كشف رئيس جمعية أطباء الأعصاب لناحية الشرق الجزائري و المختص في طب الأعصاب و العضلات الدكتور أحمد عليوش، عن تسجيل إصابات بمرضي  ألزهايمر و باركينسون بين الشباب، بعدما كانا لا يصيبان في الماضي، سوى المسنين، و يعود ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها الاستعمال السيئ للوسائل التكنولوجية.
و في حديثه للنصر أكد المختص أن هناك خلط كبير بين الصحة العقلية و العصبية، ما جعل الكثير من المرضى ضحايا التشخيص الخاطئ ، خاصة أن الكثير من المشاكل العصبية و العقلية، لا تستدعي علاجات دوائية بل تحتاج إلى تشخيص دقيق  و تكفل نفسي، قبل وصف العلاج بالأدوية.
عوامل عديدة أدت إلى ظهور أمراض دخيلة على المجتمع.
 * حاورته :  هيبة عزيون
 lالنصر:  هل عرفت قائمة الأمراض العصبية الأكثر انتشارا بالجزائر تغيرا في السنوات الأخيرة؟   
 ـ أحمد عليوش:  قبل سنوات كان الصرع و الصداع بأنواعه، من  الأمراض العصبية الأكثر شيوعا في الجزائر ، لكن انتشرت مؤخرا  أمراض  عصبية جديدة  لها علاقة بأمراض الشرايين  و العضلات  و أمراض الحركة الإرادية  كباركينسون و التصلب  اللوحي، فمثلا أصبحنا نحصي من  3 إلى 4 مرضى جدد  كل شهر، يصابون بباركنسون أو ألزهايمر ، فمرض الألزهايمر  كان في الماضي  جد نادر في الجزائر، يصيب المسنين ابتداء من 65 سنة، فما فوق،  لكن مؤخرا سجلنا إصابات عند الشباب .
l حسب رأيك كمختص ما هي العوامل التي ساعدت على ظهور هذه الأمراض عند الشباب بعدما كانت في الماضي تقتصر على المسنين؟
ـ إن  التطور التكنولوجي و الاستعمال السلبي للتكنولوجيا،  له تأثيرات خطيرة على المخ و الشرايين الصغيرة  التي غالبا ما يصيبها التلف و الانسداد ، و هذا يسرع  ظهور  ألزهايمر و  الصداع و تزايد عدد النوبات العصبية  ، و من الناحية الطبية  استعمال الهاتف أو جهاز الكمبيوتر لأكثر من نصف ساعة دون انقطاع، سيتعب الأعصاب، كما يسبب ظهور مشكل الصداع الكلي أو الجزئي  بسبب التركيز العصبي و تركيز البصر بشكل خاص عند الأطفال ، و  هو ما لاحظناه منذ بداية الجائحة، حيث تزايد عدد المرضى  الذين يقصدون العيادة بسبب مشاكل عصبية، من بينهم الأطفال ، حيث تضاعفت لديهم عدد نوبات الصرع بسبب الإفراط في استخدام اللوح الإلكتروني طيلة ساعات النهار و الليل  كما تفاقم مشكل الصداع  بشكل غريب.
الصرع لم يعد مقتصرا على الأطفال الصغار
l هل نفهم من خلال ما سبق أن الأمراض العصبية لم تعد مرتبطة بالفئة العمرية وأن الشباب في الجزائر أصبح أكثر عرضة لها؟  
ـ لقد تغيرت المعطيات حاليا ، و لا يمكن ربط مرض معين بفئة عمرية أو جنس،  فمثلا  قبل 10سنوات من اليوم، كان  الصرع يصيب الأطفال الصغار بشكل خاص  ، لكن  اليوم هناك  حالات كثيرة عند الكبار و  بنسبة متساوية بين الرجال و النساء ،  أما ألزهايمر الذي كان يظهر عند الفئات المتقدمة في السن من 60  فما فوق ،  أصبحنا نسجل  إصابات به لدى الشباب، و عموما هو يصيب النساء أكثر من الرجال ، و نفس الشيء بالنسبة لمرض باركينسون الذي كان يصيب  الأشخاص من سن 50 سنة  فما فوق ، لكن في السنوات الأخيرة هناك إصابات  في أوساط الشباب  و هو عموما يظهر عند الرجال أكثر من النساء.
كما لاحظنا تزايدا في أمراض الأطفال، خاصة الصرع و لعدة عوامل ، فبعدما كان عامل القرابة بين الزوجين  من مسببات الصرع عند الطفل ، أصبح تناول المرأة للأدوية بشكل كبير قبل و خلال فترة الحمل، من أبرز العوامل التي تؤدي إلى ظهور هذا المرض،  إلى جانب الضغوطات الاجتماعية و العائلية و المهنية مثل العمل لساعات طويلة و القيام بمهام شاقة.
  lيوصف الفرد الجزائري بأنه شخص عصبي المزاج ، بل هناك من يرى أن   هذا الملمح يطغى على المجتمع ككل  لأسباب جينية، كطبيب كيف ترى هذا الانطباع عن الجزائريين؟
ـ نعم هذا الحكم فيه جانب من الصحة،  لكن فيه نوع من التضخيم ، و قد ساهمت العادات  و المحيط و العامل التاريخي و الاجتماعي في تعزيز هذه الطباع لدى الجزائري الذي يتسم بالعصبية،  لكن علميا لا توجد دراسة تؤكد وجود كروموزمات أو جينات لها علاقة بجعل الفرد أكثر عصبية.
60 بالمئة من مرتكبي
 الجرائم يعانون من مشاكل عصبية و عقلية
lتشهد بلادنا  في السنوات الاخيرة  تزايدا في معدل العنف و  جرائم القتل البشعة  ، و كثيرون يربطون الظاهرة بتفشي الأمراض العصبية و النفسية و العقلية ، هل هذا صحيح؟
ـ إن 60 بالمئة من مرتكبي هذه الأفعال يعانون من اضطرابات عصبية و عقلية ،  لكن الإشكال ليس في المرض، لأنه ليس دافعا أساسيا لارتكاب الجريمة ، بل في الطريقة الخاطئة في استخدام الأدوية  و الكميات الكبيرة التي يتعاطاه الشخص، ما يؤدي إلى هيجان عصبي ،   كما أن  هناك أمراضا  عصبية تتصف بالعنف  و التصور الإجرامي و لها علاقة هرمونية ومرتبطة بعلاقة المريض بالمجتمع ، لكن عموما الإجرام بنسبة كبيرة غير مرتبط بالمرض، بل بطريقة  استعمال المريض للأدوية.
l ما سبق يقودنا للحديث عن الخلط بين الصحة العقلية و الصحة النفسية، كيفية  يمكن الفصل بينهما  ؟
ـ حقيقة هناك خلط كبير بين الصحة العقلية و النفسية، خاصة عند العامة و كذلك عند بعض الأطباء، حتى أن تخصصا واحد  كان يجمعهما في سنوات سابقة ،  الصحة العقلية تعني وجود اضطراب بين الأنا و المحيط  تترجمه  تصرفات غير صحيحة  و غريبة،  و يمكن القول أنها ذات صفة غير ملموسة  ، أما الأمراض العصبية  فتعني وجود مشكل أو خلل في الجهاز العصبي، أي وجود عطب ملموس في الجهاز العصبي ، و في بعض الأحيان قد يجتمع كلا المرضين عند شخص واحد ، لذا  قبل تشخيص حالة كل مريض، يجب إخضاعه لفحص جيد و دقيق، حتى لا يتم الخلط في تصنيف أصحاب الأمراض العصبية، على أنها أمراض عقلية ، و هو ما يحدث عادة  ، و يؤدي ذلك إلى وصف علاج و أدوية خاطئة  تؤثر سلبا على المريض .
فهناك الكثير من الأمراض العصبية تصنف على أنها اضطرابات عقلية  و يقضي أصحابها مدة في المصحات العقلية ، و هنا تكون النتائج وخيمة على المريض ، لكن حاليا مع توفر الإمكانيات أصبح من السهل الفصل بين الصحة العقلية و العصبية و التشخيص الدقيق.
مرضى قضوا سنوات
 داخل مصحات عقلية بسبب تشخيص خاطئ
l  هذا يعني أن الخطأ يقع عند تشخيص المرض العصبي على أنه عقلي، ما الذي يحدث في هذه الحالة؟
ـ نعم غالبا ما يتم تصنيف الكثير من أصحاب المشاكل العصبية ، على أنهم مصابون  باضطرابات عقلية ، و هذا  سيؤثر لا محالة على نوعية العلاج الموصوف و مدته ، و قد يتحول المرض من عصبي إلى عقلي  و الأمثلة في الواقع كثيرة.
l هل يؤدي التهاون في معالجة بعض الأمراض العصبية إلى ظهور مشاكل عقلية؟
ـ نعم ، معظم الأمراض العصبية تحتاج إلى علاج نفسي  و تكفل ليحقق العلاج الدوائي النجاعة المطلوبة، و إلا تتحول إلى مرض عقلي بسبب الضغوطات النفسية ، أو تتطور من مرض عضوي إلى نفسي و عقلي.
التراخي في تحرير الوصفات الطبية ساهم في انتشار
 دواء « ليريكا»
lيقال أن استسهال  بعض الأطباء  عملية وصف بعض الأدوية و المهدئات أدى إلى انتشارها و المتاجرة بها، على غرار دواء «ليريكا» الشهير ، ما مدى   صحة هذا الكلام؟
ـ في الحقيقة الوصفة الطبية هي أمر مقدس ،  لذا لا يمكن وصف مثل هذه الأدوية لأي كان، و بدون تشخيص جيد و دراسة معمقة لكل حالة مرضية ، و حسب اعتقادي هناك نوع من التراخي من قبل بعض الأطباء في إعطاء هذه الوصفات، ويوجد حتى من يفتقدون لبعض أخلاقيات المهنة، و  يتمادون نوعا ما    في منح هذه الأدوية، فكل مريض له مشاكل عصبية أو حتى عقلية، ليس بالضرورة  بحاجة  إلى علاج دوائي .
l بسبب وصفات  تضمنت أدوية من  قبيل «بريغبالين» أو « ليريكا» تعرض الكثير من الأطباء للمتابعات القضائية ، كرئيس لجمعية طبية هل لديك أرقام بهذا الشأن؟
ـ ليس لدينا أرقام مضبوطة ، لكن هناك عدد معتبر من الأطباء الخواص في ناحية الشرق، استدعوا في قضايا تحقق فيها العدالة ، حول استخدام أو المتاجرة بالمهلوسات ، و خاصة خلال السنتين الأخيرتين،  حيث تم تسجيل من 7 إلى 8 حالات من مجموع 105 أطباء مختصين في الأمراض العصبية بناحية الشرق الجزائري ، لكن لحسن الحظ الاستدعاءات ليست مباشرة، بل من أجل الإدلاء  بالشهادة.
تزايد حالات الأرق و نوبات الصداع بسبب أزمة كورونا
l هل تسبب  اقحام أطباء في قضايا من هذا النوع في امتناع البعض عن   وصف أنواع معينة من المهدئات والمؤثرات العقلية لمرضى، حتى و إن كانوا بحاجة إليها؟
ـ هذا أمر بديهي فهناك أطباء أصبحوا يتجنبون وصف هذه الأدوية ، المشكل لا يكمن في الدواء بل الإشكال في طريقة استخدامه.   فدواء « ليريكا»  مثلا   كان يوصف في السابق لمرضى الصرع ، ثم تحول إلى مسكن لأصحاب الالتهابات الحادة خاصة مرضى السكري ممن لديهم مشاكل عضلية .
l يرى مختصون أن جائحة كورونا خلفت مشاكل نفسية بسبب الخوف من المرض وتغير نمط الحياة ، هل لاحظت ارتفاعا في عدد المصابين بالأمراض العصبية منذ ظهور كورونا  ؟ و ما هي أهم الأمراض التي ظهرت أو ارتفع معدلها مع كورونا ؟
ـ لقد تسببت أزمة كورونا العالمية في  ظهور العديد من المشاكل العصبية و النفسية  و تركت آثارا نفسية و جسدية ، بداية من  الخوف من الفيروس و سرعة انتشاره  ، ما أدى إلى  ظهور حالات  من الأرق بسبب عدم انتظام الساعة البيولوجية للإنسان ، حيث ارتفع  عدد المرضى الذين يقصدون العيادة و لهم مشكل الأرق  بأزيد من   50 إلى 60 في المئة ، ناهيك عن ظهور اضطرابات حادة و تزايد عدد نوبات الشقيقة أو الصداع الكلي أو النصفي .
l هل  يؤثر  العامل النفسي على المناعة ويرفع احتمالات الإصابة بفيروس كورونا؟
 ـ  أكيد  فالمناعة العصبية تصبح حساسة  بسبب الخوف أو الأرق  و في هذه الحالة كل عامل نفسي يؤثر على مناعة الجسم، بما في ذلك  الخوف من فيروس كورونا  ، حتى أن ذلك يترجم في تصرفاتهم، فيعتبرون وسائل الوقاية غير قادرة على حمايتهم من الإصابة ،  لذا يجب  التعامل بعقلانية لتفادي المرض.
lباعتبارك رئيسا لجمعية أطباء طب الأعصاب لناحية الشرق ما هو دورها في  الارتقاء بالتخصص إلى مستوى ما هو متاح من علاجات في الخارج  ؟
ـ الجمعية موجودة منذ سنة 2008 ، و بصفتي رئيسا  لها،  أسعى لتنظيم ملتقيات دولية  و لقاءات تكوينية  و بيداغوجية  بحضور خبراء من أجل مواكبة التطور العلمي في مجال الأمراض العصبية  ، و حاليا الجمعية تضم 105 أطباء مختصين من ناحية الشرق الجزائري، و قد نظمنا إلى غاية اليوم، 13 ملتقى دوليا ، كما نحضر لإصدار مجلة علمية مختصة في الأمراض العصبية و الأمراض ذات الصلة ، بمعدل مرتين كل سنة، لنبلغ بعدها أربعة أعداد كل سنة   أما في ما يتعلق بالجانب الإحصائي و الدراسات فأقر أن هناك نوعا من التقصير في هذا الجانب، لكنه يبقى ضمن الأهداف المبرمجة.                      هـ / ع

الرجوع إلى الأعلى