يرى الفنان و الكاتب و المعلّق الرياضي فؤاد بن طالب، بأن الفن تحوّل إلى مجال لكسب القوت اليومي و فقد بعده الثقافي و التوعوي بفعل طغيان المحسوبية و المنطق التجاري، وهو عامل أدى إلى تهميش أسماء كبيرة و انسحاب أخرى، كما انتقد الممثل في حواره مع النصر، الاختيارات الفنية الأخيرة للمبدع سيد احمد أقومي، و تحدث عن الكاميرا الخفية و عن الممثلين الشباب و واقع الدراما  الجزائرية و ثنائية الفن و الرياضة.

- حاورته: هدى طابي

ـ النصر: فرسان الفرقان سجل آخر ظهور لك كممثل على شاشة رمضان قبل أربع سنوات تقريبا، لماذا انقطعت بعدها عن جمهورك هل هو غياب أم تغييب؟
ـ فؤاد بن طالب: أنا لم  أغب عن الشاشة بل الشاشة هي من تغيبت عني أو غيبتني، صحيح أن مساري الفني الذي يزيد عمره عن 40 سنة كان دائما خلفية أعود إليها كلما أردت اختيار عمل جديد، كي لا أستبق الأحداث و لا أتسرع في قبول أي عمل، لكن هناك أيضا عامل ثان وراء هذا الانقطاع، ففي السابق كانت الأعمال تقدم عن طريق كفاءات ثقافية متميزة ، أما في السنوات الأخيرة فقد تغيرت الأمور و أصبحت المحسوبية هي من يسير المجال لدرجة أن الدراما باتت تحتكم لمنطق عائلي إن صح القول، دون الاعتماد على قيمة الممثلين و مستوى أدائهم، وبالتالي فقد أصبح الممثل الحقيقي الذي درس الفن و مارسه مهمشا سواء في العاصمة أو في الشرق أو الغرب، و هو واقع انعكس بشكل واضح على نوعية الدراما المقدمة للمشاهد، فما يعرض عموما ليس دراما واقعية ولا يحمل أية رسالة واقعية و اجتماعية و ثقافية، أقول هذا مع احترامي للجميع، لكن لا يمكن إنكار أن ما نعيشه اليوم هو نتاج لهيمنة الفكر التجاري، فمن يمارسون الفن يبحثون عن قوت يومي من خلال هذه المشاركات.
ـ انتقادات كثيرة طالت مؤخرا فنانا من عمالقة جيلك وهو سيد احمد أقومي، البعض اعتبروا مشاركاته الرمضانية انتقاصا من قيمته، لماذا في رأيك قد يقبل فنان مثله دورا ثانويا أمام عارض أزياء أو كوميدي فاشل؟ هل هو العامل المادي؟
ـ الأستاذ سيد أحمد أقومي، هو صديقي وأحييه وقد جمعنا من قبل  عمل عيسات إيدير، وكان نجما ساطعا ككل مرة، و اختياراته لبعض الأعمال الحالية تبقى أمرا لا يمكنني الخوض فيه، تدرون ربما لأن بعض المنتجين و المخرجين يركزون دائما على ظهور اسم كبير في أعمالهم، لأجل التسويق أو الترويج لها و إعطائها قيمة ووزنا لا أكثر و لا أقل، شخصيا ومع احترامي للجميع لو عرضت علي المشاركة في هذه الأعمال لما كنت قبلت، احترم كل الشباب وما يقدمونه لكنني أفضل عدم الظهور من الأساس على عدم التواجد في عمل حقيقي مع أسماء فنية لها وزناها.


ـ أليس في هذا إجحاف في حق الجيل الجديد من الممثلين، التعصب لفكرة الظهور مع أسماء كبيرة أليس انقاصا من جهد و موهبة الفنانين الشباب؟
ـ كما يقولون الكبار لا يموتون مهما كانت ظروفهم المعيشية،  فالفنان القدير الذي مر على مدارس عديدة، لا خوف منه أو عليه بل بالعكس هو قاعدة يجب أن يرتكز عليها الشباب للانطلاق في عالم الفن، شخصيا كنت ممن شجعوا الكثير من الشباب و الشابات و دعمتهم لكن شريطة أن يكونوا  أحسن مني، فالقصد هنا هو التكوين و العطاء بروح جادة،  قصدي هو أننا كجيل سبق إلى عالم الفن لا نقف في وجه هؤلاء أبدا مهما قيل في هذا الأمر، و في النهاية المستقبل هو للفئة الشبانية سواء تعلق الأمر بالفن أو الإعلام أو حتى السياسية.
 نحن كرجال مجتمع  نطالب فقط بغربلة ما يمرر عبر الشاشة إلى المشاهد، وأن يقدم له محتوى فني و ثقافي حقيقي  يشده، فما نراه الآن لا يخدم بأي شكل الدراما الجزائرية، ولذلك وجب على المنتجين و المخرجين أن يختاروا  أولا النصوص الجيدة التي تعالج القضايا الاجتماعية  الملموسة،  كالسكن و العمل و العيش و المرض، أي ما يحتاجه المجتمع فعليا،  بعيدا عن الصخب و الضرب، نريد  إعادة النظر في بعض الأمور، وهي رسالة أوجهها أيضا لوزارة الثقافة المطالبة بمراقبة الأمور للارتقاء بمنتوجنا الفني و الدرامي ليكون ناجحا في بلادنا وقابلا للتسويق في الخارج، فحاليا نادرا ما نجد مسلسلا جزائريا يعرض في الخارج وهو أمر غير معقول بالنظر إلى قيمة الأسماء الإخراجية التي نملكها على غرار حازورلي و راشدي و تريباش، فهؤلاء لا يقدمون أعمالا لا تليق بمقامهم.  
مع ذلك أتمنى فعليا أن تجد المبادرات التي يقدمها هؤلاء الشباب الوصفة السليمة و الناجحة لمعالجة بعض السلبيات التي تطرح على الشاشة، فالاجتهاد أمر محمود و جيد، لكن دون معالجة تغذي الأعمال و تفيد المشاهد، يتحول  العمل إلى عملية بريكولاج لا أكثر و لا أقل، نحن لا نطالب بممثل يتحدث لغة سيباويه، لكن على الأقل يتعين عليه أن يجيد النطق و الالقاء، ما نريده هو لغة شعبية جريئة ما نطالب به هو دراما جديدة في مستوى طموحات الدولة الجديدة إن صح التعبير.
ـ أعمال رمضانية قدمت في الثلاث سنوات الأخيرة كانت بمثابة نقلة نوعية أعادت الجمهور للشاشة على غرار « الخاوة» و «مشاعر» و مؤخرا «يما»، ما رأيك فيها و هل هناك عنوان معين شدك وتابعته؟
ـ لا أنكر أن ما قدم تقنيا في هذه الأعمال جميل جدا، سواء من ناحية الديكورات أو المؤثرات البصرية، لكن الديكور وحده غير كاف لأنه صورة مكملة ومكبرة لما يقدم فوق الركح، التحسن هنا شمل الجانب التقني لكنه لا يزال يستثني المحتوى، نتمنى مستقبلا أن يكون هذا التقدم بمثابة جرعة أكسجين للدراما بكل مكوناتها مستقبلا.
 أما بخصوص العمل الذي شد انتباهي، يمكنني أن أذكر مسلسل «الخاوة»، نظرا لما قدم فيه من ديكور، إضافة إلى الأداء الجيد لبعض الممثلين، لكن أتمنى في قادم الأيام أن نتقدم أحسن، لأننا حين نتعب في الإخراج والإنتاج و نعجز عن تسويق أعمالنا فهذا يعني أننا لا نزال بعيدين عن المطلوب.
ـ ماذا عن المسلسلات الإذاعية التي كانت جزءا من الشبكة البرامجية الرمضانية وكنت أنت من بين الأصوات التي ميزتها، لماذا شح هذا المنتج و فقد جمهوره؟
ـ شخصيا عملت في المسرح الإذاعي مع الشيخ الطاهر فضلاء رحمه الله، و قدمنا الكثير رفقة أسماء كثيرة قبل و بعد الاستقلال، لكن المسرح الإذاعي اليوم غائب فعليا، لأن غالبية أعلامه على غرار نور الدين شلوش و بهية راشدي و عجايمي، تقاعدوا وبالتالي فإن هذا المجال يحتاج إلى نفس آخر و إلى أسماء جديدة لتعيد بعثه و تترك عليه بصمة مختلفة، و لا أخفيكم قولا إن هناك أخبارا متداولة  في الكواليس، عن إمكانية عودة المسرح الإذاعي عن قريب، على أن يشرف عليه ممثلون في مستوى طموحات الإذاعة وهو ما نتمناه جميعا.
ـ سبق لك أن وقعت ضحية للكاميرا الخفية وبدا بأنك تقبلتها بروح رياضية، لماذا حادت هذه البرامج اليوم عن هدفها الترفيهي، ألا تعتقد أنها أصبحت تهين الفنان و المواطن ؟
ـ الكاميرا الخفية ذهبت مع ذهاب المخرج الكبير الحاج رحيم، وهو أول من أبدع فيها وقدمها بالشكل الصحيح، أما ما يقدم اليوم فهو تهريج إن صح التعبير، هي عبارة عن دخان بدون روح، عن نفسي أصبحت أصدم لما يقدم و أتساءل عن سبب هذه التصرفات لذلك أثمن تدخل سلطة ضبط السمعي البصري، أتمنى أن لا تتكرر هذه الأمور مستقبلا، وأن تعود الكاميرا إلى هدفها في معالجة القضايا الاجتماعية ضمن قالب فكاهي، فالغاية منها امتاع المشاهد وليس إقلاقه و إزعاج الفنان، وعليه لابد من إعادة النظر فيما يقدم.
الحجر المنزلي أعادني للكتابة بروح الشباب
ـ لنعرج للحديث عن تجربتك الإعلامية لماذا قد يختار فنان له في المجال باع أربعين سنة، الإعلام و التعليق الرياضي، بدل الإعلام الثقافي و الفني، كيف جمعت بين متناقضين؟
ـ  الحياة صدف، أحببت الرياضة و أنا في المدرسة الابتدائية عندما كنت في قرية الحامة بولاية سطيف منطقتي التي أحيي أهلها، الرياضة اخترتها كعشق وهكذا وجدت  نفسي كاتبا صحفيا و معلقا رياضيا، لكن بداياتي المهنية أيام الشباب كانت في مجال الفن و التمثيل، و إلى غاية اليوم ما زلت أكتب في الرياضة التي أعطتني الكثير، مع أن هناك من الزملاء شجعوني على خوض التجربة الثقافية،  حيث أساهم بكتابة ما يشبه البحوث في السير الذاتية لأعلام الفن و الثقافة الجزائريين و غير الجزائريين، للتعريف بهم على غرار الشيخ العنقى و محمد عبد الوهاب وآخرين، وقد نشرت إلى غاية الآن ما يناهز ثلاثين بحثا.
 يمكنني أن أقول بأن الجانب الرياضي هو ترفهي بالنسبة لي أما الثقافي فهو مغذ للروح، وأنا حاولت أن أمزج بين هذا وذاك بكل واقعية.
ـ ختاما قل لنا كيف أثرت جائحة كورونا على حياتك، و فيما يقضي الفنان  و الصحفي و الكاتب فؤاد بن طالب وقته خلال فترة الحجر ورمضان؟
ـ أقول دائما أن هذه الجائحة جاءت كأستاذ وقدمت لكل دولة درسا معينا في مجال مختلف، شخصيا شجعني الوضع على العودة للكتابة، حيث أعمل من منزلي على عدة مشاريع، من بينها كما سبق وأن ذكرت مساهماتي في جريدة الشعب ومع الإذاعة، ناهيك عن تحضيري لكتابين في الرياضة و الثقافة، أحس فعلا بأنني مستعد للعطاء بغزارة كمن ولد من جديدة، أما روتين يومياتي، فلا يخلو من الوقاية، وطبعا أولي أهمية كبيرة للجانب الروحي و الديني.
في الأخير أود أن أوجه تحياتي لك طاقم جريدة النصر و أن أحيي القائمين عليها.
 هـ /ط

الرجوع إلى الأعلى