غُيّبنا بقسنطينة و نحظى بدعوات و تكريمات خارجها
* نحضر كتابا حول التراث العيساوي و نسعى لفتح مدرسة لتعليمه للنشء
أعرب عضو فرقة أولاد شياد الفنية، حاتم شياد، عن أسفه لأن الفرقة التي أعيد تأسيسها بشكلها الراهن منذ ربع قرن تقريبا، مغيبة تماما عن كل النشاطات و الحفلات و المهرجانات بعقر ديارها بولاية قسنطينة، و ذلك قبل جائحة كورونا و إجراءات الحجر الصحي بسنوات طويلة، في حين تتلقى دعوات لإحياء حفلات بولايات أخرى، و حتى خارج البلاد، مشيرا من جهة أخرى، إلى أن الفرقة تتحدى كل العراقيل بالمثابرة و العمل النوعي، و يبقى الجمهور رأس مالها الحقيقي، و هي بصدد، كما قال الأستاذ المحامي، تحضير ألبوم غنائي جديد و كتاب حول التراث العيساوي، معربا عن تمسك الفرقة بفن العيساوة، و تقديمه بكلمات و ألحان جديدة من إبداع أعضائها، دون أن يفقد روحه و أصالته، كما أنها تؤدي كل الطبوع القسنطينية.  
. النصر: هل تحضر فرقة أولاد شياد مشاريع فنية جديدة؟
ـ اغتنمنا فترة الحجر الصحي بسبب الجائحة، التي توقف خلالها إحياء الأعراس و الحفلات و المهرجانات، من أجل تحضير عديد المشاريع، من بينها  ألبوم غنائي جديد يتضمن عدة أغنيات، و نتعاون فيه مع فنان قسنطيني شهير بأدائه لطابع المالوف، حيث سيؤدي عضو الفرقة الشيخ فيصل مع هذا الفنان أغنيتين ثنائيتين بطابع المالوف، كما سيؤدي عضو الفرقة الشيخ أحمد الأمين مع نفس المطرب أغنيتين ثنائيتين بطابع الإخوان. و يضم الألبوم أيضا أربع أغنيات أخرى، سيؤدي اثنتان منها الشيخ فيصل بمفرده ، و سيؤدي الشيخ أحمد أغنيتين بمفرده أيضا، و كتب كلمات الأغاني شقيقينا عصام .
. هل سبق لمغنيي الفرقة أداء أغان أخرى مع فنانين آخرين ليسو من أعضائها؟
ـ نعم.. في 2011 قدم الشيخ فيصل أغنية ثنائية مع الفنان عبد الحكيم بوعزيز و في 2014 قدم أغنية ثنائية مع ابن عنابة، الفنان مبارك دخلة، و حققت الأغنيتين نجاحا كبيرا و تم تسجيلهما في ألبومين، فالفن حلقة تواصل و أداة من أدوات التقريب بين الناس، لهذا الجسور ممدودة بين طابع العيساوة و بقية الطبوع.
مشروع مغاربي و عربي و إفريقي ينتظر التجسيد
. قلت بأن الفرقة بصدد تحضير مشاريع أخرى إلى جانب الألبوم، هلا حدثتنا عنها؟
ـ من بين مشاريعنا إصدار كتاب يقدم مادة علمية للأجيال القادمة حول الطريقة و الفن العيساوي و قد انطلقنا في تجسيده، و لدينا مشروع آخر هو عبارة عن أغنية عربية جماعية كتبنا كلماتها و لحناها و خططنا لتصويرها على شكل فيديو كليب بالجزائر، لتجسد ارتباطنا الروحي و الديني و تمرر رسالة إلى العالم من أجل وضع حد لكل أنواع الإساءة إلى الرسول صلى الله و عليه و سلم، اتصلنا بفرق صوفية من اندونيسيا و السودان و مصر و الأردن و تونس و المغرب، للمشاركة معنا في أدائها، و وافقت معظمها، لكننا اصطدمنا بمشكلة التمويل ، و سنراسل قريبا وزارة الثقافة  الوطنية لعرض المشروع وطلب الدعم.
. بالرغم من أن فرقة أولاد شياد ظهرت منذ سنوات طويلة، إلا أنها لم تطرح عددا كبيرا من الألبومات في السوق، لماذا؟
ـ أعيد تأسيس الفرقة بشكلها الراهن في 11 ماي 1995، بفضل شقيقي الأكبر الحاج أحمد أمين، الذي جمع شمل الإخوة و أبناء العم شياد، و عددنا الإجمالي 14 فردا، ضمن فرقة أطلق عليها تسمية فرقة أولاد شياد، و قد حصلنا على تكوين متخصص على يد مشايخ كبار و توج تكويننا بإجازة في الفن العيساوي قدمها لنا الشيخ حبيب بلفاسي الذي تابع خطواتنا و حفلاتنا و حظينا بدعمه و توجيهاته، و نعتبره الأب الروحي للفرقة.
قبل ذلك كان لشقيقي الكبيرين فيصل و أحمد الأمين، تجارب في مجال المسرح مع الأستاذ فارس الماشطة و المخرج نصر الدين بوسعدية.
بخصوص عدد الألبومات، برصيدنا لحد اليوم خمسة ألبومات فقط، فنحن و منذ انطلاقتنا لا نركز على الكمية، بل النوعية، فالفن إبداع لكنه أيضا مسؤولية، و بالتالي لا نقوم بخطوات اعتباطية، فكل خطوة مدروسة و كل عمل يخضع للتشاور و التحليل من كل الجوانب قبل طرحه، وفق إستراتيجية مضبوطة، فنحن نطمح دائما لتحقيق الأفضل..
أعمالنا محمية من القرصنة
.هل الخوف من القرصنة من بين العوامل التي تجعلكم لا تصدرون الكثير من الألبومات؟
ـ لا ..نحن نقدم إصداراتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، و لا نخشى القرصنة، لأننا منتسبون إلى الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة، و نسجل في مصالحه المختصة كل أعمالنا لحمايتها و الحفاظ عليها. و أشير هنا إلى أن الجزائر رائدة في مجال حماية المصنفات و الأعمال الفكرية فقد أنشأت الديوان في 1984، بينما أسس في مصر في2016 .
. كانت بداية الفرقة عيساوية مئة بالمئة، ثم قدمتم عدة طبوع فنية أخرى، كيف تم ذلك؟
ـ نعم الطابع الأصلي للفرقة هو عيساوة، و هو جزء من الهوية الثقافية الوطنية، و لنا جذور تاريخية في هذا المجال تمتد إلى الشهيد عمار شياد، الذي كان مقدما للطريقة العيساوية، لكن تأخرت انطلاقتنا الفنية الغنائية بشكلها الراهن، كما قلت سابقا، نظرا لتوجه شقيقاي أحمد الأمين و فيصل إلى المسرح في بداية مسارهما الفني، كما أن العشرية السوداء، كانت مرحلة انقطاع لكل المشاريع الفنية، ثم أعاد شقيقنا الحاج أحمد أمين تأسيس الفرقة، و لدينا رصيد ثري من المدائح الدينية على طريقة العيساوة.
و بما أننا مقتنعون بأن الفن حلقة تواصل و أداة من أدوات التقارب بين الناس، يمد جسورا للربط بين مختلف الطبوع، فقد قدمنا ثنائيات غنائية مع فنانين يؤدون ألوانا فنية أخرى، و نحن متفتحون دائما على كافة الألوان الفنية القسنطينية و بدأنا التنويع في الطبوع منذ سنة 2005، لإرضاء أذواق كافة شرائح الجمهور. و نسعى لإثراء الموروث الفني بإصدارات جديدة، سواء من حيث اللحن أو الكلمات.

 . ألا ترى بأن التجديد قد يفقد الطابع العيساوي و غيره من الطبوع التراثية روحها و أصالتها؟
ـ أرى أنه من الضروري إدراج بعض التحسينات دون إفراغ الفن من روحه، لمواكبة متطلبات العصر.. حتى أن من يسمع الأعمال الجديدة يعتقد بأنها تراثية. بالنسبة للطابع العيساوي تعتمد ألحانه على الدف و يمكن إدراج آلة إيقاعية هي الباص، و ليس البيانو أو السانتي،  و يمكن أداء المديح الديني بكلمات جديدة نظيفة و هادفة، و هامش الإبداع يكون أكبر في الفن الأندلسي و المالوف.
مقولة «شيع و ارقد» جنت على الفن القسنطيني
. ألا ترون أن الفن القسنطيني تراجع مقارنة بطبوع أخرى؟
ـ نعم..تراجع كثيرا بسبب الركود و الرداءة المهيمنة، و اعتقاد بعض فنانينا بأن مقولة «شيع و ارقد» لا تزال سائرة المفعول، فلا يجتهدون و لا يبدعون و لا يجددون أنفسهم، بينما من يؤدون الطابع السطابفي من جيراننا، يتنافسون في ما بينهم و كل عام أو عامين يبرز بينهم اسم جديد يضفي نفسا جديدا على الساحة الفنية و يستقطب الاهتمام بنجاحه.
. قبل الجائحة غبتم عن الحفلات و المهرجانات التي احتضنتها ولاية قسنطينة، في حين شاركتم في تظاهرات بولايات أخرى و مثلتم الجزائر بمهرجانات دولية و نلتم جوائز، لماذا؟
ـ إنه تغييب مطلق و إجحاف جلي بحق فرقتنا من قبل عديد الهيئات التي تشرف على قطاع الثقافة بولايتنا، رغم أننا لسنا متطلبين ماديا، وحده مدير الثقافة الأسبق لولاية قسنطينة جمال فوغالي ساهم في إنجاح الفرقة، فقد دعانا للمشاركة في طبعتين من المهرجان الدولي للإنشاد التي احتضنتها قسنطينة. و قد شاركنا في حفل اختتام تظاهرة ليالي المديح المغاربية في العاصمة و عدة تظاهرات هناك و بولايات أخرى. كما حصدنا المركز الثاني في المهرجان الوطني للإنشاد في قالمة. و مثلنا الجزائر في ملتقى الأديان بجنوب سيناء بمصر، كما شاركنا في ثلاث طبعات من مهرجان سماع للإنشاد و الموسيقى الروحية بالقاهرة، آخرها في 2019 . و قد عرفنا المشرق العربي و مختلف دول العالم بأن بلادنا تزخر بالطبوع الصوفية التي لم يكونوا يعرفونها. و قدمنا تجربة فنية ثلاثية أبهرت الجمهور، مع فرقتين واحدة من المغرب و الثانية من أثيوبيا، كل فرقة قدمت وصلة من تراث الوصفان أو القناوة ببلادها ،  و سجلنا التجربة في ألبومنا الأخير الذي يحمل عنوان «هاجر»، و نحضر لمشروع عربي و مغاربي و إفريقي آخر.
التراث العيساوي عرضة للتشويه و التحريف في غياب مدرسة لتكوين الشباب
. هل تستغل الفرقة مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأعمالها؟
ـ عضو الفرقة أيوب شياد يتكفل بالتواصل مع الجمهور عبر هذه المواقع، من خلال بث فيديوهات و تسجيلات لحفلاتنا السابقة و الأغاني التي حققت نجاحا و كذا الجديدة،  إلى جانب مقابلاتنا الإذاعية و التليفزيونية، كما نطلق فيديوهات مباشرة «لايف» من حين لآخر، و نأخذ بعين الاعتبار ملاحظات و تعليقات الجمهور من أجل تحسين أدائنا الفني.
. تظهر باستمرار فرق و أصوات شابة تقدم نفسها بأنها مختصة في طابع العيساوة، ما رأيكم؟
ـ أتمنى أن تكون هناك فرق كثيرة تحمل المشعل و تضمن استمرارية الفن العيساوي، و قد تكفلنا بتكوين 90 بالمئة من الشباب الذين يؤدون هذا الطابع ببلدية الخروب، لكن هذا غير كافي، فقد لاحظنا بأن من هب و دب من الشباب يحمل بندير و يعتبر نفسه مغني للطابع العيساوي، و قد صدمنا بأن عدد كبيرا من الشباب يشوهونه و يحرفون كلمات المدح النبوي،  حتى تبدو و كأنها كفر و إلحاد، كما أنهم لا يحترمون الزي و الهندام اللازم عند أدائه. و هذا لغياب المصادر و البحث، ما جعلنا نقترح على مديرية الثقافة فتح معهد للتكوين في الفن العيساوي لتأطير الشباب، فتلقينا ردا مفاده أن المشروع في طور الدراسة و يتطلب ميزانية و مقرا و إمكانيات.
حاورته إلهام طالب

الرجوع إلى الأعلى