يؤكد الخبير في مجال القانون الدستوري و عضو مجلس الأمة سابقا بوجمعة صويلح أن وثيقة تعديل الدستور المطروحة للنقاش حاليا سردت في باب الحريات مواضيع وحقوقا منصوص عليها عالميا، ونفس الشيء بالنسبة للفصل بين السلطات، و يقترح إرفاقها بضمانة قانونية تطبيقية فعالة حتى تجسد في الواقع العملي، ويوضح بأن النظام السياسي الجزائري لابد ألا ينظر إليه من خلال النظريات الفلسفية المعروفة بل بما يتماشى ومقومات وطموح الشعب الجزائري.
حوار: إلياس بوملطة
النصر : كقانوني ما هي برأيكم أهم الأشياء الجديدة المتقدمة التي جاءت بها المسودة الأخيرة لتعديل الدستور مقارنة بكل الدساتير السابقة؟
بوجمعة صويلح: أولا  لا يمكن أن نقارن دساتير صارت في التطبيق العملي بمشروع مسودة، أو وثيقة لا تزال مطروحة للإثراء والنقاش الواسع، لكن على أي حال يمكن القول إنها  في باب الحريات سردت مواضيع   وحقوقا كثيرة ومنصوصا عليها تقريبا عالميا، لكن تحتاج إلى ضمانة قانونية تطبيقية فعالة.
 وعليه أرى أن أي مشروع قانون يطرح على مكتب البرلمان بغرفتيه في المستقبل لابد أن يرفق إلزاميا وإجباريا  بالنصوص التنظيمية والمراسيم التطبيقية، وهذه تعتبر كضمانة ولا تبقى إمكانية، لذلك قلت إلزامية ووجوبية، وهذه أحسن ضمانة لتجسيد النصوص في الواقع العملي.
في باب السلطات  خاصة السلطة التنفيذية نجد ثنائية واضحة تتطلب التعايش بين الرئيس ورئيس الحكومة و إمكانية أيضا خلق نائب رئيس في السلطة التنفيذية، هذه في مجملها تخلق توازنا قويا داخل السلطة التنفيذية وتعايشا وتجانسا وتكاملا يدفع إلى تجذير ثقافة القانون في الدولة ودولة القانون.
 يضاف لكل ما سبق ذكره أن هذه السلطة التنفيذية تتعامل بمرونة وتوازن مع عمل برلماني منح له الكثير في مجال الرقابة على السلطة التنفيذية، وأيضا إمكانية أن ينظر البرلمان في النصوص التنظيمية ذات الشأن العام وهو ما يعتبر قوة في ترقية العمل البرلماني، إلى  جانب إمكانياته في التصويت بأغلبية الثلثين على قضايا المعاهدات وإمكانية مساهمة الجيش الوطني الشعبي خارج حدود الدولة.
وهذه برأي تعتبر إمكانيات كثيرة، بالإضافة إلى أنه حدد من صلاحيات التشريع بالأوامر خارج الدورة البرلمانية، والتي لابد أن تحصل لاحقا على موافقة البرلمان وإلا تعتبر لاغية.
 * وماذا عن الجديد في مجال السلطة القضائية؟
- إضافة لما سبق ذكره إن السلطة القضائية أو العدالة في الوثيقة المطروحة طعمت بنوع من العمل منح استقلالية للقاضي وللقضاء وذلك  في تسيير المسار المهني للقضاة عن طريق زملائهم المنتخبين، ولأول مرة تستحدث «محكمة دستورية» يرجى أن يكون النقاش واسعا حولها لتقوية سلطة القضاء في الفصل فيما يثور على مستوى مؤسسات الدولة والفصل فيها.
 وتمنيت شخصيا أن يكون رئيس المحكمة الدستورية منتخبا وله قوة وسلطان العدل والإنصاف على جميع الأشخاص مهما كانت مكانتهم ودرجتهم من ذوي الامتياز القضائي، ويستحسن إلغاء هذا الامتياز عامة، والامتثال إلا لقوانين الجمهورية وقانون الإجراءات الجزائية وقانون العقوبات والقوانين النموذجية المعمول بها.
 وبرأيي فإن البناء الدستوري والتجاوب مع بناء الدولة الجديدة يفرض أن نلغي الأحكام الانتقالية ونربطها بفترة زمنية محددة ومعقولة.
* تطرح مسألة توضيح طبيعة النظام السياسي في كل تعديل دستوري بإلحاح من قبل الشركاء السياسيين وغيرهم، كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟
- النظام السياسي الجزائري لا أنظر إليه من خلال النظريات الفلسفية ولا من  خلال مونتسيكيو و لا جيفرسون، ولا العقد الاجتماعي ولا النظام الرئاسوي المستبد، ولا النظام البرلماني ذي الهواجس المفرطة ولا بين هذا وذاك- شبه الرئاسي وشبه البرلماني- وإنما ابحث في نظام يتماشى ومقومات الشعب الجزائري بدينه الإسلامي ولغتيه العربية والأمازيغية، وتاريخه وأمجاده وانتصاراته المتلاحقة إلى غاية الثورة الشعبية المباركة في 22 فبراير 2019.
 رغبة الشعب والدولة ومؤسساتها هي الاستقرار والرقي نحو بناء دولة قانون، دولة جديدة تحقق طموح الشهداء، وطموح هذا الشعب الذي يعيش في هذا المجال الدولي، في تلاحم وتضامن، وفي إطار سيادي كامل لا يقبل التهوين أو التقويض في أي شأن كان، فهو السيد وهو  حر ومصمم على البقاء حرا.
* هل النقاش الجاري حول مسودة تعديل الدستور قد أخذ حقه لحد الآن في اعتقادكم؟
- اليوم هناك أزيد من 1800 مقترح حول هذه الوثيقة لدى رئاسة الجمهورية، يضاف إليها النقاش الإعلامي والنقاش الشعبي، أنا كنت ميالا أن يكون النقاش على غرار ما عرفه الميثاق الوطني في سنة 1976، لولا ما ألم بالإنسانية وبالجزائر من جراء هذا الوباء الذي ندعو الله أن يرفعه عنا.

الرجوع إلى الأعلى