«كوفيد 19» يُسبب تخثرا في الدم قاتلا وتأكدت من ذلك بإجراء عدة عمليات جراحية

كشف أخصائي جراحة الأوعية الدموية والشرايين بمستشفى بورج بفرنسا بشير بن عمارة بأن كوفيد 19 يُسبب في بعض الأحيان تخثرا في الدم يودي بحياة المريض، وهو ما وقف عليه عند إجرائه بعض العمليات الجراحية مؤخرا، مدافعا في حواره مع النصر على الهيدروكسي كلوروكين الذي شكك البعض في نجاعته، كما تحدث الدكتور الذي سبق له العمل لمدة ثلاث سنوات بمستشفى باريس عن الأسباب التي أدت إلى إطالة عمر الأزمة الصحية في الجزائر، وعدة أمور أخرى تخص فيروس كورونا تكتشفونها في هذا الحوار الذي خصنا به.

حاوره: مروان. ب

ما تعليقكم على الأرقام المسجلة في الجزائر مؤخرا، خاصة مع الانخفاض النسبي لعدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا مقارنة بأيام شهر رمضان ؟
بداية، جميعنا نعلم بأن النظام الصحي في الجزائر يعاني على عديد المستويات، وهو ما أقر به المسؤولون في عدة تدخلات، نظرا لقلة الإمكانيات، ولذلك كنا مجبرين على إتباع طرق الوقاية بحذافيرها، والشيء الجميل أننا أعلنا الحجر الصحي قبل أن يتجاوز عدد الإصابات المؤكدة 50 حالة، وهذا أنقذنا من كارثة حقيقية، كما كان من المستحيل فرض حظر التجوال للحالة الاقتصادية الصعبة للبلاد، على عكس بعض البلدان المتقدمة التي كان بمقدورها التكفل بالجميع، ففي فرنسا مثلا تمت مطالبة الأشخاص بالبقاء في البيوت مع صرف 84 بالمائة من رواتبهم، دون الحديث عن صعوبة العمل عن بُعد لافتقادنا للتكنولوجيات المطلوبة، ولو أن دولتنا لم تبخل بشيء، وضحت كثيرا طيلة الفترة الماضية في سبيل التصدي لهذه الجائحة التي بدأت تتراجع في الأيام الأخيرة، وهنا أثمن الحجر الشامل الذي تم تطبيقه على ولاية البليدة، أين حد من انتشار هذا الفيروس.
هل منحنى الوباء سيظل في هبوط في قادم الأيام ؟
كنت على اتصال دائم ببعض الزملاء الأطباء بمستشفى البليدة، خاصة بمصلحة الاستعجالات، وأخبروني بأنهم في بداية الوباء عانوا كثيرا عند التكفل بالمرضى المصابين بفيروس كورونا، ومعدل الوفيات كان كبيرا، ولكن مع تطبيق الحجر الشامل بمدينة الورود خفت الأزمة، وانخفضت نسبة الإصابات، ومنحنى الوباء في هبوط مستمر، وهناك أمل كبير في القضاء على «كوفيد 19 « عن قريب.
ما رأيك في تمديد الحجر الصحي بالجزائر إلى 13 جوان ؟
لماذا في رأيكم الحجر الصحي طال نوعا ما في الجزائر، لأن البنية الاقتصادية ليست قوية، وليس لدينا نظام تعويضي يُلبي كافة الحاجيات، لكي يؤمن كل ما يفتقده الأشخاص طيلة الأزمة، وبذلك كنا ملزمين بتفادي الحجر الشامل، واكتفينا بالجزئي فقط، والأخير لا يمكنه القضاء على وباء بهذه القوة في فترة قصيرة، بل يتطلب منا أشهر عديدة، ما تسبب في تمديد إجراءات الحجر الصحي في عدة مناسبات، وأتوقع أن تكون هناك تمديدات أخرى إن لم تنخفض نسبة الإصابات إلى معدلات ضعيفة، لأن العودة إلى الحياة الطبيعية في هذه الظروف مخاطرة غير محمودة العواقب.
الشعب الجزائري بدأ يشعر بالملل مع تواصل الحجر، بماذا تنصحونه خلال هذه الفترة الحساسة، كوننا أمام احتمالين إما القضاء على الوباء أو عودته بقوة ؟
لو قارنا الوباء في الجزائر بدول أخرى، فنحن بعيدون كل البعد عن الأرقام المهولة المسجلة بفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وانجلترا، وربما السبب يعود إلى العامل المناخي، إضافة إلى اللقاح الذي تلقته جل شعوب إفريقيا ضد بعض الأمراض المعدية، مما ساهم في تقوية مناعة الأشخاص ومكنها من التصدي لكوفيد 19، وهنا أنصح المؤسسات الإعلامية في الجزائر بإرساء الثقافة الصحية لدى المواطنين، كونها السبيل الوحيد للتصدي لهذه الجائحة في غياب لقاح لحد الآن.
كما استغل الفرصة للتأكيد بأن ظروفنا الاقتصادية لم تسمح لنا بإقامة الحجر الشامل في كافة أرجاء الوطن، كما أن ذات الظروف من الصعب أن تُبقينا تحت الحجر الجزئي إلى ما لا نهاية، ولذلك أيها الشعب الجزائري ما عليك سوى بالمزيد من الصبر، لأن رفع الحجر سيكون تدريجيا حسب الإحصائيات الوبائية، ويكفي أن نلتزم أكثر بشروط التباعد الاجتماعي بترك متر أو مترين عن أقرب شخص، مع الاستعمال الإجباري للكمامة عند النزول إلى الشارع ودخول الأماكن المغلقة (المتاجر، مراكز البريد والمستشفيات)، مع تفادي ما تم التحذير منه سابقا كالمصافحة والتقبيل، والحرص على عدم ترك عادة غسل اليدين، إضافة إلى تنظيم حياتنا العملية التي لم تكن محترفة، وبالتالي فالخطر محدق بالجميع.
هل صحيح أن الأطقم الطبية اكتسبت الخبرة في التعامل مع مرضى كوفيد 19، ما تسبب في انخفاض نسبة الوفيات مؤخرا مقارنة بالأيام الأولى لانتشار الوباء ؟
كوفيد 19 مرض جديد لم يسبق للعالم أن عرفه لا من حيث الأعراض أو المضاعفات أو الأدوية الممكنة، ويجب أن نعلم بأنه مع مرور الوقت وبجهود عالمية جبارة في البحث وتبادل المعلومات تم تحسين التكفل العلاجي بمرضى كورونا عكس ما كان عليه الحال في بداية الوباء وهذا ساعد في تناقص الوفيات، وبالتالي فالأطقم الطبية في الجزائر أو جل بلدان العالم اكتسبت الخبرة المطلوبة في التعامل مع المصابين بهذا الفيروس الخطير، الذي كنا نعتقد في البداية بأنه يصيب الرئتين فقط، ولكن تأثيراته أكبر وقد تتسبب في التهابات حادة على مستوى أعضاء أخرى في الجسم، على غرار القلب والكبد والكليتين.
هناك أخبار في إيطاليا تتحدث عن أن فيروس كورونا يتسبب في تخثـر الدم الذي يودي بحياة المريض، ما صحة ما تم تداوله، وبماذا تنصحون في هذا الصدد ؟
بحكم اختصاصي، أجريت مؤخرا بفرنسا عدة عمليات جراحية لمرضى «كوفيد 19»، ووجدت تخثرا غير طبيعي بالأوعية الدموية لدى البعض، وبالتالي فالبروتوكولات المقدمة للمصابين بهذا الفيروس باتت متغيرة، حيث نمنح مُعدل للالتهابات لفئة معينة، كما أصبحنا نقدم أيضا بشكل تلقائي دواء مضادا للتخثر يسمى «لوفيلوكس 04 «، مع إعطاء الأوكسجين بطريقة سلسة، لكي نسمح لكافة أعضاء الجسم بالاستفادة منه، كونه سيقي المريض من أي مضاعفات.
وما يجب أن نعلمه الآن أن الكورونا يُسبب تخثر الدم الذي يودي بحياة المريض، فحاليا يتم إعطاء المريض في حالة الاستشفاء مضاد للتخثر تلقائيا، ويتم إعطاء الكورتيزون للحد من العاصفة «السيتوكينية» وسائط الإلتهاب التي تقضي على المريض، هذا الأمر كان محل تخوف من الأطباء لوصفه للمرضى في بداية الوباء، لأن المرض فيروسي ومناعته تتأثر سلبا بالكورتيزون، ولا يتم الاستعانة بجهاز التنفس المساعد تلقائيا، إلا عندما تنزل نسبة الأوكسجين في الدم الشيء الذي يؤثر لاحقا على الدماغ والقلب والكلى وغيرها من الوظائف الأخرى.
بعد أن منح الأمل للمرضى، عدة دول شككت مؤخرا في نجاعة الهيدروكسي كلوروكين، ما رأيك في ذلك، وبماذا تعلق على مواصلة اعتماده بالجزائر ؟
أرى بأن هذه القضية نُوقشت في وسائل الإعلام أكثر من المنصات الطبية، ولذلك فالأمور واضحة بالنسبة لي، فإذا ما استعملنا الكلوروكين في بداية المرض يُنقص قوة الفيروس في الدم، وبالتالي يمنع من الوصول إلى المراحل الخطيرة للمرض، ولكن إذا وصل المصاب إلى مرحلة متقدمة ( الإنعاش)، فإن هذا الدواء ليست لديه أي فعالية، وبالعكس قد يتسبب في مضاعفات قلبية كبيرة ستودي بالحياة.
وهنا أنتقد الدراسة الأخيرة التي نُشرت في المجلة العالمية المرموقة «لونسات»، وهي ليست أبحاثا فعلية إكلينيكية، وإنما «هيدروسبكتيف»، بمعنى أخذوا الملفات القديمة ودرسوا عنها لاستخلاص النتائج والعدد هائل 96 ألف باحث يقول بأنه لا فائدة لعقار الكلوروكين، ولكن في اليومين الأخيرين هناك أكثر من 120 عالما من أصحاب المكانة الرفيعة في الطب، بينهم رئيس مصلحة الأوبئة في كندا ورئيس مستشفى المتوسطي للعدوى الفرنسي ديديي راوولت شككوا في هذه الأبحاث وقالوا إن معلوماتها غير دقيقة ويودون مراجعتها، ولذلك نحن نقول بأنه لا يوجد لحد الآن أي دواء شاف للكورونا مائة بالمائة، وكل مضادات الالتهابات كالهيدروكسي كلوروكين والأجسام المضادة والأمصال ومضادات الفيروسات تساهم في التقليل من خطورة هذا الفيروس وتعد الحلول الوحيدة المتاحة الآن.

هل صحيح أن فيروس كورونا فقد قوته وعدوانيته مؤخرا؟
لكل وباء مدة يفتر فيها وتنقص عدواه وعدوانيته وأن انحصار الإصابات والوفيات بفضل الله وبفضل جهود الملايير من الأشخاص تحت الحجر الصحي لأكثر من شهرين متتابعين، ولأن تصرفاتنا تغيرت كثيرا وأصبحنا نرتدي الكمامة ونهتم بنظافة اليدين وإجراءات التباعد الاجتماعي وعدم الاحترام الكامل لهذه الإجراءات تسبب في إطالة عمر الأزمة الصحية، وكذلك جهود العالم في التشخيص المبكر وعزل المرضى، والحجر أنقذ أرواح البشر بدراسات علمية مثبتة وترك الفرصة للعلماء للتعرف على المرض الجديد وتحسين تعاملهم معه.
بماذا تفسرون انحصار الوباء في الأسابيع الأخيرة في شمال الكرة ( دول أوروبا) وتفشيه بجنوبها(البرازيل وغيرها من دول أمريكا الجنوبية) ؟
عندما نقول الجنوب نقصد جنوب خط الاستواء، وأظن أن المشكل مناخي، ونحن في الجزائر ننتمي إلى شمال القارة التي هي بصدد الدخول في فصل الصيف، على عكس دول الجنوب التي تتأهب لاستقبال فصل الشتاء ( أستراليا والمكسيك والبيرو والبرازيل وجنوب الهند )، ولذلك ربما هذا لديه تأثير في عدد الإصابات، باعتبار أن كوفيد 19 يشبه الأنفلونزا الموسمية كثيرا وأعراضهما متشابهة إلى حد بعيد، فهذا المرض ينتشر بقوة في فصلي الخريف والشتاء ويتراجع ربيعا وصيفا.
نشرت مؤخرا تصريحات للوزير الكاميروني أتانغا والتي قال فيها:» أي عشاب يدعي بإمكانه علاج مرضى فيروس كورونا سيتم حقنه بالفيروس، وإن عالج نفسه سيتم اعتماد المستخلص الذي يتحدث عنه «، هل هو تشكيك في نجاعة الطب البديل أم أنك تؤمن بإمكانية وجود مستخلصات تقضي على كوفيد 19 ؟
فيما يخص تصريحات الوزير الكاميروني أتانغا، والتي صنعت الحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تأكدت بأن كل ما قيل عن لسان هذا الشخص كذب وافتراء، وأنا شخصيا نشرت كلامه لسبب معين، قبل أن أتفاجأ باتصال القائمين على شؤون «الفايسبوك»، أين أخطروني بأن ما قيل عن أتانغا غير صحيح والوزير لم يتحدث عن هذا الأمر، ووجب نزع ما وضعته عبر حائطي، ولكنني تركت المنشور عمدا في محاولة لمطالبة الأشخاص بإتباع أهل العلم والابتعاد عن المشعودين ممن يبحثون عن استغلال الأزمات لملء الجيوب.
كيف سنمنع ظهور الوباء من جديد وهل تتوقعون موجة ثانية الخريف القادم ؟
هناك الكثير من أهل الاختصاص يتوقعون موجة ثانية الخريف المقبل، ولو تأتينا أرى بأننا سنكون أفضل استعدادا لها، في ظل الخبرة التي اكتسبتها الأطقم الطبية، إضافة إلى المواطن الذي تعود على التدابير الوقائية، كما أن الوقت كفيل بإيجاد أدوية فعالة، دون أن ننسى بأن التعامل بات سلسا مع هذا الفيروس، بدليل أن نسبة الوفيات بمصالح الإنعاش قد نقصت من 80 بالمائة إلى 25 بالمائة، بالتالي فالموجة الثانية ستكون أقل ضراوة، في ظل امتلاكنا الأسلحة المطلوبة لمجابهتها، كما أن عدم ظهور الموجة الثانية بفرنسا رغم رفع الحجر الصحي منذ 11 ماي لديه أكثر من دلالة.
بصراحة، هل الأطقم الطبية في الجزائر قامت بواجبها وكيف تقيمون عملها ؟
ليس لدي أي شك في مؤهلات الأطقم الطبية في الجزائر، وأنا عن نفسي عملت بعدة مستشفيات وطنية، قبل أن أهاجر صوب فرنسا، ووقفت على كفاءات محلية كبيرة، وأطباء شباب كلهم حماس ووطنية، غير أن نقص الإمكانيات والموارد، وغياب ثقافة التسيير الحكيم على مستوى جُل المراكز صعب من مهام الجميع، فمثلا جهاز «السكانير» قد يكون متوقفا لعدم وجود قطعة غيار بسيطة وجهاز تنفس لا يعمل لافتقاده سلك أو غياب تقني يتكفل بإصلاحه، كما أننا ورثنا مستشفياتنا، وحان الوقت لإنشاء مراكز علاجية جديدة، وفي اختصاصي مثلا جراحة أوعية دموية وشرايين، هناك 70 مصلحة بفرنسا، في وقت نمتلك مصلحتين فقط بالجزائر(العاصمة ووهران)، مقابل أزيد من 40 مليون شخص، وهنا آمل أن تكون هناك إرادة سياسية كبيرة، بعد ما عانيناه من هذا الوباء، من خلال التحضير لمخططات استثمارية بالمستشفيات كما يحدث بالدول الكبرى، لتحسين ظروف العمل وتجهيز المستشفيات بأحدث الوسائل، ومحاسبة كافة المتقاعسين، كونهم قد يحبطون من عزيمة المجتهدين، دون أن ننسى محاسبة رؤساء المصالح والمستشفيات كل سنة وتشجيع المثابرين ومعاقبة المتكاسلين.
بالمختصر المفيد، لا يجب أن نُبقي من لا يفيدنا في منصبه لعدة سنوات، وعلينا أن نكون حريصين على وضع نظام عام مشجع للكفاءات وصارم مع المستهترين والكسالى.
ألا تعتقد بأن هناك كفاءات جزائرية عديدة في الخارج كانت قادرة على المساعدة في احتواء أزمة كورونا، ما تعليقك ؟
أعرف الكثير من الكفاءات الجزائرية العاملة بكبرى بلدان العالم، تحلم بالرجوع إلى الوطن الأم الجزائر، وكلنا يتوق لجزائر أفضل بنظام صحي جيد، والذي يسمح لنا بالعمل الجدي وتقديم خدمة طبية راقية تليق بأبناء شعبنا العزيز، وأنا عن نفسي على استعداد لتلبية الدعوة في أي لحظة، وسأقنع عدة زملاء لي سواء في جراحة الأوعية الدموية والشرايين أو اختصاصات أخرى مهمة، بتقديم أيام دراسية بالجزائر على أن نعود بعدها نهائيا لبلدنا الذي كان وراء ما وصلنا إليه.
ماهي رسالتكم للشعب الجزائري خلال هذه الفترة الحساسة ؟
الوباء في الجزائر تحت السيطرة، لكن هذا لا يُجرنا إلى التهاون، فالظروف الاقتصادية لا تسمح لنا بتمديد الحجر الصحي لأسابيع إضافية، وعلينا أن نتعود التعايش مع هذا الفيروس، وهنا أنصح بضرورة الاهتمام بالثقافة الصحية الجيدة من خلال الالتزام بالتباعد الاجتماعي، ولا نلج الأماكن المغلقة دون ارتداء الكمامات، مع ضرورة الابتعاد عن الطوابير وأن لا نتواجد على الدوام بالشارع.
م. ب

الرجوع إلى الأعلى