يرى رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية الدكتور الياس مرابط، أن إنجاح عملية التطعيم ضد كورونا، يبقى الحل للخروج من الأزمة الوبائية، موازاة مع الاستمرار في تطبيق الإجراءات الوقائية، كما يصف اختيارات الجزائر بخصوص اللقاحات بأنها صائبة، سيما ما تعلق بـ «سبوتنيك V» الروسي، غير مستبعد في حوار للنصر، إمكانية اللجوء إلى المرافق غير الصحية مع جلب جرعات أكبر و ارتفاع أعداد الأشخاص الملقحين.
حاورته: ياسمين بوالجدري
* تنقضي سنة شهد خلالها العالم جائحة أودت بحياة أزيد من مليوني شخص، واليوم نرى انطلاق عمليات التلقيح بعدة بلدان منها الجزائر. هل هي بداية لانفراج الأزمة؟
بالفعل، منذ بداية الوباء، كنا نقول أن الحل لم يكن موجودا، وأكدنا أن الإجراءات الوقائية على المستويين الفردي و الجماعي إلى جانب التكفل بالحالات المرضية و تطبيق شروط الحجر الكلي و الجزئي، تبقى الحل الأنجح، لكن في نفس الوقت، الحل للتخلص من الجائحة هو وجود لقاحات تحمينا و تخرجنا من هذا الوضع.
اليوم و الحمد لله، بدأت منذ شهر ديسمبر عمليات التطعيم في عدد من بلدان العالم، و في الجزائر انطلقت نهاية شهر جانفي المنقضي، و هو مدخل للخروج من النفق، مع ذلك فإنه لا يكفي و لا يجعلنا نقول إننا انتصرنا، بل بالعكس، يجب أن نستمر في الإجراءات الوقائية نفسها، موازاة مع العمل على إنجاح عملية التطعيم للوصول إلى مستوى مناعة جماعية بتلقيح ما لا يقل عن 50 بالمئة من السكان.
قد يتم اللجوء إلى مرافق غير صحية لتلقيح المواطنين
* في هذا الصدد صرح وزير الصحة أن الجزائر تخطط لاقتناء 40 مليون جرعة. كيف سيسمح ذلك بالوصول إلى المناعة الجماعية وحماية الفئات الهشة؟
حماية الفئات الهشة يكون كذلك عبر تطعيم الأناس الآخرين الذين ينقلون لهم العدوى، لذلك يجب الوصول إلى مستوى مناعة لا يقل عن 50 بالمئة، وهو ما يتطابق مع ما صرح به وزير الصحة بأن الجزائر تسعى لتلقيح حوالي 15 إلى 20 مليون شخص تقدم لهم الجرعتان، خصوصا مع استثناء الأطفال و النساء الحوامل وبعض الأشخاص المصابين بأمراض لا تقبل التطعيم ضد كورونا، دون أن ننسى أن العملية سوف تأخذ وقتا.
يجب تلقيح ما لا يقل عن 50 بالمئة من السكان
* كم من الوقت ستستغرق في تقديرك؟
حسب رأيي الشخصي، سوف تستمر حتى بداية سنة 2022. هناك دول أوروبية بما فيها فرنسا وضعت مواعيد للتلقيح تستمر حتى مارس 2022، وأعتقد أننا سنسير على الوتيرة نفسها، فالعملية ضخمة و تمس ملايين المواطنين ولا يمكن أن تُجرى في فترة قصيرة، إذ تتطلب لوجيستيكا معينا كما أنها مرتبطة بكمية الجرعات الواجب اقتناؤها، وحتى لو توفرت بشكل كبير في المرحلة الأولى، فسيكون هناك مشكل في التخزين، لذلك يتم جلب جرعات على فترات ما يسمح بالقدرة على تخزينها و توزيعها وسط شروط مناسبة.
* هل تعتقد أن تعوّد الجزائريين على حملات التطعيم والخبرة التي اكتسبها مهنيو الصحة في هذا المجال، سيكونان عاملين مساعدين في إنجاح التلقيح ضد كورونا؟
بالطبع هذا عامل مساعد، بالنظر إلى الخبرة التي اكتسبها مهنيو القطاع و المنظومة الصحية في هذا الجانب، إذ توجد مسبقا برامج وطنية لتلقيح الأطفال و الشباب و النساء الحوامل، و في بعض المهن ضمن طب العمل، وهذا دليل على وجود تجربة لا بأس بها لدى الطاقمين الطبي و شبه الطبي والأعوان المهنيين، ففي الصحة المدرسية لوحدها يتم سنويا تلقيح من 3 إلى 4 ملايين تلميذ.
مهنيو القطاع معرَّضون لتبعات نفسية
* كيف تقيمون السياسة التي اعتمدتها الجزائر في التلقيح، خاصة ما تعلق بالبدء بالأشخاص ذوي الأولوية وإخراج العملية من المستشفيات؟
التلقيح داخل المستشفيات لن يكون له معنى، فكل البلدان تستغل المرافق الصحية الجوارية وحتى مرافق غير صحية مثل قاعات الرياضة والنشاطات الأخرى، وذلك بعد تهيئتها، فالأمر يتعلق بتطعيم ملايين المواطنين. في الجزائر بدأنا بتقديم كميات صغيرة من اللقاح على مستوى هياكل للصحة الجوارية تتوفر فيها شروط الرعاية تحسبا لأي طارئ، لكن مع البدء في جلب كميات كبيرة سيكون من الواجب استغلال فضاءات أخرى أوسع، تسمح بالقيام بالعملية في أريحية. الإجراء الذي اتخذته الجزائر منطقي، فالتلقيح بالمستشفيات يكون فقط لفائدة المهنيين العاملين بها.
بالنسبة للأشخاص ذوي الأولوية في التلقيح، فهم المرضى المزمنون و المسنون و الأشخاص الذين يعملون في قطاعات حيوية، ولو أخذنا بما تم العمل به في ألمانيا مثلا، نجد أنه تم تقسيم كل فئة إلي مجموعات حسب العمر، و حتى وسط عمال الرعاية الصحية، تتوقف الأولوية على مدى عرضتهم لخطر الفيروس و على العمر و إن كانوا مصابين بأمراض مزمنة، وهو المنطق ذاته في حالة الجزائر.
خبرة مهنيي الصحة في التطعيمات عامل مساعد
* اقتنت الجزائر كمرحلة أولى لقاح «سبوتنيك V» الروسي الذي ثبتت فعاليته العالية، ثم «أسترا زينكا» المُطّوَّر بجامعة أكسفورد. ما مدى نجاعة هذا الاختيار؟
أعتقد أنه اختيار صائب، خاصة ما تعلق باللقاح الروسي، فكل الدول تقر بنجاعته التي قاربت 92 بالمئة. هناك دول منها ألمانيا و فرنسا، تتفاوض لشرائه أو اقتنته. لقاح “سبوتنيك” لا يمثل مشكلة بالنسبة للأعراض الجانبية التي تكون خفيفة جدا، ولقد أثبتت الدراسات ذلك، وهو معترف به لدى وكالات الصحة الأوروبية ومنظمة الصحة العالمية ونُشرت أبحاث بشأنه في مجلات طبية معروفة، زيادة على أن طريقة إنتاجه معروفة ومعتمدة سابقا، لذلك فهي ليست جديدة مثلما هو الحال مع لقاحات أخرى.
درجة حفظ اللقاح الروسي، أيضا تجعل الاختيار صائبا، إذ أن التخزين يتطلب حاليا 18 درجة تحت الصفر، فيما ينتظر أن تتطلب الكميات التي تصل شهر مارس 2 إلى 8 درجات فوق الصفر، وهو ما يتوافق مع اللوجيستيك المتوفر في الولايات ويسهل العملية أكثر، إضافة إلى أن كلفة الجرعة الواحدة لا تزيد عن 10 دولارات.
التطعيم قد يستمر حتى بداية 2022
* أظهر اللقاح الروسي فعالية تصل إلى 73 بالمئة بعد الجرعة الأولى حسب دراسة أخيرة، لكن علماء يؤكدون على أهمية الجرعة الثانية. ما رأيك؟
الاكتفاء بتقديم جرعة واحدة، سيُلزمنا بإجراء تحاليل مصلية للشخص المعني بعد الجرعة الأولى للتأكد من تشكل أجسام مضادة بجسمه، ومنطقيا هذا أمر غير ممكن، لأن هذه التحاليل ستعرقل أكثر عمل قطاع الصحة، لذلك فإن كل البلدان تعتمد جرعتين.
لدي توضيح آخر بخصوص لقاح أسترا زينيكا.
* تفضل..
لقد أوقفت جنوب أفريقيا اعتماده مؤقتا، بعدما أظهرت دراسة أنه غير نافع ضد الطفرات الجديدة للفيروس والتي لا توجد أدلة على أنها موجودة في بلادنا، فقد أظهرت دراسات أن فعاليته تفوق 60 بالمئة بالنسبة للطفرات القديمة بالنسبة للشباب، علما أن سعره أرخص من سبوتنيك إذ يتراوح بين دولارين إلى 4 دولارات و يتوقف الثمن على الكميات المُشتراة وشروط التفاوض.
الجزائريون بدأوا يتجاوبون مع اللقاح
* ما تقديركم لمدى استجابة الأشخاص المعنيين باللقاح لعملية التطعيم؟
بعد حوالي أسبوعين من انطلاق التطعيم، أعتقد أن الاستجابة لها وعليها. نحن الآن في مرحلة تحسيس و توعية، إذ نعلم أن دخول اللقاح لبلادنا، سبقه نقاش ببلدان أخرى اطلع عليه الجزائريون في عالم أصبح مفتوحا على المعلومات. كنا نتوقع أن هذا النقاش سيحدث في الجزائر أيضا بعد دخول اللقاح إليها، لكن ما لاحظناه، هو أن المواطنين بدأوا ينخرطون تدريجيا ويطرحون الأسئلة، و يتنقلون إلى المرافق الصحية للاستفسار عن العملية. سجلنا ردة فعل من المهنيين أيضا، فهناك من يتريث ومن يرفض مبدئيا، وهذا أمر موجود في كل المجتمعات.
شخصيا، أخذت الجرعة الأولى من اللقاح وأدعو زملائي أن يحذوا حذوي من باب حماية أنفسهم. لن ننسى ما عشناه خلال الجائحة، رغم أننا لم نصل لمستويات الدول الأخرى، لكننا مررنا بفترات صعبة جدا، فقد حدثت أزمة أوكسجين ونقص في الأسرّة، وهناك مرضى توفوا وهم في طابور الانتظار أمام مصالح الانعاش، ومنهم من فارقوا الحياة بمنازلهم.
من الصعب جدا العودة إلى هذا الوضع، ولقد رأينا ما حدث في بلدان استقرت بها الوضعية الوبائية، ثم ارتفع بها عدد الإصابات مجددا. قد تتعقد الأمور في أي وقت مع خطر الطفرات الجديدة التي جعلت دول كألمانيا وفرنسا تغلق الحدود و تطبق حجرا شاملا، وهو أمر يحدث في بلدان تمتلك من الإمكانيات ما لا نملكها نحن. الحل هو في إنجاح عملية التطعيم.
سبوتنيك V
أثبت نجاعته
* كانت الأطقم الطبية في خط المواجهة مع فيروس كورونا طيلة الأزمة الوبائية. اليوم وقد بدأت عمليات التلقيح، ما الذي تشعرون به كمهنيين بعد الوضع النفسي الذي عشتموه خلال الفترة الماضية؟
بدء عمليات التطعيم يفرحنا بلا شك، فنحن نتمنى العودة إلى ظروف العمل العادية و القيام بنشاطات صحية وطبية أخرى، لأنه لا يوجد داء كوفيد 19 فقط، بل أمراض أخرى، كما أن الكثير من العمليات الجراحية تعطلت وأخرى تم تقليص عددها إلى المستوى الأدنى.
لقد عشنا كمهنيين ضغطا نفسيا سينعكس من خلال تعقيدات صحية على مستويات عديدة منها مشاكل نفسية، لهذا السبب نطالب بأن تصبح منحة كوفيد قارة، وكذلك بإعادة النظر في أجور المهنيين ودمج الوظيفية العمومية في قطاع الصحة. نتمنى من المسؤولين أن يكونوا قد استوعبوا الدرس بتحسين بعض المحاور بخصوص ما يجب القيام به في قطاع الصحة.
ي.ب