- المُثقف في الجزائر يعيش صراعًا بائسًا من أجل التمثيل المُؤسساتي للثقافة
يرى الدكتور عبد الحميد ختالة. أنّه كان علينا أن ننتظر الاِنفتاح الإعلامي الجديد الّذي شهدته الجزائر في المرحلة الأخيرة، حيث توسم فيه المواطن خيراً ليكون منبراً جديداً مُنفتحًا على الطاقات المُثقّفة الصامتة في دهاليز الهامش، لكن الحقيقة –حسب رأيه دائماً- أنّ خيبة الأمل كانت أكبر عندما حافظ الإعلام الخاص على النسق القديم في تعامله مع صوت المُثقف، فكانت سلطة الإعلام أكبر من صوت المُثقف، وبقي هذا الأخير يُمارس دور المُنفعل لا دور الفاعل. مؤكدا في هذا المعطى أنّ الفضاء الإعلامي في الجزائر تمكنَ من صناعة السياسيّ النجم وكذلك رجل المال النجم لكنّه فشل في صناعة المُثقف الميدياوي فضلاً على أن يكون نجمًا. مضيفا أنّ المعوّل عليه في المرحلة الراهنة هو الفضاء الإعلامي الثالث الّذي ظهر بشكلٍ جليّ من خلال وسائط التواصل الاِجتماعي على شبكات الإنترنت، وهي الفضاءات التي أثبتت عدم خضوعها للسائد وتمكنت من الخروج من جبة النّمطيّة لتفتح المجال واسعًا للمثقف الحقيقي من أجل أن يكون فاعلاً في دوائر صناعة الوعي الاِجتماعي.

حاورته/ نـوّارة لحــرش
الدكتور عبد الحميد ختالة، ومن جهة أخرى وفي سياقات ذات صلة بالتنمية الثقافية، يؤكد «أنّه لا يمكن للتنمية الثقافية أن تكون ذات قيمة دون إسهام مجموعة من الأنساق السّياسيّة والاِقتصاديّة والتربويّة، وأنّ تغييب أي طرف من هذه الأنساق قد يزيد في عُمق الهُوة، نظراً لطبيعة العلاقة المُعقدة والمُتكاملة لكلّ هذه الأنساق. ختالة، تناول أيضا في هذا الحوار بعض الموضوعات والإشكالات المتعلقة بهذا الشأن.
لا يجب أن تستقل إدارة الثقافة عن البحث الأكاديمي
كثيرا ما نسأل الناقد والباحث الأكاديمي والكاتب عن أمور تخص الأدب والفكر والثقافة. لكن نغفل أو نهمل طرح أسئلة أخرى لا تقل أهمية. منها سؤال «التنمية الثقافية». برأيك، كيف هو يا ترى حال التنمية الثقافية في الجزائر؟ وهل يمكن الحديث حقًا عن تنمية ثقافيّة جزائرية وهل نملك إستراتيجية، أو خارطة إستراتيجية خاصة بها؟
- عبد الحميد ختالة: إنّ الّذي يجب أن نتفق عليه بدءً هو تحديد نوع المُمارسة الاِجتماعية التي نُطلق عليها مُصطلح النشاط الثقافي، إذ لا يخفى على الجميع أنّ الفِعل الثقافي في الجزائر أصبح مشوبًا ببعض المُمارسات التي أفسدت على الكثير الفهمَ السليم لِمَا يُسمى ثقافةً، فانحصرت النشاطات الثقافية في بعض الكرنفالات الغنائية والولائم الباهتة التي لا تعكس العُمق العرفاني والوجداني للفِعل الثقافي، إنّ هذا الأخير ليس فقط وجاهة تشريفية لبعض أفراد المجتمع على حساب الأغلبية المُشّكِلة لفسيفساء المُجتمع الجزائري، وهنا يُطرح السؤال عميقًا، هل ما يُقدّمه المشهد الثقافي في الجزائر يُشكّل بحق الهُوية المعرفيّة والتاريخيّة والثّقافيّة للمجتمع الجزائري؟
هل نجح المشهد الثقافي في الجزائر في تقديم صورة مُتكاملة للثقافة المادية وغير المادية التي يتمتع بها الإنسان الجزائري كغيره من شعوب العالم؟
صحيح أنّ الفِعل الثقافي في أي مُجتمع يُراهن على المُتغير كما يُراهن على الثابت، إلاّ أنّ الثابت الثقافي في الجزائر أصبح مُغيّبا بشكلٍ غريب ما أفقد جيلاً من الشباب هويتهم الثّقافيّة سواء كان ذلك على المستوى المادي أو على المستوى اللامادي (الرّوحي)، وأجد أنّ السبب يعود إلى إبعاد الرؤية الأكاديمية العارفة بتمفصلات الهُوية الثّقافيّة وإستراتيجية الفِعل الثقافي عن التخطيط والاِستشراف في مجال الثقافة، إذ لا يستقيم أن تستقل إدارة الثقافة عن البحث الأكاديمي والتصوّر العالم من أجل رسم خطة إستراتيجية يصبح المشهد الثقافي فيها فاعلاً في صناعة المجتمع، بل ولديه الأدوات التي يسهم بها في إحداث تنمية اِقتصادية واجتماعية يظهر أثرها.
  التنمية الثقافيّة لن تكون ذات قيمة دون إسهام مجموعة من الأنساق السّياسيّة والاِقتصادية والتربوية
- ربّما لا يمكن الحديث عن تنمية ثقافية في الجزائر دون قراءة الواقع الثقافي، قراءة عارفة، باحثة ومتبصرة تذهب نحو الإشكالات والإرباكات والمعيقات التي تحيط بهذا الأمر؟
- عبد الحميد ختالة: يأخذنا الحديث عن التنمية الثقافيّة في الجزائر إلى قراءة الواقع الثقافي، هذا الواقع الّذي صادر هموم المُثقف التي كان يجب أن يعيشها لتُعوض بأخرى ساذجة جدا، إذ يعيش المُثقف في الجزائر صراعًا بائسًا من أجل التمثيل المُؤسساتي للثقافة ما حال بينه وبين الدور المنوط به، وهذا من أسباب ضعف المؤسسة الثقافية التي اِنكفأت على نفسها بجهود فردية خالطها التسرعّ والرؤية الأحادية وإقصاء واضح للتعدّد والتنوع والاِختلاف، فقدمت لنا صراعًا عقيمًا أكثر مِمَّا كان يجب أن تقدمه من فن وعِلم يرتقي بالإنسان، نحن اليوم بحاجة مُلِحة إلى تخطيطٍ مُحكم للعمل الثقافي من أجل أن يتوافق مع المُنجز والمنشود المحلي ويتكيّف مع الثقافة العالمية، كما يضطلع بالمؤسسة الثقافيّة اليوم أن تعمل على ترميم هذا الشرخ الّذي أصاب الهُوية الثّقافيّة في المجتمع قبل أن تفقد بوصلتها في عالم يُدافع فيه كلّ شعب على منجزه الثقافي وهُويته الحقيقيّة.
لا يمكن للتنمية الثقافيّة أن تكون ذات قيمة دون إسهام مجموعة من الأنساق السّياسيّة والاِقتصادية والتربوية، وتغييب أي طرف من هذه الأنساق قد يزيد في عُمق الهُوة، نظراً لطبيعة العلاقة المُعقدة والمُتكاملة لكلّ هذه الأنساق فترتبط التنمية الثّقافية حينها بالتنمية الشاملة حيث تمثل وسائلها وأهدافها خيارات المُجتمع بشقيه السياسيّ والمدنيّ، مع ضرورة فهم أنّ لكلّ ثقافة خصوصيتها وهويتها ولا ينبغي الوقوع في خطأ مُحاكمة ثقافة المجتمع الواحد بمعايير الزمن والمكان والعِرق والعقيدة، كما وجب العمل على تأصيل فِعل التثقيف الذاتي في الأفراد من خلال هيكلة المجتمع وتأطيره في جمعيات ثقافية ينتقل فيها الفِعل الثقافي من العمل المؤسساتي إلى العمل التطوعي الذاتي، ويبقى دور مؤسسة الثقافة تأطير فعّاليّات الثقافة في المجتمع.
المُثقف لم يحمل هموم الهامش عندما أُتيحت له فرصة الظهور على شاشات الإعلام المُتكئ على المركز
فِعل التثقيف هذا يُحيل إلى أسئلة ضرورية عن فِعلٍ آخر يرتبطُ بمفهوم المُثقف اليوم؟ وعن مجموعة الوسائط التي يحتاجها لإيصال أفكاره وتصوراته ورؤاه ورسالاته، ومشاريعه المعرفية والأدبية وحتّى النقدية؟
- عبد الحميد ختالة: يرتبطُ مفهوم المُثقف اليوم بمدى فاعليته في مجتمعه، إذ يمتلكُ من المُؤهلات المعرفيّة والتراكم الكافي من التجربة من أجل أن تكون له رؤية مفيدة وتحليل دقيق لكثير من المعضلات، وهو في ذلك يحتاج إلى مجموعة من الوسائط لإيصال أفكاره إلى السلطات الوصيّة أو حتّى لعموم النّاس، ولعلّ أهم تلك الوسائط وسائل الإعلام الثقيلة لأنّها ببساطة تُوفر سرعة اِنتشار المعلومة وكذا هي ضامنة لوصول الرسالة كاملة صوتًا وصورة، لكنّي أجد بأنّ العملية لا تتم على ما يُرام في الجزائر. كما لم يحمل المُثقف هموم الهامش عندما أُتيحت له الفرصة في الظهور على شاشات الإعلام المُتكئ على المركز. وكان علينا أن ننتظر الاِنفتاح الإعلامي الجديد الّذي شهدته الجزائر في المرحلة الأخيرة، حيث توسم فيه المواطن خيراً ليكون منبراً جديداً مُنفتحًا على الطاقات المُثقّفة الصامتة في دهاليز الهامش، لكن الحقيقة أنّ خيبة الأمل كانت أكبر عندما حافظ الإعلام الخاص على النسق القديم في تعامله مع صوت المُثقف، فكانت سلطة الإعلام أكبر من صوت المُثقف، وبقي هذا الأخير يُمارس دور المُنفعل لا دور الفاعل.
الفضاء الإعلامي المرئي في الجزائر لم يقتنع بعد بأنّه يُشكل السلطة الرابعة
وهل ظل هذا المثقف على حاله حتّى مع الاِنفتاح المهول للميديا؟ بصيغة أخرى ألم ينخرط المثقف في الميديا بالشكل الّذي يمكن أن نطلق عليه صفة المثقف الميدياوي. أو مثقف الميديا؟
- عبد الحميد ختالة:: قبل الحديث عن المثقف الميدياوي في الجزائر وجب الاِلتفات أوّلاً إلى منابر الميديا من أجل خلخلة رؤيتها النّمطيّة لدورها الإعلامي، فالفضاء الإعلامي المرئي في الجزائر لم يقتنع بعد بأنّه يُشكل السلطة الرابعة كما في كلّ دول العالم، فلا الإعلام تمكن من فِعله الحقيقي ولا المُثقف اِستطاع أن يضع لأفكاره مُخططًا سليمًا لبلورة ثقافة ميدياوية ذات تأثير وفعّاليّة في المجتمع. فعلاً، لقد تمكن الفضاء الإعلامي في الجزائر من صناعة السياسي النجم وكذلك رجل المال النجم لكنّه فشل في صناعة المُثقف الميدياوي فضلاً على أن يكون نجمًا.
إنّ المعوّل عليه في المرحلة الراهنة هو الفضاء الإعلامي الثالث الّذي ظهر بشكلٍ جليّ من خلال وسائط التواصل الاِجتماعي على شبكات الإنترنت، وهي الفضاءات التي أثبتت عدم خضوعها للسائد وتمكنت من الخروج من جبة النّمطيّة لتفتح المجال واسعًا للمثقف الحقيقي من أجل أن يكون فاعلاً في دوائر صناعة الوعي الاِجتماعي، وما يزيد في إعطائها الشرعيّة الاِجتماعيّة هو اِنخراط المُثقف التقليدي فيها واكتسابها لعددٍ كبير من المتتبعين بوفاء لمنجزاتها وتفعيلها الميداني لأفكارها.
ن/ل

الرجوع إلى الأعلى