أوضحت رئيسة مصلحة طب الأطفال بالمستشفى الجامعي بن فليس التهامي بباتنة، البروفيسور، سعيدة براهمي، في حوار لجريدة «النصر»، بأن ضعف نسبة الإصابات بفيروس كورونا (كوفيد 19) وسط الأطفال، لا يعني بأن العدوى لا تنتقل إليهم، مؤكدة على أهمية قرار غلق دور الحضانة والمدارس في منع تفشي الوباء وأرجعت المختصة انخفاض انتشار العدوى وسط الأطفال، إلى قوة المناعة التي أكدتها دراسات علمية وتحدثت أيضا عن أهمية حفاظ الأم على الرضاعة الطبيعية، بعد أن أكدت المنظمة العالمية للصحة، على أن العدوى لا تنتقل إلى الرضيع إذا ما تقيدت الأم بإجراءات الوقاية، كما دعت، إلى ضرورة الالتزام بالحجر الصحي، لكسر ووقف سلسلة انتشار عدوى الفيروس، مثمّنة في الوقت نفسه الإمكانيات المسخرة ومجهودات منتسبي الصحة للتصدي للوباء في الجزائر. 

حاورها: يـاسين عبوبو

لماذا يشكل فيروس كورونا لغزا بالنسبة للباحثين ؟
إن فيروس كورونا معروف وليس بجديد وهو عبارة عن أنواع كل واحد له خصائصه، وينتقل أكثر بين الحيوانات ومنها ثلاثة أنواع انتقلت إلى البشر وشكلت خطرا على الإنسانية  وتتمثل في  فيروس «سارس كوف» الذي ظهر سنتي 2002/2003 وفيروس مارس أو متلازمة الشرق الأوسط الذي ظهر سنة 2012 وفيروس كورونا كوفيد 19 وهو أخطرهم وأكثرهم انتشارا  و الذي ظهر نهاية سنة 2019 ويستمر انتشاره في 2020، والكورونا فيروس على علاقة دائمة بالحيوان.
وبالنسبة لتركيبة كوفيد 19، فقد أبرزت الأبحاث أنها قريبة من التركيبة الموجودة في الخفافيش و آكل النمل، وهو فيروس محاط بغلاف وأشواك ومن خصائصه أنه يهاجم الجهاز التنفسي السفلي، لذا فإن خطورته كبيرة.
وبينت الدراسات الحديثة، أن فيروس كوفيد 19، ينتقل للإنسان بطريقة مباشرة، من الشخص المصاب إلى آخر، مثل حالات العطس والسعال التي ينتقل خلالها الرذاذ الحامل للفيروس، وإما ينتقل بطريقة غير مباشرة بعد لمس الأسطح والأغراض التي يقع عليها، فينتقل عبر مدخل الجهاز التنفسي العلوي وكذا العين.        
ما مدى صحة ما يُتداول على أن (كوفيد 19) لا يصيب الأطفال؟
ما يتردد بأن الأطفال لا يصابون بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) ليس صحيحا ولا منطقيا، لأن الأمر الواقع أبان عن إصابة الأطفال لكن بنسبة أقل مقارنة بكبار السن، ففي الصين التي ظهر بها الفيروس في شهر ديسمبر 2019، سرعان ما ظهرت بها إصابات وسط الأطفال قبل نهاية شهر جانفي 2020، حيث سُجلت بها في تلك الفترة إصابة 20 طفلا تتراوح أعمارهم بين 112 يوما وسنة كانوا قد أدخلوا المستشفيات، وهنا دعني أشيد بالدور الذي سارعت إليه الدولة الجزائرية، بغلق المدارس ودور الحضانة، تفاديا لتوسع رقعة انتشار الفيروس وسط التلاميذ المتمدرسين، لأن الإجراء مهم جدا وتوقيته كان مناسبا، لأنه من غير المستحيل أن لا تحدث عدوى بين الأطفال إن لم يكن هناك تباعد اجتماعي.
كيف كان استعدادكم لمواجهة الوباء وما الإجراءات الاستباقية التي قمتم بها؟
بصفتنا أطباء، فإنه مطلوب منا متابعة مستجدات الأمراض والأوبئة التي قد تظهر عبر العالم ومنذ ظهور فيروس كورونا (كوفيد 19) بالصين، كنا من السباقين على مستوى مصلحة طب الأطفال بالمستشفى الجامعي بباتنة، للتجند بدرجة أكبر لمواجهة الفيروس، بتطبيق تعليمات وزارة الصحة من جهة والتأهب بالمصلحة من جهة أخرى، خاصة وأن المرض جديد،  ومن بين الإجراءات أنني أشرف كل صباح على لقاءات مع أطباء المصلحة لتدارس وضعية المرض وتعيين الأطباء المكلفين بالمناوبة وأحرص على تقديم كل ما هو جديد حول الفيروس المستجد وكيفية انتقاله وطرق الوقاية منه وكيفية التعامل في حال الاشتباه في إصابة أطفال بالفيروس.
كيف تتعاملون مع الحالات المشتبه بها؟
بصفتي رئيسة مصلحة طب الأطفال وكذا عضو في خلية الأزمة على مستوى ولاية باتنة الخاصة بمتابعة ورصد فيروس كورونا، فإننا تابعنا الوضع قبل تسجيل أولى الحالات بالجزائر وبعده بتطبيق تعليمات ومراسلات وزارة الصحة لتحديد الوضعية الوبائية واتخاذ التدابير اللازمة.
و في حال تسجيل إصابات وسط الأطفال، فقد يتقرر التكفل بهم على مستوى المستشفى الجامعي وفي ذات السياق، تم تخصيص مصلحة خاصة بالحالات المعقدة وفعلا فقد تم الاشتباه في إصابة طفلين على مستوى مصلحة طب الأطفال، فيما أبانت التحاليل عن سلبية النتائج وأنوه هنا بتجند الأطباء في التعامل مع الحالتين.
ما نسبة إصابة الأطفال وانتقال العدوى إليهم مقارنة بكبار السن؟
كما سبق وأن تحدثت على أن إصابة الأطفال بالفيروس أمر وارد وطبيعي، عكس ما يتردد على أن الأطفال غير معنيين بالإصابة، لكن المعطيات والمؤشرات عبر جل دول العالم التي انتشر بها فيروس كورونا (كوفيد 19)، تشير إلى أن نسبة إصابة الأطفال ضئيلة، بحيث لا تتجاوز ما معدل 2 بالمائة من مجموع المصابين، في حين تختلف بين الدول حتى أن بعضها لا يتجاوز نسبة 1 بالمائة من الأطفال المصابين بالفيروس.
برأيك كمختصة لماذا تبقى النسبة في أوساط الأطفال منخفضة رغم أن الأمر يتعلق بفئة لا تملك الصبر ولا الوعي المطلوبين للوقاية ؟
فيروس كورونا كوفيد 19 كونه مرض جديد، جعل الدراسات تتوالى حول العالم بعرض المعلومات الجديدة وقد أجمعت هذه الدراسات، على أن نسبة الإصابة ضئيلة وسط الأطفال، لعدة عوامل، أبرزها اكتساب جسم الطفل لمناعة قوية، لتمتعه بالتطور المستمر وتعرفه بسرعة على الفيروس، لكن مع ذلك تبقى فيه عوامل أخرى تطرح نفسها، كنسبة إجراء التحاليل التي تختلف حسب إمكانيات المنظومة الصحية لكل بلد، لكشف الحالات المرضية، فبعض الدول سجلت نسبة مرتفعة نظرا لتوسيع دائرة تشخيصها وكشفها للفيروس على الأشخاص ومع ذلك لاحظنا أن سرعة انتشار الفيروس أرهقت دولا قوية بمنظومتها الصحية.
و هنا دعني أشير إلى أن الجزائر تتوفر على الإمكانيات والقدرات، غير أن الخلل قد يظهر في حال تسجيل حالات كثيرة دفعة واحدة، حيث أنه يمكننا التحكم في التكفل بالحالات المتباعدة، لكن أجزم أن أي منظومة صحية لا يمكنها التكفل بحالات مرضية دفعة واحدة بما يفوق قدراتها.
هل تختلف أعراض وتأثيرات كوفيد19 لدى الأطفال عن كبار السن؟
بما أن نسبة انتشار الفيروس ضئيلة وسط الأطفال، فإن الأعراض قليلا ما تظهر على الأطفال، بحيث أن الطفل قد يكون حاملا للفيروس دون أن تظهر عليه أعراضه ومعلوم أن مدة حضانة الفيروس تمتد من يومين إلى 14 يوما ويمكن أن تستمر أكثر،  وعادة ما تظهر أعراض الفيروس ابتداء من اليوم الثالث إلى السابع، أو قد لا تظهر حتى وإن كان الطفل حاملا للفيروس ولأن المرض جديد، فإن المجموعة الطبية في العالم، تواصل بحوثها في الكشف عنه، على غرار كل الأمراض المعدية التي عرفتها البشرية، كـ»البوحمرون» وأمراض أخرى، غير أن ما يبقى يميز كورونا (كوفيد 19)، هو سرعة انتشاره وعدم التوصل لعلاجه.
وبالنسبة للأعراض التي تظهر على الأطفال، فإنها لا تختلف عن التي تظهر على كبار السن والتي تشبه أعراض الإنفلونزا الموسمية والسعال الجاف، إلى ضيق وصعوبة في التنفس وهذا بالنسبة للحالات الحرجة وقد تم اكتشاف أعراض أخرى يمكن أن تحدث، منها القيء والإسهال وأشارت بحوث، إلى إمكانية تسجيل أعراض جلدية وعصبية.
ألا يوجد تفاوت في تأثير المرض على هذه الفئة باختلاف المراحل  العمرية؟
أبانت الحالات المسجلة لانتشار فيروس كورونا منذ ظهوره في الصين، عن تعرض الأطفال في مختلف مراحلهم العمرية، للإصابة بفيروس كورونا، وكما أشرت في بداية حوارنا ، سجلت إصابة 20 طفلا في الصين تتراوح أعمارهم بين 112 يوما وسنة، فقد سجلت حالات إصابة أخرى عبر مختلف دول العالم من بينها الجزائر، لأطفال في أعمار مختلفة، حيث تم تسجيل قبل أيام، إصابة ووفاة طفلة بولاية ورقلة تبلغ من العمر 9 سنوات.
و في الصين وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية سُجلت حالات وفيات وسط أطفال مصابين بفيروس كورونا وكانوا يعانون في الوقت نفسه من أمراض مزمنة كالسكري والسرطان، وهنا بودي أن أوضح بأن الفيروس قد يصيب الأطفال، سواء كانوا يعانون من أمراض مزمنة أو لا يعانون وبالتالي تختلف مناعة الطفل في التغلب على الفيروس.
لم يفصل الباحثون في مسألة انتقال الفيروس من الأم إلى الجنين، ألا ترين أن الخطر يظل قائما  أثناء وبعد الولادة؟
إذا كان فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، ينتقل وسط الأطفال بغض النظر عن اختلاف مراحلهم العمرية، فإنه لم يثبت بعد انتقاله بشكل عمودي من المشيمة بين الأم وجنينها ولم تسجل إصابة جنين حول العالم، لكن خطر انتقال العدوى يبقى قائما بعد الولادة وذلك سواء بطريقة مباشرة بين المصاب والرضيع أو بطريقة غير مباشرة.
وبخصوص الرضاعة، فإن المنظمة العالمية للصحة، أوصت الأم بضرورة الحفاظ على الرضاعة، لما يحتويه حليبها من مضادات حيوية طبيعية، على أن تلتزم الأم بشروط النظافة والوقاية من انتقال فيروس كورونا، بحيث يجب عليها استعمال القناع والتعقيم.
ماذا عن نسبة تعافي الأطفال ونجاتهم من المرض؟
بما أن نسبة الإصابة ضئيلة وسط الأطفال والتي ترجع بالدرجة الأولى حسب الأبحاث التي أجريت، إلى قوة مناعة جسم الطفل، فإن المرض قليلا ما يتطور في أوساط الأطفال وقد سُجلت حالات نادرة لتطور المرض في بعض البلدان، وكانت أغلب الحالات المعقدة لديها أمراض مزمنة، وهي الفئة الأكثر عرضة لتطور الفيروس والتي تنجم عنها حالات مرضية حرجة.
هل من المهم من الجانب النفسي الحديث للأطفال عن هذه الجائحة وأخطارها؟
الحديث عن فيروس كورونا للأطفال بات أمرا مفروضا وأفضل حل هو وضع الطفل في الصورة دون تخويفه لأنه يلاحظ، فالأطفال المتمدرسون وجدوا أنفسهم في عطلة إجبارية بسبب هذا الفيروس ويجب رفع معنويات الأطفال، على أن المياه ستعود إلى مجاريها والحياة إلى طبيعتها وأظن أن الحجر الصحي فرصة للتأمل الذاتي لأي شخص والأخذ بتعاليم الدين الإسلامي خلال انتشار الأوبئة.
ما هي نصائحكم لتجنب انتشار الفيروس و التصدي له؟
ببساطة، إن فيروس كورونا كوفيد 19، لا ينتقل إلا إذا قمنا بالتنقل إليه، لذا وجب التقيد بالتدابير الصحية وأولها التباعد الاجتماعي والحجر الصحي، حتى لا نعطي فرصة لانتقال عدوى الفيروس بين الأشخاص وبالتالي نقوم بكسر سلسلة انتقال العدوى وبعدها علينا الالتزام بالنظافة، من خلال وسائل الحماية والوقاية وأكرر هنا، أن أي نظام صحي لا يمكنه مجابهة الفيروس في حال تسجيل حالات مرضية كثيرة دفعة واحدة.
     ي/ع

الرجوع إلى الأعلى