يرى محمد غزلي الخبير  الجزائري، في الانتقال الطاقوي ومهندس الطاقة و علوم البيئة بألمانيا، بأن الوقت قد حان لتنطلق الجزائر جديا في انجاز مشاريع للانتقال الطاقوي، مع استغلال أمثل للطاقة الكهربائية، وذلك لضمان أمنها الطاقوي على المديين المتوسط و البعيد، خصوصا وأن  التأخر في عملية الانتقال و عدم مواكبة سرعة تحرك الدول التي وقعت على اتفاقية باريس للمناخ، قد يكلفنا الكثير، بما في ذلك ضرائب ثقيلة و كسادا لمنتوجنا من الطاقة الأحفورية، مشددا على ضرورة  تطوير المجالات المتعلقة بالرقمنة و الذكاء الاصطناعي.

حاورته: هدى طابي

* النصر: من الجامعة الجزائرية إلى «فيستاس» عملاق طاقة الرياح في العالم، كيف بدأت رحلتك و عرفنا أكثـر بك و باختصاصك؟
ـ محمد غزلي: أنا خريج المدرسة الجزائرية، تحصلت على شهادة البكالوريا سنة 1991، ثم التحقت بمدرسة الهندسة بسيدي بلعباس اختصاص إلكترونيك.  وفي سنة 1996 تخرجت كمهندس دولة، وغادرت مباشرة إلى جامعة ألمانية، أين درست اللغة لمدة سنة ونصف، قبل أن أغير اختصاصي لدراسة هندسة مجال الطاقات المتجددة و الانتقال الطاقوي و تخرجت سنة 2007، بعدما عملت على مشروع بناء محطة طاقة شمسية  لتوليد الكهرباء في الجامعة التي أدرس بها، وأعمل حاليا في شركة فيستاس لإنتاج طاقة الرياح.
* ما هي أهم المشاريع التي تعملون عليها حاليا؟
ـ في 2008، توجهت إلى الصناعة وتخصصت في مجال إنتاج طاقة الرياح، و قد انطلقت بمشروع كيفية تسريع عملية الانتقال الطاقوي في ألمانيا ، وهو توجه شاركت في رسم معالمه، لأنه كان حديث الساعة حينها ، و كان محل نقاش مفتوح على مستوى البرلمان الألماني لأجل تحديد الأطر والقوانين المنظمة للعملية، وقد كان لي الشرف أن أكون المسؤول على صياغة قانون الانتقال الطاقوي، حسب نصوص اتفاقية كيوتو1996 لتخفيف الانبعاثات الغازية، و هكذا اعتمدت كخبير وهمزة وصل بين شركتي، وهي مركز التكوين والتطوير والابتكار، و الجهات العاملة على صياغة القانون، وذلك من منطلق العلم بالتكنولوجيا و بتكاليفها و بمسارها التطوري، وهذه المعلومات هي ما يسمح بتحديد و صياغة القانون و تسريع الانتقال، إذ انطلقنا مباشرة سنة 2014، في انجاز محطات كبرى لاستغلال طاقة الرياح، بحجم إنتاج طاقوي قدر إلى غاية 2017  بحوالي 10 إلى 15 جيغا واط.
وانطلاقا من 2017، توسع نشاطي ليشمل العمل مع دول أخرى، مثل هولندا وبلجيكا، حيث نعمل على مشاريع كبرى و إستراتيجية أيضا، بهدف تحقيق نفس القدر الطاقوي المحقق في ألمانيا، إذ ننتج سنويا ما يعادل 4 إلى 5 وحتى 6 جيغا واط، في دولتين فقط.
* ما هي التحديات الطاقوية  التي ستواجهها الجزائر خلال عشرين إلى خمسين سنة، في ظل الحديث عن تراجع احتياطي المخزون الأحفوري و زيادة الطلب الداخلي على الطاقة؟
ـ في البداية يجب أن نفهم أننا لسنا في معزل عن العالم، وكل ما يجري فيه من تغيرات، بمعنى أن تفكيرنا في المستقبل يجب ألا تحده الجغرافيا، فالجزائر قريبة جدا من أوروبا ، لذلك يتوجب عليها مواكبة الاتجاه الطاقوي الجديد، لأن كل الدول الأوروبية تعمل فعليا على توفير بدائل طاقوية تغنيها عن استيراد البترول والغاز، لذلك باشرت الاستثمار بقوة في مشاريع تكنولوجية  إستراتيجية ضخمة، من حيث رؤوس الأموال و الإمكانيات الموظفة والتي تخدم أهدافا بعيدة المدى.
لذلك وجب علينا تغيير طريقة التفكير و الخروج من دائرة الاعتماد على المخزون الطاقوي الأحفوري، لذلك فالسؤال الذي يطرح يجب أن يتعلق أساسا بفائدة هذا المخزون مستقبلا، و إمكانية تسويقه و ليس حجمه، فغالبية الدول التزمت في إطار اتفاقية باريس للمناخ، ببرنامج يمتد إلى سنة 2050، يضمن تخفيف الانبعاثات والانتقال الطاقوي، وبالتالي فالجزائر بعد 30 سنة كأقصى تقدير، ستكون مجبرة على تحمل تبعات الشروط التي فرضتها الاتفاقية وعدم احترام معطيات الوثيقة، سيلزمنا بدفع ضرائب ثقيلة وهو أمر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار،  خصوصا وأننا متأخرون جدا في مجال إنتاج الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي، لدرجة أننا لم ننتج طيلة عشرة سنوات 394 ميغا واط، وهو أمر مخجل صراحة، إذا ما قارناه بما وصلت إليه دول أخرى، كألمانيا التي بلغت نسبة تغطية تعادل 50 بالمئة من حاجتها من الطاقات المتجددة.
الدول الأوروبية أصبحت تركز على تتبع و دعم تقدم دول، مثل السعودية والإمارات وعمان، في مجال إنتاج الطاقة البديلة، على غرار مشروع السعودية لإنتاج الهيدروجين، لأن هذه الطاقات هي ما سيتم استيراده مستقبلا عن طريق مد أنابيب غاز إلى أوروبا وألمانيا، انطلاقا من إفريقيا ودول الخليج تحديدا، لذلك يجب علينا التعامل بجدية مع الوضع.  
* لماذا تعثـر انطلاقنا في هذا المجال ؟
ـ أولا عدم الاعتماد على الخبراء الحقيقيين، ثانيا يجب على الجزائر أن تركز على توسيع عملية الرقمنة وأن تطور مجالات الذكاء الاصطناعي و أن تبحث عن شريك متطور يملك خبرة ميدانية مثبتة بنتائج فعلية، وتتعامل معه بمنطق رابح ـ رابح، مع فرض شروط تضمن التكوين من التكنولوجيا محليا، فحتى الغاز الذي نعتمد عليه في تحصيل العملة الصعبة من خلال التصدير، زاد الطلب على استهلاكه داخليا بنسبة  6إلى 7 بالمئة، كونه المصدر الأساسي لإنتاج الكهرباء، و عليه وجب التنبه إلى أننا قد نكون أمام أزمة أولويات مستقبلا، هل نصدر الغاز أم نستهلكه؟
نذكر من جهة ثانية، بأن الصحراء الجزائرية عرفت استثمارات تتعلق بإنتاج الطاقة الشمسية، لكنها واجهت مشكل  تعلق بعدم ملائمة الشبكة الكهربائية لطبيعة مشاريع الطاقة المتجددة ما خلف مشاكل تقنية، عرقلت الاستغلال لدرجة أن معظم المشاريع التي أنجزت لم تستغل سوى بنسبة بنسبة 40 في المالئة، علما أنها عرفت كذلك مشاكل أخرى تتعلق تنظيف الألواح وتوفير الماء فتوليد الطاقة يحتاج للماء، و ما كان ينقصنا لإنجاح هذه المشاريع هو نقص الحزم و الجدية و ضعف الاتصال، ناهيك عن غياب نظرة استشرافية للمستقبل، لأن هذا النوع من المشاريع، يتطلب إشراك كل الفاعلين سياسيا و علميا و اجتماعيا و اقتصاديا، كونها مشاريع إستراتيجية لضمان الأمن الطاقوي.
أما في ما يتعلق بسؤالكم حول سبب التعثر في المجال، فأقول أننا لم ننطلق أساسا لنتعثر، المشكل يكمن في الانطلاق في حد ذاته، وهي خطوة تتطلب إرادة حقيقية تبدأ بضبط سياسية اتصالية واضحة و اختيار شريك قوي يمتلك التكنولوجيا أو عدد من الشركاء، كما هو معروف في هذا المجال الاقتصادي، الذي يتطلب استثمارات ضخمة، فالمشكل هنا يتعلق بالمال و بالتكنولوجيا معا والمؤسف في الأمر هو عدم استغلال الارتفاع في أسعار البترول الذي عرفه العالم قبل سنوات ، لإعداد مشروع رائد « بيلوط بروجيكت»، يكون قاعدة انطلاق للانتقال الطاقوي أو على الأقل إنتاج طاقة بديلة، خصوصا وأن المشاريع الإستراتيجية تتطلب الكثير من الأموال.
* كيف يمكننا تدارك الوضع؟
ـ الأجدر بنا حاليا هو الاعتماد على خبرائنا و إنشاء مشاريع صغيرة و متوسطة لتوفير بدائل للطاقة تلبي احتياجاتنا و توفر الأمن الطاقوي على المدى المتوسط والبعيد.
الانتقال الطاقوي هو عملة بوجهين يشمل الحديث أولا عن الاستغلال الأمثل للطاقة و إضافة إلى إنتاج الطاقات الكهربائية عن طريق الطاقات البديلة و المطلوب الآن هو تحديث الشبكة الكهربائية  من أجهزة إنتاج و استغلال، ناهيك عن تكييف العمران ليتناسب مع آليات إنتاج الطاقات البديلة، يجب أيضا أن نسن القوانين و أن توفر الدولة الدعم للاستثمار في هذا المجال، وجعله مجالا ربحيا يغري الأفراد والمستثمرين للخوض في إنتاج الطاقة الشمسية مثلا، حيث يمكننا أن ننشئ على سبيل الحصر، محطات متوسطة لإنتاج 5 ميغا واط أو 10 ميغا واط ، تضخ الطاقة مباشرة في الشبكة الكهربائية، وقبل ذلك يجب أن ندرك أيضا بأن استثمارات هذا المجال متجددة و نتائجها بعيدة المدى تتطلب قرارا شجاعا و خبرة و تكنولوجيا و تمويلا.    
* ذكرت بأن العالم يتجه حاليا لإنتاج  الهيدروجين من الصحراء، إلى أية درجة يمكن للجزائر أن توظف جنوبها الشاسع في العملية و بماذا تتعلق هذه الطاقة تحديدا و ما هي أهم مجالات استغلال هذه الطاقة؟
 ـ الهيدروجين هو الشطر الثاني من مرحلة الانتقال الطاقوي، ويعتمد بالأساس على نجاح الشطر الأول المتمثل في بناء محطات لإنتاج الطاقة البديلة، و بالتالي فإن القضية مرهونة بتوفر البنية التحتية والتكنولوجيا، إن التحدي يكمن في إنشاء محطات كبيرة تنتج الطاقة البديلة و تضخها في الشبكة الكهربائية،  لأن الهيدروجين يعتمد على مستخلص الكهرباء المولودة من الطاقات البديلة، باعتباره حاملا للطاقة ينتج عن طريق كسر الرابطة بين جزيئات الماء أي بين الأوكسجين و الهيدروجين.
 يمكن استخدام هذه الطاقة في جميع المجالات، وقد تكون محركا لقطاع النقل عموما،  و يذكر أنه في الاجتماع الأخير لبرلمان الاتحاد الأوروبي  اتفق الخبراء على أنه لتحقيق اتفاقية باريس للمناخ، لابد من اعتماد الهيدروجين الأخضر الذي يمكن استيراده من الصحراء و من دول الجوار،  كالجزائر مثلا، وهذه فرصة أخيرة لا تعوض للدخول بكل جدية في مجال تفعيل هذا المشروع، الذي تعلق عليه أوروبا آمالا كبيرة لإعادة هيكلة اقتصادها  و ملاءمته أكثر مع  المناخ، ففي ألمانيا وحدها وفرت مشاريع الطاقة البديلة مليون منصب عمل منذ انطلاقها.
* إلى أي درجة ستخدم هذه التكنولوجيا البيئة وهل  سيكون للتقلبات المناخية مستقبلا تأثيرات على توفير الطاقة للبشر؟
ـ يجب أن ندرك أنه في غضون سنوات 2050 و  2060، ستكون كل الدول الموقعة على اتفاقية باريس، قد خفضت نسبة الانبعاث و حققت الأهداف من خلال مشاريع الانتقال الطاقوي، و سيقدم كل طرف وثيقة تبين منحنى التقدم في إنتاج الطاقة وتراجع الانبعاث، وفي حال لم تتوفر أي دولة على هذه الوثيقة مثلا، فإنها ستكون مجبرة أولا على دفع ضريبة، كما أنها لن تكون قادرة على تصدير إنتاجها من الطاقة الأحفورية،  لأن الاهتمام سيكون منصبا على الطاقات البديلة و الصديقة للبيئة، و هو سيناريو مخيف قد نواجهه في حال لم ننطلق فعليا في مسعى الانتقال الطاقوي،  لأننا سنكون مجبرين حينها على استيراد الطاقة من جيراننا ومن دول أوروبية.
قضية البيئة مشتركة و لا ترتبط فقط بمحيط دولة دون غيرها فالجزائر قد لا تكون مساهما رئيسيا في التلوث، لكنها دولة قريبة لأوروبا و مصير الدول مرتبط ببعضها مثلا، ألمانيا قررت الاستثمار في الطاقات البديلة، بعد حادث المفاعل النووي الذي تضرر جراء زلزال اليابان قبل سنوات والتهديدات التي جرها الحادث، فمخلفات الطاقة و الاقتصاد باتت مرتبطة مباشرة بالبيئة و المناخ ومن يملك الطاقة اليوم يملك القوة، والدول الآن أصبحت تتحدث عن الانتقال من البترول إلى الهيدروجين، في البرلمان الألماني أصبح يشار إلى شيوخ الخليج ب» شيخ الهيدروجين، بدل «شيخ البترول»،  كما كان شائعا.
* ما مستقبل سوق النفط في خضم كل ذلك؟
 ـ الاقتصاد بطبيعته ديناميكي، و يحتكم لتوفر إنتاج معين يمنح قيمة للعملة،  البترول في السنوات الأخيرة انحدر إلى مستويات بلغت معها منحنياته درجة «ناقص  خمسين»، و لا يزال تداوله ضعيفا بمعدل ارتفاع لا يتجاوز « زائد5 الى  زائد 10 بالمئة»، وهو مستوى أقل من العادي  يبين الاتجاه العالم العالمي للخروج من التبعية للبترول، لذلك فكل  المعطيات الراهنة تبين بأن أسعار النفط لن تعرف انتعاشا مستقبليا  و الطلب عليه سيقل إلى أن يبلغ الزوال.
* لنختم بالحديث عن الجامعة كيف يمكن توظيف مخابر البحث في عملية الانطلاق نحو الانتقال الطاقوي وما هي النصائح التي تقدمونها لطلبة هذا التخصص في بلادنا؟
ـ في ألمانيا يشكل الباحثون و الأساتذة عصب البرلمان الألماني و التشريع يعتمد على توصياتهم، لأنهم الأكثر دراية بمعطيات الواقع الاقتصادي والتكنولوجي، حتى أن الحصول على درجة بروفيسور في الجامعة ، يستوجب اكتساب  عشر سنوات خبرة ميدانية في المجال الصناعي، الفكرة هي أنه لابد من إدماج الجامعة في مجال التصنيع للجمع بين الجانبين النظري و التطبيقي و مواكبة كل التطورات.
 بالنسبة للطلبة و حتى الباحثين، أنصحهم بالتكوين الذاتي و الاعتماد على المادة العلمية و الأبحاث والمحاضرات العلمية المتخصصة المتاحة عبر تطبيقات التحاضر عن بعد، لاكتساب المعارف و تحيينها في كل مرة.
 هـ. ط

الرجوع إلى الأعلى