ترى عالمة الأحياء البروفيسورة حليمة بن بوزة، أن أزمة كورونا أظهرت أهمية البحث العلمي بالجزائر، كما كشفت عن «أشباه العلميين» الذين يواصلون الحصول على درجات في الجامعة دون تقديم أعمال مفيدة، و تؤكد الباحثة التي سبق اختيارها كأفضل عالمة عربية نظير أعمالها في مجال البيوتكنولوجيا، أن هذه الجائحة أظهرت بالمقابل كفاءات شبانية استطاعت رفع التحدي، لكنها لا تزال مثلما أضافت بن بوزة في حوار للنصر، في حاجة إلى الإمكانيات اللازمة، منتقدة استمرار تجميد مشروعها الخاص بالتسلسل الجيني لسكان الجزائر والذي قالت إن من شأنه توفير حلول للمشاكل الصحية ببلادنا.

- حاورتها :ياسمين بوالجدري

- نبدأ من مركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة الذي أسسته قبل سنوات و الذي يصنع الحدث وطنيا في مجال الكشف عن فيروس كورونا المستجد. ما شعورك اليوم و أنت ترين ثمرة عملك؟
مساهمة مركز البحث في البيوتكنولوجيا في تطوير اقتصاد حيوي للبلد و تلبية احتياجات البلاد أمر متوقع و ليس مفاجئًا، لأن رؤيتي الاستراتيجية للمركز و الإنجازات التي تحققت حتى نهاية عام 2016 وتلك الجارية، استهدفت تحقيق هذه الأهداف وأنا فخورة جداً به الحمد لله. أنا أقدر ذلك كثيراً بالرغم من الظلم الذي تعرضت له.
التشخيص الجزيئي لـ كوفيد 19 من خلال استضافة المركز لملحقة معهد باستور، و توصيات السلامة البيولوجية التي قدمها طاقم المركز المدربين من قبل مختبرات سانديا الوطنية، بين سنتي 2013 و2017، بشأن السلامة البيولوجية والأمن البيولوجي لمختبرات جامعية أخرى في جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى مشروع إنتاج اختبار سريع لكوفيد 19، دليل على أن ما تم التفكير فيه وإنجازه هو بلا شك استغلال لمجال كان في بدايته بالجزائر ولا يزال، و ذلك في فترة 5 سنوات.
- تعملين اليوم بمختبر بحث بجامعة باتنة ومن بين مهامك أيضا التنسيق بين المديرية العامة للبحث العلمي، و فريق مركز مكافحة السرطان الذي استطاع ولأول مرة على المستوى الوطني، صنع وسط لنقل العينات فيروس كوفيد 19، كما ساهم في مبادرة لتجربة مسحات التحاليل «Ecouvillons» منتجة محليا. حدثينا عن هذه التجارب
نعم، في الواقع العديد من الأنشطة التي بدأتها تم تنفيذها عبر التنسيق. فريق البروفيسور كاسح بمركز مكافحة السرطان عمل بجد لإعداد تشخيص كوفيد 19، وكذلك من المهم التأكيد على أن جامعة باتنة 2 قد وفرت المعدات اللازمة بما أن الوسائل لم تكن متاحة، فقد أجبروا على إنتاج وسط لنقل عينات من كوفيد 19 من بروتوكول CDC (مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها) وقد كان علينا أن نفكر في ذلك من قبل! حيث اتبعت الفرق الأخرى في جميع أنحاء البلاد نفس العملية بمجرد انتشار هذا الخبر.
الفريق كان كذلك الوحيد الذين وافق على تجربة المسحات المنتجة محليًا، و هذا جهد مجموعة كاملة بعد المناقشة في بجاية والجزائر وباتنة. بالنسبة لعدّة أخذ العينات فإنه يمكن إنتاجها بسهولة محليًا بدلاً من شرائها بالعملة الصعبة، فهي ليست تقنية عالية ولكن بدونها لا يمكن أخذ العينة من المريض وبالتالي لن يكون هناك تشخيص.
- هل هناك مشاريع أخرى لهذا الفريق البحثي؟
يمكن إنتاج العديد من المنتجات والمواد المستهلكة والكواشف والمعدات الأساسية الصغيرة لمختبرات الأبحاث، محليًا، حيث تم تقديم اقتراح بهذا الشأن إلى المدير العام للمديرية العام للبحث العلمي و التطوير التكنولوجي. سيسمح هذا باستحداث فرص عمل في شكل مؤسسات شبانية مصغرة، و أعتقد أن الأمر قابل للتنفيذ!
فريق مركز مكافحة السرطان بباتنة هو بمثابة نواة صلبة مكونة من فريق شاب للغاية وعلى دراية بعلم الأحياء الدقيقة الطبية، البيولوجيا التطبيقية و التشخيص الجزيئي، لذلك بإمكانهم العمل مع العديد من الفرق متعددة التخصصات، خاصة في مجال السرطان والأمراض الوراثية النادرة والأمراض المعدية وغيرها الكثير، إذا تم إنشاء منصة التشخيص الجزيئي. أرى أن الإمكانات البشرية الموجودة هائلة لكن الوسائل المقدمة عفا عليها الزمن!
- أنت من أهم الباحثين الجزائريين الذين يتقنون تقنية الكشف الجزيئي. هل يمكن أن تساهمي مستقبلا في الأبحاث الخاصة بفيروس كوفيد 19؟
لا أعلم إذا كنت أحد أهم الباحثين في البلاد، ولكن تقنيات البيولوجيا الجزيئية هذه، هي أدوات مطبقة ومستخدمة على جميع الكائنات الحية، و هذه الأدوات لا تفرق بين الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين ADN و الحمض النووي الريبوزي A- N لدى الإنسان أو الحيوان أو النبات أو الكائنات الحية الدقيقة. لقد قمت بتطوير هذه القدرة على التنسيق بين فئات مختلفة من الأشخاص القادمين من تخصصات مختلفة و التسيير خلال الأزمات وهذا ما يصنع ربما الفارق الصغير. إذا تم الاتصال بي في هذا الشأن، فسأكون دائما حاضرة وذلك بالطبع مع احترام أخلاقيات المهنة في مجال خبرتي.
- تعملين في مخبرك على البحث في الأنماط الجينية لبعض المنتجات الزراعية بهدف توظيفها لاحقاً في علاج الأمراض المزمنة والأورام. إلى أين وصلت أبحاثك اليوم؟
صحيح أنني أعمل كثيرًا على علم الوراثة والتحسين الجيني لبعض النباتات الاستراتيجية للبلاد، غير أنه ليس لدي أي مشروع بحثي حالي مرتبط بشكل مباشر بعلاج الأمراض، لكن تحسين بعض المحاصيل من أجل جودة أفضل للمنتجات الزراعية من وجهة نظر جودة تركيبة من حيث المغذيات و الفيتامينات، له علاقة غير مباشرة بعلاج بعض الأمراض والحفاظ على صحة المواطن.
كذلك وبحكم مهامي السابقة المتعلقة جميعها بالصحة، فقد أتيحت لي الفرصة للعمل في التخصصات المتعددة. عندما كنت مديرة مركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة اقترحت في عام 2015 بالتعاون مع الجالية الجزائرية في الخارج، مشروع وضع تسلسل للجينوم لسكان الجزائر، وذلك لأغراض التشخيص والتنبؤ بالعديد من الأمراض مثل السرطان والأمراض الوراثية النادرة وكذلك بهدف نقل التكنولوجيا.
لو لم يتم تجميد هذا المشروع لكانت لدينا وسائل هائلة من خلال منصات الجينوم و علم البروتينات المقترحة منذ عام 2015، و كذلك الخبرة اللازمة لتوفير حلول للمشاكل الصحية في الجزائر.
 للأسف، ما زلت أتساءل دائما لماذا اتخِذ قرار التجميد على الرغم من الفوائد المتوقعة من هذا المشروع الاستراتيجي للصحة العمومية بالجزائر، حيث أن 4 وزارات كانت قد وافقت على المشاركة فيه وهي الصحة، العمل و التشغيل والضمان الاجتماعي، الدفاع الوطني، و وزارة التعليم العالي و البحث العلمي.
- كيف يمكن أن يكون لعلم الوراثة دور في إيجاد علاجات لوباء كورونا؟
تعدد التخصصات هي ميزة تسمح لنا بإيجاد حلول لكل شيء تقريبا وفي جميع المجالات. تقوم العديد من الفرق حول العالم إما باختبار العلاجات الموجودة أصلا والخاصة بأمراض فيروسية أخرى مثل فيروس نقص المناعة البشرية، أو تعمل على علاجات جديدة لكوفيد 19. بالتأكيد لن يكون لهذه العلاجات نفس النتائج و الفعالية على جميع سكان العالم وهذا يرجع إلى حد كبير إلى تباين معطيات علم الوراثة وعلم التخلق لدى هؤلاء السكان.
إن معرفة هذه التركيبة الجينية المتنوعة للغاية سيكون لها بالتأكيد تأثير من خلال الطب الشخصي الذي سيوفر علاجات تتكيف مع هذا التنوع الجيني واللاجيني، و مشروع تسلسل الجينوم لسكان الجزائر الذي حدثتك عنه هو مثال جيد.
- باعتبارك عالمة و عضوة المجلس الوطني لتقييم البحث، ألا ترين أن أزمة كورونا أعادت الباحث الجزائري للواجهة، وكيف يمكن أن يساهم ذلك في دعم مجال البحث؟
تؤكد أزمة كوفيد 19 الصحية، أن العلم والبحث العلمي ضروريان في تنمية أي دولة، فسيادتنا مرتبطة بالأمن الغذائي، الطاقوي و الصحي وبالطبع بالدفاع العسكري، وقد كشفت هذه الأزمة أيضًا عن وجود مسؤولين ليسوا على مستوى المهام الموكلة إليهم، لأنه ليست لهم نظرة و لم يضعوا استراتيجية واضحة للنهوض بالبحث العلمي او الاقتصاد الوطني و هذا يشمل معظم القطاعات.
أزمة كوفيد كشفت كذلك عن أشباه علميين يمثلون فئة صغيرة من الأساتذة و الباحثين و يواصلون الحصول على الدرجات في الجامعة بطرق غير أخلاقية،  لهذا فإن وزير التعليم تكلم عن الأخلاقيات في الجامعة الجزائرية و نصب المجلس الأعلى للأخلاقيات. و هنا أؤكد أن هناك بالمقابل، الكثير من العلميين و الأساتذة الباحثين و الباحثين الدائمين المحترمين المعترف بهم وطنية و دوليا.
من الواضح أن كوفيد 19 قد أعاد إلى الطاولة السؤال حول كيفية تعزيز البحث التطبيقي والمفيد للبلد، ليس فقط في مراكز البحث والجامعات بالتعاون مع القطاع السوسيواقتصادي، ولكن أيضًا على مستوى الشركات، دون نسيان البحث الأكاديمي الذي هو حجر الزاوية لإنتاج المعرفة وتدريب باحثي المستقبل.
أرى أنه يجب مراجعة وتعديل استراتيجية البحث وتمويل الباحثين والاعتراف بقدراتهم وأهميتهم للمساهمة في تنمية وطننا، خاصة و أن أعلى سُلطة في البلاد تعترف بذلك.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى