- وثيقة التعديل فيها محاولة بعث حياة سياسيّة تحكمها مبادئ الشفافيّة والنزاهة والمُساءلة والكفاءة
يُؤكد الدكتور محمّد الطيب حمدان، الباحث الأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية والعلوم السّياسيّة بجامعة محمّد خيضر ببسكرة  أنّ نص التعديل الجديد للدّستور، يُؤسس لدولة تعمل على خدمة المواطن واسترجاع ثقته ومحاولة بعث حياة سياسيّة تحكمها مبادئ الشفافيّة والنزاهة والمُساءلة والكفاءة، وتفصل بين المال والسّياسة وتُحارب الفساد.
 الباحث يرى أن المشروعٌ يحمل في طيّاته نقاط قوّة ونقاط ضُعف يمكن تجاوزها بالحوار وبناء مؤسسات الدولة على أُسس اِحترام القانون. كما أنّ هذه المسودة –يُضيف- لبت مطالب الحراك الشعبي من خلال التوجه نحو بناء جزائر جديدة.
المراجعة الجديدة تُؤكد بوضوح «شمولية» صلاحيات مجلس المُحاسبة
الفقرة الثانية من المادة 199، مؤداها: «يُساهم مجلس المحاسبة في ترقية الحُكم الراشد والشفافية في تسيير الأموال العمومية وإيداع الحسابات». برأيكم هل بهذه الطريقة يمكن أن يُحدد المجلس علاقاته بالهياكل الأخرى في الدولة المكلفة بالرقابة والتفتيش ومكافحة الفساد. كيف توضحون هذه المهام بين مجلس المحاسبة وهياكل الرقابة؟
- محمّد الطيب حمدان: تُعبر هذه الفقرة عن إرادة السلطات العمومية في دعم اِستقلالية المجلس مِمَّا يجعله  «قادرا على تقديم الحسابات والسهر على المُساءلات بشفافية تامة في إطار مُراقبة تسيير المال العام»، إلى جانب دوره في تعزيز الحوكمة والحُكم الراشد للأموال العمومية. كما أنّ المراجعة الجديدة للدستور تُؤكد بوضوح «شمولية» صلاحيات مجلس المُحاسبة على كلّ ما هو عمومي، سواء كان تجاريًا أم إداريًا. للعِلم يُعالج القضاء سنويًا ما بين 10 إلى15 من الملفات تُحال عليه من طرف مجلس المُحاسبة، الّذي لا يُراقب «فِعل التسيير» وإنّما «يُراقب الوضع المالي العام للمؤسسات»، على حد قول رئيس المجلس.
من جهةٍ أخرى يترقب المجلس تعميم رقمنة المُعطيات الميزانية عبر الأرضية الاِلكترونية لوزارة المالية، وهي العملية التي ستسمح له بالوصول إلى المعطيات الموحدة والاِعتماد عليها كآلية يمكن من خلالها التحكم في كلّ المعطيات الرقمية التي يتحصل عليها المجلس لتساعده في تحليل المعطيات للخروج بتوصيات واقعية وتلامس المشاكل الهيكلية والوظيفية في كلّ مؤسسات الدولة والوقوف على كلّ التجاوزات.
مشروع ترقية الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته من بين الإيجابيات
ما الفرق بين مجلس المُحاسبة والسلطة العُليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته. وما القاسم أو الرابط بينهما؟
- محمّد الطيب حمدان: من بين إيجابيات مسودة الدّستور الجديد هو مشروع ترقية «الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته» والتي يتطرق لها الدّستور الحالي في فصل الهيئات الاِستشارية إلى «سلطة عُليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته»، حيث خصص لها فصلا كاملا (الفصل الرابع) في الباب المُخصص لمؤسسات الرقابة (والتي تشمل أيضا المحكمة الدّستورية ومجلس المحاسبة والسلطة الوطنية المستقلة للاِنتخابات).
ووفقًا للمادة 184 من مشروع تعديل الدّستور فإنّ المؤسسات الدّستوريّة وأجهزة الرقابة مُكلفة بـ»التحقيق في مطابقة العمل الـتشريعي والتـنظيمي للدّستور وفي كيفـيات اِستخدام الوسائل المادية والأموال العمومية وتسييرها».
كما أنّه خلال الفصل الرابع من الباب الرابع لمشروع التعديل الدّستوريّ يوجد تفصيل صلاحيات السلطة العُليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته بشكلٍ واضح، حيث قامت المادة 205 بتحديد ثماني مهام رئيسية لهذه الهيئة الرقابية. يتعلق الأمر أوّلاً بوضع استراتيجية وطنية للشفافية في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته، والسهر على تنفيذها ومتابعتها، وكذا جمع ومعالجة المعلومات المرتبطة بمجال اِختصاصها ووضعها في متناول الأجهزة المُختصة.
كما تقوم السلطة العُليا بإخطار مجلس المُحاسبة والسلطة القضائية المُختصة كلما عاينت وجود مُخالفات وبإصدار الأوامر، إذا اِقتضى الأمر للمؤسسات والهيئات المعنية.
وتُساهم أيضًا هذه السلطة العُليا في تدعيم قدرات المجتمع المدني والفاعلين الآخرين في مجال مكافحة الفساد، وتقوم بمتابعة وتنفيذ ونشر ثقافة الشفافية والوقاية ومكافحة الفساد، فضلاً عن المشاركة في تكوين أعوان الأجهزة المكلفة بالشفافية والوقاية ومكافحة الفساد والمساهمة في أخلقة الحياة العامة وتعزيز مبادئ الشفافية والحُكم الرشيد.
وتقوم السلطة العُليا من جهةٍ أخرى بإبداء رأيها حول النصوص المتعلقة بمجال اِختصاصها. وإلى جانب السلطة العُليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته فإنّ مشروع تعديل الدّستور يعمل على تعزيز دور مجلس المحاسبة كهيئة رقابة بعدية على أموال الدولة والجماعات المحلية والمرافق العمومية وكذلك رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة.
وتُعَّرِف المادة 199 من مشروع تعديل الدّستور مجلس المحاسبة بأنّه مؤسسة «عُليا» مستقلة للرقابة على الممتلكات والأموال العامة. ووفقًا للمادة نفسها فإنّ رئيس الجمهورية يُعيّن رئيس هذا المجلس لعهدة مدتها خمس سنوات «قابلة للتجديد مرّة واحدة فقط» وهو ما يُعد خطوة لتعزيز اِستقلالية هذه الهيئة المكلفة بـ»ترقية الحكم الراشد والشفافية في تسيير الأموال العمومية وإيداع الحسابات».
أمّا بخصوص التقرير السنوي الّذي يرفعه المجلس إلى رئيس الجمهورية فإنّ مشروع تعديل الدّستور يُلزم رئيس المجلس بنشره، بالإضافة إلى ذلك فقد تميز مشروع تعديل الدّستور بإدراج عِدة مواد جديدة تهدف إلى تحقيق المزيد من الشفافية في تسيير الأموال العمومية.
ونجد من بين هذه المواد المادة 9 التي تنصُ على أنّ الشعب يختار لنفسه مؤسسات من بين غاياتها «ضمان الشفافية في تسيير الشؤون العمومية»، وكذا المادة 24 التي تفرض على أي عون عمومي في إطار ممارسة مهامه «تفادي أي حالة من حالات تعارض المصالح».
وجدّدت المادة 24 ضرورة أن يقوم كلّ شخص يُعيَّن في وظيفة عُليا في الدولة أو يُنتخب أو يُعيَّن في البرلمان أو في هيئة وطنية أو يُنتخب في مجلس محلي، بالتصريح بممتلكاته في بداية وظيفته أو عهدته وفي نهايتها. كما تنصُ نفس المادة على حظر «اِستحداث أي منصب عمومي أو القيام بأي طلب عمومي لا يستهدف تحقيق المصلحة العامة».
وفي نفس التوجه تنصُ المادة 25 على أنّ القانون يُعاقب على «اِستغلال النفوذ والتعسف في اِستعمال السلطة». وحتّى القَسَم الّذي يُؤديه رئيس الجمهورية خلال تنصيبه على رأس الدولة تمّ تعديله ليُضاف إليه اِلتزام الرئيس بـ»الحفاظ على المُمتلكات والمال العام». المادة90.
البرلمان هو أيضا هيئة رقابية ذات أهمية بالغة ومواد جديدة أضافت له بعض القواعد العامة  
و ماذا عن البرلمان وهو أيضا هيئة رقابية ذات أهمية بالغة. كيف هي قراءتكم للمواد المتعلقة بالبرلمان في نص مشروع تعديل الدّستور؟
- محمّد الطيب حمدان: أمّا بالنسبة للبرلمان وهو أيضا هيئة رقابية ذات أهمية بالغة، فإنّ المادة 139 قامت بإضافة «القواعد العامة المُتعلقة بالصفقات العمومية» ضمن الميادين التي يمكن للبرلمان أن يشرع فيها. وفضلاً عن ذلك فإنّ المادة 129 من مشروع التعديل نصّت على أنّ عضو البرلمان لا يتمتع بالحصانة إلاّ بالنسبة للأعمال «المرتبطة بممارسة مهامه» قبل أن تنص المادة 130 على أنّ عضو البرلمان يمكن أن يكون «محل مُتابعة قضائية عن الأعمال غير المرتبطة بممارسة مهامه البرلمانية بعد تنازل صريح من المعني عن حصانته وفي حال عدم التنازل عن الحصانة، يمكن لجهات الإخطار، إخطار المحكمة الدّستوريّة لاِستصدار «قرار» بشأن رفع الحصانة من عدمها.
كما أنّ جوهر صلاحيات السلطة العُليا للشفافية أيضا أنّها تخطر مجلس المحاسبة والسلطة القضائية كلما عاينت وجود مخالفات. كما يمكنها إصدار أوامر عند الاِقتضاء للمؤسسات والأجهزة المعنية. كما أنّ الأساس الدّستوري الّذي تقوم عليه هذه المؤسسة الرقابية موجود في الديباجة التي أكدت أنّ الجزائر متمسكة بالعمل على الوقاية من الفساد ومكافحته وفقًا للاِتفاقيات الدولية. أيضا فإنّ هناك المادة 184 التي تنص على أنّ المؤسسات الدّستوريّة وأجهزة الرقابة، وأبرزها مجلس المُحاسبة والسلطة العُليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، مُكلفة بالتحقيق في كيفية اِستخدام المال العام وتسييره.
الرقابة الدّستوريّة تمّ توسيعها للتنظيم بعدما كانت مقتصرة على القوانين العادية والعضوية
تمّ توسيع الرقابة الدّستوريّة للتنظيم، بعدما كانت مقتصرة على القوانين العادية والعضوية. والرقابة القبلية والبعدية على صعيد النص موجودة، لكن الممارسة اِقتصرت على الرقابة القبلية. ما هي قراءتكم ونظرتكم لهذا الشأن؟
- محمّد الطيب حمدان: فيما يخص الرقابة الدّستوريّة، تمّ توسيعها للتنظيم، بعدما كانت مقتصرة على القوانين العادية والعضوية. والرقابة القبلية والبعدية على صعيد النص موجودة، لكن الممارسة اِقتصرت على الرقابة القبلية أي قبل نشر وإصدار القانون. كما أنّ المحكمة الدّستوريّة أسندت لها فيما يخص رئيس الجمهورية، مهمة إثبات حالة الشغور، أمّا في إطار الرقابة على الرئيس، فلم يتم إسناد لها أي دور. كما لم يحدث أن طرحت مسألة الرقابة البعدية، لكون رئيس الجمهورية ظل محترمًا لعدم نشر القانون، قبل إخطار المجلس الدّستوري وإحالة مشروع القانون المُصادق عليه من طرف البرلمان، لإصدار قرار يتم إرفاقه بالنّص القانوني المصوب من طرف الجهة الدّستوريّة، رغم الظروف التي تعيشها البلاد اِقتصاديًا.
أهم شيء جاءت به مسودة مشروع تعديل الدّستور هو تحديد العهدات الرئاسية
برأيكم وحسب قراءاتكم، إلى أي حد يُعزز نص مشروع تعديل الدّستور، الاِستقرار المؤسساتي والدّستوري؟ وبالموازاة مع هذا، هل يُعزز الاِنتقال الحقيقي إلى الدّيمقراطيّة، وهل يُؤسس لعهدٍ جديد؟
- محمّد الطيب حمدان:أعتقد أنّ أهم شيء جاءت به المسودة هو تحديد العهدات الرئاسية، فهذا أمر إيجابي جداً لأنّ الجزائر مر عليها أكثر من ربع قرن أي منذ دستور 1996 الّذي حدّد العهدات الرئاسية، والعهدات مفتوحة ولم يُحترم الدّستور الّذي أعده الرئيس السابق اليمين زروال المُقيّد للعهدات الرئاسية باِثنتين فقط. لكن يبدو أنّ الأمر صار جديًا بعد أن أدرج الحكم الدّستوري ضمن موانع التعديل وأغلق الباب بشكلٍ صريح فيما يتعلق بهذه النقطة. وهذا ما يُعزز التداول على السلطة الّذي غاب خلال عهدة الرئيس السابق.
أمّا من حيث طبيعة العلاقة بين السلطات كنا ننتظر إزالة الثقل الوارد في الدستور الحالي بمواده الـ218 إلاّ أنّ مسودة المشروع جاءت محشوة بالمواد التي وصل عددها إلى 240 مادة.
لكن من ناحية سلطات الرئيس لم يتم تقليص مهام رئيس الجمهورية، حيث تمّ الاِحتفاظ بنفس الصلاحيات بل أُضيفَت لها صلاحيات أخرى مثل تعيينه للأعضاء المُسيرين لسلطة الضبط، (البند11 من المادة96). كذلك فيما يخص السلطة التنفيذية تمت المحافظة على صلاحيات رئيس الجمهورية، فلسنا أمام سلطة تنفيذية برأسين ولسنا أمام رئيس حكومة ذي صلاحيات مُعتبرة، حيث ظلت صلاحياته محصورة، فهي نفسها صلاحيات الوزير الأوّل مع إضافة بندين في المادة 110 «يُوجه ويُنسق ويُراقب عمل الحكومة» و»يمكن أن يُفوض بعض صلاحياته للوزراء». وهذا البُند غير جيّد لأنّ رئيس الحكومة قد يُجبر على تفويض بعض صلاحياته على قلتها ومحدوديتها لوزراء مُعينين فضلاً عن ذلك فإنّ رئيس الجمهورية طبقَا للوثيقة في شكلها الحالي، غير ملزم بتعيين رئيس الحكومة من الأغلبية.
في الأخير نرى بأنّ هذا التعديل يُؤسس لدولة تعمل على خدمة المواطن واسترجاع ثقته ومحاولة بعث حياة سياسيّة تحكمها مبادئ الشفافيّة والنزاهة والمُساءلة والكفاءة، وتفصل بين المال والسّياسة وتُحارب الفساد، كما أنّه مشروع يحمل في طيّاته نقاط قوّة ونقاط ضُعف يمكن تجاوزها بالحوار وبناء مؤسسات الدولة على أُسس اِحترام القانون، كما أنّ هذه المسودة لبت مطالب الحراك الشعبي من خلال التوجه نحو بناء جزائر جديدة.
ن/ل

الرجوع إلى الأعلى