يؤكد الخبير الاقتصادي و النائب البرلماني السابق و ممثل الجالية الجزائرية بأمريكا، محمد قحش، بأن الاقتصاد الأميركي تضرر كثيرا من جراء جائحة كورونا، وأن تأثيرات ذلك على الحياة العامة كبير بدليل ارتفاع نسبة البطالة في المجتمع الذي يضم حوالي 25 ألف جزائري، مستهم الأزمة كغيرهم من سكان البلد،نافيا احتمال أن تكون الولايات المتحدة مسؤولة عن  تصنيع الفيروس داخل مختبرات أبحاثها،  التي تعد الأوفر حظا و الأقرب لاكتشاف لقاح لكوفيد 19، ومشيرا إلى أن البلد سيكون سباقا للإعلان عن الدواء في غضون ستة أشهر كأقل تقدير، نظرا لتقدمه علميا حتى وإن تأخرت عملية التسويق  إلى غاية 2021.

حاورته: هدى طابي
 الخبير تحدث في هذا الحوار مع النصر، عن أزمة النفط العالمية و عن منحنيات وشروط تعافي السوق، وانعكاسات كل ذلك على الاقتصادين الأمريكي و الجزائري، كما تطرق لسياسة الرئيس دونالد ترامب و خرجاته الإعلامية و تغريداته المثيرة للجدل، و أجاب عن أسئلة متفرقة تتعلق بتطلعات جزائريي المهجر حول الدستور الجديد و موقفهم من أحداث العنف و التصعيد التي يعيشها الشارع الأمريكي هذه الأيام.
900 دولار إعانة أسبوعية لجزائريي أمريكا
ـ كيف أثرت جائحة كورونا على حياتكم كجالية خصوصا في ظل الانعكاسات الاقتصادية التي خلفتها و هل أحصيتم وفيات بين الجزائريين بسبب الفيروس؟
ـ  الجزائريون و عددهم في أمريكا حوالي 25 ألف أو أكثر بقليل يعتبرون جزءا من المجتمع بكافة أطيافه، وبالتالي فإن حياتهم تأثرت بالجائحة بشكل كبير كغيرهم تماما، أمريكا تخسر يوميا ملايير الدولارات وهو ما انعكس سلبا على واقع نسبة معتبرة من المواطنين، ولعل هذه النقطة بالذات هي الدليل على خطأ فرضية المؤامرة التي يروج لها عبر مواقع التواصل و التي تتهم أمريكا بتصنيع كوفيد19 في مختبراتها، و نشره في العالم لتحقيق أرباح اقتصادية.
 الخسائر تقدر يوميا بملايير الدولارات، فقطاع الخدمات الذي يعد عصبا اقتصاديا هاما متوقف بشكل كلي، المطاعم و الفنادق و الحدائق و السينمات كلها مغلقة، وهي مرافق ضرورية للتشغيل هناك أيضا نشاطات تجارية انقرضت نهائيا على غرار دور الحضانة، أو ما يعرف ببرنامج ما بعد المدرسة « أفتر سكول».
مع ذلك فإن جاليتنا في الولايات المتحدة و تحديدا المواطنين المسجلين في السفارة المتمركزين بالأساس في المدن الكبرى و الذين يحوزون على رخص نشاط أو عمل، يستفيدون كأي فرد أمريكي من إعانة حكومية قدرها 900دولار أسبوعيا، أي ما يعادل 4آلاف دولار شهريا، أقرتها الدولة لمساعدتهم على تخطي تبعات الأزمة ، أما فيما يتعلق بعدد الوفيات فلا أملك رقما معينا، أعتقد أنها قليلة.
منحنيات عدوى الفيروس في الولايات الأمريكية غريبة و غير مستقرة
ـ رفض سياسية الحجر في بعض الولايات و عدم فرضها في ولايات أخرى وضع أمريكا في صدارة المتضررين كيف انعكس ذلك على واقع التكفل الصحي بالمرضى في البلد الذي يعرف بهشاشة نظام التأمينات الاجتماعية فيه؟
ـ قضية الحجر في الولايات المتحدة أدرجت منذ البداية في إطار المسؤولية الفردية و القرار الشخصي، مع أنه فرض كإجراء وقائي إلزامي في بعض الولايات، الغريب فعلا هو أن هناك مناطق لم تتضرر كثيرا بالعدوى فيما سجلت إصابات كثيرة في مناطق أخرى كنيويورك مثلا، بالمقابل تنحصر الإصابات الآن في مدن و تعود للارتفاع في مدن أخرى و هو أمر محير فعليا.
 بالنسبة للنقطة المتعلقة بنظام الـتأمين، وجب التوضيح بأن الأمر لم يؤثر بأي شكل على  مستوى التكفل  و العلاج، حتى وإن كان قطاع الصحة يخضع لمنطق الخواص.
ندرة وسائل الوقاية و المواد الصيدلانية ضاعفت معاناة الأمريكيين مع كورونا
ـ أين وصلت الأبحاث الخاصة بلقاح كوفيد 19، في المختبرات الأميركية و هل هناك حديث في الإعلام المحلي عن تقدم معين أو عن تواريخ محددة للكشف عن دواء للمرض؟ هل تقود الولايات المتحدة الأمريكية فعلا حربا بين المختبرات الصيدلانية في العالم للاتجار بعلاج كورونا ؟
ـ  المؤكد في اعتقادي و بنسبة 99 بالمائة، هو أن اللقاح سيكتشف في أمريكا لا ألمانيا و لا روسا و لا حتى الصين التي يرجح البعض بأنها ستحتل صدارة قوى العالم بعد الجائحة، و هذا الطرح مبني على عدة أسباب أبرزها ضخامة مخابر البحث في الولايات المتحدة الأميركية، و وصولها لمستوى جد مرموق من التطور العلمي ناهيك عن توفرها على أحدث التكنولوجيات في العالم، أمريكا هي الشريان الذي يضخ الأنترنت في العالم، ولو قررت وقف تدفق الشبكة ستعزل الكوكب في لحظة، صحيح أن الصين حققت مكاسب هامة من خلال توفير العمالة الرخيصة و استقطاب المصانع و غيرها من الشروط التي هيأت لمناخ تنموي مناسب، لكن التكنولوجيا و العلوم لا تزال ورقة أمريكا الرابحة.
  الآن يتم الحديث عن قرب التوصل إلى لقاح للفيروس، بعدما كانت مخابر عديدة قد حددت فترة 12 إلى 18شهرا للإعلان عنه. ما يعزز ثقتي في أفضلية البلد لإيجاد العلاج، هو أننا لم نتخط بعد عتبة الستة أشهر الأولى للأزمة الصحية، لكن بعض الجهات البحثية و العلمية، رجحت احتمال التوصل إلى اللقاح في نهاية ديسمبر و بداية أكتوبر أو نوفمبر كأقصى تقدير، طبعا الأمر يتعلق بإيجاد التركيبة العلاجية الناجحة، لكن عملية التسويق حسبهم، لن تتم قبل السداسي الأول من سنة 2021،أي إلى غاية إتمام التجارب السريرية و التأكد من صلاحية  العلاج و ذلك بحسب ما ذهب إليه مؤخرا رجل الأعمال و أحد المستثمرين في المجال المخبري بيل غيتس.
 بالنسبة لقضية حرب المخابر، فهي حقيقة لا يمكن انكارها، لكن حتى في هذه الحالة فإن حظوظ أمريكا تبقى مرتفعة، وذلك باعتبارها أكبر سوق عالمية و بالتالي فإن الاتحاد معها يصب في مصلحة أي جهة.
سوق النفط العالمية لن تنتعش قبل 2021
ـ إلى أي حد أثرت أزمة النفط العالمية و انهيار أسعار الخام الأمريكي على اقتصاد أكبر دولة في العالم و كيف ارتد ذلك على واقع معيشة الفرد؟
ـ  معيشيا، لا توجد انعكاسات على وفرة الغذاء أو غير ذلك، لكن مشكل ندرة الكمامات و الأقنعة و مواد التعقيم و المواد الصيدلانية عموما مطروح بشدة لأن غالبية الشركات الأمريكية لا تملك قواعد انتاج على أراضيها و تعتمد على مصانعها في  الصين و شرق آسيا.
 فيما يخص سوق النفط في حد ذاتها، فإن الأسعار لن ترتفع قبل نهاية العام، لأن كورونا لا يزال يلقي بظلاله وهو ما يضاعف مخاوف المستثمرين من خوض المغامرة مجددا، كما أن المخزون العالمي متوفر و بكثرة بفعل فرط الإنتاج الذي خلفته حرب الزعامة النفطية الدائرة بين روسيا و العربية السعودية.
أسعار بعض أنواع البترول نزلت إلى ما تحت الصفر و باتت توزع بالمجان أو يدفع لك مقابل أخذها، نظرا إلى أن تكاليف حاملات النفط الراسية في الموانئ تعتبر أضخم من تكلفة المخزون و هو ما يضاعف الخسائر.
ـ من منظوركم كخبير اقتصادي متى تتوقعون عودة استقرار السوق وهل تعتقدون بأن يكون لاتفاق تخفيض الإنتاج تأثير فعلي على سير الأحداث؟
ـ طبعا الأمر مرهون بانتهاء أزمة كورونا و بالتزام دول أوبيك و خارجها فعليا باتفاق تخفيض الإنتاج وبشكل كبير، كما أن الأسعار لن ترتفع ما دام المخزون العالمي متوفرا، وعليه فإن استقرار السوق لن يكون ممكنا قبل سبعة أشهر على الأقل أي قبل نهاية السنة الجارية، أضف إلى ذلك فإن أي ارتفاع في حدود دولار إلى اثنين لا يعتبر تقدما حقيقيا أو مؤشرا  يدعو للتفاؤل.
تخفيض الاستيراد و دعم قطاع الرسكلة حلول الجزائر لانقاذ اقتصادها
ـ ماذا عن الاقتصاد الجزائري ؟
ـ في الجزائر حددت وزارة المالية السعر المرجعي  لبرميل النفط  بـ 50 دولارا،و من ثم خفضته في قانون المالية التكميلي إلى 30دولارا، لكن ذلك غير كاف، لأن الأسعار تنخفض أحيانا إلى غاية 20 وحتى 18دولارا، وهو أمر لا يصب في مصلحة دولة  تعتمد بنسبة 98 بالمائة على الجباية البترولية، ما يعني أن اقتصادنا سيتضرر كثيرا .
ما نعيشه الآن هو أقرب إلى ظروف الحرب بسبب التأثيرات الكبيرة لأزمة كورونا، و الانتعاش الفعلي لن يكون سريعا و لن يتحقق قبل سنة من الآن، وعليه فإن الحلول بالنسبة لبلادنا، تكمن في تقليص فاتورة الاستيراد مع التخلي عن قائمة واسعة من المنتجات غير الضرورية، ناهيك عن تشجيع الإنتاج المحلي إلى جانب الاستثمار بثقل في قطاع إعادة التدوير باعتباره مجالا واعدا و مذرا للأرباح.
 حركة الهجرة ستقل بسبب تبعات الأزمة المالية
ـ هل سيكون للضربة القوية التي تلقاها الاقتصاد الأمريكي تأثير على حركة الهجرة نحو البلد، و هل تتوقعون تخفيضا في حصص تأشيرات الهجرة؟
ـ كما سبق وأن ذكرت،كل القطاعات الاقتصادية تأثرت بشكل كبير ولا يزال امتداد ذلك متواصلا خصوصا مع استمرار  تعليق الحركة البحرية التي تعتبر جد مهمة، و ارتفاع نسبة البطالة من 3 بالمائة إلى 22 بالمائة، مؤخرا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن عن توقيف حركة الهجرة مؤقتا، وذلك إلى غاية استقرار الأوضاع، مع ذلك لا يمكن التكهن بما سيحمله المستقبل على اعتبار أن الوضع لن يعود إلى سابق عهده بعد انقشاع سحابة الكورونا إلا في غضون أربع إلى خمس سنوات كما يراه الخبراء و المؤكد حسب هؤلاء، هو أن عودة مؤشر البطالة إلى مستوى 3 بالمائة لن يتأتى إلا بعد مرور عشرة إلى 12 سنة، ناهيك عن أن قطاع الخدمات وهو أكثر قطاع ناشط في مجال التشغيل سيتطلب على الأقل خمس سنوات لينهض من جديد وهو ما يعني أن مجالات التشغيل ستنحصر و عليه فإن فرص الهجرة ستقل لكن لا اعتقد أنها ستتوقف نهائيا، فهذه الآلية جزء من اقتصاديات الدول المتقدمة كونها ضرورية لتغطية الطلب على العمالة البسيطة و شغل الوظائف التي يرفضها الأمريكيون و الأوروبيون.
 تصريحات ترامب تخرج عن سياقها و حظوظة لعهدة ثانية قوية
ـ لنتحدث عن شخصية دونالد ترامب و خرجاته المثيرة بما في ذلك تهجمه على الصين و على منظمة الصحة و المنصات التفاعلية، كيف أثر ذلك على شعبيته مع قرب الانتخابات و هل يعتبر كورونا حقا آخر مسمار يدق في نعشه كرئيس ؟
ـ للتوضيح، فإن بعض تصريحات ترامب عادة ما تخرج عن سياقها على غرار قضية دعوته للمواطنين لاستهلاك مواد التنظيف كعلاج لعدوى الفيروس، مع ذلك فإنه رجل يفتقر لدبلوماسية الحديث و خرجاته مثيرة و سببها جرأته، كرئيس هو مسؤول وطني و قد استطاع خدمة اقتصاد بلده طيلة مرحلة حكمة أن يخفض نسبة البطالة و يوفر سيولة من الخارج فقد عزز خزينة أمريكا بمداخيل جباية حماية فرضها صراحة على السعودية و كوريا الجنوبية، كما أنه كان سباقا إلى التعاطي مباشرة مع إيران و كوريا الشمالية وهو أمر يحسب له.
صحيح أن غالبية دول العالم تعارض سياسته، و أن بعض تصرفاته أثرت على سياسية أمريكا الخارجية، لكنه يبقى الأقرب إلى رئاسة البلد لعهدة ثانية، بالنظر إلى ضعف منافسه الديموقراطي « بايدن».
ايديولوجيات العنصرية القديمة امتدت إلى الأجيال الحالية في أمريكا
ـ تشهد بعض مناطق البلد أعمال تخريب و احتجاجات عنيفة عقب مقتل رجل أسود على يد ضابط شرطة أبيض، هل أنتم متخوفون من انعكاسات ذلك على أمنكم كأقليات و هل يمكن أن يؤدي الأمر إلى انتفاضة شعبية خلفيتها عرقية و باطنها اقتصادي؟
ـ  لا بد من الإشارة إلى أن قضية العنصرية و الأقليات العرقية كانت تعتبر ورقة ضغط تسحبها بعض الجهات في كل مرة،   حتى أنها حجة مفيدة جدا في المحاكم، إلا أن توثيق الحادثة الأخيرة و نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، كان له تأثير كبير، فأحداث الشغب و التكسير  و السرقة، امتدت من مينيابوليس إلى ولايات أخرى، و باتت تشمل متظاهرين من مختلف الأعراق بيض و سود و آسياويين، يمكن القول أن إيديولوجيات العنصرية القديمة امتدت إلى الأجيال الحالية، لأننا لم نسمع قبلا عن شرطي أسود قتل رجلا أبيض بالمقابل تكررت حادثة مقتل السود على يد البيض مرارا.
عمدة المدينة طلب السماح من عائلة الضحية ووصف العمل بغير الأخلاقي  و غير الجائز، و كذلك فعل الرئيس الأمريكي، كما تمت إقالة أربعة شرطيين على خلفية ما حصل و أحيلوا على المحكمة، خصوصا وأن الواقعة جاءت في وقت حساس، فالاقتصاد في  تدني و البطالة في ارتفاع و الناس محجورون في منازلهم أماكن الترفيه و المطاعم مغلقة، و هناك كورونا و  اقتراب موعد الانتخابات بمعنى أن المواطن الأمريكي يعيش اليوم ضغطا اقتصاديا  و نفسيا و اجتماعيا و صحيا.
ـ لنختم بسؤال عن تطلعاتكم كجالية لما سيحمله الدستور القادم ما هي التعديلات التي تتطلعون إليها أكثـر؟
ـ شخصيا أنا متفائل بسير الأحداث و أعتقد أن المكاسب التي تحققت بفضل حراك فيفري، لن تضيع بما في ذلك تراجع بيروقراطية الإدارة وسلطة الهاتف، ربما أكثر نقطة تهمنا هي تلك المتعلقة بحق مزدوجي الجنسية في اعتلاء المناصب، وهنا أشير إلى أن تعديلها يجب أن يشمل شرط التنازل فقط عن الجنسية الأجنبية و هو أمر أرى بأنه منطقي فأخلاقيا ليس من المناسب أن يتقلد مسؤول منصبا حساسا في بلد معين و هو حامل لجنسية بلد آخر.
هـ/ط

الرجوع إلى الأعلى