الأغنية التراثية بحاجة إلى تحديث
فتح عميد الأغنية التبسية التراثية، الفنان قدور كلاع، المعروف في الوسط الفني، باسم قدور الكويفي، قلبه للقراء في هذا الحوار الذي خص به النصر، فتحدث عن مساره الذي بلغ عمره  نصف قرن مع الأغنية التراثية الفلكلورية المحلية، قضاه بين الجزائر و تونس، و زينه بـ25 تسجيلا للتليفزيون، و 30 أسطوانة،  منتقدا الذين يشتغلون على التراث، دون إضافات و إبداعات، و مشيرا إلى أن مخلفات جائحة كورونا، أثرت سلبا على الفنانين، خصوصا أولئك الذين لا دخل لهم إلا من الفن.
بدايتي كانت من حفل زفاف
. النصر: قدور كلاع، المعروف في الساحة الفنية باسم قدور الكويفي، مسيرة طويلة في مجال بعث، و تحديث الأغنية التراثية التبسية، حدثنا عن أهم المراحل التي مررت بها في هذا المجال..
ـ قدور كلاع: بدأت دراستي بالكويف بتبسة و واصلتها في تالة بتونس، و في عام 1958 التحقت بالكشافة الإسلامية، ما سمح لي بالمشاركة بأغان ساخرة تنتقد الوضع الاستعماري آنذاك، و توجهت كذلك إلى تقليد بعض الفنانين المشارقة و التونسيين.
بعد نيل الجزائر لاستقلالها، عدت إلى مسقط رأسي بمدينة الكويف، و حدث التحول الكبير، بعد إطلاعي على الأغاني التراثية، بمنطقة الدير و بئر العاتر، فقد شدني ذلك الكم الهائل من الأغاني، التي كانت تردد دون موسيقى، و أتذكر أنه من شدة ولعي بالموسيقى، اقتنيت قيثارة، من أول راتب تحصلت عليه من عملي بورقلة.
بمرور الأيام و الأشهر، دعمت موهبتي الفنية، بدروس في الموسيقى و النوتات و السولفاج، على يد الموسيقار عبد القادر طالبي من ولاية الوادي، وبالموازاة مع ذلك كنت أغني في الأعراس و المناسبات، على نطاق ضيق و بين المقربين، غير أن وفاة زوجتي، زادت من حاجتي إلى الفن، فقد وجدت فيه الملاذ الوحيد، للتخلص من مرارة الفقد و التيه، وقمت بإدخال تحسينات على تلك الأغاني و الرحبيات، فضلا عن تأليف أغان على منوال الموروث، و ساهم صوتي في إيصال الأغنية التراثية إلى المستمع، على أوسع نطاق.
. ما هي أول الأغاني التي لحنتها و أديتها؟
ـ بعد مرحلة التنقيب في المخزون التراثي بالولاية ، وقع اختياري على أغان كثيرة، ومنها «ياساري عُقْب الليل، وحشك كدا وريم، و ليلي عقب و النجوم نُظاروا.. و ألبستها حلة موسيقية عصرية، استلطفها الجمهور وظلت حاضرة إلى غاية اليوم بمختلف المناسبات، و لا تزال تؤدى، في  الأعراس و المهرجانات بالجزائر وعدد من المدن التونسية.
. متى ظهرت أول أغنية تراثية بحلتها العصرية؟
ـ كان ذلك في عام 1970 بالكويف ، عندما دعيت لأحد الأعراس كضيف، فأديت «يا ساري عقب الليل»، بعد إلحاح الحضور، و فتحت لي تلك المناسبة، باب الشهرة، فتعاقبت الدعوات في ما بعد، لإحياء المناسبات والأفراح المقامة هنا وهناك.
أعمالي وصلت للتلفزيون بالصدفة
. كيف وصلت أغانيك إلى التلفزيون الجزائري؟

ـ كان ذلك بالصدفة، كنت مدعوا من طرف أحد الأصدقاء بجامعة قسنطينة، و بعد أن أديت بعض الأغاني التراثية، أعجب أحد العاملين بمحطة التلفزيون بصوتي و أدائي، فقدمني إلى المخرج محمد حازورلي، فأعجب بما قدمته، و تم تسجيل أغنيتين بالمحطة، و توالت بعدها التسجيلات فبلغت 25 تسجيلا، بين أغان و حوارات و حصص، كما شاركت في سلسلة «أعصاب و أوتار»، و حصة «صباحيات».
سجلت أيضا 30 أسطوانة، وتوسعت مشاركاتي و لم تعد تقتصر على تبسة و قسنطينة، بل تعدتهما، إلى سكيكدة وسطيف والعاصمة و في السنوات الأخيرة شملت أغلب ولايات الوطن.
. من هم الفنانون الذين غنيت إلى جانبهم في المهرجانات والحفلات؟
ـ غنيت إلى جانب الفنان عبد الله مناعي، بكاكشي  الخير، حمدي بناني، محمد الطاهر فرقاني، زميرلي، محمد محبوب ، إيدير، محمد سنود، الشابة يمينة و زهور فرقاني و غيرهم.
. و من فناني تبسة؟
ـ من الفنانين المحليين، الراحل عبد العالي مسقلجي، والفنان يوسف سكيو، وجمال الدين درباسي، وعزيز الدزيري، وشرف عليلات، و الموسيقار فيصل حمدي وغيرهم.
. ومن الفنانين العرب؟
ـ غنيت خارج الوطن إلى جانب المطرب المغربي الكبير إسماعيل أحمد، و من تونس الفنان عدنان الشواشي، و لمياء الرياحي، و سمير لوصيف و كمال رؤوف النقاطي، ومن ليبيا محمد السليتي .
. هل ترى أن المجددين في الطابع التراثي حافظوا على هذا الموروث من الزوال؟
ـ بالتأكيد ، لقد حافظ الفنانون على هذه الأنماط الفنية من الزوال و الاندثار، وذلك ببعثها في عدة صور، تتماشى مع الراهن و العصر، والشيء الإيجابي أن هذه الأغاني ظلت و لا تزال محافظة على بريقها، ولها متابعوها، بالرغم من منافسة الأنماط الفنية الأخرى، فهي لا تزال تعيش بالنفوس، و مطلوبة في المناسبات والأفراح و الملتقيات، بالرغم من تجاهلها وعدم إعطائها نفس المساحة الإعلامية.
على الإعلام الترويج للطابع التبسي
. كيف تلقى الجمهور في ليبيا وتونس الأغاني التراثية التبسية؟
ـ كان التجاوب معنا كبيرا، أثناء أدائنا لهذه الطبوع الغنائية، خصوصا بتونس، التي لها مع الجزائر تاريخ و تراث مشترك، وقد وجهت لي عدة دعوات، لإحياء حفلات بتونس وليبيا، كما شاركت في أغلب الأسابيع الثقافية، التي كانت تبرمجها مديرية الثقافة بولاية تبسة.
. الأغنية التبسية رغم رصيدها الثـري، إلا أنها تبقى غير معروفة، أين يكمن الخلل في رأيك؟
ـ الأغنية التراثية التبسية لها حضور ورصيد مهم و قبول في مختلف الأوساط الشعبية، فمن منا لا يعرف الأغنية التراثية « لسود مقروني» و «يا فرخ الحمام»، «يا ساري عقب الليل»، وغيرها، و تتميز كذلك بلغتها السلسة، و صورها الشعرية المدهشة، و إيقاعها البسيط السريع، غير أنها تحتاج إلى وقفة و رعاية و دعم مادي و إعلامي، للوصول إلى الآخر، كما حظيت به أنماط فنية أخرى، على غرار الراي و المالوف و الصحراوي، وأن يكون لها حضور على مستوى البث الإذاعي بالمحطات الجهوية، يساعد على انتشارها وتوزيعها، و أنا مقتنع أن الإعلام بصفة عامة، يروج للأغاني ذائعة الصيت وسريعة الانتشار، على حساب الموروث الغنائي المحلي.
. أنت تكتب و تلحن وتؤدي الأغاني، فهل هناك أزمة نصوص، أم هي أزمة ملحنين ومؤدين؟
ـ أديت وغنيت أكثر من 100 أغنية، و العديد منها مستنبط من التراث المحلي، كما كتبت ولحنت عدة أغاني من تأليفي، وهذا لا يعني خلو ولاية تبسة، من كتاب الكلمات و الشعراء الجيدين، فتبسة تزخر بكفاءات و مواهب كثيرة، لا سيما في مجال الشعر الفصيح و الملحون، و مخزونها لا ينضب من روائع الملحون، خصوصا بناحية بئر العاتر، غير أن طبيعة هذه الأشعار، صالحة للإلقاء، أكثر منها للتلحين و الغناء، بسبب صعوبتها، و من هذا النمط الشعري الشعبي «المردف»، الذي يصعب ترويضه موسيقيا، بسبب وضعيته اللغوية المركبة.
الفن قدم لي حب الناس و احترامهم

. يوجه اللوم لبعض الفنانين، المؤدين للأغاني التراثية، لعدم تجديدهم للتراث، و الاكتفاء بالرصيد المحقق، فما رأيكم؟
ـ أعتقد أنني قد طوعت جزءا من هذه الأغاني، و أضفت لها من روحي، وأخرجتها من عباءتها القديمة، في صورة عصرية، وما أعيبه على بعض زملائي في هذا المجال، هو الاكتفاء بما هو محقق، و ترديد الأغاني مثلما كان يؤديها آباؤنا وأجدادنا، وأدعو نفسي وغيري، من المهتمين بهذه الطبوع، إلى الاشتغال على هذا الموروث، و حفظه من الزوال، عبر بث روح جديدة فيه، تدفعه للصمود في المستقبل.
. ماذا قدم لك الفن ؟
ـ قدم لي حب الناس و احترامهم.
. فرضت جائحة كورونا على الفنان وضعا خاصا، و قامت وزارة الثقافة بتخصيص منحة لهذه الفئة، لتجاوز إكراهات المرحلة، ما رأيك فيها؟
ـ أثمن بادئ ذي بدء، هذه المبادرة، التي تندرج في سياق دعم الفنانين في هذا الظرف الحساس، بيد أن تلك المنحة، تبقى غير كافية، وأن ما يجنيه الفنان في سهرة واحدة، قد يكون أكثر من ذلك، لقد كانت مرحلة الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا، سيئة للغاية على الفنانين، بعدما توقفت نشاطاتهم في إحياء الحفلات والسهرات، التي كانت تدر عليهم مردودا ماديا، و أسجل بكل أسف أن أكثر الفنانين المتضررين من هذا الوضع، هم من لا دخل آخر لهم غير الفن.
. كلمة أخيرة لجمهورك و محبيك..
ـ شكرا لجريدة النصر على هذه الالتفاتة، لدعم الفنانين، و المثقفين، و أحيط محبي قدور لكويفي علما، أنه سيصدر لي قريبا مؤلف حول حياتي الفنية، و هو عبارة عن كتيب من مائة صفحة، مجهز بنسخة إلكترونية، يمكن من خلالها سماع بعض أغاني.
حاوره: الجموعي ساكر

الرجوع إلى الأعلى