يؤكد الأستاذ شباح أحمد أستاذ علم النفس بجامعة بوزريعة في حوار «للنصر» بأن أعمال العنف التي عاشها المجتمع الجزائري  مؤخرا وتم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي ليس لها علاقة بالوضع الصحي الناجم عن انتشار جائحة كورونا، ولا الحجر الصحي وما ترتب عنه من تضييق على بعض الجوانب الحياتية، بل هي نتيجة لتراجع دور المجتمع والأسرة وكذا للإحباطات التي يشعر بها الفرد بسبب عجزه عن إشباع أو تلبية رغباته المادية خاصة.

حاورته : لطيفة بلحاج
كيف تفسرون السلوك العنيف وما هي أسبابه؟
ظاهرة العنف قديمة قدم المجتمعات، فالإنسان هو مجموعة من المشاعر ونحن كمختصين في علم النفس نعتمد على مدارس معروفة في تفسير السلوك العنيف الذي يقع عندما يفقد الإنسان توازنه، فيحدث الانفلات ويرتكب أخطاء تختلف حدتها بحسب درجة فقدان التوازن، فهناك الفقدان الجزئي والنصفي والتام، وقد يؤدي عدم التوازن بالشخص إلى ارتكاب عنف في حق نفسه أي الانتحار.
و السلوكات الشاذة أو العنيفة هي نتاج عوامل محددة من بينها التنشئة الاجتماعية التي تمنح للفرد مجموعة من القيم الأخلاقية لضبط سلوك الفرد، ويشارك في التنشئة الاجتماعية للأفراد كل من المجتمع والأسرة والمدرسة، وعندما أتحدث عن الأسرة لا أقصد الأب والإخوة بل المحيط العائلي ككل، وخاصة الأم، التي إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق.
إذا هل يمكن تحميل الأم مسؤولية انحراف الأفراد؟
الأم إذا كانت فاقدة للتوازن وتعاني بدورها من ضغوط اجتماعية أو ذات طابع بيولوجي، يمكنها أن ترتكب أخطاء إذا لم يتم تلبية متطلباتها واحتياجاتها، وأذكر هنا مثلا ربات البيوت اللواتي يعشن ظروفا اقتصادية صعبة ويواجهن صعوبات في توفير متطلبات الحياة لأفراد الأسرة، فالأم التي تتجول ما بين محل وآخر بحثا عما يتماشى مع قدراتها المالية لاقتناء ما يحتاجه أطفالها، دون ان تتمكن في النهاية من تحقيق مبتغاها،  تتحول بدورها إلى فرد غير متوازن نفسيا لعدم قدرتها على تحقيق طموحاتها.
وهل هناك دوافع أخرى قد تجر الشخص إلى ممارسة العنف على نفسه أو في حق الآخرين؟
هناك دوافع ثانوية إلى جانب الدوافع الأساسية التي إذا فقدها الشخص قد يجنح إلى العنف، ونذكر منها حب جمع المال و السلطة، غير أن الدوافع الأساسية تعد محركا أساسيا للسلوك العنيف إذا عجز الإنسان عن تلبيتها، لأن انعدامها يحدث زلزالا في شخصية الإنسان، نظرا لصلتها الوثيقة بالجانب البيولوجي، وعدم الحصول عليها يجر الشخص إلى ارتكاب جرائم، الإحساس بالجوع والعطش وقلة النوم وكذا الرغبات الجنسية.
لذلك نطالب نحن كمجتمع مدني بضرورة إشباع الرغبات البيولوجية للأفراد وفقا للتعاليم الدينية والقيم السائدة في المجتمع، وأذكر هنا على سبيل المثال في حال شعر أحد بالجوع ولم يتوفر لديه المال لاقتناء ما يكفيه من الطعام، يمكنه أن يدق على باب مطعم ويطلب أن يأكل ليسد جوعه، لأن عدم القدرة على تلبية هذه الرغبة البيولوجية تحرك لدى الشخص السلوك العدواني كالسرقة مثلا، وهي نفس التداعيات التي تواجهها الأسر محدودة الدخل،  فعدم إشباع متطلبات أفرادها، يؤدي إلى جنوح الابن أو البنت إلى السلوك العدواني والعنف.
إذا ما هي مقترحاتكم لمعالجة ظاهرة العنف المتفشية في مجتمعنا؟
كمختصين نطالب بالتكفل بحاجيات الأسر وبتسقيف الأجور حتى تتمكن كل أسرة من تلبية حاجيات ورغبات أفرادها، كي لا تحدث انزلاقات، وحتى يتربى أفرادها وفق القيم الأخلاقية في إطار التوزان البيولوجي والنفسي و الاجتماعي، فحصول الفرد على كافة المتطلبات الأساسية يجعله مرتاحا وأجدد هنا التركيز على دور الأم والمدرسة، لما لهما من أهمية كبيرة في تربية الأفراد وتنشئتهم بطريقة سليمة وصحيحة.
ويجب التنويه في هذا المضمار بدور الجانب الديني ومكانته في ضمان التنشئة الاجتماعية المتوازنة للأفراد، فيكفي التذكير بأن الدين الإسلامي يحرم قتل النفس، فضلا عن دور الأسرة والمجتمع والمدرسة في تربية الأفراد وتنشئتهم تنشئة سليمة، وغياب هذه العناصر يوقظ السلوك العنيف لدى الأفراد، فيظهر عبر ارتكاب تجاوزات في حق الغير، سواء عن طريق التلفظ بكلام بذيء أو الشتم أو الضرب، وصولا إلى العنف العميق أو القتل.


ما تعليقكم على ربط الجرائم التي وقعت مؤخرا وهزت المجتمع الجزائري بجائحة كورونا؟
مخطئ من يربط العلاقة بين جرائم القتل التي حدثت مؤخرا وجائحة كورونا، لأن المتسبب فيها  تراكمات قديمة لها علاقة بالتنشئة الاجتماعية، و الإحباطات الناجمة عن عدم تحقيق الطموحات، إلى جانب تخلي الأسرة والمجتمع عن واجباتهما، لذلك لا بد من الرجوع إلى العوامل التي لها دور في التنشئة الاجتماعية عند البحث عن أسباب العنف والجريمة.
وماذا تقصدون بالإحباطات اليومية؟
لدينا جميعا طاقة عندما نوجهها توجيها سليما فإنها تصبح قوة بناءة، أي عبر تحقيق الطموحات اليومية، أما الطاقة الهدامة فهي الطاقة الكامنة التي تحتاج إلى تصريف في حال توفر الإمكانيات والوسائل، لأن انعدامها سيحرم الفرد من تحقيق رغباته فينتج عن ذلك إحباطات، فتتوجه الطاقة الكامنة إلى ارتكاب سلوكات عدوانية قد تصل إلى الانتحار.
و أشيد من هذا المنبر بالشباب الذين يتوجهون إلى ممارسة أنشطة رياضية، كالجري في الفضاءات المفتوحة، وهؤلاء لا يسببون عادة مشاكل للمجتمع، بفضل العثور على متنفس لصرف الطاقة الكامنة.
غير أن بعض أصحاب العقول الضيقة يربطون حالات العنف التي شهدها المجتمع الجزائري مؤخرا بالوضعية الصحية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا وظروف الحجر الصحي التي حدت من حريات الأفراد، لكن الحقيقة غير ذلك، لأن هذه الجرائم وقعت في أوقات متقاربة، وجرى بعضها في ظرف أسبوع، لذلك يظهر للبعض بأنها ناجمة عن الضغوط النفسية بسبب الجائحة، في حين أن الظاهرة كانت موجودة من قبل، غير أن جرائم القتل كانت تحدث في فترات متباعدة، إذا فلا علاقة بين الوضع الصحي مع   ما جرى مؤخرا.
ومرتكب الجريمة ما هو إلا شخص كانت لديه طاقة لكنه وجهها نحو الآخر، ولو أتيحت له الفرصة وحقق طموحاته وذاته لما جنح إلى العنف، وأنا أتأسف من هذا المنبر مجددا للتحاليل الخاطئة التي تابعناها مؤخرا عبر قنوات إعلامية قدمها أساتذة في علم النفس في إطار التفسير النفسي والاجتماعي لجرائم قتل شنيعة هزت مناطق محافظة، وأنا أقول أن للعنف أسبابا أخرى لا صلة لها بتاتا بالحجر الصحي.
وقد كانت لي فرصة أن تحدثت مع شباب وسألتهم عن سبب ارتداء ألبسة غريبة واعتماد قصات شعر أغرب، فكان ردهم بأنهم يتبعون الموضة، ولو كان لهؤلاء الشباب مجالا لصرف الطاقة الكامنة لديهم لأبدعوا في مجالات مختلفة، ولا تخلوا عن المظاهر الخارجية التي لا تمت بصلة لعاداتنا ومعتقداتنا.
وما هو دوركم كنفسانيين؟  
نحن للأسف لا نمثل مجموعة متكاملة، فهناك أساتذة لديهم أفكار واسعة وآخرين ضيقي التفكير، وأنا أنصح وسائل الإعلام المختلفة أن تعتمد على مختصين في علوم النفس والتربية، والاستعانة بتحاليلهم والاستئناس بها.
وأنا شخصيا لدي برنامج ثري ينطلق من نظرية مالك بن نبي بخصوص الاهتمام بالعنصر البشري، أي بناء الإنسان الذي يبني المجتمع والاقتصاد ومجالات عدة، من خلال إعطائه القيمة التي يستحق، وتسخير الإمكانيات له مما يحتويه باطن الأرض وسطحها.
وما ذا عن عودة التلاميذ إلى المدارس بعد انقطاع لعدة أشهر، وكيف يمكن تحضيرهم نفسيا؟
أظن بأن العودة إلى الأقسام ليست بالأمر السهل بعد انقطاع طويل عن الدراسة، لأن التلاميذ سيخطون خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء، بسبب التحذير المفرط من العدوى بفيروس كورونا،  مما خلق ميكانيزمات لدى الطفل، فأضحى يشعر  وكأنه في قفص حديدي يرفض أن يلمسه الآخرون، وهنا أشدد على دور الأسرة في طمأنة التلاميذ و تحسيسهم بضرورة العودة مع احترام الإجراءات الوقائية. 
ل/ب

الرجوع إلى الأعلى