أكد أستاذ القانون الدستوري بجامعة الجزائر 1 الدكتور رشيد لوراري ، ضرورة الوصول إلى دستور توافقي،  من خلال قيام  اللجنة المكلفة بتعديل الدستور بعملية دراسة  وتدقيق لجميع الاقتراحات التي وردت إليها واختيار ما تراه أنجع وأفضل وتضمينه في الوثيقة النهائية،  مضيفا في السياق ذاته أنه  يجب  أن يكون مشروع الدستور المقبل  في مستوى طموحات  وآمال  ورغبات الشعب الجزائري  في التأسيس  لجمهورية جزائرية جديدة .
*  أجرى الحوار : مراد حمو
rالنصر:  تضمنت مسودة تعديل الدستور جملة من المقترحات الجديدة ، ما رأيكم في هذه التعديلات ؟
رشيد لوراري: مشروع التعديل الدستوري، يندرج في  إطار الوعود  التي كان قد قطعها على نفسه السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أثناء الحملة الانتخابية والتي جدد التأكيد بعد انتخابه وتأديته لليمين الدستورية على المضي فيها، ولعله من المفيد التأكيد على أن ما ورد في مشروع تعديل الدستور من اقتراحات لا يمكن إلا تثمينها واعتبارها بمثابة إضافة نوعية للدستور، وفي هذا المجال سواء ما تعلق منها ببعض التعديلات التي أدخلت على الديباجة أو بالنسبة لإدراج مجموعة من الحقوق والحريات الأساسية الفردية والجماعية أو بالنسبة لتنظيم السلطات، وخاصة ما يتعلق منها بالعمل على رد  الاعتبار للسلطة التشريعية من جهة وأيضا إعادة تنظيم السلطة التنفيذية، من خلال خاصة العودة إلى العمل بمنصب رئيس الحكومة، بدلا من الوزير الأول وذلك عملا  بما جاء في دستور 1989 ، أو بالنسبة لاقتراح إنشاء منصب نائب رئيس الجمهورية، أو بالنسبة للسلطة القضائية وفي هذا المجال لابد من التأكيد والتنويه بترقية المجلس الدستوري من هيئة سياسية إلى هيئة قضائية، من خلال إنشاء ما يسمى بالمحكمة الدستورية والمهام والصلاحيات التي أسندت لها في إطار مشروع التعديل، إذن من خلال هذه المحاور العامة التي أشرت لها ، لا يمكن إلا أن نثمن مبدئيا ما ورد في مشروع تعديل الدستور، لكن عندما نعود بالتفصيل  وبالتحليل وبالتدقيق إلى مختلف الاقتراحات الواردة في وثيقة الدستور، فهناك لا محالة ما يمكن قوله في هذا المجال، وذلك في إطار عملية الإثراء والمناقشة التي سمحت بها هذه العملية، خاصة وأن السيد رئيس الجمهورية، قد أكد في العديد من المناسبات على ضرورة إيلاء الاهتمام المطلوب بالاقتراحات  و الإثراءات التي يمكن أن  تقدم من قبل مختلف الفاعلين  السياسيين والمدنيين والاجتماعيين، وأيضا من طرف مختلف الشخصيات الوطنية والأكاديمية في هذا المجال .    
rالنصر : ماذا تقولون بخصوص المقترحات التي تضمنها المحور  المتعلق بتعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها؟
رشيد لوراري: في مجال تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات، دعني في  البداية أؤكد، أنه في جميع الأنظمة الدستورية في العالم، لا يوجد هناك الآن ما يسمى  بمبدأ الفصل المطلق بين هذه السلطات، بل إن تنظيم هذه السلطات يندرج في إطار ما يسمى بالتوازن الذي يؤدي إلى إحداث  أو إيجاد نوع من التعاون بين مختلف هذه السلطات الثلاث المتعارف عليها وهي السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفي هذا الإطار دعني أقول لك بأن اللجنة، قد حاولت قبل أن تجسد هذا المبدأ والذي هو وارد بكل وضوح خاصة في عرض الأسباب الذي تقدمت به، حاولت أن تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات بكل ما ينتج عنه أو يترتب عنه  من استقلال عضوي وتخصص وظيفي، إلا أنه وقبل أن تجسد هذه الفكرة فقد حاولت إحداث نوع من التوازن داخل كل سلطة من هذه السلطات الثلاث ولعل العودة للعمل بمنصب رئيس الحكومة والذي كان معمولا به في ظل دستور 1989 يندرج في هذا الإطار من خلال محاولة القيام بتوزيع المهام والصلاحيات بين السيد رئيس الجمهورية من جهة و السيد رئيس الحكومة  المنتظر في ظل هذه التعديلات، وثانيا هذا يندرج أيضا في إطار التأسيس لنظام يقوم على فكرة أو مبدأ المؤسسة أو الهيئة وليس  على مبدأ شخصنة هذه السلطة، لذلك فإن إنشاء هذا المنصب هو يندرج في إطار إحداث نوع من التوازن داخل السلطة التنفيذية، حتى لا تبقى منحصرة في شخص رئيس الجمهورية، والملاحظة الثانية أيضا  اقتراح إمكانية أن يقوم رئيس الجمهورية بتعيين نائب له بالرغم مما تطرحه هذه الفكرة من قضايا تتعلق أولا ما هي الشروط الواجب توفرها  في الشخص الذي ستسند له هذه المهمة، وبالمهام والصلاحيات التي يمكن أن توكل لتولي هذا المنصب وثالثا  أن الاقتراح كان ينطلق من مجموعة من الفراغات التي عرفتها الجزائر في ظل الدستور الساري المفعول بعد أزمة استقالة السيد رئيس الجمهورية السابق  ورفض مجموعة كبيرة من الرأي العام و في مقدمته ما يسمى بالحراك الشعبي لفكرة أو لمبدأ تولي رئيس مجلس الأمة لمنصب رئيس الدولة خلال المرحلة الانتقالية في ظل الدستور ساري المفعول،  لكن دعني أقول لك في هذا المجال أنه بقدر ما ثمنا هذه الاقتراح، إلا أنه  يتعين إعادة النظر في كيفية وطريقة اختيار الشخص الذي يمكن أن توكل له هذه المهمة وأنا من أنصار الذين يرون بأنه إذا كان ولا بد من هذا المنصب فالشخص الذي يتولى هذا المنصب يجب أن يكون معروفا  مسبقا ولماذا لا يتم اللجوء في هذا المجال إلى الاستفادة من تجربة النظام الأمريكي في هذا المجال والذي يجعل من نائب رئيس الجمهورية معروفا مسبقا ويقوم بخوض العملية الانتخابية الرئاسية وبالتالي فهو يتبنى في هذا الإطار برنامج السيد رئيس الجمهورية، ولذلك نحن نقول إذا كان ولابد أن نحافظ على هذا المنصب، فإنه فيما يتعلق بكيفية وطريقة اختياره يجب أن تكون عن طريق الانتخابات، من منطلق أن منصب رئيس الجمهورية كأسمى منصب في الدولة وفي النظام الدستوري الجزائري لا يمكن توليه إلا من خلال عملية الاقتراع، بعبارة أخرى فإن  رئيس الجمهورية يعبر عن الإرادة العامة لمجموع الناخبين في المجتمع الجزائري ، لذلك فإنه لا يمكن إسناد مهمة انتخابية بالأساس من منطلق ان رئيس الجمهورية يجسد  الإرادة العامة لمجموع أفراد الشعب لشخص معين ودون تحديد الشروط الواجب توفرها فيه مسبقا، حتى يكون على الأقل  الرأي العام على بينة من أمره بالنسبة لهذه القضية .
 الدقة والوضوح في صياغة
 الدستور كي لا  نفسح المجال
 للاجتهادات  والتأويلات
وأيضا من القضايا التي أثير حولها نقاش ، ما يتعلق بماهي المقاييس والمعايير التي  يقوم على أساسها ومن خلالها السيد رئيس الجمهورية في اختيار رئيس للحكومة، من منطلق أنه في هذا المجال وردت صيغتان في اقتراحات اللجنة ،  الصيغة الأولى وهي تلك الواردة في المادتين 103 و104  هذه الصياغة التي تسند لرئيس الجمهورية مهمة اختيار رئيس الحكومة بعد القيام باستشارة للأغلبية البرلمانية،  في هذه الحالة هذا شيء مقبول من منطلق  أن رئيس الجمهورية يجسد الإرادة العامة لمجموع هيئة الناخبين والبرلمان أيضا  هو مجسد لهذه الإرادة باعتبار أن أعضاءه، هم منتخبون خاصة بالنسبة  للمجلس الشعبي الوطني عن طريق الاقتراع العام والمباشر والسري، لكن الإشكالية التي تطرح في هذا  المجال هو في أنه في حالة ما إذا كانت الأغلبية السياسية  الموجودة داخل البرلمان سواء تنتمي إلى حزب واحد أو أغلبية تحالفية أو ائتلافية لا تنتمي  إلى الأغلبية التي ينتمي اليها  رئيس الجمهورية ، ففي هذه الحالة مادام أنه من صلاحية رئيس الجمهورية تعيين رئيس الحكومة إلا أن هذا الأخير لا يستطيع  أن يباشر مهامه إلا بعد حصوله على الثقة السياسية  وموافقة المجلس الشعبي الوطني على برنامج عمل هذه الحكومة ، فمن وجهة نظرنا من الصعوبة بمكان في حالة ما إذا كان رئيس الحكومة  لا ينتمي إلى هذه الأغلبية ولا يحمل  برنامج عمله،  برنامج هذه الأغلبية فمن الصعوبة أن يتحصل  رئيس الحكومة على ثقة البرلمان في مثل هذه الحالات، وإن كان مشروع الوثيقة المتضمنة تعديل الدستور، قد اقترحت صيغة ثانية في المادة 108 منها وهو  أنه في هذه الحالة بإمكان رئيس الجمهورية  أن يكلف رئيس الحكومة المعين بإعداد برنامج عمله يعتبر برنامج هذه الأغلبية السياسية  ، وأنا من أنصار الدقة والوضوح في صياغة الدستور حتى لا يمكن أن  نفسح المجال فيما بعد إلى الاجتهادات  والتأويلات التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه،  لذلك أنا من أنصار أن يتم دمج هذه المواد الثلاث وتكون الصياغة بطريقة أخرى وتكون واضحة ولا تحتمل لا اللبس ولا التأويل ولا التفسير من منطلق أهمية ومكانة منصب رئيس الحكومة في  النظام التأسيسي الدستوري .
rالنصر : أبرزت الوثيقة مقترحات فيما يخص تعزيز مبدأ استقلالية العدالة وإقرار المحكمة الدستورية بدلا من المجلس الدستوري، مارأيكم؟
رشيد لوراري:في مجال السلطة القضائية هناك مجموعة من الملاحظات الأساسية لعل أهم هذه الملاحظات هي بالرغم مما ورد من إيجابيات، فيما يتعلق خاصة بتشكيلة المجلس الأعلى للقضاء باعتباره هو الهيئة التي تتولى إدارة الحياة المهنية للقاضي، إلا أننا من الذين يرون أن تقوم هذه الهيئة باختيار عن طريق الانتخاب من بين أعضائها رئيسا لها حتى نضمن استقلالية تامة لهذه الهيئة.
ضرورة  توسيع مهام وصلاحيات
المحكمة الدستورية
والملاحظة الثانية تتعلق بالمحكمة الدستورية، أنا أيضا من أنصار أن يتم توسيع مهام وصلاحيات هذه الهيئة إلى مراقبة القرارات، سواء التي تصدرها المحكمة العليا أو مجلس الدولة، لأنه لا يعقل أن تقوم هذه الهيئة القضائية بمراقبة مدى دستورية مختلف التشريعات ، معنى هذا مدى دستورية العمل الذي تقوم به السلطة التشريعية في مجال سن القوانين باعتبارها هي الهيئة التي تتولى سن القوانين في البلاد،  وأيضا تمتد رقابتها على دستورية الأوامر والمراسم الرئاسية، ولا تمتد مهام وصلاحية هذه الهيئة القضائية أي المحكمة الدستورية إلى مراقبة مدى دستورية القرارات التي تصدرها المحكمة العليا أو مجلس الدولة وخاصة، إذا كانت تلك القرارات تتعلق بمجموعة من الحقوق  والحريات الفردية والجماعية المكفولة بموجب الدستور ، ولذلك في هذا الإطار أنا من الذين يرون ضرورة توسيع مهام وصلاحيات هذه المحكمة الدستورية إلى مراقبة مثل هذه القرارات خاصة وأنها أسندت لها مهمة الفصل في أي نزاع قد يظهر حول تفسير أي بند من بنود الدستور، أو أي نزاع قد يكون يتعلق بممارسة مهام وصلاحيات إحدى  السلطتين، التشريعية أو التنفيذية، و طبعا هناك مجموعة أخرى من الملاحظات، لكنها من وجهة  نظري ليست جوهرية أو أساسية بالنسبة لهذه الهيئة، خاصة فيما يتعلق أيضا بتشكيلتها وبكيفية وطريقة اختيارها لرئيسها ، هذا الرئيس من وجهة نظري الذي يجب أن يكون  كاقتراح طبعا من بين أعضائها  وعن طريق  عملية الاختيار بواسطة  الانتخاب؛ أي أن يتولى أعضاء هذه المحكمة الدستورية اختيار رئيسهم من بين أعضائهم عن طريق الانتخاب، خاصة وأن للهيئة التنفيذية دورا في تعيين أعضاء هذه المحكمة من خلال 4 أعضاء والذين يقوم رئيس الجمهورية بتعيينهم كأعضاء في هذه الهيئة ، وأنا أيضا من أنصار أن يتم اختيار أعضاء هذه الهيئة من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية العلمية المتخصصة في مجال القانون والتي تكون لها تجربة أو تجمع بين التجربتين النظرية، باعتبارهم كأساتذة في القانون في الجامعة أو مجموعة أخرى من الكفاءات القانونية الممارسة، سواء كانوا قضاة أم أعضاء في الهيئة التشريعية ، أن يتم الاختيار على أساس الجمع بين التجربتين أو التكوينين النظري من جهة والعملي أو الواقعي  من جهة أخرى، سواء كانوا قضاة لهم حد أدنى من الممارسة في سلك القضاء أو من بين هيئة الدفاع.
rالنصر :   هل في رأيكم  يمكن فعليا الوصول إلى صياغة وثيقة معبرة عن رأي الأغلبية و تحظى بتوافق حولها و يلبي المطالب الشعبية؟
 يجب  الوصول إلى دستور توافقي
رشيد لوراري:  إرضاء الجميع  غاية لا تدرك ، و أي وثيقة  قانونية أو دستورية في كل دول العالم هي تعبر عن رأي الأغلبية  وأنا من أنصار الوصول إلى وثيقة دستورية أو إلى دستور توافقي ولذلك على اللجنة المكلفة بإعداد هذه الوثيقة وأنا متأكد أنها  ستكون في المستوى المطلوب منها من خلال القيام بعملية دراسة  وتدقيق لجميع الاقتراحات التي وردت إليها واختيار ما تراه أنجع وأفضل وتضمينه في الوثيقة النهائية، لأنها الطريقة الوحيدة من وجهة نظري التي ستمكن  لا محالة من الوصول إلى صياغة نهائية للدستور المنتظر كدستور توافقي؛ أي يحظى بتأييد وبدعم ومؤازرة وموافقة هذه الأغلبية على هذه الوثيقة الدستورية، لأن مشروع الوثيقة سيعرض في مرحلة موالية بعد صياغته النهائية على البرلمان  لدراسته والمصادقة ثم بعد ذلك  يعرض على الاستفتاء الشعبي وبذلك  لكي  نصل إلى تحقيق هذه الغاية  وهو أن  تكون نتيجة الاستفتاء بالموافقة وأنا لا أشك في ذلك،  يتعين ضرورة  التحلي بالحكمة والرزانة  وتغليب  المصلحة العليا للجزائر  ووضعها فوق كل الاعتبارات وهذا لا يمكن أن يتجلى إلا إذا أخذت  جميع الانشغالات التي تم التعبير عنها من قبل مختلف  الفاعلين في المجتمع الجزائري بعين الاعتبار  أثناء أو  عند الصياغة النهائية لهذه الوثيقة، و يجب أن يكون مشروع الدستور المقبل  في مستوى طموحات  وآمال  ورغبات الشعب الجزائري  في التأسيس  لجمهورية جزائرية جديدة بالمواصفات وتقوم على المبادئ والأسس التي حددها  الشهداء في وثيقة أول نوفمبر 1954 والتي تدعو إلى إقامة جمهورية جزائرية ديموقراطية اجتماعية  في إطار المبادئ الإسلامية.         م/ح

الرجوع إلى الأعلى