أسعى لإدخال العلاج المناعي للسرطان إلى الجزائر
يؤكد الدكتور سعيد درميم، الباحث الجزائري في علم المناعة بمؤسسة حمد الطبية في قطر، أن لقاحات كورونا آمنة على العموم، ويصف ما يروج على وسائل التواصل بخصوص تسبب التطعيم في تعديل جينات البشر وزرع شرائح الكترونية، بأنها مزاعم بعيدة عن الواقع، كما يتطرق خريج تخصص البيولوجيا بالجزائر، والذي قاد عدة أبحاث بالولايات المتحدة ودول الخليج، إلى أهمية الجرعة الثانية من اللقاح ويشرح آلية انتقال الفيروس بعد حملات التطعيم ودور ذلك في تعزيز المناعية الجماعية، ليتحدث عن مواضيع أخرى، منها مشروعه في إدخال العلاج المناعي للسرطان لبلادنا ونقل التكنولوجيا إليها.
حاورته: ياسمين بوالجدري
• بدأت عدة دول في تقديم لقاحات كورونا لمواطنيها، ورغم تأكيد العلماء أهمية التطعيم، إلا أن هناك مخاوف مستمرة جعلت البعض يمتنع عن أخذ اللقاح مثلما حصل بأوروبا. ما تعليقك؟
على العموم اللقاحات آمنة فقد أجريت عليها دراسات تضمن بأنها لا تسبب أضرارا على الأشخاص،  وأنا واحد منهم، حيث خضعت للتطعيم منذ أسبوع بلقاح «فايزر» ولم تظهر علي أية أعراض جانبية. كل الأصدقاء وزملائي الأطباء في قطر أخذوا الجرعتين الأولى والثانية وهم بخير.
هذه هي الأعراض التي تدل على أن الجسم استجاب للقاح
مسألة عدم وجود أعراض جانبية للقاح مهمة، لكن النقطة الأهم هي أن يكون فعالا لكي يحمي من الفيروس. أعتقد أن الشركات والدول التي عملت على هذه اللقاحات لا يمكن أن تقدم لمواطنيها شيئا يضر بسلامتهم. بالطبع هناك أعراض جانبية خفيفة جداً، مثلاً ارتفاع درجة الحرارة، وآلام الرأس الخفيفة، وهي تدل على أن الجسم تقبل اللقاح وأن مناعة الجسم تعمل.
• يروج على وسائل التواصل بأن أنواع من اللقاحات يمكن أن تعدل جينات البشر، على غرار «فايزر». إلى أي مدى يمكن أن يساهم الخطاب العلمي في تبديد هذه المخاوف التي تغذيها مزاعم غير منطقية وأحيانا مضحكة؟
أولا يجب على القنوات التلفزيونية استضافة أهل العلم للحديث عن هذا الأمر، وليس أشخاصا يخاطبون الجمهور وكأنهم يتكلمون عن مباراة كرة قدم يدلي أي كان برأيه فيها. آلية عمل لقاح «فايزر» مثلا، تتمثل في حقن حمض نووي خاص بالبروتين الموجود بسطح الفيروس والذي يلتصق بخلايا الانسان ويتسبب في الأمراض.
الحمض النووي المحقون لا يقوم بعملية تضاعف الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين «دي آن آي»، بل «دي آن آي» الإنسان هو الذي يتحول إلى بروتين يحمل على خلايا مناعية تسمى الخلايا المتغصنة، التي تقدمه بدورها للخلايا التائية والخلايا من نوع باء لكي تنتج الأجسام المضادة وتصبح قاتلة للفيروس. ما يقال عن تعديل الحمض النووي للانسان بعيد كل البعد عن الواقع.
الدراسات بخصوص هذه التقنية أجريت على 40 ألف شخص متطوع ولم نر أشياء تعزز المخاوف التي يتم التحدث عنها، وحتى الأعراض الجانبية غير الخفيفة قد تكون لها علاقة بإصابة الشخص بأمراض أخرى وحدوث أشياء ليست لها علاقة باللقاح.
التطعيم يجب أن يبدأ بالأشخاص المسنين
هناك أدوية يستعملها البشر حاليا في علاج السرطان وأمراض أخرى، وهي أخطر، دون أن تثار مخاوف بشأنها، فكيف نخشى من لقاح يُعطى لإنتاج مناعة ضد فيروس ويعتمد تقنية موجودة منذ الخمسينيات والأربعينيات ومكنتنا من القضاء على عدة أمراض في السنوات الماضية. كنا نستعمل اللقاح التقليدي الذي يعتمد على حقن الفيروس نفسه لكن بصورته المضعفة، ويفترض أن هذا أخطر من حقن حمض نووي نعطيه للجسم لينتج مناعة.
• البعض يتحدث أيضا عن زرع شريحة الكترونية بأجسام الأشخاص الملقّحين
هذا غير صحيح. يمكن مراقبتنا والحصول على معلوماتنا دون الحاجة لزرع هذه الشريحة. البلدان التي طورت لقاح فايزر و موديرينا على سبيل المثال، دول مسؤولة وتتمتع بأخلاقيات، كما توجد بها جمعيات قوية مستقلة تراقب صحة المواطنين على غرار إدارة الغذاء و الدواء الأمريكية.
• كم من الوقت سيكون الشخص محميا من كورونا بعد أخذ اللقاح؟
لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال الآن، فقد بدأت للتو دراسات في العالم لمعرفة مدى فعالية اللقاح. بالنسبة لي وضعت اليوم فقط (الحوار أجري يوم 31 جانفي 2021) دراستين حول هذا الموضوع. أولاهما، حول المناعة التي اكتسبها عمال المستشفى الذي أعمل به، بعد الجرعتين الأولى والثانية، على أن تُجرى عقب 6 أشهر ثم بعد سنة، على حوالي 250 عاملا.
سنتابع تشكل الأجسام المضادة والخلايا التائية الخاصة بالفيروس والخلايا المناعية ذات الذاكرة التي تبقى لفترة طويلة، لنعرف هكم من وقت تدوم المناعة بعد التطعيم.
أجري عدة أبحاث حول كورونا
الدراسة الثانية نجريها لتحديد مدى استجابة مرضى السرطان للقاح، لكن أتوقع أن مناعتهم ستكون غير قوية وقد يحتاجون إلى جرعة ثالثة.
• هل يمكن أن يكون الشخص الذي أخذ اللقاح، ناقلا لفيروس كورونا دون أن يصاب به؟
بالطبع، الإنسان الذي أخذ اللقاح وأنتج مناعة، يمكن أن ينقل الفيروس لأشخاص لم يأخذوا التطعيم، وذلك عن طريق اللمس عندما يكون الفيروس على سطح الأيدي أو بشرة الملقح، لأنه ما يزال حيا.
كما قد ينتقل كورونا من الشخص الملقح بعد دخوله جسمه، وفي هذه الحالة إذا أضعفت مناعته الفيروس، فإن انتقاله لغير الملقح قد يعطي هذا الأخير مناعة، وهو ما يسمى بمناعة القطيع التي تتطلب تطعيم من 50 الى 70 في المئة من السكان، لكن إذا انتقل كورونا وهو قوي وغير مضعف، لإنسان آخر لم يخضع للتطعيم، فقد يسبب له الإصابة بالمرض.
• ماذا عن الشخص الذي أصيب سابقا بكورونا، هل هو غير معني باللقاح خاصة لو تحدثنا عن ذوي الأمراض المزمنة و المصابين بالأمراض المناعية؟
هناك دراسات أظهرت بأن الأشخاص اللذين أصيبوا بفيروس كوفيد 19 وتماثلوا للشفاء، تشكلت لديهم مناعة، لكن يتبقى إجراء دراسات على هؤلاء الأشخاص لتحديد قوة المناعة لديهم في ما يتعلق بالأجسام المضادة والخلايا التائية الخاصة الفيروس، لكن الأولوية في التطعيم الآن تبقى للأشخاص الذي لم يصابوا بالفيروس وخاصة المسنين الذي أنصح بضرورة البدء بهم أولا. هناك أسئلة كثيرة بهذا الخصوص، تحتاج الإجابة عنها دراسات قد تستغرق عامين إلى ثلاث سنوات.
• أثير جدل حول المدة الواجب أخذها بين جرعتي اللقاح. ما هي المدة الأنسب في تقديرك؟
ممكن أن تجرى دراسات بهذا الشأن، فهناك لقاحات تعطى جرعتها الثانية بعد أسبوعين، وأخرى عقب 3 أسابيع وبعضها بعد مرور 6 أسابيع. هذه المدة تتوقف على مدى تحفيز المناعة. الشركة المنتجة التي تقوم بهذه الدراسات هي من يحدد عدد الجرعات والمدة الفاصلة بينها.
• لم يتعود المواطن الغربي على حملات التلقيح الجماعي ما قد يفسر عزوفه عن التطعيم ضد كورونا، لكن الجزائري ألف هذا النوع من الحملات. هل تعتقد أن هذا المعطى الاجتماعي سيسهل التلقيح ببلادنا؟
بالطبع، الجزائري متعود على اللقاحات ومنها تلك المقدمة للأطفال، بينما في أوروبا لم يتم تقديم لقاحات لعدة أمراض منذ زمن بعيد. وهنا أريد أن أنبه إلى أمر، إذ يجب الالتزام بأخذ الجرعة الثانية من اللقاح، فقد أثبتت الدراسات أن حوالي 50 في المئة فقط من الملحقين تنتج لديهم مناعة من الجرعة الأولى. يجب تنظيم حملات توعية بهذا الخصوص، وذلك من طرف مختصين وأشخاص موثوق فيهم وليس من تعودوا على الحديث عن الأدوية الطبيعية ومن لا علاقة لهم بالمادة العلمية.
الشخص الملقَّح يمكن أن ينقل العدوى

• في ظل نقص المعلومات المتوفرة عنها، هناك من يقول إن السلاسة البريطانية أشد فتكا. ما مدى خطورتها وهل ترى أن الجزائر بمنأى عنها مع الاستمرار في غلق الحدود؟
غلق الحدود مع دول ظهرت فيها هذه السلالة سيمنع بالطبع وصولها إلى الجزائر، لكن أشير هنا إلى أن دراسة أخيرة أثبتت أن المناعة المتكونة ضد السلالة الأولى قادرة على القضاء على الفيروس من سلالات مستجدة وهذا شيء جيد ويعني أن المناعة الأولى قوية بما فيه الكفاية وهي متعددة ما يسمح لها بالتعرف على الفيروس من خلال الأجزاء التي لم تشملها طفرات، و بالتالي أنبه أن أخذ اللقاح مهم جدا حتى في القضاء على السلالة المستجدة.
• عملت على الاختبارات المناعية ولقاحات السرطان طيلة مسارك العلمي الممتد بين انجلترا وأمريكا ثم الخليج العربي، فهل لديكم مشاريع بخصوص تطوير تطعيم ضد كورونا؟
في ما يخص كورونا أجريت 6 أبحاث بمؤسسة حمد الطبية. بالتعاون مع أطباء في المستشفى، ندرس التأثيرات البيولوجية على الأشخاص اللذين تعرضوا لإصابة بالغة بالفيروس ودخلوا العناية المركزة، كما شملت الدراسات من كانت إصابتهم خفيفة بالفيروس وشفوا خلال فترة قصيرة، وذلك لكي نقارن مناعة هؤلاء بالأشخاص بالآخرين.
هناك أيضا مشروع كبير قدمته ويتمثل في أخذ الخلايا باء التي تنتج الخلايا الذاكرة المنتجة للأجسام المضادة، من الأشخاص المتعافين وذوي المناعة العالية جدا، للعمل على استخراج الجين المسؤول عن إنتاج المضادات المناعية، و من ثم استنساخها وإنتاج الأجسام المضادة المثبطة لفيروس كورونا بكميات هائلة، لإعطائها في المستقبل للأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، وهم المسنون ومن يحتاجون العناية المركزة وكذلك المصابون بأمراض أخرى.
و كما أخبرتك في البداية، نقوم حاليا بدراسة لتشخيص مناعة مرضى السرطان والأشخاص العاديين اللذين أخذوا اللقاح لنتعرف على مدى فعاليته.
• إلى أين وصلت أبحاثكم بخصوص العلاج المناعي للسرطان؟
أجري حاليا في قطر، 10 أبحاث تشمل حتى تلقيح مرضى السرطان عبر تحرير الجينوم لديهم، وعند إيجاد طفرات في جينات الخلايا السرطانية نقوم باستنساخها و تلقيحها لهؤلاء المرضى لإنتاج خلايا تائية تقضي على السرطان. هذا ضمن مشاريعي الطويلة.
إلى جانب ذلك، لدي مختبران متقدمان جداً تكنولوجيّا، نعمل فيهما على التعرف على المناعة وفق تجارب وتقنيات دقيقة.
• ماذا عن نقل خبراتكم للجزائر والمساهمة في تكوين طلبة الجامعات هناك؟
طبعا هذا من أولوياتنا ونحن جاهزون لنقل التكنولوجيا وكذلك التعاون. لقد كنت عنصرا فعالا في نقل هذه التكنولوجيا فأنا عضو فعال في منتدى الكفاءات الجزائرية بالخارج، وتعاملت كثيرا مع مختبرات في الجزائر وكنت مستشارا علميا لدى مركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة. ما أزال على اتصال مع الجامعات و المختبرات في الجزائر أين قدمت قبل فترة قصيرة من الجائحة،  عدة محاضرات.
اللقاح يسمح بالقضاء على السلالة المستجدة أيضا
تحدثت مؤخرا مع سفير الجزائر هنا في قطر وقدمت له ورقة عمل بخصوص التعاون في ميدان العلاج المناعي للسرطان بين مؤسسة حمد الطبية والجزائر، وذلك مع أي مستشفى يكون جاهزا لهذا الأمر، وقد وعدني السفير بعرض مقترحي على وزير الصحة و ترتيب لقاء معه، إلى جانب مقترح بالتعاون لعلاج مرضى السرطان هنا في قطر.
هناك مواضيع أخرى مكملة لبعضها، وأتمنى أن تكون هناك توأمة بين مختبري ومختبر في الجزائر.
الجزائر في قلوبنا دائما. صحيح أن هناك بيروقراطية قاتلة تمنعنا من العمل بنقل هذه التكنولوجيا لكن هذه الأمور ستحل عن قريب بإذن الله.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى