أكد المحلل السياسي البروفيسور إدريس عطية ،  أن الجزائر تملك العديد من عناصر القوة  والتي تسمح باستعادة  مكانتها ودورها الإفريقي ، أهمها القوة السياسية على أساس تجربتها الديموقراطية و القوة الاقتصادية على أساس التوجه الجديد للاقتصاد الجزائري وأيضا القوة العسكرية وكذا القوة المجتمعية والإرث التاريخي، وقال إنه لا يمكن للقارة الإفريقية أن تحرز أي تقدم بدون الجزائر، ولا يمكن للجزائر أن تشهد عصرا ذهبيا في سياستها الخارجية بعيدا عن القارة الإفريقية.
النصر : ما هي قراءتك  للتوجه الجديد للجزائر نحو إفريقيا وما رأيكم بخصوص دورها الدبلوماسي في القارة ؟
إدريس عطية: الجزائر لها نظرة ثابتة نحو عمقها الإفريقي وهذه النظرة مرتبطة منذ ثورة التحرير ، فارتباط الجزائر بإفريقيا هو ارتباط طبيعي، سواء من حيث العمق أو الارتباط التاريخي والجغرافي والاجتماعي والبنيوي، وهي كلها ارتباطات تؤكد على مكانة الجزائر في القارة الإفريقية ، فلا يمكن للقارة الإفريقية أن تحرز أي تقدم بدون الجزائر ولا يمكن للجزائر أن تشهد عصرا ذهبيا في سياستها الخارجية بعيدا عن القارة الإفريقية ، لأن الجزائر كانت منذ السبعينيات هي صوت إفريقيا وصوت عالم الجنوب. واليوم من منطلق أن الجزائر كبيرة وسياستها الخارجية عالية المستوى ، لابد أن  تعود تحت هذا الإطار ، والسياسة الخارجية الجزائرية لن تكون فقط ذات بعد مصلحي ضيق أو ذات بعد براغماتي محدد، وإنما ينبغي أن تشمل كامل القارة الإفريقية لترافع لصالح القضايا الإفريقية، مثل مشاركتها في تأسيس الاتحاد الإفريقي ومشاركتها في إطلاق مبادرة النيباد ودورها في عقد الاتفاقية الخاصة بمكافحة الإرهاب على الصعيد الإفريقي سنة 1999 ودورها في حل العديد من النزاعات الإفريقية ومنها ما يحدث في مالي وفي  منطقة الساحل.
وما حدث في القرن الإفريقي بين أريتيريا وأثيوبيا ، وغيرها من القضايا التي تلعب فيها الجزائر دورا مهما  وبالتالي اليوم دور الجزائر نحو إفريقيا ينبغي أن يعود بقوة ليرافع على هذه القضايا وعلى رأسها قضية تصفية الاستعمار ، على أساس أن قضية الصحراء الغربية لا تزال آخر مستعمرة في القارة  وتحتاج جهودا دبلوماسية مكثفة من أجل تصحيح الصورة والدفع بتطبيق مبدأ حق تقرير المصير للشعب الصحراوي  من أجل نيل استقلاله أو المرافعة لصالح كل القضايا بما فيها مكافحة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة وأيضا دور جديد للسياسة الخارجية الجزائرية يتعلق بإضفاء مفهوم الديموقراطية الوطنية على الصعيد الإفريقي بدل الديموقراطية التي يريد الغرب أن يفرضها على إفريقيا وعلى الدول الإفريقية الضعيفة .
وآخر نقطة هي مسألة التنمية، لأن الجزائر رافعت إلى جانب نظيراتها الدول الإفريقية، نيجيريا وأثيوبيا وجنوب إفريقيا، على مسح الديون الإفريقية وطالبت الدول الكبرى بإنشاء مبادرة  تنموية جديدة خاصة بالقارة على شاكلة مشروع مارشال وهذا في إطار  الحوارات الإفريقية مع الشركاء الدوليين مع اليابان ، البرازيل ، الولايات المتحدة الأمريكية ، الصين و الهند.  و أؤكد على ضرورة تجديد التوجه  الدبلوماسي  أو الدبلوماسية الجديدة  للجزائر نحو إفريقيا في إطار تصور جديد وملموس يؤكد على سلامة التصور الجزائري وتكييفه مع المعطيات العصرية خاصة التحديات التي أصبحت تمثلها التكنولوجيا والفضاء السيبراني اليوم.    
النصر: ماهي عناصر القوة التي من شأنها أن تمكن من نجاح الدبلوماسية الجزائرية في لعب الأدوار المنوطة بها؟
إدريس عطية :  الجزائر تملك العديد من عناصر القوة أهمها القوة السياسية على أساس تجربتها الديموقراطية واليوم نجد الخطاب الجزائري يحاول المزاوجة بين الطرح الديموقراطي والطرح المرتبط بالحكامة الرشيدة، والعنصر الثاني هو القوة الاقتصادية على أساس التوجه الجديد للاقتصاد الجزائري، من خلال تفعيل المبادرات ، على غرار السوق الإفريقية الحرة والمبادرات الجوارية ، سواء في الإطار المغاربي أو الفضاء الساحلي من خلال فتح العديد من الأسواق، وحتى في الطابع التقليدي المرتبط بالتبادل التقليدي وغيره، لكن يبقى مجال اقتصادي خصب تستطيع الجزائر أن تبني عليه ، وسواء أيضا من خلال التصور الإستراتيجي المهم، فالجزائر أسست لما يسمى مبادرة الجزائر- لاغوس للوصول  إلى عمق إفريقيا وإلى عملاق إفريقيا والمتمثل في نيجريا ، خاصة  و أنها بوابة القارة الإفريقية ، من خلال مبادرة الحزام والطريق ، هي البوابة الشمالية التي سوف ترتبط بميناء الحمدانية بشرشال، و الذي سوف يعكس تصورا اقتصاديا مهما و أيضا من عناصر القوة  التي تملكها الجزائر، القوة العسكرية  الجزائرية على أساس أنها القوة الثانية على المستوى الإفريقي والقوة الأولى في المنطقة، وأيضا القوة المجتمعية، حيث أن المجتمع الجزائري  يعيش تطورا كبيرا من خلال علمائه وباحثيه و أيضا انسجام المجتمع الجزائري مع القارة الإفريقية.
 كلها عناصر قوة مجتمعة، إلى جانب الإرث التاريخي ، سواء خلال الثورة التحريرية أو من خلال النماذج الجديدة التي تؤكد دائما أن الجزائر صانعة التاريخ في المنطقة، فالكثير من الدول تعود وتستأنس بالتجارب  التاريخية للجزائر.   
النصر:  ماذا تقولون بخصوص التحديات القائمة حاليا في المنطقة وفي القارة الإفريقية؟
إدريس عطية: لدينا جوار مضطرب ، سواء المغرب التي زادت عدد الهكتارات ، خاصة في الشمال المغربي، والتي اتجهت مباشرة نحو تجارة القنب الهندي إلى جانب التسهيلات التي وضعتها السلطات المغربية أمام هؤلاء بمجرد التصريح وبالتالي  هو تحدي أمني. ودور الجزائر سوف يتجه إلى حماية القارة الإفريقية من المخدرات وبالتالي حماية الشباب الجزائري والشباب الإفريقي وحماية حتى الكثير من المناطق في الفضاء المتوسطي أو  في البعد الأوروبي  والكثير من الأبعاد من أجل دحر هذه الآفة التي تؤثر كثيرا على المجتمعات.
و أيضا المستوى الثاني،  فمالي لا يزال يعاني من هشاشات ويعاني من أزمات سياسية ممتدة وأيضا  التحديات في ليبيا هي قائمة، لكن على المستوى الأفقي القارة  الإفريقية تعاني العديد من التحديات، سواء على المستوى البيئي من خلال  خلق برامج للتنمية المستدامة فاعلة وسواء من خلال الحركات الإنسانية وما نشاهده من ظاهرة الهجرة غير القانونية ، وهو تحدي كبير إلى جانب تحدي الفقر وهو وضع اجتماعي من جهة  ومؤشر اقتصادي يؤثر على اقتصاديات الدول الإفريقية و يؤثر على  القدرة  الشرائية لساكنة إفريقيا إلى جانب آفة الإرهاب التي تنخر في إفريقيا وللأسف هناك أجندات دولية تريد صناعة الإرهاب  والتأثير على  القارة من أجل التدخل و النقطة الأخيرة هو التنافس الدولي على إفريقيا .
مراد -ح

الرجوع إلى الأعلى