يرى الدكتور إسماعيل تريكي أخصائي أمراض الجهاز الهضمي والكبدي وعضو وحدة كوفيد 19   بفرنسا، أن تشجيع السلطات العمومية في الجزائر خلال هذه الفترة الحساسة مطلب أساسي للخروج بأخف الأضرار من هذه الأزمة، مضيفا بأن كافة التوقعات تشير للوصول إلى ذروة جديدة مع نهاية شهر رمضان.

حاوره: مروان. ب

-   بداية ما رأيك في تمديد إجراءات الحجر الصحي بالجزائر إلى 14 ماي؟
كان لزاما على السلطات الجزائرية اتخاذ هذا القرار، فالهدف الرئيسي من تمديد إجراءات الحجر الصحي هو الحد من سرعة انتشار فيروس كورونا في الزمان والمكان، وطالما أن المنحنى ليس في الطور النازل، يبقى الحجر ضروريا، ولكن مع ضرورة اختيار طرق محددة، وهنا يعتمد تطبيق هذه القرارات بشكل أساسي على الموارد البشرية والتقنية لكل بلد، ففي الجزائر مثلا طُبق الحجر الشامل في مركز الوباء(البليدة)، في حين أنه جزئي على مستوى الولايات الأخرى، وهذا يمكن تفسيره بالخوف من العواقب الاقتصادية التي يمكن أن يسببها الحجر التام، إضافة إلى طبيعة الجزائري الذي لا يحترم على النحو الأمثل التدابير المتخذة.
-   ماهي رسالتكم للشعب الجزائري بعد التخفيف من إجراءات الحجر الصحي و السماح لبعض المحلات بالعودة لممارسة النشاط ؟
رأيي في سلوك الجزائريين بعد قرار فتح بعض المحلات التجارية هو  التماشي مع الإستراتيجية الجديدة، ولو أن رفع إجراءات الحجر الصحي يجب أن يكون تدريجيا وحذرا ويخضع لمراقبة، ويبقى تقييد التدابير وتكييفها وفقًا للنتائج الوبائية أفضل استراتيجية، إذا ما رغب المسؤولون في التخفيف من الحجر، غير أن الاستهتار والاستخفاف يمكن أن يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، كالزيادة السريعة في عدد المصابين وعودة الحالات الخطيرة إلى الإنعاش، خاصة إذا لم يتم احترام تدابير الحاجز، وينصح هنا بارتداء القناع المنهجي الذي سيحد من انتشار الفيروس، دون نسيان الغسيل بشكل متكرر، وتجنب الخروج بلا داع، وتفادي المتاجر المزدحمة والاتصال الوثيق مع تجنب الخروج مع الأطفال، ويكفي تكليف شخص واحد لكل أسرة للقيام بعملية التسوق.
-   دراسات عالمية توقعت زوال الوباء بالجزائر نهائية شهر جويلية القادم، ما تعليقكم؟
منحنى الوباء في الجزائر مستقر بعض الشيء، وبالتأكيد أن عدد الحالات والوفيات يتناقص، ولكن لا يمكن لأحد أن يؤكد أن كورونا سيختفي شهر جويلية المقبل، وتشير بعض الدراسات إلى إمكانية حدوث تراجع الوباء مع الارتفاع المرتقب في درجات الحرارة، ولكن لا شيء مؤكد، فمثلا الوضع في البرازيل أكثر تعقيدا من الجزائر وعدة بلدان مسها الوباء، رغم الحرارة المرتفعة، بسبب المناخ الاستوائي.
-   هل التخوّف من عدم التقيد  بالحجر الصحي  للمرضى وراء حرص السلطات الجزائرية على نقل كافة المصابين إلى المستشفيات ؟
من المؤكد أن الإجراءات التي يجب اتخاذها على مستوى إدارة المستشفيات في المرحلة الثالثة من الوباء تخص الحالات المتوسطة إلى شديدة الخطورة، خاصة عند المريض الهش الذي من المحتمل أن يصاب بمضاعفات، ولذلك وجب تشجيع الحجر الصحي المنزلي لدى الأشخاص بدون أعراض أو أعراض طفيفة وبدون عوامل خطيرة، حيث يُنصح ببقائهم في المنزل مع متابعة طبية قريبة، ولكن في الجزائر سيكتفي القليل باحترام هذه التدابير، ويمكن تفسير ذلك بنقص الوعي بحس المسؤولية لدى بعض المرضى، مما قد يشكل لنا عواقب وخيمة على الأسرة وجميع المتصلين يوميا بمريض «كوفيد 19 “ الذي لا يجب تركه حرا.
-   بعض الحالات جاء فيها الكشف بالأشعة إيجابيا عكس التحليل بالدم الذي كانت نتيجته سلبية، هل المعني هنا مصاب بكورونا وعلينا اتخاذ كافة التدابير معه ؟
الاختبار المُوصى به للكشف عن «كوفيد 19 « هو تحليل عينة الدم ( تفاعل سلسلة البوليميراز)، ولكن هذا الاختبار يفتقر إلى الحساسية، ويمكن أن يكون سلبيا بنسبة 40 ٪ بينما يكون المريض حاملا للفيروس، ويكون الكشف بالأشعة (الماسح الضوئي للصدر ) أكثر فعالية، ولكن هذه الأخيرة يمكن أن تنخفض بسرعة خلال الأيام الثلاثة الأولى من بداية الأعراض أو في المرضى الذين لا تظهر عليهم الأعراض، وفي هذه الحالة يجب إبقاء المريض تحت المراقبة، وهذا هو التطور الذي سيتوصل نحو معرفة حامل الفيروس.
-   من يتخلص من «كوفيد «19، يكتسب مناعة ضد هذا الفيروس مستقبلا أم لا، خاصة وأنه مرشح للعودة الخريف المقبل حسب بعض المختصين ؟
لم يتم إثبات ذلك حتى الآن، خاصة إذا لم نُقم بعزل الأجسام المضادة، وهناك العديد من الحالات في الصين وألمانيا وإيطاليا ممن أصيبوا مجددا بالفيروس، بعد تعافيهم ومغادرتهم للمستشفى، وبالتالي يعتقد المختصون أن ما حدث معهم هو نفسه مبدأ الأنفلونزا الموسمية واللقاح فقط ما سيوفر مناعة نهائية للأشخاص.
-   أطباء في الجزائر نصحوا بإجراء فحص شامل عوض تطبيق الحجر الصحي، ما رأيك؟ وهل ألمانيا تعد نموذجا ناجحا، كونها طبقت الاثنين معا؟
يتم استخدام إستراتيجية الفحص الشامل لجميع السكان لتحديد الحالات الإيجابية من أجل عزلها نهائيا، وقد تبنتها بعض الدول الكبرى، مثل كوريا الجنوبية وألمانيا، غير أن الأخيرة تعتمد أكثر في سياستها على الالتزام الجماعي، ولو أنني أنصح في هذا الطرح بالأقنعة لجميع أبناء بلدي، مع احترام التدابير من ناحية أخرى، لأن التشخيص الكامل مستحيل تطبيقه في الجزائر لعديد الأسباب،  بداية بالتكلفة العالية جدا، والحاجة إلى شعور عال جدا من «الكياسة» من جانب المواطنين، مع الحاجة أيضا إلى تكرير الاختبار بانتظام، لأن الشخص يمكن أن يكون سلبيا من «كوفيد 19 « اليوم، ولكن نتيجته قد تكون إيجابية في الأسبوع المقبل، وبالتالي فالأسباب منطقية للغاية لعدم تطبيق هذه السياسة في الجزائر.
-   هناك حالة من الإجهاد لدى الأطباء الجزائريين بعد ما بذلوه من مجهودات على مدار قرابة شهر ونصف، بماذا تنصحهم، خاصة وأن الأزمة قد تطول ؟
إن رعاية مرضى كورونا متعبة جسديا ومعنويا، ومقدمو الرعاية في حالة ضغط دائم (قلة النوم، والتعب، والخوف من الإصابة بالفيروس ونقله إلى أسرهم، كما أن البعض منهم لم ير  أفراد عائلته لعدة أسابيع)، وهنا أقترح التناوب المنتظم لفرق التمريض، من أجل تجنب الإرهاق التام، خاصة وأننا نخشى موجة ثانية أكثر ضراوة من الأولى بعد الاحتواء، كما يجب توفير كل شيء لطاقم التمريض (النقل والوجبات الجيدة والإقامة المريحة... إلخ)، وأطلب من الشعب الجزائري أن يسهل من عمل مقدمي الرعاية، وألا يذهب إلى الطوارئ لأسباب غير عاجلة.
-    مع دخولنا المرحلة الثانية تم إغلاق عدة عيادات ليجد أصحاب الأمراض المزمنة خاصة أنفسهم في ورطة، حدثنا عن الطرق الأنسب للعمل في هذه الفترة، وما هي التدابير الواجب اتخاذها للحفاظ على السلامة ؟
خلال هذه الأزمة الصحية، تم إلغاء برمجة عدد كبير من الاستشارات والإجراءات الطبية على مستوى المستشفيات، من أجل الاستعداد لاستقبال مرضى «كوفيد 19”، ويمكن أن يكون الأمر خطرا على صحة بعض المرضى خصوصا المصابين بأمراض مزمنة، ودور الأطباء الخواص ضروري في هذه الحالة، لأنهم يستطيعون بشكل معقول امتصاص الضغط على المستشفيات، خاصة بالنسبة للحالات العاجلة، ولكن شروط هذا النشاط محددة، من أجل تأمين الاستشارة للطبيب والمريض والاستشارة عن طريق “التعيين” هي الخيار الأحسن، ويفضل ألا يكون أكثر من مريضين في غرفة الانتظار، مع توفير معقم كحولي وأقنعة للمرضى والعاملين، ويجب على الطبيب حماية نفسه قدر الإمكان وفقا لطبيعة ممارسته الطبية، والجانب السلبي الوحيد هو أن وسائل الحماية هذه غير متاحة للبيع للأطباء، وقد وعدت الدولة بتوفير هذه الوسائل على مستوى الصيدليات، ولكن الأطباء يشتكون إما من النقص أو من الكمية الصغيرة المباعة لكل طبيب.
-    هل وصلت الجزائر للذروة أم ليس بعد ؟ وهل  يمكن القول إن الوضع تحت السيطرة  ؟
بخصوص الوضع الوبائي في الجزائر، من المؤكد أن عدد الوفيات بدأ ينخفض في الأيام الأخيرة، ومع ذلك، فإننا نشهد زيادة في الحالات الجديدة، رغم قدرة الفحص المنخفضة، والأرقام المبلغ عنها لحد الآن لا تعكس حقيقة حجم الوباء، وتفاقم موجة الإصابات أمر محتمل جدا، مع العلم أن مدة حضانة الفيروس تتراوح بين 5 و 14 يوما، ومن المتوقع أن تصل ذروة جديدة في نهاية شهر رمضان.
-    في الأخير حدثنا عن تجنيدك لمكافحة فيروس كورونا بفرنسا ؟
عملت أسبوعا كعضو في وحدة «كوفيد 19 « بفرنسا، وهناك تمكنت من اكتساب عدة معلومات مهمة حول هذا الفيروس، من بينها أنه قد يتسبب في فقدان المصاب لحاستي الذوق والشم، مع حدوث إسهال للمريض، إلى جانب الأعراض المعروفة لدى العام والخاص( الحرارة المرتفعة وآلام على مستوى الحنجرة والسعال وضيق في التنفس)، على العموم، أنا حاليا في الخدمة، بحكم عملي كمختص في أمراض الجهاز الهضمي والكبدي، وأحاول تقديم كل شيء في سبيل المساهمة في التخلص من الوباء.
-   بماذا تريد أن تختم الحوار ؟
أود التأكيد في الأخير على نقطة واحدة وهي تشجيع السلطات والدولة، كما على شركات النسيج إنتاج أقنعة وفقا لمعايير محددة، وبأسعار معقولة للمواطن العادي، ويمكننا أيضا إشراك ورشات الخياطة، بشرط أن تحترم معايير التصنيع.
م. ب

الرجوع إلى الأعلى