يرى أخصائي الأمراض العقلية و العصبية و شؤون الأسرة الدكتور نصر الدين تيطاح، أن جائحة كورونا المستجد و ما انجر عنها من حجر صحي و مشاكل مختلفة، لن تؤدي إلى بروز أو تفاقم أمراض عقلية أو عصبية أو نفسية، مرتبطة بها، بين الجزائريين، لأنهم اكتسبوا حصانة من الكوارث الطبيعية و البشرية التي عايشوها، فأصبحوا براغماتيين و «الأنا الجماعي» متجذر لديهم و كذا الوازع الديني،  خلافا لعديد الشعوب الأخرى، و بالتالي امتصوا صدمة الجائحة في بدايتها و تأقلموا معها،
و لا داعي للتخويف و التهويل، حسب الباحث و الخبير القضائي، مشيرا إلى أن  الطفرة البيولوجية كوفيد 19، لها عدة جوانب إيجابية، فقد أحدثت تغيّرات عالمية على مختلف الأصعدة، و ساعدت البشر على ترميم ذواتهم ، و  أنقذت الأرض من  التلوث و الاحتباس الحراري، فتنفست الصعداء.

* حاورته إلهام طالب

* النصر: يشكو الكثير من المواطنين  القلق و التوتر خلال الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، حتى أنه تم إنشاء خلايا إصغاء عبر الولايات لدعمهم نفسيا و توجيههم، هل تتوقع أن يؤدي الحجر  بمرور الوقت، إلى بروز عدد كبير من المصابين بالاضطرابات و الأمراض العقلية أو العصبية و حتى النفسية؟
ـ الدكتور نصر الدين تيطاح: أود أن أشير إلى أن عدد الإصابات بكوفيد 19   ببلادنا ليست بحجم الإصابات في أوروبا و أمريكا، و قد تمت السيطرة على الوضع بفضل اجراءات استباقية وقائية، و نشهد باستمرار تقلص عدد الوفيات، و الحمد لله. و لم نشهد لحد اليوم نوبات هلع قوية و لا استشارات لحالات جديدة خطيرة. و  استنادا إلى مقاربات تاريخية و اجتماعية و نفسية و عقلية، أؤكد أن الجزائريين الذين عايشوا عدة أزمات و كوارث مثل مجازر 8  ماي 1945و حرب التحرير الوطنية و فيضانات باب الواد و زلزال الأصنام و بومرداس، و العشرية السوداء ، اكتسبوا حصانة ضد الأزمات و بالتالي لن يهزم الفيروس المستجد قلاعه النفسية و العقلية و العصبية، و كذا قدرته على التكيف مع كافة الأوضاع و الصمود و الاستمرارية. شعبنا أثبت أنه براغماتي «الأنا الجماعي» متأصل لديه، و الوازع الديني قوي لديه، مقارنة بالشعوب الأخرى، و هو الآن يخطط لفترة ما بعد الجائحة.
*   ماذا عن المرضى الذين كنت تتكفل بعلاجهم قبل ظهور كورونا المستجد، هل تأزمت حالتهم تحت وطأة الوضع الراهن، أم أنها مستقرة؟
ـ إنهم يتابعون علاجهم و حالتهم مستقرة، لكن بعض المصابين بالوسواس القهري و فوبيا أو رهاب النظافة تحسنت حالاتهم، لأن الدعوة إلى التنظيف و التعقيم   باستمرار ترتبط بالوقاية من الجائحة.
* تكفي جولة عبر الأسواق و المراكز التجارية بقسنطينة، ليلاحظ المرء استهتار الكثير من المواطنين، حيث أنهم لا يلتزمون بقواعد الوقاية و يقفون في طوابير و تجمعات، في حين قد تجد نفس المواطنين في الصيدليات ، البنوك أو مقرات البلديات و غيرها، يلتزمون بمساحة الأمن و يضعون الكمامات، لماذا هذه الازدواجية في المواقف؟
ـ فعلا في بداية الجائحة كان هناك تهافت كبير على اقتناء السميد خشية ندرته، و كانت تتشكل طوابير طويلة، دون احترام شروط الوقاية، في حين تتغير سلوكياتهم في أماكن أخرى، مثل الإدارات و المرافق العمومية ، و انضباطهم لا يرتبط بالمكان، بل بتواجد أعوان الأمن في الغالب، و يعود ذلك إلى نمط التربية الذي تلقوه و نقص الوعي و الاستهتار و اضطرابات في الشخصية و عدم القدرة على  التقييم الموحد للأمور ، في حين لا تتغير سلوكات و مواقف المواطنين المتحضرين و المتوازنين الواعين، و كذا حرصهم على استعمال طرق الوقاية، في كل مكان يقصدونه أو موقف يصادفونه .
 ما يمكن قوله أن الشعب الجزائري براغماتي و إيجابي لحد الخطر، حيث تتحول إيجابيته أحيانا إلى سلبية، لكن كلما شعر ببوادر تحسن الوضع  و الطمأنينة، تحسنت معنوياته و سلوكياته و جهازه المناعي، و زادت مقاومته للفيروس و مختلف الأمراض.
* سجلت هذه الفترة أيضا تفشي العنف الأسري..
ـ ظاهرة العنف الأسري و الزوجي كانت دائما موجودة،  و ليست وليدة الفيروس أو الحجر الصحي، و تعكس شخصيات مرضية غير ناضجة و غير مؤهلة للزواج و الأبوة أصلا، لكن يتم تقبلها اجتماعيا و التأقلم معها في كنف الأسر. بالمقابل هناك أزواج و آباء يتمتعون بشخصية قيادية متوازنة و حامية لذويها..
* سجلت أيضا خلال الحجر الصحي بسبب كورونا حالات انتحار لأسباب قيل بأن بعضها بسبب العجز عن إعالة الأبناء..
ـ كأخصائي أؤكد لكم بأن الشخص الذي ينتحر هو أصلا مريض نفسيا و عقليا أو عصبيا ، و ليس الحجر الصحي أو العوز الذي حفزه على وضع حد لحياته، إنه أصلا بمثابة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة لقتل عشرات الأشخاص دون رحمة.  
* في رأيكم هل حلول شهر رمضان خلال فترة الحجر الصحي و غلق المساجد يزيد من قلق و اضطراب الصائمين؟
ـ بالعكس الفرح و الاستبشار بحلول الشهر الفضيل، يهزمان كل المخاوف و المشاعر السلبية، فرمضان علاج و دواء و رحمة و طمأنينة و سكينة و بركة للمسلمين، و موروث ديني و روحاني و ثقافي و اجتماعي، يزيد من مناعتهم للتصدي لكوفيد 19 و كل الفيروسات و الأمراض.
كما أن رمضان يتيح الفرصة أكثر من أي وقت مضى للجلوس مع الذات و تقييمها و ترميمها و إصلاحها، و تطهيرها من الأمراض الروحية و الأنانية و الأحقاد ، و كذا ترميم العلاقات الأسرية و الاجتماعية، من أجل رسم انطلاقة جديدة. و باجتماع المناسبة السنوية مع الحجر الصحي، الذي أرى أنه بمثابة فطام مؤقت من زخم حياة سريعة و مكتظة و مرهقة و رتيبة،  تكتمل معادلة الإحالة على حياة البساطة و الراحة و الاستقرار و التركيز على العبادات و الخشوع.  
 و أيضا تجسيد التقارب مع أفراد الأسرة و مشاركتهم السهرات و الصلوات و الهوايات و مختلف النشاطات.
* ماذا تقترح كباحث لتسريع الخروج من الحجر الصحي دون مخاطر؟
ـ  بدل اللجوء إلى الحجر الجزئي أو الكلي طيلة أيام الأسبوع و تعطيل الأعمال و النشاطات الاقتصادية و التجارية و ما نجم عنها من عواقب، تمنيت لو طبق الحجر الكامل لمدة يومين فقط في عطلة نهاية الأسبوع، إلى غاية زوال كوفيد 19 تماما. يتم التحضير لهما طيلة بقية أيام الأسبوع باقتناء كل احتياجات الأسر. و خلال اليومين لا أحد يخرج من منزله، و من تسول له نفسه ذلك يجد الشرطة و الدرك بالمرصاد. و يتم تعقيم كافة الشوارع و الأحياء. و من المؤكد أنه سيتم تطويق بؤر الوباء كلها، لأن من تظهر لديهم الأعراض خلال 48 ساعة، لن يتحملوها و سيتصلون بالجهات المعنية للتكفل بهم و الكشف عمن معهم.  
* ما هي توقعاتك لمرحلة ما بعد الجائحة؟
ـ كوفيد 19 طفرة بيولوجية لا تزال تفتك بالبشر و تخلف يوميا أعدادا هائلة من الإصابات، و عرقلت الأعمال و الاقتصاد و التعليم و غيرها في كوكبنا،
و نترقب جميعا زوالها بفارغ الصبر، لكن فلنعترف أن هذه الطفرة رفعت تحديات و أحدثت طفرات و تغيرات في حضارتنا البشرية و مختلف جوانب حياتنا و علاقاتنا و ذواتنا، و حققت المساواة بين كل الشعوب و الأمم و وضعها في نفس الخط لمواجهتها، و حتى استشرافنا للمستقبل تغير. الفيروس المستجد وضعنا في مفترق الطرق، و استفز قدراتنا و وضع معارفنا و علومنا على المحك، و لن يعيدنا بعد رحيله إلى عالمنا القديم و أنظمتنا المعيشية السابقة.
و لنتأمل معا ما «أهداه» لكوكبنا الذي كان في خطر، بسبب التلوث و الاحتباس الحراري و اختلال التوازن البيئي، لقد فرض الحجر على الدول و أوقف المصانع و المركبات،  فرمم طبقة الأوزون و قضى على التلوث و جعل الأرض تتنفس الصعداء. أتوقع أن يكون العالم أفضل و أكثر تماسكا و تضامنا و استقرارا بعد كوفيد 19 .
إ. ط

الرجوع إلى الأعلى