دخلت عالم تنس الريشة صدفة وهكذا تحولت لبطلة القارة
أبدت البطلة الإفريقية في رياضة البادمينتون هالة بوكساني، الكثير من التفاؤل بخصوص قدرتها على اقتطاع تأشيرة التأهل، إلى دورة الألعاب الأولمبية المقررة بعد سنة بطوكيو، وأوضحت بأن المشاركة في الأولمبياد تبقى الهدف الذي سطرته على المديين القصير والمتوسط، رغم أن رفع عارضة الطموحات عاليا في هذا النوع من الرياضة أمر صعب للغاية، في ظل السيطرة الصينية على الصعيد العالمي.
حــاورها: صالح فرطــاس
بوكساني، وفي حوار مع النصر، كشفت بأن اقتحامها عالم «تنس الريشة»، كان من باب الصدفة، لكن هذه المغامرة كانت ناجحة، ومكنتها من إحراز لقب قاري، مع ظفرها بجائزة أفضل لاعبة «بادمينتون» على الصعيد العربي، فضلا عن احتكارها لقب البطولة الوطنية وكأس الجزائر مع فريقها أمل المحمدية، ولو أنها أكدت بأن غياب أندية قوية في الجزائر، انعكس بالسلب على مستواها في المنافسات القارية والعالمية، كما تحدثت إبنة الحراش عن التحدي الذي رفعته في مشوارها الدراسي، وأمور أخرى، نقف عليها في تفاصيل الدردشة التي كانت على النحو التالي:
*نستهل هذا الحوار بالاستسفار عن الكيفية التي تعاملت بها مع التدريبات في فترة الحجر الصحي؟
الحقيقة أن هذه المرحلة صعبة للغاية، لأن الأمر وضع حياة البشر في خطر، والفيروس حصد مئات الضحايا في الجزائر، وبالتالي فإن التفكير أصبح منحصرا في تطورات الأزمة الوبائية، وعليه فقد وجدت نفسي مجبرة على وضع النشاط الرياضي على الهامش، خاصة وأن الوضع بإقليم بلدية الحراش كان خطيرا منذ بداية الأزمة، والمخاوف من انتقال العدوى بين الأشخاص، أرغمتنا على التقيّد بتدابير الحجر الصحي لضمان الوقاية، ولو أنني اكتفيت بتدريبات منزلية على مدار شهر كامل، قبل أن أغيّر من برنامجي، باستغلال إحدى الغابات المجاورة لاجراء حصص تدريبية على انفراد، خصصت بالأساس للجانب البدنية، لأن رياضة البادمينتون، تتطلب تحضيرا بدنيا كبيرا، لكن قرار غلق القاعات والمرافق الرياضية، حال دون استفادة من أي برنامج يخص الجانب التقني، لأن العمل بالمضرب وكرة الريشة، يبقى ضروريا لتطوير القدرات التكتيكية، إلا أن الوضعية الوبائية حرمتنا من ذلك، وهذا النوع من الرياضة يستوجب التحضير الجماعي في القاعة، وقد افتقدنا للمجموعة لمدة تجاوزت 3 أشهر، ولن يكون من السهل علينا تدارك هذا التأخر الكبير، لأننا كنا في مرحلة التحضير للعديد من المنافسات، أغلبها عبارة عن دورات دولية تم إلغاؤها بسبب هذا الفيروس، ومع ذلك فقد حاولت تجسيد نسبة كبيرة من البرنامج، الذي سطره الطاقم الفني الوطني استثنائيا لهذه الفترة.
ليندة مازري زميلتي ورفيقتي في مفاجأة دورة المغرب
*نفهم من هذا الكلام، أن برنامج تحضيراتك للاستحقاقات القادمة قد توقف، فما هي الزاوية التي ستنظرين منها إلى طموحاتك في هذه المنافسات؟
لست الضحية الوحيدة لهذا الوباء، بل أن الأزمة عالمية، والرياضة خرجت من دائرة الاهتمامات في هذه المرحلة، إلى درجة أن الكثير من الهيئات سارعت إلى الإعلان عن قرار تأجيل أو إلغاء المنافسات، وطموحاتي الشخصية كانت مبنية على الظفر بتأشيرة التأهل إلى أولمبياد طوكيو، واللجنة الأولمبية الدولية أعلنت عن قرار تأخير هذه التظاهرة مبدئيا إلى غاية 2021، وهذا ما يعطي كل الرياضيين المزيد من الوقت للتحضير، والقدرة على تدارك التأخر الناتج عن التوقف الإضطراري، وعليه فإنني أبقى متشوقة لاستئناف النشاط، والعودة إلى التدريبات الجماعية، لأنني أراهن على اقتطاع تذكرة المشاركة في «الأولمبياد»، وتجسيد هذا الهدف يتطلب الكثير من التضحيات، وكذا المثابرة في العمل الميداني، على اعتبار أنني كنت قد وضعت هذا الطموح كهدف رئيسي للمرحلة الراهنة، وإقصائي في ربع نهائي في البطولة الإفريقية، التي أقيمت في فيفري الفارط على يد المصرية ضحى هاني، أجبرني على البحث عن المزيد من النقاط، في باقي الدورات على أمل النجاح في التأهل، وفق التصنيف العالمي.
أبحث عن نقاط إضافية للتواجد في  طوكيو وأضحي لتحصيلها
*لكن البادمينتون تبقى من الرياضات غير المعروفة  في الجزائر، فكيف كان اختيارك لها؟
دخولي عالم هذه الرياضة كان من باب الصدفة، إذ أن إبن عمي كان يمارس البادمينتون، وعند عودته إلى المنزل بعد كل حصة تدريبية، يتحدث عن الأجواء التي كان يعايشها في القاعة، وذات مرة قررت مرافقته إلى التدريبات لاكتشاف هذا النوع من الرياضة، وكان عمري لم يتجاوز 6 سنوات، وهي الفرصة التي جعلتني أوافق على طلب رئيس نادي أمل المحمدية بالحراش، على انضمامي إلى فريق كان يضم 3 فتيات، ومنذ تلك اللحظة بدأت مغامرتي مع البادمينتون، فأخذت في مداعبة المضرب وكرة الريشة ولو بصعوبة كبيرة، وكان والدي يرافقني بانتظام إلى القاعة ويشجعني على ضرورة مواصلة التدريبات، لأنني كنت في العديد من المرات أعرب عن نيتي في التوقف والانسحاب، خاصة وأن الأمر ظل على مدار 4 سنوات مقتصرا على التدريبات فقط، لأن عامل السن كان السبب الرئيسي، الذي حرمني من المشاركة في المنافسات الرسمية.
تشرفت بتمثيل إفريقيا في أولمبياد الأرجنتين للشباب
*ومنذ متى سطع نجم بوكساني في سماء الرياضة الجزائرية؟
الاحتكاك بالمنافسات الرسمية كان في سنة 2010، لما بلغت من العمر 10 سنوات، حيث نجحت في التتويج بلقب البطولة الوطنية للصغريات وكذا بكأس الجزائر مع أمل المحمدية، وهو الانجاز الذي مكنني من كسب ثقة الطاقم الفني للمنتخب الوطني، لتكون أول مشاركة لي على الصعيد العالمي، في دورة ألعاب التضامن الإسلامي التي أقيمت سنة 2012 بمدينة بالين بانغ الأندونيسية، وهي المنافسة التي أتاحت لي الفرصة للإحتكاك مبكرا بالمستوى العالي، رغم صغر سني، لأشارك بعدها بعام واحد في كأس أمم إفريقيا التي نظمتها الجزائر، وقد سجلت حضوري في هذه الدورة في صنفي الصغريات والكبريات في الفردي والزوجي إناث، لأن المنتخب الوطني النسوي كان في تلك الفترة في أولى مراحل إنشائه، ولو أننا اصطدمنا بإشكال أثر بصورة مباشرة على نتائجنا على الصعيدين القاري والعالمي.
فريقي أمل المحمدية مسيطر محليا وهذا لا يساعدنا !
*وما هو هذا الاشكال؟
رياضة البادمينتون ليست لها شعبية في الجزائر، والتوجه إليها لا يكون إلا من طرف فئة قليلة جدا من الشبان، الأمر الذي حال دون تطوير وتحسين مستواها على الصعيد الوطني، بدليل أن فريق أمل المحمدية يبقى يستحوذ على جميع الألقاب، وتركيبة المنتخبات الوطنية في جميع الأصناف، تبقى في غالبيتها من هذا النادي، وبالتالي فإن غياب المنافسة الجادة وطنيا حرمنا من تطوير القدرات الفردية، فوجدنا أنفسنا مجبرين على الاعتماد أكثر على الدورات الدولية في التحضير، حتى يتسنى لنا الاحتكاك برياضيين من المستوى العالي، وكسب المزيد من الخبرة والتجربة، ولو أن ذلك لم يكن له انعكاس إيجابي على مستوى الممارسة وطنيا، في ظل تواصل العزوف الجماعي عن الإلتحاق بنوادي البادمينتون، إلى درجة أنني كنت أفضل التستر عن ممارستي هذه الرياضة في أوساط زميلاتي في الدراسة، لتفادي أي إحراج ناتج عن الاستفسار عن الدوافع، التي كانت وراء هذا الاختيار، لكن غياباتي لفترة طويلة عن المؤسسة، كانت وراء كشف سري، فضلا عن مشاهدتهن لبعض لقطاتي عبر القنوات التلفزيونية، خاصة عند تتويجي باللقب الإفريقي.

حصدت 10 ميداليات ذهبية عام 2017
*وكيف تحقق هذا الإنجاز، رغم الصعوبات الكبيرة التي تتحدثين عنها؟
التتويج بالميدالية الذهبية كان في كأس أمم إفريقيا لسنة 2017 بالمغرب، في منافسة الزوجي إناث، حيث كنت رفقة زميلتي ليندة مازري، وقد فجرنا مفاجأة مدوية باعتلاء المنصة وخطف اللقب القاري من منتخب جنوب إفريقيا، الذي كان المرشح الأكبر للفوز بالذهب، وقد شاءت الصدف أن أخسر مباراة ربع النهائي في الفردي أمام منافسة من جنوب إفريقيا، وقد تحطمت معنوياتنا عندما وضعتنا القرعة أمام هذا المنافس في نصف النهائي، لأننا كنا قد فقدنا الأمل في كسب الرهان، بحكم أن المنافس أقوى منا على جميع المستويات، لكن سلاح الإرادة وروح الوطنية مكننا من صنع الحدث، ومفاجأة كل المتتبعين، بالتأهل عن جدارة واستحقاق إلى النهائي، فكان هذا الانتصار محفزا كبيرا، لتكون خاتمتها تتويج بالذهب وانتزاع اللقب القاري، بعدما كانت كل المعطيات الأولية، قد رشحت منتخبي جنوب إفريقيا ومصر لتنشيط النهائي والتنافس على المرتبة الأولى.
الإسبانية كارولينا قدوتي وإصابة لعينة سلبتني نقاطا في التصنيف العالمي
*وماذا عن باقي الانجازات المحققة في مشوارك إلى حد الآن؟
التتويج باللقب القاري مكنني من المشاركة في كأس العالم للوسطيات، التي جرت بإسبانيا سنة 2017، وهي المنافسة التي كانت قد سمحت لي بالإحتكاك بأعلى المستويات، وقد أقصيت منها في الدور ثمن النهائي، رغم أنني في تلك السنة كنت أتواجد في «فورمة» عالية، وقد حصدت 10 ميداليات ذهبية، نصفها في الفردي والنصف الأخرى في منافسات الزوجي إناث، بعد مشاركتي في 7 دورات دولية أقيمت ببلدان إفريقية، منها كوت ديفوار، جنوب إفريقيا، جزر موريس، مصر، زامبيا وأوغندا، لأن تحضيراتنا كانت ترتكز بالأساس على تنشيط مثل هذه الدورات، ورهاني بعد ذلك توجه نحو دورة الألعاب الأولمبية للشباب لسنة 2018 بالأرجنتين، فكنت الممثلة الوحيدة لرياضة البادمينتون من القارة الإفريقية، بعد ارتقائي إلى المرتبة 19 في لائحة التصنيف العالمي للاعبات الهاويات، وهو أغلى انجاز إلى حد الآن، وقد تحقق بعد مشاركة أخرى في بطولة العالم في منافسة الزوجي، حيث أقصينا في الدور 16، وكذا بعد تتويجي بالذهب في دورة الألعاب الإفريقية للشباب التي احتضنتها الجزائر، وذلك في منافسات الزوجي وحسب الفرق، مع اكتفائي بالميدالية البرونزية في دورة الألعاب العربية التي احتضنتها لبنان، وهذه الانجازات مكنتني من الظفر بجائزة أفضل لاعبة عربية لرياضة البادمينتون، وهي الجائزة التي يمنحها الاتحاد العربي سنويا .
المرتبة 19 في التصنيف العالمي للاعبات الهاويات أغلى انجازاتي
*تحدثت فيما سبق عن صعوبات تواجهك في الدراسة، فالأكيد أن للرياضة تأثير على ذلك؟
حقيقة فقد واجهتني مشاكل عديدة للتنسيق بين الرياضة والدراسة، لأن التحضير في البادمينتون، يستوجب المشاركة في تربصات خارج أرض الوطن وكذا في الكثير من الدورات الدولية، وقد وصلت الأمور حد حضوري لمدة 15 يوما فقط في الثانوية طيلة فصل كامل، وتزامن ذلك من السنة الدراسية لاجتيازي شهادة البكالوريا، والمبررات التي كنت قد قدمتها لإدارة المؤسسة لم تكن كافية، فكان قرار اخضاعي لختبارات فصلية على انفراد بمثابة حل ترقيعي، لأن الأساتذة وكل طاقم الثانوية كان قد جزم لي مسبقا بعدم قدرتي على الحصول على شهادة البكالوريا، بحكم أنني لم أتابع دراستي، ووجهت اهتمامي أكثر في تلك الفترة للرياضة، رغم انني كنت أدرس على انفراد، وأسعى لتدارك التأخر المسجل في متابعة الدروس، وكانت النتيجة في نهاية السنة تواجدي ضمن قائمة الناجحين، وحصولي على شهادة البكالوريا، وهذا كله بفضل سلاح الإرادة والإصرار على رفع التحدي، وهو ما أعمل على إسقاطه أيضا على مشواري الرياضي، لأنني أتخذ من الإسبانية كارولينا النموذج الذي أسعى للإقتداء به، خاصة وأنها تستحوذ على الذهب في الأولمبياد وبطولة العالم، ولو أن الإصابة التي تعرضت لها سنة 2019 ، أثرت نسبيا على مسيرتي، خاصة بعد خروجي الاضطراري من البطولة الإفريقية للأمم التي أقيمت بنيجيريا، مما أفقدني الكثير من النقاط في سبورة التصنيف العالمي.
ص.ف

الرجوع إلى الأعلى