* فرنسا أرادت تقسيم الجزائر مثلما فعلت إسرائيل بالفلسطينيين
تكشف المؤرخة و المعمارية الجزائرية سامية هني، عن الخطط التي أعدتها فرنسا لتقسيم الجزائر خلال الثورة التحريرية، والتي تشبه ما قامت به إسرائيل على الأراضي المحتلة الفلسطينية، كما تتطرق الأستاذة بجامعة كورنال الأمريكية في حوار للنصر، إلى مفهوم الثورة المضادة التي مارسها المستعمر على الجزائريين من خلال خيارات معمارية أخفت وراءها عنصرية و أهدافا سياسية، لتفصّل خريجة المدرسة الوطنية متعددة التقنيات للهندسة والعمران بالجزائر العاصمة، في المشروع الاستعماري الفرنسي الذي تم تصديره للغرب، بعدما فجّر العائلة الجزائرية وخلق مشاكل اجتماعية، وهو  أمر توضحه الدكتورة هني في كتابها الأخير الذي يعتبر ثمرة أطروحة دكتوراه من المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا بيزيورخ، و الذي تخبرنا أنها ذهبت فيه إلى أبعد من الهندسة الكولونيالية.

حاورتها: ياسمين بوالجدري

ربطتِ بين العمران والتاريخ والسياسة في كتابك الحائز على العديد من الجوائز والمعنوَن "العمارة من الثورة المضادة: الجيش الفرنسي في شمال الجزائر"، لماذا قررت التعمق في هذا الجانب وتحديدا في علاقة التعمير بالسياسة الفرنسية المنتهجة ضد الجزائريين خلال الثورة التحريرية؟
كبرت في حسين داي بالجزائر العاصمة، أين تم إنجاز الكثير من البنايات التي تعود إلى سنوات الخمسينيات و الستينيات، لكنني لم أكن أعرف تاريخها، حيث حاولت فهم العلاقة بين الممارسة الاستعمارية و الإجراءات العسكرية، وتداخلهما مع الهندسة المعمارية والتعمير.
في الواقع، هذا عمل لم يبدأ بقرار مباشر مني، بل بدأ شيئا فشيئا عندما شرعت في العمل على السكن، و تدريجيا اكتشفت أنه كانت هناك محتشدات التجميع ومدن جديدة أنجزت. هذا البحث كانت متعلقا بما وجدته في الأرشيف المدني والعسكري خاصة في فرنسا، و كان ذلك لأفهم مبدأ الثورة المضادة، وقبل ذلك السكنات الجماعية المنجزة سنوات الخمسينيات و الستينيات أين كانت حرب الجزائر في أوجها.
السكن شبه الحضري أدى إلى إفقار الجزائريين
لماذا اخترت التعمير؟ لأن السياسات التي اعتُمدت في هذا الجانب كانت على نطاق كبير جدا، وقد غيرت تماما حياة السكان، و خاصة في الشمال ضمن ما كان يسمى بأقسام وهران، قسنطينة و الجزائر، فيما تركت الجنوب للعمل القادم الذي سأقوم بتطويره. الكتاب يبدأ بالحديث عن المحتشدات و ينتهي بالتطرق إلى مدينة “روشي نوار” وهي بومرداس حاليا.
لماذا لم نر مؤرخين كثـر اهتموا بالجانب الذي اشتغلت عليه؟

لا يمكنني الإجابة على هذا السؤال، لكن ما أستطيع قوله، إنه كان من الصعب جدا إيجاد مصادر عسكرية تتيح قراءة الهندسة المعمارية عن طريقها، ففرنسا الاستعمارية لا تتحدث في الأرشيف عن التعمير بشكل مباشر، بل تستعمل مصطلحات أخرى، لذلك كان يتوجب تعلّم قراءة النصوص العسكرية، التي تتحدث عن مراقبة وتوزيع السكان، و التعمير والهندسة المعمارية.
لقد غيرت تماما نقطة الانطلاق في البحث، فلم أبدأ من الأرشيف المتعلق بالهندسة أو مثلا من أقسام المدينة و التخطيط التابعة للحكومة الفرنسية كما يتم عادة في مجال الهندسة، بل ذهبت إلى مصادر في الإدارة الاستعمارية وأخرى عسكرية. عندما أقول عسكرية، قد يعتقد البعض أنني أتحدث عن الحرب فقط، و لكن في الحقيقة، الحرب تحدث عبر طرق استغلال المساحات. أعتقد أن الأسئلة التي قمت بطرحها ساعدتني على الذهاب إلى مصادر أخرى.
فرنسا كانت تخشى الأحياء القصديرية
كيف ذلك؟
أعلم أننا سئمنا من الحديث عن الحرب في الجزائر، يجب قول ذلك، وفي العديد من المرات طُلب مني أن أتحدث عن أمور جيدة وليس عن الحرب في كل مرة، فالأمر متعلق بالأجيال المتعاقبة، إذ أن هناك جيلا يريد المرور إلى شيء جديد، لكن ما كنت أريد انتقاده فعلا، هو السياسية الاستعمارية، فللأسف، في مجال الهندسة المعمارية، نتحدث عن الهندسة الكولونيالية، لكن في إطار سياق ضيق. ما أردته هو الذهاب إلى أبعد من ذلك، لأن الأمر لا يتعلق بفترة زمنية معينة، بل بمشروع استعماري تمت إقامته.
هل صادفت عقبات في الوصول إلى الأرشيف الاستعماري؟
وجدت صعوبة شديدة في الولوج إلى الأرشيف بالجزائر، على غرار أرشيف مدينة الجزائر الذي يظل غير متاح رغم أنه هام. الأرشيف الوطني ببئر خادم مثلا يحتاج إلى تصاريح، و عندما وصلت إليه وجدت أن الفهرس غير كامل فلم أستطع العمل مثلما أردت. أتأسف لهذا الأمر، لكنني أعلم أنه في مجال السينما هناك عمل يتم القيام به من خلال تمويل أعمال سينمائية بهذا الخصوص.
في فرنسا، و إلى غاية الفاتح جانفي من سنة 2020، كان الأرشيف متاحا للجمهور، و أحمد الله على أنني استطعت الوصول إليه قبل هذا التاريخ، حيث أغلِق كل ما كتِبت عليه عبارتا “سري" أو "عسكري"، وحتى عندما تُرجم كتابي من الانجليزية إلى اللغة الفرنسية سنة 2019، لم نحصل على أموال، إذ كان يجب على الناشر إعداد ملف لأن الكتاب “كان سياسيا للغاية” وفق ما قيل لنا، رغم أن الناشر طبع من قبل العديد من الكتب التي تتحدث عن التاريخ. إذن توجد مشكلة بالنسبة للكتاب في فرنسا و أظن أن ذلك موجود أيضا في الجزائر.
أرقام السكنات في مشروع قسنطينة كانت مجرد دعاية
كيف استخدمت فرنسا العمران و مراكز التجميع للتأثير على الجزائريين من خلال «الحرب النفسية» مثلما وصفتها في مؤلَّفك؟
في الحقيقة، ما أردت إظهاره فعلا في هذا الكتاب، هو فشل فرنسا في مشروعها، نعم لقد قامت بتشييد عمارات وغيرها، لكنها غادرت الجزائر في النهاية. الفكرة لدى الفرنسيين كانت باستحداث مراكز التجميع للتحكم في السكان، وهذا يشبه ما قاموا به في الهند الصينية، و خلال الحرب العالمية الثانية، ثم في الجزائر، قبل أن يصدّروها إلى الولايات المتحدة التي اعتمدت هذه الطريقة في الفيتنام.
لقد كان ذلك ضمن أكبر سياسة عمرانية وريفية تُنفذ حتى قبل مجيء الجنرال ديغول، لكنه عندما جاء سنة 1958، أراد تحريف فكرة الحرب مع العرب عن طريق مشروع قسنطينة، رغم أن الفكرة ظلت موجودة.
مشروع قسنطينة شمل القطاعين الصناعي والزراعي ومجالات عدة، وفي قطاع السكن أعلن عن مشروع إنجاز سكنات لمليون شخص بالجزائر. لقد كان الفرنسيون على دراية بأن الثوار يعيشون داخل الأحياء القصديرية في الوسط الحضري، فأزالوا هذه الأحياء و استحدثوا أحياء مؤقتة و فئات جديدة من السكن و منها السكن شبه الحضري الذي لم يكن لا حضريا ولا ريفيا و زاد من إفقار الجزائريين.

لا أثق في الأرشيف الكولونيالي
في كل مرة، أردت أن أظهر أن الفرنسيين أرادوا تقريبا تقسيم الجزائر إلى أجزاء، مثلما حدث في إسرائيل، لينتج جزء فرنسي و آخر جزائري. ما أنجزه المستعمر من بنايات يدخل ضمن التراث الجزائري، لكن على المستوى السياسي، لم ينجح فأراد مثلا فرنسة النساء غير أنهن بقين جزائريات. هناك أمور لم تسر مثلما أراد المستعمر لأن هناك دائما إرادة مناهضة للاستعمار.
أعلن الجنرال ديغول بأن مشروع قسنطينة يتضمن إنجاز 200 ألف سكن لإيواء مليون نسمة، هل كانت هذه الأرقام صحيحة في الواقع أم أن الأمر دعاية استعمارية محضة؟
لقد كان هناك الكثير من الدعاية في ذلك الوقت، حيث لم تنجز 200 ألف سكن، بل أقل من ذلك بكثير. لا نعلم ما هو عددها بالضبط، لأن الفرنسيين أخذوا بعضا من الأرشيف معهم، لكن الكثير منه ظل بالجزائر، و لم نستطع فتحه. الأمر نفسه ينطبق على مراكز التجميع فهناك من يقول إن عددها 3700 و هناك مصادر تقدم رقما آخر، غير أنها تبقى أرقاما متضاربة لسنا متأكدين منها.
هل لديك أرقام عن أعداد الأحياء القصديرية التي تم هدمها، وأهم النقاط التي طُبقت بها هذه الاستراتيجية لإبعاد الثوار عن الشعب الجزائري؟
لا أحب الأرقام، لأنني لا أعلم إن كانت أرقام الأرشيف الفرنسي صحيحة، لكن هناك خرائط تبيّن مواقع هذه الأحياء. لقد كانت فرنسا تخشى جدا من الأحياء القصديرية ولم تستطع حتى إحصاء عدد سكانها، مثلما كان الحال مع القصبة بالجزائر العاصمة، و التي كان الخروج منها أمرا صعبا، حتى أن هناك عمليات عسكرية سميت عملية الأحياء القصديرية و أخرى عملية القصبة. كان يجب على الفرنسيين أن يعلموا «من يعيش أين» و ترقيم جميع السكان، لذلك فإن هذه الاستراتيجية شملت القضاء على أحياء بأكملها. لقد كانت حربا ضد كل الجزائريين و ليس ضد «الفلاقة» فقط مثلما كان يسميهم المستعمر.
تطرقت في أحد فصول الكتاب إلى مصطلحي إحلال السلم كما يصفه الفرنسيون أو الثورة المضادة، وقد شرحت أن الأمر كان يتعلق في الواقع بحرب غير متكافئة وحرب نفسية و بحرب شاملة ضد كل الجزائريين الذين أريد لهم أن يتفرقوا بغرض تحديد هوياتهم، و ذلك عبر قطع الدعم الطبي و المعنوي و الاقتصادي و حتى المعلومة، عن هؤلاء السكان.
بالعودة إلى السكن شبه الحضري، انتقدت في كتابك هذا النمط وذكرتِ أنه انتقص من قيمة الجزائريين و لم يوفر وسائل الراحة التي حظي بها المعمرون؟ أين تركزت أكثـر هذه السكنات وهل لديك فكرة عن أعدادها؟
في الواقع، أنا لم أرد القيام بعمل إحصائي أو اجتماعي، لأن ذلك يعني الوثوق في محتوى الأرشيف الكولونيالي، وأنا لا أثق به، فهو عبارة عن دعاية بحتة، لذلك فإن ما يجب القيام به هو عمل يشارك فيه الطلبة بالجزائر عبر ورشات لإعادة رسم الخرائط و مخططات للسكنات شبه الحضرية. لدي صور خرائط لكن لم أشأ نشرها لأنني لا أعلم إن كانت صحيحة و لا توجد أية إمكانية للتحقق منها، لذلك قمت بعمل يتمثل في قراءة النص وفهمه.
صادفت مشكلة في ترجمة كتابي بفرنسا لأنه "سياسي للغاية"
لقد حاولت فهم سيكولوجية المستعمر مثلما سماها فرانتز فانون، لمعرفة ما الذي أراد الفرنسيون القيام به، فهم لا يفصحون عنه في النص.
في هذا الإطار، أبرزت من خلال بحثك، بأن المستعمر مارس عنصرية ضد الجزائريين عبر العمران، فما هي أهم الفروقات التي رصدتها بين السكنات الموجة للأوروبيين و تلك التي أنجزت لأصحاب الأرض؟
ما عملتُ عليه هو الهندسة المعمارية التي أرادت بها فرنسا ثورة مضادة، لقد أنشأت مناطق للجزائريين فقط و أخرى للأوروبيين فقط مثلما عرضته في آخر الكتاب بخصوص مدينة “روشي نوار”. هناك فرق شاسع، أولا بالنسبة للمعماريين الذين تمت الاستعانة بهم، ففي مساكن الأوروبيين تم استدعاء معماري فاز بجائزة روما للفنون، و عرف في فرنسا عندما عمل بعد ذلك على برج مومبارناس، كان شخصا يتمتع بنظرة نوعية في المعمار وهو الذي أنشأ “روشي نوار” و هي مدينة إدارية خصصت فقط للأوروبيين الذين يعملون لفائدة الحكومة الفرنسية في الجزائر.
بالنسبة لكل ما يتعلق بالجزائريين، كان التعامل تكنوقراطيا ولقد قارنتُ حتى بين ما شُيد في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية و بين ما أنجز في الجزائر، أين تم تقليص المساحات بالجزائر لتكون ضيقة جدا، لتجنب أن تعيش العائلات مع بعضها البعض، و هذا أمر اعترف به الفرنسيون. لقد أرادوا تفجير النموذج العائلي الجزائري بشكل تام، فلا يبقى الأب والأم و الأبناء يعيشون مع الأعمام والعمات والأجداد، وهو ما خلق مشاكل اجتماعية بين الأسر.
عرف عدد من البنايات الاستعمارية المشغولة حاليا تدهورا، بينما لا يتلاءم البعض الآخر مع طبيعة الأسرة الجزائرية التي تنزع إلى الحفاظ على الخصوصية، هل رصدتِ هذا الأمر؟
بالفعل، هناك مشاكل، و صحيح أن هذه البنايات لا تتلاءم مع الثقافة الجزائرية، لكنني أتساءل هنا عن ما الذي فعلته الجزائر بعد الاستقلال، خاصة ما تعلق بالترميمات التي تتم بصورة ضئيلة جدا. في الحقيقة لم أشتغل كثيرا على فترة ما بعد الاستقلال بل ركزت على الفترة الممتدة بين سنتي 1954 حتى 1962، لذلك أفضل ترك الآخرين يعملون على ما بعد هذه الفترة.
فرنسا فجرت نموذج الأسرة الجزائرية بالمنازل الضيقة

هناك من يعتبر هذه البنايات مكسبا، حيث أضفت تنوعا عمرانيا بالمدن الكبرى بالجزائر من خلال نمط العمارة الأوروبية. هل توافقينهم الرأي؟
أرى أن التاريخ بُني من خلال ما أسميه طبقات، فلقد كان هناك العثمانيون و الفرنسيون بالجزائر في القرنيين الثامن عشر و التاسع عشر. لا أستطيع فعلا الحكم بأن هذه البنايات مكسب أم لا، و المثير للاهتمام هو أن كل المدن التي كانت تسمى وقتها أقسام فرنسية، وهي قسنطينة و وهران والجزائر، بها الطبقات التي ذكرتها، وهي تدخل ضمن التراث في اعتقادي، لكن القول بأنها مكسب، فيه تعميم، إذ يجب النظر في الأمر حالة بحالة، فهناك بنايات خلقت لوحدها خطابا مثل مقر البريد المركزي بالعاصمة.
ترين أن العمران الفرنسي في الجزائر اختلف عنه في المستعمرات الأخرى لأن المستعمر حاول إظهار هيمنته الثقافية على هذا البلد واعتقد أن باق فيه. ما هي أهم أوجه هذه الاختلافات؟
إذا كان ينبغي عقد مقارنة، فيجب أن تكون محددة جدا، و أنا أخشى التعميم، إذ يجب أخذ حالة بحالة، و مدينة بمدينة، فالعاصمة مثلا كانت بالنسبة لفرنسا رهان شمال أفريقيا، حيث أرادت استحداث مناطق لإسكان الأوروبيين و الفرنسيين بها لخلق فرنسا أخرى بالجزائر.
هكذا تم التخطيط لبناء فرنسا أخرى بالجزائر

في المغرب كان الأمر مختلفا تماما فقد كان تحت الحماية الفرنسية، بما يعني أنه كان يمكن للمغاربة الاستمرار في أن يكونوا مغاربة بشكل جيد، فلم يكونوا خاضعين لقانون الأهالي. مدينة الدار البيضاء على سبيل المثال، أنجِزت بالكامل لفائدة الأوروبيين، ليس مثلما حدث في الجزائر، أين تم الذهاب إلى المناطق الريفية و احتلال الأرض. في الهند الصينية، كان الأمر مختلفا تماما أيضا.
ذكرتِ في بداية الحوار أن فرنسا أرادت تقسيم الجزائر مثلما فعلت إسرائيل في فلسطين التي تعبرين عن اهتمامك بها، هلا فصّلت لنا أكثـر في هذه التقسيمات؟
لا أشتغل حاليا على فلسطين، لكن أنظم حاليا سلسة محاضرات مع باحثين حول هذا البلد الذي لا يتم التحدث عنه كثيرا. لقد نشرت في الكتاب خرائط تبين وضع 4 فرضيات لتقسيم الجزائر من أجل ترك حاسي مسعود و  حاسي الرمل و غيرها من مناطق الصحراء الجزائرية الغنية جدا بالغاز و البترول، تحت السيطرة الفرنسية، و كذلك من أجل ترك خطوط الأنابيب تمر عبر التراب الجزائري إلى أوروبا.
هذا التقسيم كان مرتبطا بالثروات الطبيعية و كذلك بالتجارب النووية في صحراء الجزائر. لقد استشهد الفرنسيون بما فعلته إسرائيل في فلسطين وأجروا مقارنات بينها وبين فرنسا، وهذه نقطة غير معروفة كثيرا.
تقسيم الجزائر ارتبط بثروات الصحراء والتجارب النووية
تُبيّنين أيضا أن الأمريكيين استخدموا استراتيجية فرنسا الاستعمارية بالجزائر في غزو العراق. كيف وصلت إلى هذه النتيجة؟

عندما وقعت حرب الجزائر سنة 1957 نظم الفرنسيون مؤتمرا في بيونس آيرس، حيث جمع بلدانا بشمال وجنوب القارة الأمريكية، وما تم وقتها في نظر المستعمر، هو بيع المعارف لهذه الدول في إطار تجارة و استراتيجية عسكرية قابلة للبيع، حتى أن الأمريكيين وظفوا ضباطا فرنسيين عملوا في الجزائر وبعضهم كان قبل ذلك في الهند الصينية و في الحرب العالمية الثانية وهو ما أعتبره استمرارية لفاشية و استعمارية تستخدمها ديمقراطيات غير حقيقية.
دافيد غلالة مثلا، وظفته جامعة هارفرد بأحد مراكز الأبحاث بها و ألّف كتابين باللغة الانجليزية مباشرة، وقد كانا حول الجزائر، لقد خلقت فرنسا سياسة مضادة للتمرد بالجزائر كما سمته، و مصطلح الثورة لم يكن موجودا في قاموسها أصلا، لأن الثورة تعني القبول بأن الحكومة الفرنسية سقطت.
لا وجود للحياد في مجال التأريخ
قد يقول البعض إنك لم تكوني حيادية في مقاربتك التي عرضتها بالكتاب، على اعتبار أنك جزائرية. كيف تردّين؟
لا أعتقد بوجود حياد و موضوعية في مجال التأريخ، و من يقول عكس ذلك، يكذب، الكل يكتب وفق أجندته، لكن ما أحاول القيام به كجزائرية و كامرأة، هو العمل على الأرشيف الفرنسي و قلبه ضد فرنسا نفسها. لست أنا من قام بذلك بل هم.
الأرشيف الفرنسي نفسه لم يكن موضوعيا، ولا نعلم ما الذي حصل فعلا. كل ما نقوم به يبقى جزئيا لأننا لم نلج لكل المعلومات. كباحثين، نحن ننتظر وفاة المصادر حتى نتمكن من القيام بالعمل الحقيقي.
بالنسبة لي، لم أشأ إظهار صورة الجزائري الضحية، فلقد حاورت الكثير من الجزائريين مثلما فعلت مع المدنيين و العسكريين الفرنسيين، لكن لم أرغب في نقل شهاداتهم بالكتاب، لأننا نعلم ما فعله الجزائريون في ثورتهم ضد المستعمر وقد تطرقت إلى هذا الأمر في نهاية الكتاب.

أعمل على استغلال الأرشيف الفرنسي ضد فرنسا
لقد أردت فهم العقل الغربي و العمل الاستعماري الغربي و ليس فقط الفرنسي، الذي سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية و الأرجنتين والهند الصينية. لقد كان لهذا التفكير تأثير هائل على المستوى الدولي.
ما قمت به هو عمل ثقافي حول الجيش الفرنسي وعلاقته بما تم بناؤه و بما تم هدمه كذلك، و بالطبيعة أيضا، وهذا هو الأهم برأيي.
 ي.ب

الرجوع إلى الأعلى