لا أبحث عن الشهـرة بـل البصمـة
* بداخلي طاقات لم تجد   من يفجرها      * في وان مان شو"شومارلو" أسلط الضوء على "بطالة" المادة الرمادية!
يجمع بين قبعة الفنان المسرحي و التليفزيوني و الطبيب البيطري و يرى أن المجالين يكملان بعضهما، لأنهما يعتمدان على صدق الأحاسيس و التفاني في العمل، و تمتد علاقة الفنان محمد الهادي قيرة، واسمه الفني هادي قيرة، بالخشبة إلى التسعينات و يرسخها يوما بعد يوم بمشاريع جديدة، قال لنا أنه سيجسدها بعد رفع الحجر الصحي و إعادة فتح المؤسسات الثقافية، و أهمها تقديم عرض «شومارلو»، الأول من نوع «وان مان شو» في مساره الفني، معربا عن أسفه للوضع الكارثي الذي يتخبط فيه الفن عموما ببلادنا.
حاورته إلهام طالب
u النصر: حدثنا عن مشاريعك بعد رفع الحجر الصحي بشكل تام عن ولاية قسنطينة..
ـ هادي قيرة: قبل الحجر الصحي كنت على مشارف الانتهاء من عمل مسرحي اجتماعي تربوي هادف، عنوانه «المعلم» موجه للأطفال، أنا و نخبة من الممثلين، تحت إشراف مسرح قسنطينة الجهوي، و بعد رفع الحجر إن شاء الله سنضفي آخر الروتوشات، ليكون العرض جاهزا بنسبة  مئة بالمئة.
العمل كتبه و يخرجه صلاح الدين تركي، و يبرز من خلاله أهمية المعلم و الاحترام الذي يجب أن يحظى به في المجتمع، نظرا لدوره في تربية الأجيال و الجهود الجبارة التي يبذلها لاستخراج قدرات و طاقات كل تلميذ و تنميتها ليعطي أفضل ما عنده. يتقمص شخصية المعلم الممثل حسان بوكرسي، في حين أقوم أنا بدور رامي، التلميذ الذي يبدو غبيا و محدود الأفق في البداية، في حين تقمص زميلي سليم أودينة دور التلميذ الشقي .
انتظروني في «شومارلو»..
u ألا ترى بأنه من الصعب على الممثل الراشد تقمص شخصية طفل؟
ـ نعم..صعب جدا.. جدا، لكنني اعتبرته تحديا آخر أضيفه إلى باقي التحديات التي واجهتها خلال مساري الفني الطويل، كما أن إضفاء الطابع الكوميدي على العمل، أكيد سيستسيغه الطفل و يساعدنا على تمرير الرسالة التحسيسية حول مكانة المعلم الهامة، بسلاسة و مرونة.
u هل تضم رزنامتك عملا للكبار؟
ـ نعم.. أنا بصدد التحضير لأول «وان مان شو» في مساري، عنوانه «شومارلو» و هو اختزال لكلمتين «شارلو» و «شومور»،  أي بطال، كتبت النص و سأقدمه بنفسي على الركح، و قد عرضته على المخرج عمار سيمود وأعرب عن موافقته المبدئية لإخراجه.
العمل لا يتناول، كما يبدو لأول وهلة، واقع الفنان البطال الذي لا يجد عملا يقدمه بسبب نقص الإنتاج، و إذا وجده قد يكون مناسباتيا مرتبطا باقتراب شهر رمضان، فهذا النوع من البطالة معروف و رائج، بل يسلط الضوء على فئات المجتمع الكثيرة التي تعاني البطالة الفكرية، و مدى استعمالها للمادة الرمادية الموجودة بالمخ. و يحضرني هنا موقف عالم بريطاني أوصى قبل وفاته، أن يكتب فوق قبره «استعملت تماما»، و يقصد المادة الرمادية.
من المنتظر أن يقدم العرض الشرفي ل»شومارلو» على ركح المسرح الجهوي لقسنطينة، و ستتبعه جولة مسرحية وطنية بإذن الله.
u كيف قضيت الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا هل لجأت إلى العالم الافتراضي لتقديم بعض أعمالك؟
ـ طبيعة عملي كطبيب بيطري، تستثنيني من الحجر الصحي بأنواعه، فأنا لم أتوقف قط عن العمل، أقضي معظم أوقاتي في عيادتي أسعف الحيوانات و أعالجها، و أكرس أوقات فراغي للمطالعة، فأنا شغوف بالروايات الأدبية العالمية، و كذا لكتابة بعض النصوص و الخواطر.  
u هذا يعني أن تخصصك علمي و طبي و ميولاتك أدبية و فنية.. معادلة صعبة قليلا ، كيف يمكن أن يكمل كل منهما الآخر؟
ـ الأدب و الفن يمنحان الإنسان الإحساس الراقي و التذوق السليم للحياة.. كما أن ممارسة الطب البيطري بحب و إحساس بالآخر، يعني التفوق أو فلنقل التميز، و هذا ما أسعى إليه. انني أتعامل بحكم مهنتي، مع كائنات لا تشكو داءها، فهي لا تتكلم، لكنها تحس.. و الشعور بوجع هذه الكائنات و مقاسمتها أحاسيسها، أول خطوة لتشخيص مرضها و علاجها.  
أسعى دائما إلى أن أكون موفقا في المجالين، فهما يكملان بعضهما البعض، و الفصل بينهما شبه مستحيل بالنسبة إلي، الفن يسكنني و الطب البيطري أسكنه (يضحك)
من قال أن الطبيب البيطري لا يمكن أن يكون فناناً بارعاً؟ ومن قال أن اليد التي تعالج الحيوانات أو تجري لها عند الضرورة أصعب العمليات الجراحية، لا يمكنها أن تكتب أروع المسرحيات وتجسدها فوق الركح؟!
الصفعة التي أقنعتني بأنني يمكن أن أنجح كممثل..
u برصيدك عدة أعمال تليفزيونية إلى جانب المسرحية، هل ترتاح أكثر على الركح أم أمام كاميرات التلفزيون ؟
ـ المسرح و التلفزيون نوعان من الفن يقدمان محتوىً للجمهور عن طريق التمثيل والعرض، إلا أنه توجد العديد من الفروق بينهما بالنسبة إلي، فلكل سحره، لكنني بصراحة أميل أكثر إلى أبي الفنون، لأن الاحتكاك مع الجمهور يكون مباشرا، كما أن علاقتي به تمتد إلى التسعينات  من خلال المسرح المدرسي. و أول فرصة للظهور في دور رئيسي أمام جمهور كبير، كانت في يوم مارس 2011 بمناسبة اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة، و ذلك خلال دراستي الجامعية، و قد أتاحها لي المخرج المرحوم كمال حناشي، الذي تعلمت منه الكثير. بعد الانتهاء من العرض قمنا بتحية الجمهور، و توجهت مباشرة إلى عمي كمال، لأسأله عن رأيه في أدائي.تصوروا..لقد صفعني بكل ما أوتي من قوة، فاندهشت، ثم قال لي «قنبلة» ليعبر على طريقته عن رضاه عن أدائي و عن العرض ككل، فكانت تلك الصفعة منعرجا في حياتي، أيقنت يومها أنني يمكن أن أكون ممثلا ناجحا.
u أنت لم تدرس بمعهد الفنون الدرامية، كيف استطعت أن تطور موهبتك؟
ـ الاجتهاد هو وصفتي السحرية، أسعى يوميا إلى تطوير موهبتي وصقلها من خلال مطالعة المراجع المتخصصة و الاحتكاك بمن سبقوني إلى المجال، إلى جانب متابعة تربصات و الانخراط في الورشات. و قد تأثرت كثيرا بالممثل و المخرج و المنتج و المؤلف آل باتشينو الذي أعتبره عراب التمثيل في كل الأزمنة، فهو عندما يمثل يصبح الشخصية التي يقدمها، إن تعابير وجهه و نظراته محوركامل في التمثيل.  
u برصيدك جوائز مسرحية عربية أليس كذلك؟
ـ شاركت في 2017 مع فرقة الماسيل في مهرجان بمدينة أسوان المصرية بمسرحية «غرور الصرصور» الموجهة للأطفال و توجنا بدرع المهرجان.
كما كانت لي مشاركة في المهرجان الدولي للمسرح بمدينة صور اللبنانية وقد تم تكريمي كأحسن اكتشاف عن عرض اللحن الاخير المقتبس عن مسرحية «غناء البجعة» التي ألفها المسرحي الروسي أنطون تشيخوف
كذلك كنت قد تحصلت على أحسن دور في مهرجان مراكش الدولي لفرجات الشارع في العام الفارط.
 uماهي الأعمال التي تعتبرها الأهم و الأقرب إلى قلبك؟

ـ أحببت مسلسل «ابن باديس» للمخرج عمار محسن الذي أحييه من هذا المنبر، فهو فخر قسنطينة و قدوة في الاحترافية، كما أعتبر وثائقي «معركة الجزائر» و فيلمي «البوغي» و «عدن» من أهم أعمالي .
مسلسل «الحريق» أرقى دراما جزائرية
  u بصراحة ما رأيك في الدراما الجزائرية؟
ـ الدراما الجزائرية تتخبط بين مشاكل الإنتاج و السيناريو و بين مشاهدين يبحثون عن الفرجة عبر القنوات العربية ومواقع نيتفليكس.  ويبقى في نظري مسلسل «الحريق» لمصطفى بديع، عن رواية لمحمد ديب بنفس العنوان من أرقى ما أنتجته الدراما الجزائرية، فالجزائري يرى فيه نفسه وبكل تفاصيله.
سبب الركود،  يرجع، حسب رأيي، إلى الغياب الكلٌي لهياكل النهوض بالدراما، كاستديوهات التصوير والتركيب و المعالجة، وما يتبعها من منشآت تعمل بشكل عام في إنتاج الدراما والترويج لها.
كما يرجع إلى الفهم الخاطئ من طرف كتاب السيناريو، للمصطلح العلمي «دراما»، فهي أكبر بكثير من أن تكون مجرد قصة بسيطة إلى حد السذاجة،  يموت فيها البطل في آخر المسلسل. للأسف ما يعرف بالدراما الجزائرية اليوم، تتخبط بين مشاكل الإنتاج و السيناريو وبين مشاهدين يبحثون عن الفرجة عبر القنوات العربية ومواقع نيتفليكس.  
إن النهوض بهذا القطاع يحتم علينا وضع استراتيجية فنية ترسخ مبدأ الشراكة بين المؤسسات الثقافية، من أجل الخروج برؤية مشتركة تتمثل في إنشاء مجلس أعلى للدراما.  
u ماهي مقومات الدراما الناجحة في نظرك؟
ـ في اعتقادي اذا امتلكت السيناريو القوي، فأنت تمتلك أحد أهم مقومات الصناعة الدرامية. فهو يجب أن يلامس فكرة معينة، وأن تكون هذه الفكرة موضع اهتمام، تجيب عن تساؤلات فئة كبيرة من المجتمع، و تخاطبها بكل التفاصيل التي يحملها الزمان والمكان. نلاحظ أن بعض المخرجين أو كتاب السيناريو، يتذمرون من انتقاد الناس لأعمالهم، بحجة أن النقد يكون لأهل الاختصاص وهذا خطأ، فأصل العمل الدرامي أنه موجه لجميع أطياف المجتمع، ومن حق أي متلق قبول أو رفض العمل.                
u ماذا عن الكوميديا الجزائرية؟
ـ الكوميديا الجزائرية عاشت عصرها الذهبي في الثمانينات و التسعينات و أنتجت لنا قامات فنية، للأسف لم تعُد كما كانت، و فقدت جزءا كبيرا من روحها، فعنصر المفارقة عند الممثل يحدد الإثارة الكوميدية، وهذا ما ينطبق على الممثل القدير عثمان عريوات في دور مخلوف البومباردي في «كرنفال في دشرة»  الذي تحول إلى شخصية عامة، تستعمل جميع حيثيات المواقف الجزائرية التي ارتبطت في أذهان الناس، تصويراً لجانب من معيشتهم اليومية.
 u هل تفضل الأدوار الكوميدية أو الدرامية و كيف تصنف نفسك؟
ـ من الطبيعي أن يحلم أي ممثل طموح بأدوار متنوعة ، لكي يثبت موهبته ومن أصعب التحديات التي يمكن أن يواجهها ممثل درامي أو جاد، هي أداء دور كوميدي، خصوصاً عندما يقدم نوعاً خاصاً ومميزاً من الكوميديا، بعيداً عن الكوميديا التهريجية.
u ما هو الدور الذي تتمنى أن يعرض عليك؟
ـ  أتمنى تقمص شخصية إنسان مريض نفسياً، و هي شخصية مركبة و معقدة، جد صعبة.
في الحياة اليومية من الصعب جدا التعرف على مثل هذه الشخصية،   فهي تبدو من أول وهلة شخصية مرحة ، متزنة محبة للحياة، كما أن لها قدرة عجيبة في التأثير والتلاعب بأفكار الآخرين، و في الحقيقة أنها كتلة من العقد تتلذذ بالحاق الأذى بالآخرين، لأنها مليئة بتجارب الفشل تتخبط في أفعال لا أخلاقية.
«مخلوف البومباردي»
شخصية عامة!
. رغم مشاركتك في عديد الأعمال بالتليفزيون و المسرح و السينما، لم  تحقق الشهرة، لماذا؟.
 ـ أعتبر نفسي في بداية الطريق ، ومن السابق لأوانه أن أتكلم عن نجاحات، لكنني أشعر بالرضا، نسبيا، عن كل عمل قدمته.
الشهرة بمفهومها الحالي لا أسعى إليها و ليست من اهتماماتي، لكن إذا تقصدين النجاح و ترك بصمة حقيقية في الميدان الفني، فأنا أوافقك الرأي، أنا كغيري من الفنانين الشباب أنتظر الفرصة لأفجر كل طاقاتي الكامنة.
إ.ط

الرجوع إلى الأعلى