- ذاكرة حرب لطفل -  كتاب يوثق ما عشته  خلال الاستعمار..
تحدث ابن مدينة قسنطينة، الكاتب و الموسيقي محمد عزيزي، المتوج  في السبعينات بالجائزة الأولى في المهرجان الوطني للموسيقى الأندلسية، من قبل الرئيس الراحل هواري بومدين، في حواره مع النصر، عن إصداراته، التي تعرف بخصوصية الفن القسنطيني، في فترة ما بعد الاستقلال، كاشفا عن تحضيره لمؤلف جديد بعنوان « ذاكرة حرب لطفل».  كما أوضح في هذا الحوار، كيف فكر في تأسيس المقهى الفني الموسيقي درب سليم الحوزي، و كذا تفاصيل حول مسيرته الفنية و كيفية التحاقه بالجمعيات الفنية، و تتلمذه على يد أعمدة الموسيقى القسنطينية، كالفنان قدور درسوني و محمد براشي، و كذا تطوعه لأكثر من 18 سنة، لتعليم الموسيقى، كما تحدث عن تجربته في مجال التحكيم الكروي.

حاورته / أسماء بوقرن    

كتاب «أنا قسنطيني» تجربتي الأولى في الكتابة
النصر: حدثنا عن تجربتك في مجال الكتابة، و ما الذي دفعك لخوض هذه التجربة؟   
ـ محمد عزيزي: عدم اهتمام أسلافنا بالكتابة، و توثيق خصوصية كل مرحلة، جعلني أفكر في خوض التجربة، فعدت بذاكرتي إلى الوراء، لأدون ما عشته و أتجاوز مرحلة اللوم و توجيه أصابع الاتهام للآخر.
أول ما بدأت به، هو الكتابة عن مدينتي و عاداتها و تقاليدها، و طبوعها الغنائية، وفقا للمرحلة الزمنية التي عشتها، فبرزت حياتي الخاصة،  و ركزت على المناسبات العائلية التي كنت أساهم في إحيائها، رفقة فرقتي في «ديار عرب» بالمدينة القديمة، من خلال إبراز خصوصية أعراس المدينة، كما تحدثت عن مبادئ و قيم المجتمع القسنطيني آنذاك، و ذلك في أول إصدار لي بعنوان «أنا قسنطيني».     
 ماذا عن إصدارك الثاني؟  
ـ الكتاب الثاني يتناول الثقافة القسنطينية، و يتطرق إلى الفرق الموسيقية، سواء النسوية أو الرجالية، و كذا التعريف بالطبوع القسنطينية، كالحوزي و المالوف و العروبي و المحجوز، و إبراز خصوصية و أصل كل طابع موسيقي، و معنى التسميات التي كانت رائجة، مثل «البوخالفية»، و هم فنانون يؤدون الزجل، و يتسمون بالكرم و الجود و الاعتناء بالمظهر، كما تحدثت في هذا الإصدار عن حياتي المهنية و التحاقي بصندوق الضمان الاجتماعي سنة 1963، أين كانت انطلاقتي  الفنية الفعلية. أصدرت الكتابان باللغة الفرنسية و يعرضان بالمكتبات، و أعكف حاليا على ترجمتهما إلى اللغة العربية.
 كيف كانت انطلاقتك الفنية من صندوق الضمان الاجتماعي؟
ـ توظيفي في صندوق الضمان الاجتماعي ساعدني على الاحتكاك بعازفين  و فنانين، فقد كان مدير الصندوق « السي مصطفى» ولوع بالفن و محب للفنانين، كما كان موظفون من خيرة الموسيقيين و الفنانين، أذكر منهم عبد الحميد فرقاني و رابح بوعزيز و العربي مرواني و الإخوة خروطو و عبد العزيز شاشو و كمال بوحوالة و رشيد بالفرطاس، فشكل المدير فرقة موسيقية أطلق عليها تسمية «أوركسترا كازوراك» و ذلك سنة 1964، بهدف تقديم علاج نفسي اجتماعي للمرضى، الموجودين في المستشفيات، لتكون بذلك انطلاقتي الفعلية من هذه الجمعية، التي التحق بها كل من محمد براشي و كمال فلاح و رشيد بالفرطاس لتشكيل فرقة متكاملة، و قد كان عمري حينها 16 سنة، التحقت  بعد ذلك بجوق الفنان محمد براشي الخاص.

توّجني الرئيس الراحل هواري بومدين بالجائزة الأولى
متى بدأت إحياء السهرات و الأفراح العائلية؟
ـ تعلمت عندما التحقت بجوق محمد براشي، أبجديات الموسيقى و أنا في 17 سنة، و بدأت معه إحياء الأفراح القسنطينية، و انضم إليه بعد ذلك الفنان محمد درسوني سنة 1966، إلى جانب كل من الفنانين مولود بهلول و حمداني حمادي اللذين كانا يتمتعان بخامة صوتية رائعة. قمنا بعد ذلك بإنشاء جمعية المستقبل الفني القسنطيني، و تتلمذت فيها على يد الفنان قدور درسوني  المشرف على الجمعية.
عندما شاركنا في المهرجان الوطني الأول للموسيقى الأندلسية، فزنا بالجائزة الثالثة، و تمكننا في الطبعة الثانية من المهرجان في سنة 1968 ، من الفوز بالجائزة الأولى، و كرمنا من قبل رئيس الجمهورية آنذاك هواري بومدين، الذي قام شخصيا بتكريمي.     
بعد جمعية المستقبل، أنشأنا جمعية اشبيلية سنة 1979، و كان يترأسها الأستاذ أحمد رميتة، و المدير الفني رشيد بن خويط، و التحق بها لأول مرة، نساء من بينهن طبيبات و ذوات مستوى تعليمي عالي، قررن الالتحاق بالحياة الثقافية. لقد صعدن لأول مرة على الركح، و قدمن مقطوعات موسيقية في المستوى، بعد ذلك التحقت بجمعية البسطانجية، و كان يترأسها الفنان و طبيب الأسنان حمداني حمادي، خريج أول دفعة طب أسنان بالجزائر.
تطوعت لمدة 18 سنة لتعليم الموسيقى
هل ساهمت في التكوين في مجال الموسيقى، لنقل خبرتك للأجيال الصاعدة؟
ـ لقد تطوعت لتعليم الطبوع الموسيقية و كل أبجديات و أساسيات العزف على مختلف الآلات، منها العود و الكمنجة و المندولين و غيرها، في دار الثقافة مالك حداد و قصر الثقافة محمد العيد آل الخليفة، و من الأسماء الفنية التي تتلمذت على يدي لخضر قواش، آدم مرزوق، مالك شلوق، عادل مغواش، بوبكر قادري و العديد من الفنانين الموهوبين.
 كنت أدرس فئة الصغار، فيما كان  الفنان قدور درسوني يشرف على تعليم الأكبر سنا، منهم الفنان عباس ريغي و الشريف براشي، و كنت أحظى بالتوازي بتأطير من الفنان درسوني، حيث كان يحرص على حضور الحصص التي أقدمها، و يقدم إلي توجيهات، كما يصحح لي الأخطاء، و كان يتفادى أن يقدم إلي ملاحظات أمام التلاميذ.
الفن بالنسبة إلي علاج للروح و الجسد ..
كيف أثرت الموسيقى على حياة محمد عزيزي؟   
ـ الموسيقى كان لها أثر إيجابي كبير على حياتي النفسية، و لها الفضل الكبير في تمتعي بالحيوية و النشاط، و أنا في 75 عاما من عمري، بعد الله عز وجل، فأنا اعتبرها علاج للروح و الجسد، كما أعتبرها بمثابة مظلة، تقيني من كل الصدمات، فالفن يعزز الصحة البدنية، و الفنان يعالج القلق و الضغط النفسي بالآلة، و بمجرد أن أعزف لمدة لا تتجاوز 15 دقيقة، أشعر بارتياح نفسي و هدوء تام، و أتخلص من كل الضغوط.
أسست مقهى موسيقيا أطلقت عليه درب سليم الحوزي، حدثنا عنه..  
ـ درب سليم الحوزي عمره 20 سنة، و فكرته راودتني سنة 1982، عندما سافرت إلى إسبانيا لمناصرة الفريق الوطني في مقابلته مع ألمانيا.
تعرفت آنذاك على رجل إسباني، يملك مقهى  تضم مختلف الآلات الموسيقية، فقررت أن أنشئ مقهى مماثلا في وطني، و تم ذلك في نهاية 1999 ، و تحول المكان  إلى فضاء لاستقطاب الفنانين، و زارته أسماء فنية بارزة، مثل محمد الطاهر الفرقاني و طاهر غرسة، أب الفنان التونسي زياد غرسة، و أسماء فنية أخرى من خارج الوطن، فقد كان ملتقى الفنانين و الموسيقيين و فضاء للقاء و تعاون الشعراء و الموسيقيين و الفنانين، كالشاعر لقمان بن الشيخ الحسين، الذي كان كثير التردد على مقهى الحوزي.           

اخترت تسمية»درب سليم الحوزي» لأخلد ذكرى ابني الفنان الراحل سليم
لماذا أطلقت على المقهى تسمية درب سليم الحوزي؟  
ـ اخترت تسمية الحوزي ، لأنه طابع غنائي شعبي بسيط، أما سليم، فهو اسم ابني الراحل سليم، الذي كان فنانا يتمتع بصوت رائع و حصل على الجائزة الأولى كأفضل صوت في مهرجان المالوف، و كنت أتوقع له مستقبلا زاهرا في المجال، غير أنه فارق الحياة، بعد أن غرق في البحر.
. هل تسجل القعدات و اللقاءات الفنية الثقافية التي تجمع الأسرة الفنية في درب الحوزي؟
ـ نعم أقوم بتسجيلها و نشرها عبر صفحة «أصدقاء مقهى الحوزي» على فايسبوك، فتتاح لكل الأعضاء و المتابعين مشاهدة ما نقوم به، فالمقهى مفتوح للجميع، و كل من يرغب بالعزف.  
هل سبق و أن ألفت مقطوعات موسيقية خاصة بك، أو أنك تعتمد فقط على الموسيقى التراثية؟   
ـ لم يسبق و أن ألفت مقطوعات موسيقية، بل أقدم مقطوعات من التراث، و أرفض إدخال تغييرات عليها تحت غطاء الإبداع، فهناك من يعتمد مقطوعات قديمة، و يتبعها بكلمات جديدة، ليقدمها كعمل فني جديد، و هذا لا أعتبره إبداعا، لأن الإبداع يعني تقديم موسيقى و كلمات جديدة.
و أدعو في هذا السياق الشعراء المبدعين، و كذلك الموسيقيين الشباب الذين لديهم مواهب فنية، للتنسيق بينهم من أجل تقديم أعمال فنية جديدة و جيدة بالطابع القسنطيني.
هل سبق لك أن أديت أغان، أو فكرت في الغناء؟
ـ لا أملك صوتا جيدا، كنت أغني مع الفرق، أي جماعيا ، في المناسبات و الحفلات.
هل تنتمي حاليا لجوق موسيقي معين، أم أنك تنشط بشكل فردي؟  
ـ حاليا لا أنتمي لأي جوق موسيقي، لكن كانت لدي فكرة و سعيت لتجسيدها،     و تتمثل في جمع موسيقيين شباب مبدعين، سبق و أن تتلمذوا على أيدي أصدقاء ابني الراحل سليم، في أوركسترا تمثل قسنطينة و الجزائر عموما، بإمكان هؤلاء الشباب تقديم  أعمال فنية في المستوى، لأن تكوينهم صحيح، و أنا حاليا لا أملك الطاقة الكافية للقيام بذلك.
. من من الفنانين الأقرب إليك في الساحة الفنية؟
ـ محمد براشي رحمه الله، هو أستاذي و صديقي، و قد دعمني على مختلف الأصعدة.
أفضّل العزف على آلتي العود و الجواق
ما هي الآلة الموسيقية التي تفضل العزف عليها؟
ـ أفضل العود و الجواق.
. الكثير من الفنانين يقولون أن فن المالوف في تراجع، ما رأيك؟
ـ لا فن المالوف ليس في خطر، كما يعتقد البعض، هناك جمعيات فنية تقدم فنا راقيا، كجمعية قرطبة و جمعية مقام القسنطينية و غيرهما، كما أن هناك فنانين كثر قائمون على الفن و يروجون له بشكل جيد، و أقدم لهم كل الشكر و التقدير، لكن ما أقوله، هو أن مستقبل الفنانين مبهم.
اشتغلت كحكم في مباريات كرة القدم لمدة 10 سنوات
 بعيدا عن الموسيقى، ما هو المجال الذي يستهوي الفنان محمد عزيزي و سبق و أن اشتغل به؟
ـ عملت كحكم جهوي في مباريات كرة القدم سنة 1978، بعد فترة تربص، و توقفت بعد 10 سنوات و كنت على وشك بلوغ مرتبة حكم وطني، و ذلك بسبب مقابلة فريقي بجاية و قالمة، التي اندلعت على إثرها أعمال شغب، تسببت في وقوع ضحايا، ما جعلني أتوقف عن التحكيم.
. ماذا عن جديدك؟  
ـ حاليا أحضر كتابين، الأول «ذاكرة حرب لطفل» و هو كتاب يوثق لما عشته بين 8 سنوات إلى 15 سنة، حيث أحاول نقل تجربتي في الدراسة أثناء حرب التحرير و الحوادث و الأحداث التي عشتها، كتبت لحد الآن 80 صفحة، أما كتابي الثاني فيضم يومياتي و آرائي حول عدة قضايا.                                                           أ ب 

الرجوع إلى الأعلى