* أخطط لمساعدة الشباب الجزائري في استحداث مؤسسات ناشئة
رغم صغر سنها، استطاعت الشابة الجزائرية البروفيسور فاطمة بن شيخ أن تتفوّق في تخصص الالكترونيات العضوية خلال رحلتها في طلب العلم بأوروبا ثم بآسيا أين استقرت في أحد مخابر جامعة كيوشو باليابان، ففي حوار للنصر تكشف خريجة جامعة وهران للعلوم والتكنولوجيا عن أبحاثها لإيجاد تطبيقات جديدة لليزر العضوي في مجالي الصحة والأمن، كما تروي قصة نجاحها وتتطرق إلى العقبات التي واجهتها خلال مسارها المهني وكيف استطاعت تخطيها في مجال دقيق كان يُعتقد إلى وقت قريب أنه حكر على الرجل.
حاورتها: ياسمين بوالجدري
lتخرجتِ سنة 2004 من جامعة وهران للعلوم والتكنولوجيا في تخصص الالكترونيك. لماذا الالكترونيك؟
لأنني كبرت في بيئة محاطة بالالكترونيك، فمهنة والدي كانت في مجال الالكترونيك وكلما يتعطل جهاز في المنزل كان يصلحه، بينما كنت أراقب ما يقوم به وكُلّي فضول. في الحقيقة كان يظهر لي في البداية أن هذا المجال صعب جدا، لهذا قررت أن أدرسه لأفهم ما الذي يحدث في الأجهزة المحيطة بنا مثل التلفاز أو الكاميرا أو المذياع.
lبعد التخرج عملت لقرابة ثلاثة سنوات مع شركة سامسونغ بالجزائر، حتى أنك قمت آنذاك بإصلاح أجهزة الكترونية. حدثينا عن هذه التجربة وكيف كان لها لاحقا دور في مسارك العلمي؟
لقد أحببت تجربة العمل في «سامسونغ» ففيها قمت بإصلاح الأجهزة مع التقنيين. عندما خرجت من الجامعة بشهادة مهندس دولة قررت تعلم إصلاح الأجهزة، ففي الجامعة لا ندرس الجانب التطبيقي بشكل كبير بل النظري أكثر. أحسست أنه كان ينقصني التطبيق، لذلك لم أتردد في طرح الأسئلة على التقنيين الذين عملوا معي في «سامسونغ» لإصلاح الأجهزة. لقد كانت فرصة بالنسبة لي للتعمق أكثر في فهم الالكترونيك، وقد ساعدتني على الاستقلالية في ما بعد خلال البحث العلمي الذي نتعامل فيه مع الأجهزة بشكل كبير، حيث أصبحت لدي الجرأة لتحديد موضع العطب في الآلات التي أعمل بها.
lاخترتِ عقب ذلك البحث العلمي فسافرت إلى فرنسا أين درستِ الماستر بجامعة إيكس مارسيليا وكنت الأولى على الدفعة، ما هي الأبحاث التي اشتغلت عليها هناك؟
درست الماستر بفرنسا لمدة سنتين وكنت الأولى على الدفعة، ثم واصلت الدكتوراه، وقد عملت على أبحاث في علوم المواد والفيزياء وبالأخص في مجال الخلايا الشمسية التي تستعمل المواد العضوية، بالموازاة مع ذلك قمت بالتدريس بما سمح لي بالتعمق أكثر في المفاهيم، كما أعطيت لي الفرصة لوضع دروس ماستر في مجال الالكترونيك.
كان لوالدي دور في اختيار تخصص الالكترونيك
lكيف كانت بيئة البحث بفرنسا؟
كانت جيدة جدا، لقد كان المشرفون علي يرسلونني للقيام بتربصات ويدعمونني إذا رغبت في القيام بتكوين جديد حول الطاقة الشمسية، كما شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية. لقد تلقيت المساعدة للتعمق في مجال الخلايا الضوئية للمواد العضوية. أحسست أنهم أرادوا لي بلوغ ما أصبو إليه، وهذه البيئة تجعل من السهل على الطالب أن يلمع.
lبعد إتمام الدراسات العليا بفرنسا سافرت إلى اليابان وكان ذلك سنة 2016. لماذا اليابان تحديدا؟
معروف أنه وعقب إنهاء أطروحة الدكتوراه في فرنسا، يجب المرور على سنتين أو ثلاث في مرحلة ما بعد الدكتوراه، و بعدها يتم البحث عن منصب، وقد وجد العديد من الباحثين أنفسهم في بطالة، وهو ما لم أرد أن يحصل لي، ففكرت في الذهاب إلى بلدان أخرى والوقوف هناك على كيفية القيام بالأبحاث، كما أنه ليس من الجيد للباحث بقاؤه في مكان واحد لوقت كبير خاصة إذا أنهى الدكتوراه، إذ لن يتفتح عقله وسيبقى يدور في حلقة مفرغة، ولهذا السبب شجعني المشرفون علي، على الذهاب إلى مخبر جيد.
ترددت في البداية بين الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان، لكن هذا الأخير كنت قد سافرت إليه في إحدى المرات وأعجبني كثيرا، فقررت السفر إليه لأعيش فيه ولو لسنة أو اثنتين خاصة أنه كان لدي فضول للتعرف على ثقافة اليابانيين المختلفة وتعلم لغة جديدة، فقد كان اليابان يبدو لي كوكبا آخر، وبالفعل بعثت برسالة ترشح وتم قبولي في جامعة كيوشو.
lبالحديث عن اللغة اليابانية، كيف واجهت عائق تعلمها خاصة أن هذه اللغة تبدو صعبة في البداية على غير الناطقين بها؟
عند وصولي في البداية كنت لا أفهم كلام اليابانيين ولا أتكلم لغتهم. لقد كانت ساعات عملي طويلة داخل المخبر أين كان الحديث مع بقية الباحثين باللغة الإنجليزية، لكن خارجه لم يكن هناك أناس كثر يتحدثون الإنجليزية، لذلك أصبحت أذهب كلما توفر لدي وقت فراغ، لدراسة اليابانية في مراكز ثقافية يتعلم فيها الأجانب اللغة وكذلك الفن الياباني ومراسم تقديم الشاي. في هذه المراكز تتم العناية بالأجانب ويشعر اليابانيون أنهم مسؤولون عنهم. بفضل لطفهم وكرمهم لم أشعر أنني بمفردي.
lيُعتبر اليابان من أكثـر دول العالم حداثة وتنظيما، لكنه مجتمع تحكمه العديد من العادات والأعراف التي يظهر للأجانب أنها معقدة. كيف تأقلمت مع هذا الأمر؟
بالفعل، لليابانيين عادات متميزة تبدو للأجانب صعبة أحيانا، لكن بالنسبة لي كنت في البداية ألاحظ كل شيء حولي وأراقب كيف يتعاملون داخل الجماعة وينبذون الغش. على سبيل المثال، لا يتوفر مخبرنا على عمال نظافة، فقد كنا جميعا نتشارك في تنظيف الأرض ومسح الغبار وغير ذلك. عند الاندماج في هذا النظام سيُكنّ لك اليابانيون كل الودّ، وأنا لم تكن لدي مشكلة في هذا الأمر منذ البداية، لأنها مسألة فطرة سليمة وتربية واحترام للأشخاص الذين نعمل معهم عبر مساعدتهم. يتمتع اليابانيون بذكاء جماعي، فكل فرد منهم يؤدي مهامه دون أن ينتظر أن يأمره أحد بذلك.
لهذا السبب اخترت اليابان وهكذا تخطيّت عائق اللغة
lما الذي يميز نظام البحث العلمي في اليابان؟
يتميز اليابانيون بسرعة التنفيذ فهم لا يعترفون بالانتظار، والوقت لديهم من ذهب إذ يحترمونه كثيرا، لذلك فهم يُتمّون بحوثهم في الآجال. ما جذبني كثيرا في اليابان طريقة تسيير الوقت، وقد قررت تعلم هذا الأمر في تنفيذ مشاريعي، إذ أنه مهم جدا للشركات التي تطلب توفير منتج ما في الوقت المحدد. اليابانيون يمرون بسرعة إلى التطبيق وبشكل صارم وجدّ متقن، بمجرد الانتهاء من الجانب النظري.
lطيلة 4 سنوات من عملك بجامعة كيوشو، نشرتِ أزيد من 20 مقالة علمية حول الليزر العضوي وغيره. هلا أطلعتنا على أهم الأبحاث التي أجريتها؟
أجريت أبحاثا حول الليزر العضوي وأجهزة انبعاث الضوء التي تستعمل المواد العضوية «أوليد» والمستعملة حاليا بشكل كبير في شاشات التلفزيون وأيضا في شاشات الهواتف الذكية.
lتعتبر الالكترونيات العضوية صديقة للبيئة كما أنها أقل كلفة، لكنها لا تتمتع بخصائص الكترونية كالتي نجدها في الالكترونيات التقليدية. هل يضعكم هذا، كباحثين، أمام تحد مضاعف؟
بالفعل، للالكترونيات العضوية عيوب إذا قارناها بالالكترونيات التقليدية، لكن لديها مزايا وهي مثلما تفضلتِ، احترام البيئة وكلفتها الأقل. صحيح أنه لا يمكنها منافسة الالكترونيات التقليدية على نفس الأرض غير أنها تتميز بكونها مرنة وشفافة وهو ما لا نجده في الالكترونيات التقليدية.
كباحثين شباب يجدر بنا الذهاب إلى ميدان فيه تحديات، فليس من السهل أن نجد مكاننا في مجال عرف اختراع كل شيء، لكن اقتحام أرضيات جديدة سيسمح لنا بأن نشق فيها الطرقات ونكون رائدين في هذه التكنولوجيا.
lما هي استخدامات الالكترونيات العضوية التي يمكن أن تدخل في حياتنا اليومية مستقبلا؟
اليوم توجد الكثير من الأشياء التي أدخِلت عليها شاشات «أوليد»، والتي نجدها مثلما أسلفتُ في التلفزيونات وعلامات معينة من الهواتف الذكية، حيث أن شاشاتها تكون عبارة عن خلايا ضوئية متكونة من المواد العضوية التي سيتم تعميمها في وقت لاحق وسنراها في أمور أخرى مثل النوافذ الذكية التي ستكون عبارة عن شاشات، أو في مجال نقاط الرعاية الصحية بإمكانية إجراء تحليل كامل عن طريق وضع قطرة دم على جهاز.  
نتشارك في مهام التنظيف والغش منبوذ هنا
l

قمتِ منذ حوالي سنة ونصف بتأسيس شركة ناشئة اخترت لها اسم «كوالا» وهي تسمية طريفة وفريدة. لماذا «كوالا» و ما علاقتها بأستراليا؟
عندما كنا نبحث عن اسم للمؤسسة الناشئة، نُصحنا باختيار اسم ظريف لأننا سنردده كل يوم، وحتى خبراء التسويق ينصحون باسم يعرفه الناس. في الحقيقة عندما كنت أذهب لأستراليا رغبت كثيرا في رؤية حيوان الكوالا الذي لا يتوقف عن النوم وأكل الأوكاليبتوس (تضحك).
بقينا نبحث عن اسم وقررنا في البداية أن تكون فيه أحرف من كيوشو والليزر العضوي، و واصلنا تجريب الكلمات إلى أن توصلنا لاسم كوالا الذي أعجب شركاءنا.
lتختص مؤسسة «كوالا» في مجال ثنائيات الليزر العضوي. هلا بسطت للقراء هذا المفهوم وكيف يمكن أن تنعكس التكنولوجيا التي تنتجها مؤسستك على حياتنا بشكل مباشر؟
الليزر له عدة تطبيقات والكثير منا يستعملونه دون أن يعلموا بذلك. هو موجود في مجال الطب ويتم استخدامه في جراحات العين وعلاج السرطان، لكن قررنا استحداث هذه المؤسسة للبحث عن تطبيقات جديدة بالليزر العضوي وليس التقليدي، لكي يكون بخيوط رفيعة جدا ولينا وشفافا. سيكون ممكنا باستخدام رقعة قماشية «باتش»، توضع على الجلد، علاج أورام وأمراض حميدة في البشرة، وحتى في مجال التجميل، عوض الذهاب إلى العيادة أين تستعمل أجهزة كبيرة.
تطبيقات الليزر العضوي موجودة أيضا في مجال الأمن، ففي أنواع من الهواتف الذكية يتم استعمال ليزر الأشعة تحت الحمراء الذي ينبعث إلى الوجه ويؤدي إلى إلغاء قفل الهاتف، لكننا لا نرى هذا الضوء. يمكن استعماله أيضا في ولوج الحساب البنكي عن طريق شبكية العين مثلما كنا نرى في أفلام الخيال العلمي. هناك أيضا مشاريع المفتاح الرقمي لغلق وفتح المنزل عن طريق البصمة البيومترية باستعمال أوردة اليد مثلا، لأن بصمة اليد يمكن التلاعب بها.
lخلال عرض قدمته في جلسة افتراضية بعنوان «المرأة الجزائرية: قصة نجاح»، قلت إن والداك والبروفيسور الياباني تشي هايا اداشي، كان لهما دور بارز في دفعك إلى تتبع أحلامك مهما بدت صعبة. إلى أي مدى ساعدك ذلك في تحقيق النجاح الذي وصلت إليه اليوم وكسر الصورة النمطية التي شكلها البعض عن المرأة؟
لقد قام والداي بتربيتي على الاعتماد على نفسي فقط، وأن أتزوج بأحلامي لأن هذا هو الأساس. تربيّنا في أسرتي على أنه لا يوجد فرق بين الأنثى والذكر، فليس لأنني بنت علي أن أكون في المطبخ دائما، بل يمكنني القيام بعدة أشياء.
البروفيسور أداشي تشي هايا، كان قدوة لي فقد كان يستيقظ على الساعة رابعة صباحا ويكون أول من يدخل المكتب ليعمل كثيرا دون أن يُكثر الكلام مثلما هو معروف عن اليابانيين، فأردت أن أصبح مثله لكي أنجح. عندما كنا نصادف مشكلة صعبة في البحث العلمي كان يتعامل معها بمرح وتسلية كأن هذه الصعوبات تعجبه.. كان يقول لي دائما بأنه يجب ألاّ نهرب من الصعوبة، فالصعب أمر جيد لأنه يساعد على تنميتنا في البحث العلمي.
على المرأة التمسك بأحلامها والبحث يناسبها أكثر من الرجل
lما هي رسالتك للنساء الجزائريات المهتمات بمجال العلوم؟
نصيحتي للنساء اللواتي هن في مجال العلوم، هي التمسك بأحلامهن ومشاريعهن وألاّ يفقدن الأمل. قد يكون الأمر صعبا لكن لا يجب الاستسلام والتسليم لفكرة أنهن نساء وحدودهن تقف في خط ما لأنه حكر على الرجل. هذا اعتقاد خاطئ، فالمرأة مثلها مثل الرجل لديها عقل، بل بالعكس المرأة تكون أحيانا دقيقة وأكثر اهتماما بالتفاصيل وأكثر صبرا في مجال البحث العلمي الذي أراه ميدانا يلائم النساء بشكل كبير.
lما هي مشاريعك وهل يمكن أن نرى لك مشروعا في الجزائر مستقبلا؟
أطمح إلى أن يكون لدي مركز بحث علمي لمساعدة الطلبة والأشخاص المهتمين بهذا المجال. في ما يخص الجزائر، نعم لما لا، مستعدة لذلك إذا كانت هناك مشاريع تعاون وفرص. بعد إتمام مشاريعي في اليابان أطمح لتوسيع مجالي في البحث العلمي وكذلك في المؤسسات الناشئة لمساعدة الشباب الذين يرغبون في استحداث هذه المؤسسات، بالنصائح أو التأطير.    
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى