مشروع قانون المالية 2022 قدم امتيازات هامة لإنعاش الفلاحة
ثمن، الأستاذ الجامعي الدكتور محمد حيمران، مدير مخبر البحث في المالية العمومية و الأسواق المالية بكلية العلوم الاقتصادية و التجارية بجامعة جيجل، التدابير المتعلقة بالجباية الفلاحية، في مشروع قانون المالية 2022، مؤكدا أنها تترجم سعي الحكومة لتحفيز الراغبين في اقتحام المجال، خصوصا و أن القطاع الفلاحي يساهم في حدود 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه يساهم في الجباية الفلاحية، بأقل من 0,03 بالمئة من مجموع الإيرادات الجبائية العادية، ما يشير إلى أن "الحكومة أعطت فرصة للقطاع بجعله شبه معفى من الجباية، و حث المتعاملين و الراغبين في الاستثمار على ولوجه"، موضحا، بأن مشروع القانون، تضمن تغييرا جذريا مس جوانب عديدة، على غرار إدراج نظام جبائي ثالث يتمثل في النظام المبسط للمهن غير التجارية.

* حاوره: كريم طويل

النصر : ما هي قراءتكم لمشروع قانون المالية لسنة 2022 و أهم التدابير المتخذة بعنوان تنويع وتحفيز النشاط الاقتصادي؟
الدكتور محمد حيمران: يأتي قانون المالية لسنة 2022 في ظروف اقتصادية صعبة يمر بها العالم، الذي ورغم ذلك، يشهد حاليا انتعاشا في أسعار المحروقات، مما سيسمح بإعطاء مؤشرات ايجابية عن المالية العامة، ومن جهة أخرى، ارتفاعا عاما في أسعار المنتجات وانخفاضا حساسا في القدرة الشرائية للمواطنين.
وفي ظل هذه التناقضات، اقترح المشرع سقفا جديدا يقدر بـ 8000000 دج، سيفصل بين النظامين العريقين للجباية، النظام الحقيقي ونظام الضريبة الجزافية الوحيدة، بعدما قدر بـ 15000000 دج في السنة الماضية، هذا الإجراء سوف يقلص المجتمع الجبائي الخاضع لنظام الضريبة الجزافية، ويشجع أشكال التعاملات الثبوتية من فوترة وشيكات...الخ. ومن جانب آخر، أحدث المشروع نظاما ثالثا هو النظام المبسط للمهن غير التجارية و موجه لممارسي المهن الحرة بصفة خاصة.
وبصفة عامة، يلتمس القانون عدة تعديلات، تبقى حسب رأينا غير معتبرة من حيث صلتها بالقدرة الشرائية، باستثناء تلك المتعلقة بمراجعة معدلات حساب الضريبة على الدخل الإجمالي والتي سوف تولد وفرات مالية للأجراء وأخرى الخاصة بالإعفاءات من الرسم على القيمة المضافة والمتعلقة بعمليات بيع السكر.
• نظـام مبسط للمهن غير التجارية موجه لممارسي المهن الحرة
و من حيث الوعاء الضريبي، فيعتبر مهم للغاية، عبر العديد من الإجراءات، فسيتم على سبيل المثال إدخال إجراءات جديدة لتحديد المداخيل الفلاحية، وأيضا إتاحة الفرصة للمكلفين بالضريبة الذين يمارسون أنشطة غير مصرح بها لدى إدارة الضرائب من كشف معاملاتهم لتدرج ضمن النشاطات الرسمية، وهذا من دون معاقبتهم، الغرض من هذا التدبير هو إتاحة الفرصة للمكلفين بالضريبة الذين يمارسون أنشطة غير مصرح بها لإدارة الضرائب، للتعريف بأنفسهم في أجل أقصاه 31-12-2022 ، و يهدف إلى إدراج المكلفين بالضريبة الناشطين في القطاع الموازي ضمن القطاع الرسمي.
وسيمكن قانون المالية من تحسين الوضعية المالية لشركات الإنتاج التي ستستفيد من تسهيلات لتوسيع نشاطاتها وإعادة استثمار مداخيلها عبر إخضاعهم إلى معدل منخفض يقدر بـ 10 بالمئة و يخص الضريبة على أرباح الشركات، وإعفائها من الرسم على النشاط المهني، فالتخفيض المقدر بــ 09 بالمئة على الأرباح المعاد استثمارها بالنسبة للأشخاص المعنويين المنتجين، سيشجع المؤسسات الإنتاجية الفلاحية وغيرها من توفير 09 بالمائة من الأرباح.
النصر: يشير المشروع إلى أنه سيتم العمل على تقديم تخفيضات جبائية لإنعاش النشاط الفلاحي، ما مدى أهمية هذا الإجراء؟
الدكتور محمد حيمران: تساهم الجباية الفلاحية بأقل من 0,03 بالمئة من مجموع الإيرادات الجبائية بالرغم من مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بـ 12 بالمئة، و يشير الرقمان إلى مساهمتين هامتين لقطاع الفلاحة في الاقتصاد الوطني، فالرقم الأول، يشير بشكل واضح إلى الخلل في قدرة القطاع على تمويل ميزانية الدولة، والتي هي في حاجة ماسة لموارد لتمويل مختلف القطاعات، وعلى رأسها عمليات التجهيز المعطلة منذ سنوات بعد تراجع عائدات الجباية البترولية وعدم نجاعة البدائل المستدامة للتمويل، و في الواقع، يعتبر القطاع الزراعي بمثابة أحد أقوى البدائل التمويلية لميزانية الدولة، أو حتى لميزانية الجماعات المحلية في حالة إعادة هيكلة توزيع المنتوج الجبائي. لكن للأسف، فمساهمة القطاع الفلاحي بشتى أنواع الضرائب والرسوم تقارب مساهمة الضرائب الثانوية الأخرى، أما الرقم الثاني، فيقودنا الى القول بأن القطاع الزراعي في الجزائر خلال السنوات الأخيرة يعرف نموا هاما على كافة الأصعدة، سواء من حيث كمية الإنتاج، المساحة المزروعة أو مساهمته في خلق القيمة المضافة، هذه الأخيرة قدرت بـ 11.75 بالمئة سنة 2017 لتقفز إلى 12.40 بالمئة سنة 2020.
• تخفيض 9 بالمئة على الأرباح المعاد استثمارها للأشخاص المعنويين المنتجين
وقد بلغت قيمة الإنتاج الفلاحي 25 مليار دولار سنة 2020، و كذلك مساهمته في خلق مناصب الشغل، حيث بلغت 10 بالمئة سنة 2020، وقد ساهمت الزراعة في تشغيل أكثر من مليوني ونصف من اليد العاملة، نتيجة لهذه الإنجازات، أضحى القطاع الفلاحي يحتل المرتبة الثالثة بعد قطاع الخدمات والمحروقات من حيث المداخيل، و ما يمكن قوله، بأن كثرة الإعفاءات الممنوحة لتشجيع الراغبين في الاستثمار بقطاع الفلاحة، إذ أنه يستفيد من مغريات جبائية لا يستهان بها، كما أنه سيتم المساهمة في دعم وتنويع الإنتاج المحلي، وتحقيق الأمن الغذائي، فمن الأهداف الرئيسية للإعفاءات الضريبية، رفع مستوى النشاط الاقتصادي و الاستثمار والإنتاجية، لكن نتائج ذلك بقيت بالمقابل هزيلة للنهوض بالمنتوج الجزائري خارج المحروقات، ومع ذلك لا يمكن إخفاء العجز المالي في قطاع الفلاحة، لأننا نضحي بأكثر مما نحصله جبائيا، و بهاته الطريقة نقوم بهدر الثروة بدلا من خلقها في حالة عدم تجسيد استثمار حقيقي في الميدان.
النصر: ما رأيكم في التحفيزات الضريبية التي جاء بها مشروع قانون المالية 2022، وخصوصا المتعلقة بالجانب الفلاحي ؟
الدكتور محمد حيمران: لابد في هذا السياق من التطرق إلى الامتيازات من الناحية العامة، فالمادة 114 من مشروع قانون المالية لسنة 2022 تنص بصريح العبارة على أنه لن يخضع لأي عقوبة جبائية لعدم تصريحه أو التأخر في التصريح ومهما كانت هذه المدة، أي شخص طبيعي أو معنوي مارس في السابق نشاطا تجاريا، إنتاجيا أو خدماتيا وقرر التحويل من النشاط غير الرسمي إلى النشاط الرسمي، كما أننا نعرف جيدا بأن النشاط غير الرسمي واسع الانتشار في القطاع الفلاحي. وعليه فهذا امتياز لا يستهان به بالنسبة للناشطين في حقل الفلاحة.
أما من الناحية الخاصة بالفلاحة، فالقطاع الفلاحي هو قطاع شبه معفى من الناحية الجبائية إذ تحدد فيه الإيرادات الفلاحية وإيرادات تربية الحيوانات كقاعدة لفرض الضريبة على الدخل الإجمالي حسب إمكانيات كل منطقة وكذا حسب كل ولاية، بلدية أو مجموع البلديات.
وحسب مشروع قانون المالية الجديد سيتم توسيع دائرة المداخيل الفلاحية والتي كانت تضم الإيرادات المحققة من الأنشطة الفلاحية وتربية المواشي لتشمل إيرادات أنشطة تربية الدواجن، الأرانب النحل والحلزون بغير شروط محددة، وأيضا المنتوجات الغابية المتعلقة بالفلين واستغلال المشاتل، و تستفيد من إعفاء دائم في مجال الضريبة على أرباح الشركات و التعاونيات الفلاحية  للتموين والشراء وكذا الاتحادات المستفيدة من الاعتماد، وبنفس القدر تستفيد الشركات التعاونية لإنتاج، تحويل، حفظ وبيع المنتوجات الفلاحية وكذا اتحاداتها المعتمدة، و زيادة عن ذلك، تعفى من الرسم العقاري الأراضي الفلاحية وتجهيزات المستثمرات الفلاحية لاسيمٌا الحظائر والمرابط والمطامر.
• إتاحة الفرصة لأصحاب
* النشاط الموازي لإعادة إدراجهم ضمن النشاطات الرسمية من دون عقاب
وتستفيد أيضا من الإعفاء الدائم من الضريبة على ‬الدخل الإجمالي، ‬الإيرادات ‬الناتجة ‬عن ‬زراعة ‬الحبوب ‬والبقول ‬الجافة ‬والتمور، بالإضافة إلى‬‬‬‬‬‬‬ الإيرادات ‬الناتجة عن النشاطات  المتعلقة  بالحليب  الطبيعي  الموجه  للاستهلاك  على  حالته.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 نفس الأمر بالنسبة لمداخيل المزارع التي تقل أو تساوي مساحتها عن 02 هكتار بالنسبة للمستثمرات الواقعة في الجنوب أو في الهضاب  و 0.5 هكتار بالنسبة للمستثمرات الواقعة  في المناطق الأخرى، إضافة إلى ذلك، تعفى من الضريبة على الدخل الإجمالي لمدة عشر سنوات، الإيرادات الناتجة عن الأنشطة الفلاحيةٌ وأنشطة تربية الحيوانات الممارسة في الأراض المستصلحة حديثا منذ تاريخ منحها، وتلك الممارسة في المناطق الجبلية ابتداء من تاريخ بدء نشاطها.
النصر: كمختص في المجال الاقتصادي ما الذي كنتم تتطلعون لإدراجه في مشروع قانون المالية ؟
الدكتور محمد حيمران: إن مفهوم الاستثمار الزراعي يساهم في خلق الثروة وتنويع موارد الجباية العادية، وقد حقق قفزة نوعية كما ونوعا مؤخرا، و كشف عن قدرات كبيرة للصمود ضد تداعيات الأزمة الصحية كوفيد- 19 عكس بعض القطاعات الأخرى، ومن أجل تقليص فاتورة استيراد المواد الغذائية التي غالبا ما تفوق 10 مليار دولار سنويا لابد من وضع سلم الأولويات لأن الأهداف عديدة، فمثلا في المدى القصير أمام الحكومة خيارات تبدو متناقضة كزيادة الإيرادات الجبائية المتأتية من القطاع الفلاحي وزيادة عدد المستثمرين في نفس القطاع، وفي حقيقة الأمر فإن هذين الهدفين متكاملين وأحدهما لا يزيح الأخر. لأن زيادة حجم الاستثمارات في قطاع الفلاحة سوف يرفع من قيمة العوائد الجبائية، لذلك وجب النظر في سياسة استثمارية متكاملة وليس التركيز فقط على الإعفاءات الجبائية الموجهة لقطاع الفلاحة، خاصة فيما يخص النشاطات الفصلية وكون المنتوج الفلاحي معرض للخطر وغير أكيد وثابت. ويقترح في هذا السياق ونظرا لخصوصية القطاع وحساسيته تأسيس نظام مبسط للنشاط الفلاحي على غرار النشاط المبسط للمهن الغير تجارية، ووجب كذلك مراجعة السياسة الضريبية الجزائرية التي لا تراعي التطورات العلمية الحديثة بل يجب أن تستخدم الجباية كأداة للتأثير على السلوك في القطاع الزراعي، مما يؤثر على دخل المنتج، ونقل الأراضي الزراعية  والاستثمار، و كذا الابتكار و الأرباح المستدامة.
• القطاع الفلاحي تجاوز تداعيات الأزمة الصحية عكس القطاعات الأخرى
و دوليا استخدام الضرائب الفلاحية، أضحت أدوات لتحسين الأداء البيئي من بين الظواهر الجد منتشرة، وكذلك الاعتماد على التخفيضات الضريبية لدعم الاستثمار في البحث والتطوير الفلاحي. وهذه هي بالضبط الحلقة المفقودة في الجزائر. لأن أغلب الدراسات العالمية حول الجباية الفلاحية تشير إلى أن الاعفاءات الضريبية لديها قدرة محدودة على تحسين إنتاجية القطاع واستدامته عندما يكون المزارعون عديمي الفعالية و خبرتهم المحدودة لا ترتكز على الابتكار والبحث والتطوير. بشكل عام، فإن الحوافز الضريبية هي الأداة المفضلة لخلق الابتكارات في المجال الفلاحي، و إحدى أولويات الجزائر هي أن تسعى إلى تطوير البحث الفلاحي على المدى الطويل، وعليه، فإن سياسة تدعيم البحث العلمي هي الأداة الأكثر فعالية للنهوض بالقطاع.

الرجوع إلى الأعلى