن يمكننا الوصول إلى إنتاج 15 ألف قناع في اليوم لو تلقينا مساعدة من ولايات أخرى أين يتكفل أشخاص هناك بالقطع و هذا أمر ليس صعبا.
nما هي المبادرات الأخرى التي قمتم بها في إطار جهود مواجهة جائحة كورونا؟
لقد بدأنا في وضع أرضية رقمية في متناول السلطات، حيث تمكنهم من متابعة تطور الوباء عبر الوطن من خلال معلومات آنية تسمح لهم باتخاذ القرارات اللازمة في ظرف قصير، وهي في متناول وزارة الصحة و السكان و إصلاح المستشفيات.
وضعنا أرضية رقمية أخرى في متناول المواطنين بصيغة «الويب» في انتظار أن نكيفها مع الهواتف النقالة التي تعمل بنظام التشغيل «أندرويد»، حيث تتيح معرفة عدد المصابين بفيروس كوفيد 19 و المتوفين في كل ولاية و كذلك عدد الأشخاص الذين هم في طور العلاج و من عولجوا و كل الأرقام المتعلقة بالوباء.
الأمر الثالث، هو دخولنا في شراكة مع «غاتيك» و هي مؤسسة جزائرية مختصة في الالكترونيات، لإنتاج جهاز تنفس اصطناعي في إطار وضع نموذج يتم تجريبه ليكون في متناول وزارة الصحة. ما نزال حاليا في مرحلة النمذجة لأن المنتج يجب أن يكون معتمدا من طرف وزارة الصحة.
nما مدى أهمية إرساء تنسيق وثيق بين البحث العلمي و الصناعة؟
هذا بالتحديد ما نبحث عنه منذ 20 سنة، فلو نظرنا إلى الناحية التشريعية سنجد أن كل شيء جاهز للعمل مع القطاع الصناعي بصفة فعالة على اعتبار أن كل الآليات موجودة، لكن الارتباط و العمل بصفة متكاملة ما يزال غير فعال.
nلماذا برأيكم؟
لأن هناك مشكلا كبيرا في القطاع الصناعي، إذ ليس له الهياكل التحتية التي نحتاج إليها في التعامل معه، فنحن هنا للقيام ببحث مفيد، و لو يؤمنون بهذا الأمر فإننا سنقوم بأشياء كبيرة.
nيُجمع خبراء بأن العالم لن يبقى كما كان عليه قبل كورونا، فهل سيتغيّر واقع البحث العلمي في جزائر ما بعد الجائحة؟
بالفعل، بسبب جائحة كورونا كل شيء سيتغير في العالم كله، و ليس بالجزائر فقط، سواء تعلق الأمر بالصحة أو الاقتصاد. لقد أدرك الجميع أن كل بلد عليه أن يتّكل على نفسه لتلبية احتياجاته في مرحلة الحجر التي تعيشها دول العالم، و إذا لم يلب احتياجاته فسيكون معرضا لأخطار كبرى يمكننا تجنب الوصول إليها بالبحث العلمي الذي يجب أن يكون في الواجهة و لا مجال لغير ذلك. نحن واثقون أن القطاع العام على وعي بهذا الأمر.


nهل تلقيتم دعما من الباحثين الجزائريين في الخارج؟
في الواقع نحن نعمل مع الكفاءات الجزائرية في الخارج و بشكل دائم، هم بالأساس أعضاء في المجلس العلمي للمركز الذي يضم 25 من الباحثين الجزائريين المعروفين، و نحن نرحب بالجميع لأن الجزائر بلدهم.
nيواجه العديد من الباحثين و المبتكرين في الجزائر عقبة التسويق و غياب شركات مموِّلة لمشاريعهم. ما هي الحلول التي تقترحونها؟
التسويق يتم عندما تكون هناك شراكة بناءة مع القطاعين الاجتماعي و الصناعي و التي تجلب كل الأطر التي تسمح بذلك. التسويق لا يحدث إذا لم يكن هناك شريك يثق في الباحث، فقد يقوم الشاب بنمذجة منتج بمفرده ليكتشف في ما بعد أنه لا يتماشى مع المعايير المطلوبة في السوق، و ذلك لأنه لم يعمل مع شريك منذ البداية.
أعطيتكِ مثالا عن تجربتنا مع العداد الذكي، فهناك أزيد من 5 ملايين عداد على المستوى الوطني و لم يمكن ممكنا أن نفكر في نزعها جميعها و تعويضها بمنتجنا دون العمل منذ البداية مع مركز البحث و التطوير للكهرباء و الغاز التابع لمجمع سونلغاز.
nأظهرت أزمة كورونا طاقات كامنة في الجامعات الجزائرية وقد شاهدنا مخابر شرعت في صناعة أقنعة و كمامات، و حتى محاولات لتطوير أجهزة تنفس اصطناعي، كيف ترى هذه الاستفاقة؟
تتوفر الجامعات الجزائرية على العديد من مخابر البحث، على عكس مراكز البحث التي تبقى قليلة، و الأمور اليوم بدأت تتطور لأن الجزائر بدأت تخطو نحو تأسيس مخابر امتياز تسير بمنهجية و لها منتوج، و حتى في إطار تسيير المخابر بدأت الأمور تتبلور، حيث أن الدولة شرعت في استحداثها سنة 2000 فقط.
nما هي الرسالة التي توجهها للشباب الطامح إلى تقديم إضافة في حقل البحث العلمي بالجزائر؟
في البداية أوجه كلمتي لزملائي الباحثين في المركز و أقول لهم إن ما قمتم به عمل له شأن كبير و هذا شرف لنا، كما أن المهمة الكبرى هي أن يكونوا باحثين منتجين و يقدموا اختراعات تعود بالخير على بلادنا. نتمنى أن نكون من الأوائل في هذا المجال لتلبية احتياجاتنا و نعطي منتجات ذات أهمية كبيرة لكي نصل إلى الاستقلالية في كل الميادين، سواء في الزراعة أو الصناعة أو الصحة أو الصناعات الصيدلانية.
الجزائر تتوفر على كفاءات تحتاج للتأطير و إلى أن نثق في قدراتها. أتمنى أيضا أن يأخذ الباحث مكانته المرموقة التي يستحقها في المجتمع لأن له دورا رئيسيا في تطوير البلاد.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى