* مؤسسة المسرح مجبرة على ولوج عالم الاحتراف
يحلم الفنان و الممثل المسرحي نور الدين بشكري، بتحقيق حلم راوده على مدار 40 سنة، و هو عمره الفني، و يتمثل في تجسيد مشروع مدرسة لمسرح الأطفال، اختار لها اسم "مسرح العالم الصغير"، و هذا من باب رد الجميل- كما قال في هذا الحوار الذي خص به النصر- لعمالقة الفن المسرحي القسنطيني الذين مارس معهم التمثيل، و هو تلميذ في المدرسة الابتدائية..
الممثل الكوميدي نور الدين بشكري، المعروف في عالم التمثيل باسم الشخصية المرحة "السايح البوسطاجي" و بالنظر لكونه من أقدم العاملين بمسرح قسنطينة الجهوي العريق، سواء كفنان أو كمسيّر، إلى جانب مدراء كبار، على غرار سليم مرابعية و الحاج إسماعيل رحمهما الله، أصبح يطلق عليه تسمية "العلبة السوداء لمسرح قسنطينة" و يأمل أن يعين على رأس هذه المؤسسة الثقافية الكبيرة- خلفا للفقيد فريد بوكرومة-، فهو شخصية ذات تجربة كبيرة و صاحب كاريزما قوية فنيا و إداريا، و ذلك من أجل الحفاظ على سمعة هذا المعلم الثقافي العريق، من ناحية الإنتاج خاصة.
* النصر: مسرح قسنطينة محمد الطاهر الفرقاني، فقد مؤخرا و في ظرف أسبوع واحد، قامتين كبيرتين، الممثل القدير بشير بن محمد و المدير فريد بوكرومة، هل بالإمكان تعويضهما؟
 ـ نور الدين بشكري: من المستحيل أن نجد من يعوض مثل هذه القامات، لأن لكل فنان خصائصه و مميزاته.. فعمي بشير بن محمد مثلا، و على الرغم من وجود العديد من فنّاني الجيل الجديد، من أصحاب التكوين الأكاديمي، إلا أنه لا أحد منهم يمكنه أن يعوضه.. نعم قد يشبهه في الأداء، أو بعض الحركات، لكن أن يكون بنفس المواصفات فهذا غير ممكن، و الأمثلة كثيرة فالممثل المتميز عثمان عريوات سيظل عريوات، و حباطي رحمه الله سيظل حباطي، و لا يمكن أن تجد فنانا بإمكانه تعويضهما..
جيلنا و هذا النوع من الفنانين كان يعتمد على الموهبة، الصدق في العمل و الصبر، كما كنا و مازلنا ندرك مدى صعوبة المسؤولية، فنحن بإنتاجنا الفني نتحمل مسؤولية المجتمع.. من السهل عليك إذا كنت تمتلك الموهبة و الإرادة، أن تنجح و أن تصبح نجما في عالم المسرح أو السينما، لكن الأصعب هو ضمان الاستمرار و الحفاظ على السمعة، خاصة و أن رأس مال الفنان هو الجمهور و المعجبين.
كذلك الشأن بالنسبة للمسير و المسؤول، فمدير مسرح قسنطينة فريد بو كرومة رحمه الله، من المناضلين القدامى في الحركة المسرحية، كما أنه تقلد عدة مناصب مسؤولية، ومباشرة بعد توليه منصب مدير مسرح قسنطينة الجهوي، عمل على جمع شمل الأسرة الفنية للمسرح، و كانت البداية بالاتصال بالفنان و المخرج المسرحي الكبير عمار محسن، الذي مكنه من إعادة بعث مسرحية "عرس الذيب"، كما كان دائما يجتهد من أجل أن يكون في مستوى سمعة و مكانة مسرح قسنطينة الجهوي.
مسرح قسنطينة بحاجة لمن يعيد له هيبته
* من تراه كفيلا بخلافته على رأس إدارة مسرح قسنطينة؟
     ـ بالنظر إلى خصوصية المجال، فإن تسيير المسرح لا يعتمد على مسير و موجه فحسب، لأن هذا الجانب تتحكم فيه قوانين إدارية، لكن بالإضافة إلى ذلك لا بد على مدير المسرح أن تكون له نظرة في إطار الإنتاج الإبداعي، و في مجال الفن الراقي.. فليس بإمكان أي فرقة مسرحية، أو أي فنان، أن يصعد على ركح مسرح قسنطينة، فمن أراد الظفر بفرصة عرض إنتاجه بمسرحة قسنطينة، لا بد أن يكون إنتاجه راقيا.
مسير للمسرح لا بد أن يكون فنّانا، تقنيا، إداريا، و هدفه دائما و أبدا إنتاج فني مسرحي راقي، يرضي الجمهور الذي يعد المستهلك الوحيد.
مدير المسرح ليس كمدير مصنع، لا بد أن يكون ملما بكل الجوانب، الفنية و التقنية و الإدارية، و لا بد أن يكون لديه مشاعر و أحاسيس و روح الجماعة.
* لنفترض أنه تم تعيينك مديرا جديدا لمسرح قسنطينة، ما هي أول ورشة ستقوم بفتحها؟
     ـ قبل الإجابة عن سؤالك هذا، تجدر الإشارة إلى وجود بعض الكفاءات المؤهلة لإدارة مسرح قسنطينة، من أبناء المسرح الذين لهم خبرة طويلة من الناحية الفنية و التسيير، على غرار الممثل و المخرج المتميز كريم بودشيش، و الذي يشغل حاليا منصب مسؤولية..
أما بخصوص سؤالك، فقبل أن افترض بأن أعين مديرا لمسرح قسنطينة، وجب التأكيد على أن المؤسسة الثقافية الخاصة بالمسرح، هي ورشة للإنتاج الفني المسرحي، و المستهلك الوحيد لهذا الإنتاج هو الجمهور، و عليه فإن المهمة الأولى للمسؤول الأول للمسرح، هي العمل على إرضاء المستهلك، على الأقل بنسبة 80 بالمئة.
بحكم تجربتي الفنية و في مجال التسيير الإداري، فإن أول ورشة هي العمل على توفير الظروف الملائمة لصانعي الفرجة (الفنانين المسرحيين)، أي بالانتقال من النص الجامد إلى النص المتحرك (النص المكتوب، الفنانين، الأكسسوارات..).
المهمة الثانية هي العمل على إنشاء مدارس للمسرح، خاصة مسرح الطفل (المسرح الهادف)، فأنا من خريجي مسرح المؤسسات التعليمية، و تم اكتشافي بالمدرسة الابتدائية.
المسرح هو واجهة المدينة، و بالتالي فإنه من الضروري تسطير برنامج للإنتاج المسرحي، للإبداع و للورشات، و الاجتهاد من أجل إنشاء محيط ثقافي، كما تجدر الإشارة إلى أننا مجبرون على ولوج عالم الاحتراف في المسرح، فالدعم المالي من أجل الإنتاج المسرحي قد لا يتجاوز 20 بالمئة من الغلاف الكلي، و عليه لا بد من إيجاد ما تبقى (20 بالمئة) عن طريق سبونسور، إذا لا بد على مسير المسرح أن يكون مختصا في المناجمنت، و لا بد أن يجمع بين التسيير و المؤسسة، لا بد أن يسير، يفكر و يوجه.
تعلمت من مجوبي الاستماع للآخر و الصبر

* كل هذا يتطلب خبرة كبيرة في المجال الفني و في مجال الإدارة و التسيير أليس كذلك؟
     ـ بعد 40 سنة من العمل في المجال المسرحي (فنيا و إداريا)، و بعد التجربة التي اكتسبتها مع الممثلين الذين عملت معهم منذ صغري، و الاحتكاك مع مديرين سابقين لمسرح قسنطينة، على غرار العملاقين سليم مرابعية و الحاج إسماعيل (رحمهما الله)، اكتشفت بأن الفنان و المسير سيظل يتعلم طوال حياته، فعلى سبيل المثال عشت تجربة شخصية مع الفنان العالمي عز الدين مجوبي، حيث كنا في غرفة واحدة في يوغسلافيا سابقا، إلى جانب صونيا و عزري، و قد تعلمت منه الشيء الكثير.. تعلمت منه قوة الاستماع للآخر، كما نصحني بالصبر و المثابرة في العمل.
للتذكير كنت كوميديا متربصا سنة 1975 رفقة الممثل القدير سيد أحمد أقومي، ثم شاركت في بعض المسرحيات المشهورة من إنتاج مسرح قسنطينة "هذا يجيب هذا" و "ريح السمسار"إلخ.. ، كما شغلت منصب رئيس الدائرة التقنية و الفنية، و شغلت منصب مدير مسرح الهواء الطلق محمد وشن لمدة 3 سنوات، كما أنني عضو مؤسس لكل النوادي الفنية لمدينة قسنطينة.
* لاحظنا  أن الفنان نور الدين بشكري مصر على إنشاء مدرسة لتعليم المسرح لشريحة الأطفال.. هل لنا أن نعرف سبب هذا الإصرار؟.
     ـ تقدمت سنة 2014 باقتراح لوزيرة الثقافة آنذاك السيدة لعبيدي، مفاده إنشاء مدرسة للأطفال، كوني مؤمن بأن المسرح و الرياضة متشابهان، فالفنان الذي لا يصعد على الركح و يتدرب على التمثيل منذ الصغر، لا يمكن أن ننتظر منه نتائج مرضية، ترضي الجمهور المحب و المتتبع، و عليه أقول و أعيد و سأظل أكرر و اقترح على كل مسؤولي قطاع الثقافة، سواء على الصعيد المحلي أو الوطني "أعطوني فضاء مسرحيا لتجسيد مشروع عمره 40 سنة، و سأعطيكم جيلا يضمن مستقبلا أفضل للفن و للفنانين"، مسرح العالم الصغير، بالإضافة إلى أنه يضمن لنا فنانين و جمهور راقي، فإنه يمكننا أيضا من تخليد الذين تعلمنا على أيديهم أبجديات الفن المسرحي.
السايح البوسطاجي سيعود في "ريح تور 2" و فيلم مع منتج أجنبي
* حدثنا و لو بإيجاز عن مشاريعك الفنية المستقبلية؟
      ـ المشاريع موجودة، و كل ما نتمناه هو أن يرفع الله عنا هذا البلاء و تعود الأمور إلى طبيعتها، حتى نشرع في تجسيد تلك المشاريع.
هناك مشروع الفيلم الكوميدي "ريح تور 2"، للمخرج عزيز شولاح، و كذلك هناك بعض الأعمال من إنتاج محطة قسنطينة الجهوية للتلفزيون، و هنا الشكر موصول لمديرها السيد سمير قنز، و لكل العاملين بها، كما يوجد مشروع فيلم طويل مع منتج أجنبي، سيأخذ منا حوالي 3 أشهر من العمل المتواصل، و أعدكم بالكشف عن مضمونه و بقية التفاصيل في الوقت المناسب.

الرجوع إلى الأعلى