علينا تسجيل كل جرائم فرنسا والعمل على استعادة ديوننا وحقوقنا منها
يؤكد المؤرخ وأستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، لزهر بديدة، أننا كجزائريين يجب أن نهتم بملف الذاكرة بتسجيل كل الجرائم الفرنسية في الجزائر وتسجيل كل حقوقنا وديوننا عليها ثم العمل على استعادتها والتعويض عنها،ويشدد على ضرورة أن يرافق السياسي عمل المؤرخ ويسهله من حيث جلب الأرشيف الموجود في الخارج وفتح الموجود هنا ثم مباشرة إعادة كتابة تاريخنا على الوجه الصحيح.
• النصر: ما هي قراءتكم الأولية لما جاء في تقرير المؤرخ بن يامين ستورا الذي رفعه للرئيس الفرنسي قبل أيام حول ملف الذاكرة؟
– المؤرخ لزهر بديدة: في كل الأحوال فإن تقرير المؤرخ، بن يامين ستورا،  يخدم مصالح بلده المعنوية والمادية، فماذا يفيد تعليقنا عليه في نهاية الأمر، لم أطلع بشكل مفصل عن التقرير لكن ما  قرأته أن التقرير في النهاية فيه نوع من التمجيد للاستعمار، ولم يوقف على الانتهاكات التي لحقها هذا الاستعمار بالجزائر كأرض، وشعب، وبيئة،وحقوق إنسان وغيرها.
• بغض النظر عما يكتبه الآخرون  كيف يمكننا كجزائريين حماية ذاكرتنا الوطنية وصيانتها والاهتمام بها على كل المستويات؟
– لابد علينا أن نسجل كل الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في الجزائر، ونسجل كل الحقوق والديون التي للجزائريين على فرنسا، فهذه الأخيرة اعتدت على الجزائر وهي دولة ذات سيادة، وقد كنا الدولة الأبرز التي اعترفت بالثورة الفرنسية لأن الجزائر كانت تؤمن بمبادئ الحرية والأخوة، ومن هذا المنطلق قدمت دعما ماديا ومعنويا للثورة الفرنسية.
ولما طالب داي الجزائر باستعادة الديون التي كانت للجزائر على فرنسا، أصبحت الجزائر في نظرهم لا تحترم مواثيقها ومبادئها وأنكرت فرنسا وجود هذه الديون وأنكرت أيضا أن الجزائر وقفت معها ماديا ومعنويا، وبعد الاعتداء على الجزائر أخذت فرنسا الاستعمارية  كل الأملاك الموجودة وصادرت كل شيء، والمصادر الفرنسية وحدها تتحدث عن 154 مليون قطعة ذهبية أخذها الفرنسيون بعد احتلال الجزائر ناهيك عن الأملاك و القطع  والموارد الأخرى وهي كبيرة جدا.
 ولو نتطرق للجانب المتعلق بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي يمكن الحديث عن ثلاثة أنواع من المجازر الكبرى ارتكبت في بلادنا، هي التهجير الداخلي والخارجي نحو كاليدونيا الجديدة وغيرها،  وجريمة التقتيل والإبادات، بحيث يتحدث حمدان خوجة عن أن فرنسا قتلت أزيد من 10 ملايين جزائري عبر سلسلة مجازر ضد الإنسانية لا يمكن محوها، وأخيرا يمكن الحديث عن جرائم التجهيل والتفقير فقد كان الشعب الجزائري قبل 1830 شعبا متعلما ثم عملت فرنسا على تجهيله وتفقيره حتى صار معدما.
إذن لابد علينا كجزائريين اليوم أن نسجل كل الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في بلادنا ضد الإنسان والأرض والبيئة وغيرها، وأن نطالب باسترداد حقوقنا وديوننا لأنها لا تموت بالتقادم، و نطالب بالتعويض عن كل ما قامت به فرنسا، أما الاعتذار فإنه في اعتقادي لا يسمن ولا يغني من جوع،  هل سيعيد الاعتذار أجدادنا الذين قتلتهم فرنسا؟ ثم إن الاعتذار يكون عادة من شخص أو جهة أخطأت في حق جهة أخرى، ولا يكون ممن قام بفعل مع سبق الإصرار والترصد.
فالجرائم التي قامت بها فرنسا في بلادنا كثيرة ومتعددة بدأت بالاعتداء على أرض غنية وتحويلها لخدمة الفرنسيين فقط وخدمة اقتصادهم وهي جريمة، والتفجيرات النووية  التي أحرقت الأرض والإنسان والحيوان والحجر جريمة، وإقامة الأسلاك الشائكة  ومنع حركة الإنسان جريمة، وزرع الألغام التي لا تزال تحصد الأرواح إلى اليوم جريمة، والقائمة طويلة.
إذن عملنا اليوم يتمثل في تسجيل كل الجرائم وتسجيل كل الحقوق والعمل على إعادتها لأنها لا تموت بالتقادم.
• هل يمكن الحديث عن ذاكرة مشتركة بين البلدين أم أن هذا مصطلحا فقط؟
– في كل الحالات هناك ماض مشترك بين البلدين سواء بالإيجاب  أو بالسلب، ومادام أن فرنسا استعمرت الجزائر وكانت موجودة هنا فهناك ماض مشترك بيننا، وهذا واقع لا يمكن إنكاره، وجود فرنسا هنا واقع، ووجود عمال لنا في المهجر يعتبر ماضيا مشتركا، ووجود بعض الفرنسيين المتعاطفين مع القضية الجزائرية يعتبر ماضيا مشتركا بيننا أيضا، ووجود جزائريين في الإدارة الفرنسية ومختلف المؤسسات الأخرى هو ماض مشترك أيضا.
لكن في التقييم علينا أن نقف على إيجابيات وسلبيات هذا الماضي المشترك، وفي اعتقادي فإن سلبياته قد تصل إلى أكثر من 99 من المائة وإيجابياته قد لا تصل إلى واحد من المائة بالنسبة لنا كجزائريين، وما يهم هنا هو إبراز السلبيات – أي الجرائم التي ارتكبتها فرنسا هنا.
• ما هي علاقة ملف الذاكرة بالسياسة حسب رأيكم؟
– نعم هناك علاقة بينهما فما دام الرئيس ماكرون مثلا هو من طلب تقريرا عن الذاكرة فمعنى ذلك أن السياسة تتداخل  مع هذا الملف، لكن حسب رأيي على السياسي أن يرافق المؤرخ في هذا الجانب وأن يمده بالوثائق والوقائع وغيرها، ويسهل عمل الباحثين حتى يتمكنوا من الاهتمام جيدا بهذا الملف.
• ما هو العمل الذي ينتظر المؤرخين الجزائريين فيما يخص ملف الذاكرة هذا؟
– الأساس أن نضغط على فرنسا من أجل فتح الأرشيف الجزائري الموجود عندها أمام الباحثين والمؤرخين الجزائريين واستعادته، وأن يركز المؤرخ الجزائري على ما اقترفته من جرائم هنا طيلة الفترة الاستعمارية، وأيضا في نفس الاتجاه جلب الأرشيف الجزائري  من بلدان أخرى على غرار تونس والمغرب، ومصر وتركيا وإسبانيا وغيرها وفتح الأرشيف الموجود هنا في الداخل، ثم وضعه في متناول الباحث الجزائري، وهنا على الدولة أن ترافق المؤرخين في هذا العمل.
 وبعد كل هذا يبدأ الاشتغال عليه من أجل إعادة كتابة تاريخنا، وذلك يتطلب بعض الوقت.
حوار: إلياس -ب

الرجوع إلى الأعلى