- تشرّفت كجزائرية لانتخابي عضوا بأكاديمية العلوم بأمريكا

في أول لقاء لها مع وسيلة إعلام جزائرية، تكشف عالمة المناعة البروفيسور مريم مراد، أنها تعمل في مختبرها على إيجاد طرق لوقف الالتهاب القاتل الذي يحدثه" فيروس كوفيد 19"، كما تتطرق إلى ظروف انتخابها عضوة بأكاديمية العلوم بأمريكا، لتتحدث أيضا عن أبحاثها و ما يمكن أن تقدمه للبشرية سيما في مجال العلاج المناعي للسرطان، إضافة إلى نقاط أخرى تطالعونها في هذا الحوار الذي خصت به خريجة كلية الطب بالجزائر، جريدة النصر.

حاورتها: ياسمين بوالجدري

تعتبرين من أشهر الباحثين بأمريكا في مجال بيولوجيا الخلية النخاعية والمناعة الفطرية، لكن عامة الجزائريين سمعوا عنك بعد انتخابك مؤخرا عضوة بالأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية. هلاّ أطلعت القراء أكثـر على نشأتك والمراحل المبكرة من حياتك؟
أنا ابنة عالِمين معروفين، فوالدي المنحدر من تلمسان كان رئيس مصلحة أمراض القلب في مستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة، و كانت والدتي رئيسة قسم علوم السموم.
كلاهما كانا شغوفين للغاية بعملهما وتوقعا أن يسلك أطفالهما الأربعة الطريق ذاتها وقد ربيانا على هذا النهج. لقد قاما بالدراسات الطبية في فرنسا ثم عادا إلى الجزائر بمجرد أن أصبحت البلاد مستقلة بهدف بناء برنامج أكاديمي قوي بالجزائر، لذلك لم يكن غريبا أن نقرر أنا و شقيقتي دراسة الطب، فأختي الآن رئيسة القسم العيادي في معهد غوستاف روسي الذي يعتبر أحد أفضل مراكز السرطان في أوروبا.
لقد درست جميع مراحل التعليم من الابتدائي إلى المتوسط والثانوي بالجزائر، إلى أن نلت شهادة البكالوريا. أمضيت أول خمس سنوات لي في كلية الطب بالعاصمة، أين أصبحت مهتمة بأمراض السرطان ومشدودة أكثر لزرع نخاع العظام والذي كان العلاج الوحيد لنوع من سرطان الدم يسمى لوكيميا. وقد كان هذا هو الوقت الذي قررت فيه الانتقال إلى فرنسا لمعرفة المزيد عن هذا العلاج على أمل العودة إلى الجزائر العاصمة والعمل في وحدة زرع نخاع العظم.


متى انتقلت إلى  فرنسا؟
انتقلت إلى فرنسا عام 1989 و هناك خضعت لاختبار سمح لي بإجراء تخصص طبي، لأصبح سنة 1992 طبيبة متدربة في علم الأورام. في نفس الوقت الذي بدأت فيه تخصصي الطبي، بدأت في تلقي دروس علم الأحياء لمعرفة المبادئ الأساسية لزرع نخاع العظم. ما تعلمته هنا بدأ يغير مساري المهني، فقد اكتشفت أن زرع نخاع العظم يتوقف على حقن الخلايا المناعية من متبرع للمرضى وأن الخلايا المناعية مسؤولة عن القضاء على الخلايا السرطانية وهكذا بدأت رحلتي في علم المناعة.
بالإضافة إلى دراساتي الطبية، حصلت على درجة الماجستير في علم المناعة، في محاولة لفهم كيف يتمكن جهاز المناعة من التعرف على الخلايا السرطانية وقتلها.
كيف كانت بيئة البحث بباريس؟
كان جو الطب في باريس جيدا، إذ هناك تقاليد كبيرة في علم المناعة بفرنسا و قد استفدت منه كثيرًا.
لماذا قررت بعدها متابعة مسارك العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية؟
عندما كنت بباريس كانت إحدى صديقاتي وهي مرشدتي أيضا، قد عادت لتوها من الولايات المتحدة الأمريكية حيث حثتني على قضاء بعض الوقت هناك لأنها اعتقدت أن أمريكا لديها أفضل مقاربة للعلم.
و بالفعل، بعد ذلك انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1998 بعد الانتهاء من تخصصي الطبي في علم الأورام، حيث التحقت بمختبر في جامعة ستانفورد، متخصص في مناعة السرطان وقررت الحصول على درجة الدكتوراه في علم المناعة. كان علي أن أتعلم علم المناعة من الصفر لأن علم المناعة الذي يتم تدريسه لطلاب الطب يختلف تماما عما يحتاجه طلاب الدكتوراه.
ما نوع الأبحاث التي بدأت بها هناك؟
هنا تحديدا بدأت العمل على خلايا النخاع و قدرتها على تقديم مولدات ضد السرطان للخلايا الليمفاوية، و كذا تركيب استجابة محددة للورم و تثبيت استجابة الذاكرة بما يمكن أن يساعد في مسألة الانتكاسة (عودة حالة مرضية سابقة).
ما الذي قدمته لك أمريكا مع بدايتك في البحث العلمي؟
بالنسبة لي كان من الرائع الانتقال إلى ستانفورد أولا، فقد كان هناك احترام عميق للبحث العلمي والاكتشافات العلمية، لقد كان الأطباء يأتون إلينا دائما لطلب التعاون معهم، وحتى طلاب الدكتوراه الشباب كانوا يأخذون ما يقومون به على محمل الجد. لقد أعطِيَت لنا الإمكانية لأداء عمل جيد.
انتخبتِ قبل أيام عضوة في الأكاديمية الوطنية للعلوم بأمريكا، ما الذي يعينه ذلك لك؟
لجنة التحكيم بالأكاديمية الوطنية للعلوم ربما تكون أصعب لجنة تحكيم في الولايات المتحدة الأمريكية، واختيارها لك يعني أن مئات من علماء المناعة اعتقدوا أن عملك غيّر طريقة تفكيرنا في علم المناعة. يشرفني جدا انتخابي بهذه الهيئة بصفتي امرأة و كذلك كعالمة جزائرية.
تُعتبرين ثالث جزائرية تنتخب في هذه الهيئة العلمية المرموقة بعد البروفيسور إلياس زرهوني و البروفيسور ياسمين بلقايد، ما الذي يمثل هذا الانجاز للجزائر؟
إلياس وياسمين من العلماء غير الاعتياديين، و ياسمين صديقة عظيمة وإنسانة رائعة. ثلاثتنا بدأنا مسارنا العلمي في الجزائر و ثلاثتنا قررنا بناء مخابر بحث في الولايات المتحدة. أنا دائما جد فخورة بهما وأتمنى أني جعلتها فخورين بي كذلك. لا يوجد ما هو أهم بالنسبة للعالِم من أن يُعترَف به من طرف الأشخاص الذين نحترمهم.
في دراسة رائدة نُشرت لك بمجلة «ساينس» سنة 2010، أظهرتِ منشأ البلاعم «ماكروفاج» وهي دراسة تم الاستشهاد بها لآلاف المرات وكان لها آثار سريرية مهمة. هل يمكن أن يساهم بحثك هذا في علاج الأمراض وبالأخص السرطان؟
في هذه الدراسة اكتشفنا سلالة جديدة من الخلايا المناعية تسمى البلاعم المقيمة في الأنسجة الضامة والبلاعم الجنينية، و قد اكتشفنا أنها تلعب دورا رئيسيا في فسيولوجيا الأعضاء و الفيزيولوجيا المرضية. لقد حددنا أيضا أهداف الأدوية التي يمكن أن تقلل أو تنشط هذه الخلايا و نحن حاليا بصدد اختبار هذه الأدوية على مرضى السرطان.
تقودين برنامج العلاج المناعي للسرطان منذ سنوات بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى أين وصل تطبيق هذا العلاج الثوري، وهلا شرحت لنا آلية عمله باستهداف الخلايا المناعية وليس السرطانية؟
من الواضح اليوم أن العلاج المناعي سيصبح معيارا للرعاية في العديد من أنواع السرطانات، وهو توجه غير اعتيادي تماما لأنه يعني أن استهداف الخلايا المناعية وحدها يكفي أحيانا لقتل الخلايا السرطانية. كل النجاح المحقق في مجال العلاج المناعي تم اكتسابه مع ثلاثة أهداف مناعية، وهي بروتين موت الخلية المبرمج PD-1، أو حصار PD-1، أو حصار CTLA4 (البروتين المرتبط بالخلايا اللمفاوية التائية السامة 4) لكن ما يزال هناك الكثير لاكتشافه.
رغم ذلك يبقى العلاج المناعي للسرطان مكلفا جدا، وفي الجزائر مثلا يتطلب حوالى 130 ألف دولار للمريض. هل يمكن أن نرى في المستقبل انخفاضا في كلفته سيما بالدول النامية والفقيرة؟
آمل حقًا أن تنخفض تكاليف هذه العلاجات.
لا يزال السرطان يفتك بحياة مئات آلاف الأشخاص حول العالم رغم أنه مرض قديم. لماذا برأيك؟
أعتقد أن العلاج المناعي سيغير هذا الواقع، فمن قبل كنا نهاجم السرطان فقط، إلا أن السرطان هو فقدان الخلية القدرة التحكم في نظام نموها بشكل كامل.
في بحث نُشر هذا الشهر بمجلة «نيتشر» كشفتِ مع فريقك عن أهداف علاجية جديدة لتعزيز المناعة المضادة للأورام بوساطة الخلايا الجذعية. كيف يمكن أن يساعد هذا البحث في تغيير مسار العلاجات الطبية المعتمدة حاليا؟
إنها دراسة مهمة جدا بالنسبة لي فلقد عملت على هذه الورقة لسنوات عديدة، حيث حددت عدة طرق لاستهداف مجموعة أخرى من الخلايا المناعية التي تم اكتشافها في مختبري سنة 2007 لتعزيز مناعة الأورام. أعتقد أن هناك العديد من الأهداف المحتملة و التي يمكن أن تُحدث بالتأكيد تغييرا بالنسبة للمرضى.
مع فريق آخر من الباحثين، بدأتِ في العمل بمختبرك في مدرسة الطب "ماونت سيناي" بمانهاتن، على تحديد الاستجابة المناعية لفيروس كوفيد 19، كيف ستسمح أبحاثكم في الحد من مضاعفات هذا الفيروس والوقاية منه؟
نحاول حاليا أن نفهم لماذا يموت المرضى بسبب فيروس كوفيد 19. ونحن نعتقد أنهم يموتون بسبب الالتهاب المفرط الذي يحدث في الغالب بسبب البلاعم التي تنفث الخلايا التي كنت أدرسها في مختبري لسنوات عديدة. في الواقع أنا أحاول إيجاد طرق لوقف الالتهاب القاتل.
هناك العديد من العلماء الجزائريين الذين برزوا في الولايات المتحدة الأمريكية، هل لديك فكرة عن عددهم في الطب ومجالات أخرى، وهل أنتم على تواصل بينكم؟
أنا على اتصال وثيق مع العالمة الجزائرية ياسمين بلقايد والتي تم انتخابها هي الأخرى عضوا في الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية قبل أزيد من عامين. إنها عالمة استثنائية وصديقتي، لكني قابلت عالمات رائعات أخريات و منهن ياسمين لعور وهي أستاذة في جامعة ميشيغان.
هل تلقيت عروضا للمساهمة في البحث العلمي بالجزائر؟
كلا، لم يُعرض علي أبدا العمل في الجزائر.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى