أعرب الفنان القسنطيني خالد عيمر عن استغرابه من الانتقادات التي تطاله  حتى من زملائه من أهل الفن، بسبب ميوله إلى الطابع التونسي و الشرقي، رغم أنه من المعروف و الشائع، كما قال ،أن الفنان يؤدي اللون الذي يتذوقه و يحبه و يناسب خاماته الصوتية، مشيرا إلى أنه من خريجي مدرسة المالوف القسنطينية، و أنه تلميذ أحد أكبر مشايخ المدرسة و هو عبد المؤمن بن طبال رحمه الله. خالد عيمر، كشف للنصر، العديد من الأسرار، ناهيك عن معاناته من تهميش مسؤولي الثقافة بولاية قسنطينة لفترة قاربت سبع سنوات، و أشياء أخرى تكتشفونها في هذا الحوار.

حاوره: حميد بن مرابط
ينتقدني الفاشلون في أداء الطابع الشرقي
* النصر: ما هو تعليقك على الانتقادات الكثيرة التي تتعرض لها بسبب ميولك لأداء الطابع التونسي و الشرقي ؟
ـ خالد عيمر: صدقني إذا قلت لك بأنني أستغرب من كل هذه الانتقادات و حتى ردة فعل أصحابها، خاصة من الزملاء الفنانين..
الشيء المعروف و المتعارف عليه في المجال الفني، أن الفنان يؤدي الطابع الذي يهواه و يتذوقه، ناهيك عن الطابع الذي يلائم خامات صوته، و أنا شخصيا عملت على بناء شخصيتي الفنية على مدار 25 سنة، و ميولي إلى هذا الطابع كان على أساس، أنني كنت في صغري أقوم بتجويد القرآن الكريم، كما كنت مؤذنا بأحد مساجد قسنطينة..
بصراحة العيب ليس في كوني أؤدي الطابع الشرقي أو التونسي، و إنما العيب في الفنانين الذين ينتقدونني، لا لشيء سوى لأنهم فشلوا في أداء الطابع الشرقي.
حظيت بإعجاب الحاج محمد الطاهر الفرقاني
* لكن السؤال يبقى مطروحا، خاصة و أنك ولجت عالم الفن من بوابة المالوف، و تتلمذت على يد الشيخ بن طبال رحمه الله..
     ـ حقيقة أنا تلميذ الشيخ عبد المؤمن بن طبال رحمه الله، و بداياتي كانت مع جمعية البسطانجية، و قضيت بها مدة عامين، ثم انتقلت إلى جمعية محبي الفن برئاسة الشيخ دوادي رحمه الله، الذي علمني و حفزني على المثابرة و الاستمرار..
بالإضافة إلى ذلك، فقد نلت إعجاب كبار شيوخ المالوف، بأدائي للطابع الشرقي، على غرار عميد الأغنية القسنطينية الحاج محمد الطّاهر الفرقاني ، و الشيخ العيد فنيه رحمهما الله و سليم الفرقاني أطال الله عمره، لقد حضروا أحد الأعراس التي نشطتها، و أعجبوا بأدائي للطابع التونسي و الشرقي، و هذا الاعتراف كاف من عمالقة الفن في قسنطينة..
على كل حال، موضوع الذوق لا يناقش أصلا، مثله مثل الألوان و اللباس، فالواحد منا قد يرتدي لباسا بلون جد مميز، و يعجبه ذلك اللون، حتى و لو كان غريبا و يجلب انتباه الآخرين. أنا فضلت الطابع الشرقي، لأنني أتذوقه أولا، ثم لأنه جعلني أثير انتباه محبي الفن و عشاق و متتبعي خالد عيمر، سواء على الركح خلال المهرجانات و السهرات الفنية، أو حتى خلال الأعراس، أين يطلب منّي الحضور أن أؤدي أغنية تونسية، أو أغنية شرقية.
و على ضوء كل هذا، فإنني أسعى خلال حضوري أي حفل أو إقامة أي عرس، على استغلال الفرصة لأترك بصمتي، و أجعل الحضور يتفاعل معي، و مع الأغاني التي أؤديها.
القرصنة قضت على سوق الأغنية قبل كورونا
* لم يعد سوق الفن يضمن قوت الفنّان المحترف، خاصة في ظل جائحة كورونا، كيف هي يوميات خالد عيمر و ما هو جديده؟
     ـ  حقيقة الفنان المحترف يعاني الأمرين، حتى قبل الأزمة الصحية العالمية التي عطلت كل العالم في مختلف المجالات، فمعاناة الفنان بدأت قبل جائحة كورونا، و بالتحديد منذ بداية الثورة التكنولوجية، حيث قضت القرصنة على سوق الأغنية، في ظل ضعف نظام حماية حقوق المؤلف، فقد يسمع الكثيرون ألبومك الجديد، و أنت لا تزال في الأستوديو تقوم بالروتوشات الأخيرة ، و ذلك من خلال الإنترنت، و لكي لا أخسر مكانتي في السوق، لجأت إلى بعض الوسائط الاجتماعية كفايسبوك مثلا، و كذا يوتيوب.. حتى في الأعراس أصبح حضور الفنانين شكليا، في ظل مزاحمة الفرقة الإلكترونية «دي دجي» للفنان، و حتى العرسان أصبح حالهم كحال الفنان، حيث أن المدعوين يغادرون القاعة مباشرة بعد تناول وجبة الغذاء أو العشاء، و هنا و من باب التنكيت و المزاح، أقترح على عرسان المستقبل إقامة مراسيم الحناء، قبل الأكل (يضحك)...
* في ظل هذا الوضع، هل يمكن أن نتحدث عن المشاريع الفنية لخالد عيمر؟
    ـ أنا أصلا فنان أحبذ الفن القديم (التراث)، و أعمل على إحيائه، و هذا من خلال أدائه، كلما أتيحت الفرصة لي، فعلى سبيل المثال أغنية «ليام كيف الريح في البريمة»، أو المديح الديني في الطابع العيساوي، الذي أؤديه باستعمال الآلات الموسيقية..
أعمل دوما على إزاحة الغبار و إحياء التراث الموسيقي و الغنائي بطريقتي الخاصة، و بالاعتماد على الآلات الموسيقية الحالية .


لا أغني سوى الكلمات القوية
أما بخصوص المشاريع المستقبلية، فأنا من النوع الذي لا يهمه الإنتاج من ناحية الكم، و لا أريد أن يقال عني أو يفتخر بي، على أساس أنني أنتجت كذا ألبوم في السنة.. ما يهمني أكثر الكلمات أي القصيدة، فإذا تأثرت بالكلام و أعجبني القصيد أؤديه بكل جوارحي، وهنا يستحضرني اسم الشاعر القسنطيني عبد الجليل درويش، الذي أديت له أغنية «بابا لعزيز»، بعنوان «كي نتفكر يقوى وجايا»، أي ما معناه كلما أتذكر تزداد و تقوى أوجاعي..
القصيدة تأثرت بها كثيرا، لأنها كانت تعبر عن حالتي، عند وفاة والدي رحمه الله، مع التذكير بأنني لا أتعامل مع أي شاعر أو كاتب كلمات لا تكون كلماته قوية.
* لم نر أي منتوج أو ظهور للفنان خالد عيمر منذ مدة طويلة، هل لنا أن نعرف أسباب هذا الاختفاء؟
     ـ حقيقة أنا غائب كبقية الفنانين الآخرين عن الساحة، و هذا بفعل الظرف الاستثنائي الذي يعيشه العالم بسبب جائحة كوفيد 19، و لو أن الفنان المحترف يعاني في الواقع حتى قبل جائحة كورونا..
خالد عيمر و بعد ساعات العمل، و بمجرد الالتحاق بالمنزل، أعود إلى الفن، و أعود إلى المحبين و المتتبعين عن طريق تسجيلات على المباشر عبر يوتيوب.
هذا الوضع الاستثنائي ذكرني بأيام الجحود و النكران في الماضي القريب، لقد عانيت من التهميش طيلة 7 سنوات، من قبل مسؤولي الثقافة بولاية قسنطينة، و الوحيد الذي أعاد إلي الاعتبار، هو السيد سمير قنّز، المدير الحالي لمحطة قسنطينة للتلفزيون، عندما كان محافظا لمهرجان المالوف، دون أن ننسى السيدة حليمة علي خوجة، خلال تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية.
الروبوتيك غش مع سبق الإصرار!
* يقال بأن خالد عيمر يغني في الأعراس مقابل مبالغ كبيرة، هل هذا صحيح؟
     ـ من يعيب عليّ هذا أقول له، بأن خالد عيمر يعطي للأعراس التي ينشطها حقها، فأنا حتى في الأعراس أعتمد على فرقة موسيقية كبيرة، ناهيك عن الآلات الموسيقية غالية الثمن، على غرار آلة القانون «الأورغ»، فلا يمكن أن أستعمل آلة القانون التي يبلغ ثمنها حوالي 50 مليون سنتيم، مقابل «كاشي» قدره 5 ملايين سنتيم.
و لعلمكم حتى الألبومات التي ننتجها بغرض استعمالها في الأعراس، فإنني أعتمد فيها على الآلات الموسيقية القديمة و العصرية، و أشير هنا إلى أنني أكره الصوت الإلكتروني «الروبوتيك»، و أعتبره صوتا مغشوشا أو مفبركا، حتى و لو كان الغرض من الإنتاج تجاريا، لأن مثل هذه الوسائل قد تقضي على الفنان و على سمعته. و هنا يستحضرني الفنان العربي نبيل شعيل، الذي أدى أغنية على طريقة «روبوتيك» نالت شهرة عالمية كبيرة، و لكن عندما أدّاها على المباشر خلال حفل فني، اكتشف الحضور بأنه لا علاقة للصوتين بالفنان، و هو ما جعل الكثيرين يغادرون القاعة.
الحفاظ على التراث بيد السلطات العمومية!
* كخريج المدرسة البسطانجية، ما هي في رأيك أحسن طريقة للحفاظ على التراث الفني القسنطيني؟
     ـ بدون فلسفة و لا ديماغوجية أقول بأن الحفاظ على التراث بيد السلطات العمومية (الدولة).
نعم للجمعيات و المدارس الفنية دور معتبر في الحفاظ على التراث، لكن هذا لا يكفي، كما أن الحفاظ على التراث ليس معناه، بالضرورة، عدم مواكبة التطور في عالم الموسيقى..
هناك نقطة جد هامة أريد الإشارة إليها بهذا الصدد، و هي ما أسميه أنا شخصيا بظاهرة «الاكتناز القهري»، فبعض الفنانين و عائلات فنانين، يحتفظون بالكثير من التراث الموروث أبا عن جد، على غرار «السفاين» و «القصيد» و غيرهما، و بهذه الطريقة سيأتي الوقت الذي تفقد فيه هذه الكنوز قيمتها، وهذا يشبه إلى حد بعيد أواني الوالدة، التي تظل طوال حياتها داخل خزانة، و يمكنك النظر إليها دون استعمالها، و بمرور الأعوام تفقد قيمتها.
رسالتي إلى الفنانين.. أحبوا بعضكم البعض!
* ما هي رسالة خالد عيمر للفنانين؟.
     ـ رسالتي الوحيدة لكل الزملاء في عالم الفن و الغناء، هي أن نحب بعضنا البعض، و أن يستمع كل منا إلى الآخر،  دون حساسيات و لا خلفيات، لأن الخاسر الأكبر في هذه الحالة هو الفن و الفنانين.
 أتمنى أن تتكرر المبادرة التي قام بها صديقنا الفنان حمزة قش خلال شهر رمضان ، حيث جمعنا في عمل مشترك، عرف مشاركة عباس ريغي، فوفي القسنطيني، مبارك دخلة، العربي شوشانة، السيدة فلة الفرقاني و حسنة.
واسمح لي في الأخير أن أحيي صديقي الموسيقي يزيد بلخير، فقد كان سندي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، و عملنا معا داخل الأستوديو و قد كان نعم الصديق و نعم الفنان.

الرجوع إلى الأعلى