العالم يتجه لوقف الإغلاق ولقاح كورونا لن يتاح للجميع قبل منتصف 2021
يدافع الدكتور وائل صفوت، المستشار الاقليمي للتوعية الصحية وعضو الاتحاد الدولي لمكافحة العدوى، عن أداء منظمة الصحة العالمية خلال أزمة كورونا، و يؤكد أن أطرافا اتهمتها بالمحاباة لتحقيق أغراض سياسية، كما يرى المستشار السابق بهذه المنظمة، أنه لا يمكن الجزم إن كان العالم قد دخل موجة ثانية من الوباء، غير أن المؤكد هو أن السلالات الجديدة للفيروس أقل شراسة، محذرا في حوار للنصر من التراخي في اتخاذ الاجراءات الوقائية مع حلول فصل الخريف.
* حاورته: ياسمين بوالجدري
* يحصي العالم اليوم أزيد من مليون وفاة بسبب فيروس كورونا و ما يقارب 37 ألف إصابة منذ تفشي الوباء قبل نحو 8 أشهر. هل توقعت بلوغ هذا الرقم؟
العدد الذي وصلت إليه الاصابات والوفيات بسبب كورونا، كان متوقعا و كنا نتوقع أكثر من ذلك لأن الفيروس ينتشر بسهولة. منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن العدد التقريبي يقترب من عشرة  بالمئة من سكان العالم حالياً، فليس كل الحالات تُحصى ويعود ذلك إلى تفاوت الأنظمة الصحية وضعف في تسجيل البيانات، غير أن الاجراءات التي تمت في كل الدول من إغلاق لم يشهده العالم إطلاقا، قللت من الإصابات والوفيات بشكل كبير.
الأسابيع القادمة ستكشف إن دخلنا موجة ثانية
* شهد الفيروس انتشارا أكبر منذ النصف الثاني من شهر سبتمبر خاصة بأوروبا و أمريكا الشمالية، وعادت العديد من البلدان إلى إجراءات الإغلاق بعد فترة استقرار مؤقتة. هل نحن أمام بداية موجة ثانية من الوباء، أم أن العالم دخلها فعلا؟
ما يشهده العالم الآن من ارتفاع لأعداد الإصابات والوفيات والإغلاق في بعض الدول مثل إسبانيا وفرنسا وانجلترا وفي الهند كذلك، مؤشر على بداية ارتفاع متوقعة مع فصل الشتاء. لا نستطيع أن نقول أن الأمر يتعلق بالموجة الثانية ولكن قد نعتبرها امتدادا أو ارتفاعا متوقعا للوباء.
الموجة الثانية تتمثل في انتشار سلالة أخرى من سلالات الفيروس بشكل مختلف قليلا بعد تحوره وهذا لم يثبت بعد، لكن ما يحصل الآن هو موجة لنفس الفيروس القديم والارتفاع ناجم عن الاجراءات التي اختلفت عند ذي قبل، بوقف الاغلاق والتعايش مع الفيروس الذي أصبح الآن أكثر. الأسابيع القادمة سوف تبنؤنا إن كانت هذه موجة ثانية أم لا.
* أشار باحثون إلى أن فيروس كورونا «سارس كوف 2” قد تعرض لطفرة جينية جعلته أقل خطورة. ما رأيك في هذا الأمر؟
فيروس «سارس كوف 2» له أكثر من سلالة، فمنها القوية ومنها الأضعف قليلاً، وحتى الآن السلالات الجديدة أقل تأثيراً وأقل حدة من حيث المضاعفات، ولكنها منتشرة، وهذا أمر متوقع ويمكن أن نعتبر أن المنتشر حاليا سلالة جديدة من الفيروس، حيث قد تكون أضعف أو مختلفة عن السلالة السابقة التي بدأت في نهايات 2019.
السلالات الجديدة لكورونا أقل حدّة
* عربيا، عاد عدد الإصابات ليرتفع بصورة مفاجئة و مددت عدة بلدان ساعات حظر التجول، مع ملاحظة حالة من التراخي العام وسط المواطنين. هل تتوقع الأسوأ خاصة مع اقتراب حلول فصل الشتاء؟
بالتأكيد يجب أن نتوقع الأسوأ، بالذات مع دخول فترة الخريف والشتاء فمن المعروف أن فيروسات الجهاز التنفسي بصفة عامة تنتشر خلال هذه الفترة، كما يمكن أن يصاب الشخص بأكثر من فيروس في نفس الوقت، مثل انفلونزا أو نزلة برد مع كورونا.
طول فترة الانتشار وطول وجود الفيروس في العالم، أحدث نوعا من التعود أو التراخي ما بين المواطنين، مع فتح الأماكن المختلفة المزدحمة وفتح الأنشطة المختلفة، وكل هذا ينذرنا ويجعلنا نتوقع الأسوأ حتى نأخذ إجراءات قوية ونستعد، بدل إحساسنا أن الأمور على ما يرام. ليس علينا أن نرتعب ولكن أن نحذر.
* كيف تقرأ تعاطي الدول العربية عموما، مع الجائحة؟
كان هناك تفاوت بين الدول العربية كغيرها من بلدان العالم، فبعضها اتخذت إجراءات قوية وأخرى اتخذت إجراءات متوسطة، وهناك بعض الدول وخاصة التي تعيش صراعات سياسية لم تتخذ الاجراءات المناسبة أو الكافية بسبب ضعف النظام الصحي بها. بالمجمل الدول العربية تتبع الإجراءات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية بنسب متفاوتة، وكانت نتائج ذلك مختلفة. يجب على كل دولة تصحيح أدائها لكي لا تتعقد الأمور بشكل مخيف ومربك مع ما لها من تأثيرات اقتصادية وصحية واجتماعية.
علينا توقع الأسوأ مع دخول الخريف
* تحصي القارة الأفريقية معدلات متدنية للإصابة بكورونا. هل ترى أن القارة السمراء قد نجت فعلا من مصير دول الشمال، أم أن الخطر ما يزال قائما؟
قد تكون قلة عدد الحالات في أفريقيا ناجمة عن ضعف الأنظمة الصحية وضعف الكشف، إذ توجد حالات لا تظهر عليها أعراض لكنها حاملة للفيروس، وكلما زادت الفحوص العشوائية يزيد العدد. هناك تفسير آخر متعلق بإمكانية وجود شكل جيني مختلف للفيروس مع حرارة الجو. أيضا الاستعداد الوراثي والأجناس والأعراق المختلفة قد تكون عوامل مؤثرة، إضافة إلى ذلك، بعض الدول لديها أمراض مناعية فيروسية تنفسية فتتشكل لدى سكانها مناعة نشطة مستثارة دائماً ومستعدة أكثر فتقاوم الفيروسات بشكل أكبر.
كذلك ارتفاع معدل العمر في دول أوروبا وأمريكا له تأثير، لأنه مع ارتفاع العمر ترتفع الأمراض المزمنة التي تعد من عوامل جعل الفيروس أكثر شراسة. يجب أن نتعامل مع هذه التفسيرات ونقيمها استعدادا للمرحلة القادمة.
*صرح مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن ثمة أملا في إيجاد لقاح لكورونا قبل نهاية العام، فيما تقود المنظمة مبادرة «كوفاكس” التي تعمل على إنتاج تسعة لقاحات تجريبية لتوزيع ملياري جرعة منها. إلى أين وصلت هذه المبادرة و هل أنت متفائل بأنها ستحقق النتائج المرجوة؟
هناك تجارب عديدة في العالم على اللقاحات. هناك اللقاحان الروسي والصيني ولقاح جامعة أكسفورد وقد تم بلوغ مراحل متقدمة في أكثر من لقاح، إذ لن يكون متوفراً لتغطية العالم كله، على أحسن تقدير، قبل منتصف سنة 2021.
لهذه الأسباب تحصي أفريقيا حالات أقل
مبادرة “كوفاكس”، تسعى لتوفير اللقاح مجانا أو بأسعار منخفضة لكن للأسف، الدعم الموجه لها من طرف الدول غير كاف، غير أن منظمة الصحة العالمية مستمرة وتحاول مع الدول المختلفة لأنها تتبع الأمم المتحدة، ودول العالم كلها يجب أن توفي بتعهداتها، هذا ليس إلزاماً قانونياً بل إلزام إنساني، فبقاء مريض واحد مصاب بفيروس كورونا يعني أن العالم كله مهدد.
* تتسابق مخابر العالم على تطوير لقاحات منها ما بدأ استخدامها فعليا، ويعتقد علماء أن هذا التسابق قد يكون على حساب العلم. ما رأيك؟
بالتأكيد، الربح المالي يهم شركات الأدوية وبعض الدول ولكن هناك تقييد ومعايير منها تجربة اللقاح على الحيوانات ثم على مجموعة بسيطة من البشر وبعدها على مجموعة أكبر، بإجراء تجارب سريرية ومتابعة المشاكل والتأثيرات والجرعات، وهذا يتطلب أشهرا. تعميم أي لقاح أو إقراره من الهيئات العالمية الصحية لا يتم إلا بعد استيفاء جميع المعايير.
* اتضحت منذ الأشهر الأولى للوباء، أهمية الكمامات التي أصبحت الوسيلة الأولى في خط الدفاع ضد كورونا، لكن كثيرين لا يلتزمون بارتدائها في الفضاءات العامة. كيف تُعلق على هذا الأمر و ما هي النصائح التي توجهها بهذا الشأن؟
الاجراءات الاحترازية والتباعد الجسدي وارتداء الأقنعة، هي الوسيلة الأمثل لمنع انتشار الفيروس. يجب غسل اليدين بالماء والصابون العادي أو بالكحول، وتنظيف الأسطح والحرص على التهوية الجيدة وعزل الشخص المصاب، كما أن الكمامة تذكّر الأشخاص أن الفيروس ما يزال منتشرا. ويمكن مواجهة كورونا بتقليل عدد الخلايا الفيروسية التي تدخل أجسامنا، ورفع المناعة بمتابعة حالة المريض المزمن والتحكم في التدخين والتدخين السلبي، وتناول فيتامين «سي» والزنك وفيتامين «دي» وغيرها، بالإضافة طبعا إلى الفاكهة والخضروات.
* أحيت المعمورة في العاشر من أكتوبر، اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يأتي في ظرف خاص يتسم بالأثر النفسي الذي تركته الجائحة على ملايين الأشخاص، فما هي تداعياته وكيف يمكن مواجهته؟
هناك تأثيرات على الصحة النفسية مع التباعد المجتمعي ومع الخوف والقلق من مشاكل كورونا ومن الوفيات، فبالتأكيد يجب رفع الطمأنة و الحالة النفسية وإيجاد وسائل للتواصل والدعم، للتقليل من المشاكل النفسية التي تضعف بدورها المناعة وتصيبها بأمراض مختلفة وليس فقط كورونا.
بقاء مريض واحد مصاب يعني أن العالم كله مهدد
* تعرضت منظمة الصحة العالمية لانتقادات طالتها حتى من رؤساء دول، خاصة ما تعلق بإدارة أزمة كورونا و «التأثر» بالنفوذ السياسي والاقتصادي لبعض الدول، لكن مدير عام المنظمة يؤكد بأن هيئته تعمل وفق المعطيات التي يتم تأكيدها من جانب العلماء. ما رأيك في هذا الأمر وهل تتفق مع من يرى بأن الجائحة فرصة لإصلاح طريقة عمل هذه المنظمة؟
منظمة الصحة العالمية هي منظمة أممية، بمعنى أن الدول هي التي تنتخب وتختار من يديرها لفترة من الوقت وتُغير في تشكيلها وآلية عملها وهو أمر لا يتم عبر وسائل الاعلام، مثلما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للضغط سياسيا على دول بعينها أو للضغط على المنظمة نفسها أو الابتعاد عن التوحد العالمي ضد قضية معينة بغرض تحقيق مكاسب سياسية أو مالية.
الاجراءات التي قامت بها المنظمة صحيحة وهي مبنية على معطيات معينة وخطوات واضحة وأبحاث خبراء، وقد قامت بما عليها بشكل جيد جداً. أكيد أن المعطيات تتغير وتتغير معها المعلومات بين يومٍ وآخر، وقد يحدث اختلاف بين المعلومات حسب المؤشرات اليومية، وهذا ليس خطأ بل شيء معروف ومتوقع.
لا يمكن أن تُتهم منظمة الصحة العالمية بأنها لم تأخذ الاجراءات الصحيحة، أو بالمحاباة أو التحيز لدولة على حساب أخرى، ولولا وجودها لاختلفت الأمور تماما عما نراه اليوم من أعداد الاصابات بكورونا، التي كانت لتكون أكبر بكثير وتُحدث فوضى وعواقب وخيمة على البشرية، خاصة أن هذا الوضع لم يشهده العالم قبل ذلك، حتى في فترة تفشي الانفلونزا الاسبانية بين سنتي 1918 و 1920.
التوحد هو التحدي الأهم للعالم للتخلص من فيروس كورونا وتداعياته، يجب ان يتعاون الجميع بما فيها الهيئات الدولية الصحية والدول والأنظمة الصحية المختلفة والقطاعان الخاص والعام وكل الجهات لتقليل حجم الجائحة والتخلص منها في أقرب وقت.
الصحة العالمية قامت بما عليها ولا يمكن اتهامها بالمحاباة
انضم آلاف خبراء الصحة إلى حركة عالمية تحذر من «أضرار جسيمة» تنتج عن تطبيق سياسات الإغلاق بسبب تفشي كوفيد-19، حيث دعوا إلى التركيز على توفير حماية للفئات الضعيفة، مع مواصلة الأصحاء ممارسة حياتهم الطبيعية. ما رأيك في هذا الطرح؟
هو طرح جيد و أنا معه، خاصةً أن مرضى الأمراض المزمنة أو الفئات الضعيفة هي أكثر عرضة للإصابة بكورونا ومضاعفاتها، فإذا أمكن توفير حماية لهم والعلاج ومنع العدوى مع أخذ الاحتياطات المختلفة سيكون ذلك أفضل كثيراً، خاصة في ظل انعزال الأشخاص وعدم ممارسة الرياضة، زيادة على التأثير النفسي للعزل المجتمعي والتباعد الجسدي وخاصة مع طول فترة هذا العزل، بالإضافة طبعا لموضوع التأثير الاقتصادي
كذلك، تعرض الأشخاص للأمراض المعدية والفيروسات يكسبهم مناعة، بينما يقلل عزلهم لفترة طويلة، من تعامل أجهزتهم المناعية مع أي فيروسات فيصبحون أضعف. أعتقد ان العالم كله متجه لهذا الطرح، بأخذ احتياطات وتوفير حماية لذوي الأمراض المزمنة وكبار السن، مع التعايش واتخاذ الاجراءات الخاصة بالحماية، وهي التباعد الجسدي وارتداء الأقنعة والنظافة الشخصية.
* متى سيتخلص العالم من كورونا؟
كل المؤشرات تقول إننا سنعيش مع فيروس كورونا لفترة سيكون مثل الانفلونزا الموسمية، ويُتوقع أن تحدث للفيروس تحورات مختلفة وينشط ويهدأ، لذلك نوصي العالم كله بالإجراءات الاحترازية و رفع المناعة الذاتية لأن القادم سيعرف مشاكل فيروسية كثيرة منها كورونا وغيره من الفيروس.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى