يرى الدكتور في العلوم السياسية مدير مخبر الأمن الإنساني بجامعة باتنة 1، حسين قادري، بأن الدستور الجديد يمثل مرحلة مفصلية لاستعادة ثقة الشعب في مؤسسات الدولة، وأوضح في هذا الحوار الذي أجرته معه النصر، بأن الدستور الجديد يهدف إلى إرساء دولة المؤسسات، معتبرا أن مشروع الدستور الجديد أتى بجرعة حريات في مجال يتسع ويضيق بالقدر الذي تسمح به الظروف الداخلية والمحيط الدولي، وثمن العميد السابق لكلية العلوم السياسية بجامعة الحاج لخضر، ما اعتبره تفطن المشرع لتفادي الوقوع في ثغرة من يترأس الحكومة من خلال رئيس حكومة أو وزير أول، وربط ذلك بالتجربة التونسية، وأكد بأن مشاركة الجيش خارج الحدود تمليه الظروف حتى تتبوأ الجزائر مكانة إقليمية ودولية.
حاوره:  يـاسين عبوبو 
بداية ما تعليقكم على غلق مشروع التعديل الدستوري لباب المساس بالثوابت الوطنية؟
الدستور عبارة عن فلسفة عامة تحاول أن تؤكد ماضي الأمة وحاضرها، لترسم مستقبلها من خلال مواد، وقد حاد فيما سبق النقاش حول المسودة بعد أن تعرض البعض إلى الأمازيغية، رغم أن ترسيمها كلغة ثانية جاء في دستور 2016، لهذا فإن المساس بأحد الثوابت هو مساس بهوية وتاريخ الأمة، وقد سد مشروع التعديل الدستوري الجديد باب المساس بالثوابت الوطنية، وأظن أن الدستور الجديد جاء ليبني أمة متجانسة في اتجاه متوازن.
الدستور يحمل جرعة حريات تتماشى ودرجة الوعي في المجتمع
ما المرجو من الدستور الجديد؟
المطلوب من الدستور الجديد أو المرجو منه، إرساء دولة جديدة هي دولة المؤسسات، دولة قوية تخرج مما يسمى بالاختلافات الإيديولوجية إلى البناء، خاصة وأننا أضعنا الكثير منذ الاستقلال، فالأمة غيرت عديد المرات اتجاهها السياسي، ومررنا بمرحلة عنف خلال العشرية السوداء، والتي أخذت جهودا ودماء الجزائريين ومررنا بعشرين سنة من الفساد، ومن ثم فإن التساؤل الذي يطرح كيف لنا أن نرسي واقعا يختلف عن كل المراحل السابقة من خلال الدستور الجديد.
وبرأيي حتى وإن لم يكن هذا الدستور مثاليا، لكن أعتقد أنه راعى مسار الأمة ووعي الشعب لأن الأمة التي تسير خارج وعي شعبها يمكن أن ترتكب أخطاء، وتقع في ثغرات، وهنا يكمن الفرق بين دساتير الدول المتقدمة والدول السائرة في طريق النمو، لهذا وجب في كل مرة أن تعطي الدساتير الجرعات اللازمة بالقدر الذي يتماشى ووعي الشعب، ولنأخذ مثالا عن الحريات، فحرية التعبير والمعتقد لا يجب أن تتسبب في ضرب القيم والثوابت وكرامة الأشخاص أو الجمعيات أو الجماعات.
كيف للدستور الجديد أن يضمن الحريات من جهة وعدم المساس بها من جهة أخرى؟
مشروع الدستور الجديد أخذ بعين الاعتبار حماية حقوق الإنسان، بما فيها حرية التعبير والمعتقد، لكن كما قلت لا يجب أن تكون هذه الحرية سببا في ضرب القيم والثوابت، ومسألة الحريات تمثل الخيط الرفيع لكل نظام سياسي، ولكل وثيقة دستورية ولكل قانون عضوي فالاختلاف يقع حول كيفية التوفيق بين ضمان تلك الحريات، التي هي أساسية في حقوق الإنسان، وبين عدم تجاوز تلك الحريات للمعتقد والثقافة العامة، لهذا وجب فسح مجال الحرية في سياق ثقافة الشعب، ففي الغرب مجال الحريات أوسع بما يتماشى ودرجة الوعي والامتثال للقانون.
وفي ذات السياق، أعطيك مثالا بمواقع التواصل الاجتماعي، التي يظن العامة أنه مجال لفعل ما يشاء وقول ما يشاء، وهذا راجع لغياب ثقافة الاطلاع على القوانين ولعوامل أخرى، منها عدم لعب الإعلام لدوره، وغياب دور الأسرة، والمسجد، والمجتمع المدني، لهذا فإن منح حريات دون ضوابط لمجتمع غير واع ستكون له عواقب وخيمة، وهي معادلة الكثير لا يفهمها، فمثلا سن قانون الاختطاف أو قانون ردع عصابات الأحياء فرضها الواقع، فالظواهر الدخيلة على المجتمع الجزائري برزت بسبب اللاوعي وغيرها من العوامل، ولو لم تكن هذه الظواهر السلبية، لما سُنت القوانين لمحاربتها، إذن فالدستور يحمل جرعة حريات تتماشى ودرجة الوعي في المجتمع.
ما أبرز التعديلات الإيجابية التي جاء بها الدستور الجديد مقارنة بالدساتير السابقة؟
أبرز المؤشرات الإيجابية التي يحملها أي دستور، هو ضمان استقلالية السلطات والفصل بينها، وأي دستور تتضح مدى إيجابياته وسلبياته من خلال العلاقة بين السلطات، والدستور الجديد ينص على العلاقة التكاملية وليست التصادمية بين السلطات، وحتما العيوب ستظهر بمرور الوقت، فغلق البرلمان فيما سبق بالسلاسل يؤكد على الخلل بين السلطات، وهي صورة سببت أذى نفسي للشعب وأدت إلى فقدان الثقة بينه وبين مؤسساته، وتسببت أيضا صورة غلق البرلمان بالسلاسل في أذى معنوي للأمة في الداخل والخارج، وأظن أن الدستور الجديد، أخذ واستلهم الدروس من الممارسات السابقة.
ومن بين الإيجابيات التي حملها الدستور، تحديد الرئاسة بعهدتين متتاليتين أو منفصلتين مدى الحياة، وإنشاء محكمة دستورية، التي تضم أعضاء معينين ومنتخبين بدل المجلس الدستوري الذي كان يضم أعضاء معينين، بالإضافة لتضمنه لآليات رقابية لمكافحة الفساد لهذا فإن الدستور الجديد جاء ليصحح الأخطاء وينهي الممارسات السابقة، ومن بين مؤشرات مكافحة الفساد الذي كرسه قانون الفساد في حد ذاته في 2006، إلغاء الرسائل المجهولة المصدر، وتشجيع التبليغ عن الفساد بالاتجاه للعدالة أو عبر وسائل الإعلام.
مطلب الحريات لا يجب أن يكون على حساب بناء المؤسسات
كيف تقرأون آليات الرقابة التشريعية التي تضمنها المشروع؟
مشروع الدستور الجديد تضمن مجموعة من الآليات الرقابية فيما تعلق بالسلطة التشريعية، ففي السابق يمكن لرئيس الجمهورية، أن يشرع عندما لا تعقد دورات المجلس الشعبي الوطني، لكن من خلال الدستور الجديد يمكن للرئيس أن يُشرع، غير أنه وبمجرد أن يستأنف المجلس عمله، يُعرض عليه القانون، وإن رفضه يُلغى، فضلا عن ذلك هناك في السابق نوع من الاحتقار إن صح التعبير للأقلية في البرلمان، لكن بموجب الدستور الجديد يمكن لتلك الأقليات، إنشاء لجان وعقد جلسات للأخذ برأيها للمساهمة في التنمية الشاملة، والتي يمكن إيجادها في أفكار الأقلية وليس في أفكار الأغلبية.
والجديد الذي حمله التعديل الدستوري، ناهيك عن فرض آليات رقابة جديدة للسلطة التشريعية، هو تحديده للعلاقة بين الرئيس والبرلمان وهو ما تفطن له المشرع وأظن أنه أخذه من التجربة التونسية.
ما وجه الشبه في دسترة علاقة الرئيس بالبرلمان  بتجارب أخرى كالتجربة التونسية؟
علاقة الرئيس بالبرلمان تم التطرق لها في المسودة الثانية، ولم تكن مطروحة في المسودة الأولى، وأظن أن معالجتها كان نتيجة للتجربة التونسية، لتفادي توتر العلاقة بين الرئيس والبرلمان، لأن كليهما منتخب عنه من طرف الشعب، وما حدث في تونس، هو أنه تم تشكيل حكومة ليست سياسية من الأحزاب، فما كان من الأخيرة إلا أن رفضتها، لأنها حكومة تكنوقراط قبل أن يتم استدراك الأمر من المشيشي الذي توجه للأحزاب وطلب ثقتهم.
وأظن أن التجربة التونسية جعلت المشرع الجزائري، يتفطن لعدم الوقوع في نفس الثغرة، باعتماد عملية ازدواجية، بحيث يتم تعيين رئيس حكومة في حال تمكن حزب من نيل ثقة الجماهير الشعبية، التي تمنحه الأغلبية البرلمانية، فيكون رئيس الحكومة من هذه الأغلبية ويشكل حكومته.
وأما إذا قدر الله، وهذا هو الوارد هذه المرة، بحيث لم يتحصل أي حزب على الأغلبية بحكم ما هو ملاحظ بأن الشعب لا يعطي الثقة للأحزاب السابقة في الظرف الحالي، فهنا لابد من وزير أول يعينه رئيس الجمهورية، وهنا قد يتساءل البعض كيف لهذا الوزير الأول أن ينال ثقة البرلمان، وفي هذه الحالة يدخل الوزير الأول في نقاش مع الأحزاب، ويمكن أن يمنحهم حقائب وزارية، ومن ثم يستفيد من التصويت الإيجابي في البرلمان، وهو ملزم بذلك لتحصيل ثقة البرلمان.
غياب منافس جديد للأحزاب القديمة سيخدمُها
هل سيمكن الدستور الجديد، برأيكم، من الوصول إلى  برلمان قوي بعيدا عن تجربة المال الفاسد؟
البرلمان يكون قويا لما يكون شرعيا خرج من رحم اختيارات الشعب، بعيدا عن الممارسات القديمة، التي يصعب في الحقيقة القضاء عليها لأن أصحاب المال دائما موجودون، دون أن ننسى المحسوبية، والعروشية، لهذا فمبادرة رئيس الجمهورية بتشجيع الشباب على الترشح من خلال دعم حملتهم الانتخابية، مؤشر للتخلص من الممارسات القديمة، رغم عدم تكون أحزاب بعد الحراك، لأن غياب منافس للأحزاب القديمة سيخدم الأخيرة، خاصة في حال المقاطعة التي تخدمها لنيل مقاعد البرلمان، لهذا فإن التصويت سواء على الدستور أو القوائم الحرة المترشحة مستقبلا للبرلمان، سيغلق الطريق أمام الأحزاب القديمة.
والبرلمان القادم في حال التصويت على الدستور، سيكون فسيفسائيا من المقاعد الحرة وليس فسيفسائيا حزبيا، وللأسف البرلمان القادم لن يكون قويا، لأنه سيكون قويا بشرعيته لا بتركيبته، فالبرلمان القوي يكون من خلال حيازة أغلبية حزبية لمقاعده، وتكون هذه التشكيلات تحمل فعلا هموم المواطن، وفي ظل تلاشي وغياب الثقة في الأحزاب القديمة بعد الحراك الشعبي، لهذا فمن سيترشح للانتخابات التشريعية المقبلة هم الأحرار.
ماذا عن ضمانات عدم خرق الدستور وتمديد العهدات الرئاسية مثلما حدث في السابق؟
الوثيقة الدستورية حتى لو مرت وحظيت بالموافقة عن طريق التصويت بسلبياتها وعيوبها، هي ضمان لجزائر جديدة لأنه في واقع الأمر النصوص القانونية لا تنقصنا بقدر ضمان احترام تطبيقها، وتطبيقها مرتبط بالقرارات السياسية الصادقة، وأعتقد أن الظرف الحالي مغاير لما سبق فالحراك موجود دائما في وجدان الشعب، والسلطة على دراية بذلك، ويمكن أن نستشف الإرادة السياسية، من قرارات وتعهدات الرئيس في عديد المرات، كما أن الضمانات تكون من خلال مدى نزاهة الانتخابات دون تدخل المؤسسات التنفيذية، وكذلك في استمرارية معالجة ملفات الفساد ومتابعة المفسدين حتى يطمئن الشعب، دون استبعاد ملفات بما قد يثير شكوك الشعب ويرهن كسب ثقته.
ومن بين المؤشرات والضمانات التي تمثل أحد مطالب الحراك الشعبي، هي حل المجالس المنتخبة على المستوى الوطني والمحلي.
ما رأيكم في الجدل الذي أثير من حل المجالس المنتخبة قبل أو بعد التعديل الدستوري؟
غياب البرلمان سيؤدي إلى الفراغ، لهذا فالبرلمان لا يمكن حله، وقد ذهب البعض بمطلب الحل بداعي أن البرلمان فاسد ومن مخلفات السابق، لكن دعني أوضح أن البرلمان الفاسد هو خيار أحسن من الفراغ، والتجربة التي مرت بها الجزائر عند استقالة بوتفليقة أحسن دليل، وهي التي كادت أن تعصف بالبلد بعد تأجيل ثلاثة مواعيد انتخاب رئاسية، فتصور لو تم حل البرلمان أو فرضا مات الرئيس، صحيح أنه يجب على النظام السياسي إلغاء المجالس المنتخبة السابقة لأنها مجالس «شكارة» وممارسات فساد وتطبيقها بعد التصويت على الدستور من الضمانات الذهاب لجزائر جديدة.
إيجابيةُ أي دستور تتَّضح من فصله بين السلطات
ما الجديد في استبدال المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية؟
تغيير المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية، من أبرز التغييرات في مشروع الدستور الجديد، وفي الحقيقة هي تعد من النقاط الإيجابية بالنظر للفرق بينهما، والأثر المتوقع من المحكمة الدستورية التي أتت لاستدراك نقائص وسلبيات من الماضي، وبالنسبة للفرق بينهما فإن المحكمة الدستورية تضم أعضاء معينين من قبل رئيس الجمهورية وآخرين منتخبين عكس المجلس الدستوري الذي كان كل أعضائه معينين وللتعيين سلبيات تحد من الطموحات عكس المجلس المكون من المعينين والمنتخبين حتى وإن كان للانتخاب سلبيات أيضا بالنسبة للدول السائرة نحو التقدم.
وبخصوص الأثر المتوقع من المحكمة الدستورية، فهو التدخل عند الضرورة فلا ننتظر مثلا الرئيس أن يعلمنا بمرضه، ودورها البت في الخلافات القانونية التي قد تطرأ بين السلطات لتحكم بما يجب الحكم به، خاصة وأننا متجهون نحو مرحلة بناء مؤسسات، ويبرز دور المحكمة الدستورية خلال مراحل الضعف لتجنب الحروب الأهلية مثلا، والتصدي بذلك لاستغلال الأطراف الأجنبية التدخل.
بعد تجاوز الجدل حول منصب نائب الرئيس، أي نظام يكرسه الدستور الجديد وهل هو الأنسب للجزائر؟
كما قلت فإنه بعد إزالة منصب نائب الرئيس، فإن الدستور الجديد يجعلنا أمام نظام مزدوج، رئاسي وبرلماني بحيث يزاوج بينهما على أساس لا تطغى فيه سلطة على سلطة أخرى، والجزائر كدولة نامية لها تجارب سابقة من تطبيق النظامين، واصطدمت بعيوبهما، لهذا فالدستور الجديد يحمل من الحيطة والحذر ما يناسب وضع البلاد، خاصة بعد التشريع لما تعلق بمنصب رئيس الحكومة ورئيس الوزراء، فوضع البلد وما مدى وعي المواطنين يفرضان اختيار النظام السياسي في ظل محيط دولي متغير دون أن ننسى العشرية السوداء، وعشريتي الفساد التي مرت بها الجزائر، فالديمقراطية وحرية التعبير يجب أن لا تسبق بناء المؤسسات، بحيث يتم تسبيق العربة عن الحصان.
فالأولوية لبناء مؤسسات قوية نحتكم إليها وتعيد ثقة الشعب فيها، فالقراءة المتأنية للدستور تحمل جرعات حرية في مجال يتسع ويضيق، بالقدر الذي تسمح به الظروف الداخلية والمحيط الدولي.
ماذا عن تدخل الجيش خارج الحدود، وهل سيؤدي ذلك إلى تغيير في عقيدته؟
عقيدة عدم التدخل خارج الحدود ليست عقيدة إلهية، ومشاركة قوات الجيش خارج الحدود بموجب التعديل الدستوري أملته الظروف، فنحن وسط محيط مشتعل والجزائر لابد أن تتبوأ مكانة إقليمية من منطلق حجمها الجغرافي والشعبي والاقتصادي، كما أن عضوية الجزائر في الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، تفرض عليها التواجد في المحافل الدولية لحفظ السلم والأمن الدوليين والمشاركة في حماية حقوق الإنسان، وهذا لا يعني أن الجزائر ستدخل نفسها في النزاعات.

الرجوع إلى الأعلى