المشروع أدخل تعديلات إيجابية على أغلب المواد والديباجة
الذين يشتكون من أحكام الدستور الحالي ويرفضون التعديل يُناقضون أنفسهم
يؤكد الحقوقي والمحامي عمار خبابة أن مشروع تعديل الدستور المعروض للاستفتاء يوم الفاتح من نوفمبر، قدم ضمانات لتعزيز دور الرقابة والدور الاستشاري والتشاوري في شتى المجالات، و تعديلات في مجال الحقوق والحريات وصفها بالإيجابية، مشيرا في هذا الحوار الذي خص به النصر إلى أن الدستور لا يمكن أن يكون على مقاس شخص أو فئة معينة، فالهدف منه هو الوصول إلى توافق ونص نهائي يجمع كل الجزائريين على اختلاف توجهاتهم، داعيا الأحزاب السياسية بكل أطيافها إلى تثمين ما هو إيجابي والعمل على تحقيق مزيد من المكتسبات بدل الدفاع عن مصالح يرى أنها فئوية ومصلحية .
حاوره: عثمان بوعبد الله
ما هي قراءتك لأهم التعديلات في مشروع الدستور المعروض للاستفتاء في الفاتح من نوفمبر ؟
المشروع، أدخل جملة من التعديلات الإيجابية في أغلب المواد و في الديباجة، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الدستور، خلافا لما يتم تداوله في بعض الحوارات والمداخلات التي لم تشر لهذا التعديل الهام، حيث هناك من بقي يعتبرها مجرد نص إنشائي مكتوب، لكن في مشروع تعديل الدستور، منصوص عليها وكل ما ورد فيها يحتج به و يستند إليه حتى في الشق المتعلق بالدفع بعدم دستورية بعض المواد و القضايا التي نفضل فيها»المحكمة» الدستورية بحكم اختصاصها، فالديباجة محكمة بنص الدستور ولا يمكن تجاوزها طبقا لما ورد في خاتمة الديباجة فهي مثل المواد المنصوص عليها، بما فيه تثمين الحراك الشعبي وبيان أول نوفمبر المؤسس ودور الشباب و أهم المبادئ التي تقوم عليها الدولة، و ضمانات حقوق الإنسان والحريات .
و ماذا عن الشق المتعلق بالحريات والحقوق، و بالأخص المواد المتعلقة بإنشاء الجمعيات و الأحزاب والنشاط الجمعوي؟
النظام السياسي في الجزائر متوجه إلى الانفتاح أكثر، وقد دعونا الفاعلين إلى تثمين الإيجابي والمطالبة بعدها بالمزيد، أما أن نقلل من شأن التعديلات ونرفضها، فهذا أمر غير مقبول منهجيا، فكيف نرفض تعديلات لمخلفات نظام كان لا يمكن فيه أن تجرؤ على تنظيم وقفة أو محاضرة وهذه من أبسط الحريات،إلا بترخيص من الولاية،والانتقال إلى نظام آخر يقتصر على الإخطار لإنشاء الجمعيات والقيام بمختلف النشاطات والتظاهرات العمومية بما فيها الوقفات والتجمعات للأحزاب السياسية والجمعيات وفعاليات المجتمع المدني في حال الموافقة على الدستور، فستصبح غير ملزمة بالحصول على الترخيص من الإدارة، بل تقتصر المهمة على إخطارها بالنشاط، الآن بعض الأحزاب تشتكي و تقول إنها تتعرض لرفض طلب إقامة تجمع أو عقد اجتماع أو لقاء المجلس الوطني وغيرها، ثم تلجأ لخيارالمقاطعة أو التصويت بـ «لا» على مشروع دستور يحررها  من هذه العراقيل والضغوطات و يمنحها الحق في عقد الاجتماعات والمؤتمرات بدون ترخيص، أعتقد أن هذا تناقض وازدواجية في الطرح .
ما هو تقييمكم كحقوقي لسير الحملة الانتخابية لحد الآن، وهل قدمت الضمانات الكافية لشفافيتها ؟
أكيد، كما أنه دائما في الأسبوع الأول يكون فيه فتور في الحملة، و تعرف انتعاشا بعد ذلك، حتى في الانتخابات المحلية والتشريعيات، لذا لا يمكن الحكم عليها حتى نهايتها، أما عن الشق الثاني من السؤال فالقانون يمنح مثلما أكدته السلطة الوطنية لمراقبة الانتخابات كل التسهيلات لشرح مواد الدستور و ترك الخيار للمواطن والأحزاب في الاختيار الصائب سواء بـ «نعم» أو بـ «لا»، أما الدعوة إلى المقاطعة فهي جوهريا مخالفة لروح الديمقراطية، ما دامت هناك خيارات وتعديلات تهدف إلى التغيير وبناء جزائر جديدة تستمد قوتها من مطالب الحراك الشعبي، وأريد هنا أن أعقب وأضيف للتوضيح أن الدستور لا يمكن أن يكون على مقاس شخص أو فئة معينة، فالهدف منه هو الوصول إلى توافق ونص نهائي يجمع كل الجزائريين على اختلاف أطيافهم و معتقداتهم إن أردنا تأسيس الجزائر الجديدة، هذا من جهة، و من جهة أخرى هناك من يدعو إلى إقحام المدرسة والجامعة في التأثيرات السياسية، و منهم من انتقد إبعادها وهذا موقف فئات وليس موقف الأغلبية، والمسألة متوجهة إلى الاستفتاء والشعب مخير بين الدخول لمرحلة جديدة و إن أراد الإبقاء على دستور النظام السابق فليتحمل المسؤولية.
هناك من يطرح مسألة توزيع الصلاحيات لتحقيق توازن السلطات، فكيف ترى التعديلات في هذا الجانب ؟
هناك نظرة جديدة لتوازن الصلاحيات فالمشروع تخلى عن مصطلح السلطة وسمى الأمور بمسمياتها و هذا توجه جديد و كان موجودا في دستور 1963، و بعدها في الدساتير التي تبعته تم توظيف مصطلح السلطة على غرار السلطة القضائية والتنفيذية، لكن المشروع الحالي تخلى عن هذا المصطلح و وضع تسميات مباشرة على غرار رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة البرلمان، العدالة و القضاء .
التخلي عن مصطلح السلطة يعتبر طفرة جديدة، لتوازن الصلاحيات و كأن المشروع ينظر إلى السلطة من الناحية الوظيفية العملية ومن ناحية الممارسة وليس كجهة نافذة حتى لا نبقى رهينة للمصطلحات السابقة، التي كانت تقسم السلطات نظريا، وفقا لنظريات سابقة وهذه نظرة جديدة ... الآن كيف يمكن توزيع الصلاحيات بين المؤسسات،  فمشروع تعديل الدستور ينظر إلى السلطة كمؤسسات و ليس كأجهزة تقليدية، بما فيها مسميات السلطة، وهو تقسيم عضوي موضوعي انطلاقا من المهام وليس تقسيما للسلطات، و يمكن تطويرها أكثر فأكثر مع الممارسة والذهاب أكثر لتوازن الصلاحيات، فيصبح البرلمان بغرفتيه يمارس صلاحياته الكاملة و يكتسب صلاحيات أخرى مع الوقت، ويمارسها بكفاءة واقتدار، ما يعطيه القدرة والقوة الكافية لفرض كلمته وإحداث التعديلات في المستقبل على المدى المتوسط.
 مازال رئيس الجمهورية كمؤسسة يمارس صلاحيات واسعة وهذه من طبيعة النظام كونه منتخبا عن طريق الانتخاب العام والمباشر، وهذا يكفيه مادام الدستور يمنحه ذلك، ولكن مع الوقت أعتقد أنه لو تنتعش الحياة السياسية وتظهر أغلبية برلمانية يتم اختيار رئيس الحكومة منها و يثبت رئيس الحكومة كفاءته و تثبت الأغلبية كفاءتها، أعتقد أنه بالإمكان الدخول في مرحلة جديدة من التوازن في الصلاحيات والذهاب إلى نظام شبه برلماني.
على ذكركم لصلاحيات البرلمان كان بإمكان رئيس الجمهورية تمرير الدستور عن طريقه، لكنه فضل عرضه على الاستفتاء، ما هي قراءتكم لهذا الخيار، وما هو موقفكم من قرار حل البرلمان في الحالتين سواء كان التصويت بـ «نعم»أو»لا» ؟
رئيس الجمهورية طبق الدستور الحالي، فقد وضح في المادة 219 و ما بعدها، كيفية التعديل الدستوري، الذي يبادر به رئيس الجمهورية كقاعدة عامة أو ثلث أرباع البرلمان، طبعا البرلمان يصوت على التعديل ثم يتم المرور إلى الاستفتاء، فالأصل هي القاعدة، رئيس الجمهورية التزم بما جاء في الدستور، كما أن الدستور منح استثناء أنه إذا رأى «المجلس» الدستوري أن المشروع لا يمس بالمبادئ العامة للدولة وبالحريات وحقوق الإنسان والتوازن بين السلطات فالمجلس ينظر في التعديل، و يمكن أن يكون التعديل جوهريا على غرار المشروع المعروض للاستفتاء في الفاتح من نوفمبر، الذي قدم إضافات في الديباجة و في مجال حقوق الانسان والمواطن والحريات، و التوازن في الصلاحيات وأنشأ منصب رئيس الحكومة الذي ينتخب من البرلمان، كما منحه بعض الصلاحيات من بينها التعيينات وصلاحية الإخطار، وبالتالي فإن هذا التعديل لا يمكن أن يمر عبر الغرفتين فقط، دون النظر إلى الجانب التطبيقي في السابق و ما مرر من دساتير سابقة عبر البرلمان كان خرقا للقانون والدستور في حد ذاته.
و ما المنتظر في حال الموافقة على المشروع والانتقال من المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية، هل سيكون لها دور حاسم في رفض أي خرق للقانون كما سبق وأن أشرتم إليه ؟
المحكمة منهجيا تختلف عن المجلس من حيث الصلاحيات، وحتى منهجيا وعمليا فالتعديل لم يقتصر عند المصطلحات، وفعلا أضيفت صلاحيات في حال الموافقة على المستوى و اعتماد المحكمة الدستورية فهي تنظر أيضا في النزاعات التي تقع بين المؤسسات و هو ما لم يكن في السابق، حيث كان دوره المجلس الدستوري يكاد يقتصر على الموافقة وتثبيت نتائج الانتخابات، أما المحكمة الدستورية فلها صلاحية الفصل في النزاعات، أي دخلنا في مرحلة أخرى، بالإضافة إلى الاختصاصات والصلاحيات التقليدية فهي تنظر في دستورية التنظيمات بعدما كانت تنظر فقط في دستورية القوانين .
برأيكم ما هي أهم الثغرات التي تم تداركها في مشروع تعديل الدستور؟
لا أريد أن أسميها بالثغرات بل هي إضافة أهمها هو منصب رئيس الجمهورية، فمشروع التعديل أضفى شفافية أكثر، أين يمكن للمحكمة الدستورية أن تستدعى بناء على مسألة شغور المنصب بعد حصول المانع،وهي مختصة في هذه المسألة الحيوية، وكنا قد شاهدنا كيف أن الرئيس السابق كان مريضا، لكن لم يكن بإمكان المجلس الدستوري فعل أي شيء أو التحرك، لكن في المحكمة الدستورية و بعد إخطارها من جميع الأطراف المخولة بذلك سواء رئيس الحكومة أو الوزير الأول ورئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة، فيمكنها الفصل في هذه المسألة الهامة.
من جملة المآخذ أيضا ما يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء ففي الدستور الحالي، الذي لا يزال ساري المفعول، هو بمثابة الخصم والحكم فتشكيلته تضم وزير العدل والنائب العام و رئيس المحكمة العليا فعادة من يحرك الدعوة هو وزير العدل الذي كان له نفوذ بالمجلس، وعلى سبيل المثال، رغم أنه لا يحضر المجلس التأديبي، بل يترأسه رئيس المحكمة العليا لكن تأثيره كان بالغ الأهمية في القضاء، فجاء التعديل بإبعاد وزير العدل وأصبح غير معني بالتدخل، أي لم يصبح عضوا.
فإبعاد السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل عن مجلس القضاء، يمكنه أن يتيح التوازن في الصلاحيات، و يزيد من استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية باعتبار أن المجلس الأعلى للقضاء يرأسه فعليا الرئيس الأول للمحكمة العليا، لأنه هو من ينوب رئاسة المجلس وعادة هو الرئيس الفعلي، بعدما كان وزير العدل و هذا أمر مهم في الذهاب للتوازن في الصلاحيات و تكريس استقلالية القضاء و توجه أكثر نحو الاستقلالية والابتعاد عن النفوذ، حيث ستكون أغلبية أعضائه من القضاة المنتخبين، و هو ما من شأنه الدفع بقوة إلى الاستقلالية،لأن المجلس هو الذي يشرف على مسار القاضي من التوظيف إلى التقاعد .
في نفس السياق، ما هو موقفكم من تثبيت القضاة في أماكن عملهم واعفائهم من التحويلات ؟
الأمر يتعلق بقضاة الحكم، لو يتم التعديل ستكون لهم ضمانة، والمشروع نص على أنه لا يجوز نقلهم أو تحويلهم، مع بعض الاستثناءات التي ستكون من صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء، لكن في الدستور الحالي بإمكان وزير العدل توقيفهم أو تحويلهم ويعرض فيما بعد القرار على مجلس القضاء،الآن الأمر أصبح غير ممكن، قاضي الحكم غير قابل للنقل إلا ضمن الشروط المحددة فلا بد أن ينقل في اطار ضمانات نص عليها القانون بقرار من المجلس الأعلى للقضاء، أضيف هنا أنه في الدستور الحالي يمكن أن يحدث قرار التحويل أو الفصل بين دورتي المجلس و يعرض بعدها للمصادقة عليه، وهذا ما كان يستغل كعقاب بتحويل قضاة يرفضون الإملاءات والأوامر، لكن وفي حال الموافقة على الدستور الجديد سيصبح الأمر مختلفا، بحيث يصبح قرار التحويل أو التوقيف، إذا كان ضروريا لنقله بالنظر لكفاءته أوتأديبا ولا بد من المرور عبر مجلس القضاء .
هل قدم المشروع الضمانات الكافية لاحترام القانون والتقيد بنصوصه،لتجاوز أخطاء الفترة السابقة أين كشفت محاكمات كبار المسؤولين عن تجاوزات وخروقات، بما فيها الدوس على القوانين المسيرة لمؤسسات الدولة ومختلف القطاعات ؟
التعديل الدستوري، عزز دور الرقابة والدور الاستشاري والتشاوري في شتى المجالات، وذلك بإنشاء مؤسسات جديدة مثل السلطة المستقلة للإشراف على الانتخابات والسلطة العليا للشفافية ومكافحة الفساد، والمرصد الوطني للمجتمع المدني، والمحكمة الدستورية، فضلا عن تعزيز سلطات مؤسسات موجودة بتعديل تشكيلتها مثل المجلس الأعلى للقضاء والتحديد الدقيق لدورها مثل مجلس المحاسبة، ومن دون شك فإن هذه التعديلات سيكون لها أثر بالغ الأهمية في إضفاء الشفافية على تسيير الشأن العام وترشيد الحكم سواء تعلق الأمر بالنصوص وهو الذي عبرت عنه في سؤالك بالقوانين والمراسيم أو بالأشخاص الذين ستوكل لهم تلك المهام.
ع/ ب

الرجوع إلى الأعلى