التطبيــــع سيفــرز نتائــج عكسيــة ضد نظــام المخـــزن

يرى أستاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية بجامعة قسنطينة، عبد السلام يخلف، بأن نظام المخزن سوف يجني نتائج عكسية من وراء تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، و أن الإعلان الرسمي عن هذه العلاقات، ليس سوى خطوة قديمة جديدة، هدفها الانضمام إلى تكتل الدول المطبعة، لأجل تحقيق  بعض المكاسب، كالاعتراف ب"مغربية" الصحراء الغربية و توسيع تجارة المخدرات، و استعادة الشرعية المهزوزة، خصوصا مع استمرار حراك الريف، و كلها أطماع سيصدم النظام المخزني بسقوطها في الماء، لأسباب يفصل فيها في هذا الحوار.    

* حاورته: هدى طابي

دستور 2011 بين الروافد العبرية للهوية الوطنية المغربية
  النصر: كيف تقرأون ظروف التطبيع المغربي الصهيوني، هل هو إعلان رسمي عن علاقات كانت قائمة في الظل؟
ـ عبد السلام يخلف: يجب التأكيد في البداية على أن المغرب يفتخر منذ مدة بعلاقته بالكيان الصهيوني، من خلال وجود جالية يهودية تمارس النشاطات التجارية المختلفة، و لها معابد و ممارسات سياسية للجالية، خاصة منها الشخصية المحورية في نظام المخزن وهو اليهودي أندري أزولاي، مستشار ملك المغرب، و قبله الحسن الثاني، إضافة إلى أن ممارسات المخزن، تؤكد أن العلاقات المغربية اليهودية (قبل الصهيونية)، ليست جديدة، من خلال اليهود الذين كانوا يعيّنون لدى الملوك المغاربة، تحت تسمية "تجار السلطان"، إضافة إلى أن اليهود الذين غادروا المغرب بعد 1948 و سكنوا "إسرائيل"، ما زالوا يحتفظون بجنسيتهم المغربية و يعودون إلى "بلادهم" متى أرادوا.
 علينا أن نعلم أن ما يقرب 10 وزراء في حكومة نتنياهو الإرهابية، هم من أصول مغربية، و أن التطبيع ما هو سوى خطوة رسمية للاعتراف بدولة الكيان علنا، للخروج من حلقة الشعوب المناوئة لهذا الاعتراف، و محاولة إنعاش التجارة المغربية، من خلال ما يمكن أن تحصل عليه من فتات السياح اليهود، و هذا مقابل دعم الكيان لمغربية الصحراء الغربية.
يذكر دستور 2011 المغربي "الروافد العبرية" للهوية الوطنية المغربية، و يؤكد أن اليهود ( الذين يقدر عددهم على أنه 5000 / دون نسيان استراتيجيتهم التقليدية في تغيير أسمائهم، من أجل الانصهار التكتيكي في المجتمعات التي يتواجدون بها) جزء لا يتجزأ من المجتمع المغربي. التطبيع مصطلح لا ينطبق على حالة المخزن، الذي حدث هو "احتفال رسمي بالخضوع"، و الانتماء إلى وحدة سياسية و اجتماعية معادية للعرب و المسلمين.
الجزائر مدركة لتبعات التقارب المغربي الصهيوني
هل يعتبر المغرب معبرا لإسرائيل في المنطقة و ما هي تداعيات التطبيع عموما؟ هل يمكن أن تفرز الخطوة توترات جديدة؟
ـ التوتر قائم في المنطقة منذ القدم، خاصة منذ حرب الرمال مع الجزائر غداة استقلالها، ثم الاعتداء على الصحراء الغربية وقيام الحسن الثاني بالمسيرة الخضراء التي سمحت لآلاف المواطنين المغاربة الفقراء، بالذهاب نحو أراضي الإلدورادو، تماما كما فعل الصهاينة في فلسطين (طبعا بإيعاز من اليهودي أزولاي، مستشار الملك) و هي أرض تقارب 266 ألف كيلومتر مربع، يدير المغرب اليوم أكثر من 80 بالمئة منها، وهذا بتقسيمها إلى شطرين عن طريق سور (مثل أسوار إسرائيل مع غزة) بني بين 1980 و 1987 على  خمس مراحل بطول 2720 كلم، و هو أطول سور بعد سور الصين العظيم.
لا أحد يتحدث عن هذه الجريمة في حق الشعب الصحراوي الذي تم تشريده وهرب جزء منه بجلده إلى التراب الجزائري بتندوف، و يقدر عددهم  بنحو 137.000 لاجئ ، هناك اليوم 130.000 جندي يحرسون السور المسيج بسبعة ملايين لغم (يجب الانتباه إلى العدد الهائل) و التي قتلت لحد الآن 8.000 من الصحراويين، إضافة إلى أن لجنة المينورسو الأممية المكلفة بالاستفتاء في الصحراء الغربية، تقول أن 40 بالمئة من تراب الصحراء الغربية، تتوزع فيه الألغام المضادة للأشخاص، وتجعل المكان خطيرا على البشر.
 أرى أن هذه التوترات التي خلقها نظام المخزن ستتواصل، و هي الهدف الأساسي من كل التكتيك الذي استعمله منذ البداية ضد الجزائر، بهدف الاستفزاز، وهو يعلم جيدا أنها الدولة الوحيدة التي بقيت تساند القضية الفلسطينية، وكل القضايا العادلة في العالم.
إسرائيل دون أمريكا وأوروبا، لا تزن شيئا في النظام الدولي، لا عسكريا ولا اقتصاديا ولا بشريا، هي تزن في مجال الإعلام و الدعاية والحروب السرية و الدسائس، لهذا فاقترابها من الحدود الجزائرية، ليس بجديد ولا مفاجأة و السلطة في الجزائر تعرف هذا الملف جيدا.
لماذا تسعى إسرائيل إلى التوغل أكثـر في المنطقة ما هي أهدافها من وراء السعي للتواجد كمراقب في الاتحاد الإفريقي ؟
ـ إن محاولة توغل إسرائيل في إفريقيا، هو جزء من سياستها الخارجية منذ مدة، و الهدف هو كسر الحصار المضروب عليها من طرف الدول العربية والإسلامية وبعض الدول المساندة لقضايا التحرر، و الملاحظ أن الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل بلغ 401.95 مليار دولار أمريكي عام 2020، وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن البنك الدولي، وهذا يمثل 0.36 بالمئة  من الاقتصاد العالمي، في نوفمبر 2021 خسر الميزان التجاري الصهيوني 3.3 مليار دولار بزيادة في الواردات قدرها 38 بالمئة و قيمة 8.3 مليار دولار، إضافة إلى المؤشرات الاقتصادية الأخرى، التي لا تجعل من هذه الدولة قوة اقتصادية في المنطقة.
والحقيقة هي، أن الوضع في فلسطين واحتلال الأرض وبناء المستوطنات لم يسمح للكيان بتطوير علاقاته مع الدول الإفريقية، ما عدا محاولة استغلال ثروات بعضها وبيع الأسلحة (37 بالمئة من الأسلحة التي ينتجها الكيان تباع للدول الإفريقية) و كذلك استعمال الوسطاء لتصريف سلعها و التفاوض، بدلا عنها، كما كانت تفعل أمريكا و بريطانيا سابقا، و تقوم به اليوم مصر والسعودية والإمارات، لتمكين الكيان من التغلغل في القارة و منحه فرصة لخلق متعاونين جدد.
 إن توجه إسرائيل نحو إفريقيا مهم بالنسبة لها من جانب الاعتراف بها و منح شرعية لسياساتها، من خلال ربط العلاقات مع الدول الإفريقية و عددها 54 من أصل 194 دولة في العالم، والسبب المباشر في ذلك هو انتخابات 2017 في الأمم المتحدة، حول مقترح مشروع القدس والذي لم يلق تجاوبا، سوى من دولتين إفريقيتين هما الطوغو و جنوب السودان، وهو مؤشر أدى بالدوائر الإسرائيلية إلى التفكير جديا في المسألة، والنموذج الواضح عن تحول الاتحاد الإفريقي إلى أداة دبلوماسية، تسعى إلى مساعدة الكيان في تحقيق أهدافه في القارة، هو من خلال دعم حفتر في ليبيا ( الذي بدأ بالتقارب مع الكيان) ، و كذا الوقوف في المفاوضات بين السودان و الكيان من أجل تطبيع العلاقات.
مسألة الجزائر، هي جزء من الدبلوماسية الصهيونية، باعتبار أنها الدولة القوية في إفريقيا و في مؤسساتها و ترفض بصراحة دخول الكيان كمراقب في هذه المؤسسة، لذا فإن سياسة الكيان هي خطوة إضافية إلى التغلغل في القارة الذي بدأ منذ مدة.
التطبيع محاولة فاشلة لاكتساب الشرعية
هل تعد هذه الخطوة قشة نجاة لنظام المخزن وهل يمكن أن تعيد له الشرعية المفقودة؟
ـ إن نظام المخزن فقد شرعيته منذ مدة مع الشعب المغربي الذي يعرف جيدا بأن هذا النظام لم يبق له أي سبب في الوجود و هو ممزق من الداخل بالهشاشة في جميع المجالات و القمع السياسي، إلى درجة أنه لا يوجد مواطن مغربي واحد يقول إن هناك أحزابا معارضة أو هناك صحافة حرة في هذه البلاد، لأن النظام يعيش على تجويع الشعب و منحه الفتات (رأينا فضيحة الملك وأرصدته في البنوك الخارجية إضافة إلى أنه، حسب المؤسسات المالية المختصة، فإن العائلة الملكية تمتلك ثروة مالية قدرت ب 8.2 مليار دولار)، إضافة إلى أن التناقض الذي لا يستطيع النظام الإفلات به من الشعب المغربي، هو سكوته الجبان عن احتلال إسبانيا لمدينتي سبتة ومليلية ا، في الوقت الذي يحتل فيه أرض شعب الصحراء، ويقوم بتشريده و استغلال ثرواته من فوسفات و ثروة سمكية في الشواطئ المقابلة للمحيط.  هي إذن، محاولة أخرى فاشلة من المخزن لاكتساب شرعية من خلال ربط علاقات مع النظام الأكثر بشاعة و الأقل شرعية في النظام الدولي.
فرصة للتغطية على التجارة غير الشرعية
هل للتجارة غير الشرعية علاقة بقرار التطبيع ؟
ـ تحدث محمد الحمداوي مسؤول العلاقات الخارجية في جماعة العدل والإحسان الإسلامية، بأن سبب التطبيع المباشر ليس قضية الصحراء الغربية، بل هو الشعور بالضعف من قبل نظام المخزن، لذا لجأ إلى "الاحتماء بالقوى الخارجية" أي أنه يفتقد إلى الشرعية الشعبية التي تمكنه من اتخاذ القرارات التي تخدم الشعب المغربي.
 إن مقتل اليهودي الأول طعنا بالسكين، مباشرة بعد قرار التطبيع، هو موقف الشعب المغربي الرافض لهذا القرار الذي يمس بصورته و مسيرته، و الدليل على ذلك أن استطلاعات الرأي العام التي أجريت وجدت أن 88 بالمئة من الشعب المغربي يرفض الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل، ناهيك عن انعكاسات ذلك على شرعية النظام التي ستهتز بشكل رهيب، خاصة في ظل انعكاسات كوفيد 19 الصحية والاقتصادية.  إن تطبيع المغرب هو جزء من كتلة من الدول المطبعة ومنها دولتان فتحتا قنصليتين بمدينة العيون الصحراوية، لذا رأى المخزن أنه بإمكانه الاستفادة من هذا التكتل، يستغله للتركيز على قضية الصحراء الغربية فقط، والإبقاء على دوره "الوهمي" في لعب دور الوسيط بين الفلسطينيين و الكيان، من أجل دولتين منفصلتين. العجيب أن المغرب يحتل دولة أخرى ولا يريد التفاوض بشأنها، ويطلب من إسرائيل منح الفلسطينيين دولتهم.
 الكل يعلم كذلك، أن المغرب يجني ما يعادل ملياري(02) دولار، مقابل بيع المخدرات و كان الملك الحسن الثاني، قد قالها صراحة لمبعوث الرئيس الأمريكي رونالد ريغن، في الثمانينيات "امنحونا ملياري دولار وسنوقف تجارة المخدرات"، المغرب تحول إلى منطقة عبور لحمولات الكوكائين القادمة من أمريكا اللاتينية، وقد حجزت السلطات مثلا 541 كيلوغراما في جانفي 2018 ، علما أن العصابات تستعمل نفس الطرقات والوسائل التي كانت تصرف بواسطتها الحشيش المنتج محليا إلى أوروبا. و  التطبيع فرصة أيضا للتغطية على هذه التجارة غير الشرعية، لأننا نعرف أن المناطق غير المستقرة سياسيا، تتحول سريعا إلى مناطق للنشاطات غير المشروعة، وهذا ما يفضله نظام المخزن كي يدفع بالشعب المغربي، إلى التعاطي و إلى الاستفادة ماديا من هذه التجارة الرائجة التي تجلب السياح من بقاع العالم.
التطبيع سيجلب الانتباه لقضية الصحراء
كيف يمكن أن يؤثر التقارب  الصهيوني المغربي على مسار القضية الصحراوية؟
ـ أعتقد أن القضية الصحراوية، مرتبطة بموقف الولايات المتحدة الأمريكية و الإدارات المتعاقبة أكثر منه بالتطبيع،   لأن موقف دونالد ترامب، و اعترافه بمغربية الصحراء الغربية، هو الذي دفع المغرب إلى التعنت و السقوط إلى الهاوية، اعتقادا منه أن اعتراف أمريكا بسيادته على الصحراء من جهة، واعترافه بالكيان من جهة أخرى، سيخلق حالة قوة إستراتيجية جهوية، تسمح له بلعب دور أكبر في المنطقة.
أمريكا ذاتها بقيت في فيتنام 20 سنة، ثم انهزمت، و في أفغانستان 20 سنة، ثم انهزمت، هل يعتقد المخزن أنه سيبقى في الصحراء الغربية للأبد؟ إن الواقع الآن مرهون بالتوازنات العالمية و الجهوية، لكن ما لا شك فيه، هو أن حل القضية الصحراوية مرتبط بالأمم المتحدة، التي تؤمن بإجراء استفتاء  للسكان الصحراويين و بمواقف الدول الأخرى التي ليست لها مصالح مباشرة مع المخزن.
 أرى أن التطبيع سيؤدي دورا عكسيا تماما لما أراده المخزن، لأنه سيجلب الانتباه للصحراء، و سيعرف الجميع خلفيتها من خلال تسليط الضوء على أنها آخر مستعمرة في القارة الإفريقية، يجب أن تأخذ حقها في النقاش،  خلال  أيام سيحل "دي مستورا" المبعوث الأممي للصحراء الغربية، بالمنطقة لمناقشة الأمر و الملاحظ أنه لا يبدأ زيارته بالمغرب، بل بالجزائر، و هذا     مؤشر كاف لفهم ما يحدث.
 لقد رأينا مؤخرا أيضا، كيف بدأ المغرب الاستفادة من التعاون "الاستراتيجي" مع الكيان، حين اقترح هذا الأخير، قرار استقدام ممرضات مغربيات للعمل في المستشفيات الإسرائيلية، و هكذا يبدأ الاستعباد.
إلى متى يمكن أن يصمد نظام المخزن في وجه حراك الريف القائم منذ قرابة سنة، خصوصا مع تصاعد موجة الرفض للتطبيع؟
ـ أعتقد أن الداخل المغربي، خاصة الفئات المثقفة و النخب تعرف جيدا العلاقات الكلاسيكية بين المغرب و الكيان، مليون يهودي في إسرائيل من أصل مغربي أي ثاني جالية بعد اليهود الروس، تلعب دورا كبيرا في رسم العلاقات و المصالح بين النظامين، إضافة إلى أن المبادلات التجارية بينهما، بلغت سنويا 30 مليون دولار، قبل التطبيع و كذا التعاون الاستخباراتي بينهما، قاد إلى إفشال الحروب العربية ضد إسرائيل و تطبيع مصر باتفاقية كامب دايفيد، يستعمل المغرب مبدأ "التايهوديت" ، ليسوّق القضية الفلسطينية للمواطن المغربي و يظهر على أنه مساند دائم لها، لكنه من جهة أخرى، يبدي مساندته المطلقة لإسرائيل على المستوى الدولي، وهذا التناقض الصارخ يجعل منه نظام المخزن، مطية يعتقد أنها ستدوم.
حراك الريف سيوقظ النقاش حول القضايا الوطنية
إن هذا الخطاب لا يمكنه إقناع الأحرار أتباع ناصر الزفزافي، الذين يناضلون من أجل حريتهم و ثورتهم منذ 2016 مع بداية "الحراك"، و الحكم على زعمائهم بالسجن لمدة 20 سنة، وقمع المتظاهرين بوحشية و توقف قطار التنمية، بالنظر إلى كل المؤشرات الاقتصادية التي تدل على انهيار تام للمنطقة وعدم تلبية مطالب الشعب.
إن الأساس في هذه القضية، أن الانتفاضة جلبت الاهتمام بالأوضاع المزرية التي تعيشها ناحية كبيرة من البلاد، وهذا من خلال بناء وعي للمعارضة و ثقافة الاحتجاج والمطالبة بالحقوق، سيتواصل الكفاح ما دام زعماء الحراك الريفي في السجون، وما دام القمع متواصلا، و ما دامت المشاكل الزراعية و الأراضي عالقة، لخص الأمر الشاب جمال منى، الذراع الأيمن للزفزافي، و الذي فرّ إلى إسبانيا، حين قال في حوار مع مؤسسة كارنيجي " أولئك الذين في السلطة أسوأ حتى من مستعمرينا السابقين، لقد رأيت الموت حقا عندما عبرت المتوسط إلى أوروبا، في بلدنا، لديك خيار الصمت أو السجن".
إن هذا التصريح يلخص الذي حدث والذي سيحدث في منطقة الريف، التي يتهم المخزن سكانها بمطالب استقلالية، و يريد من المساجين أن يوقعوا على وثائق تصرح بذلك لإثبات إدانتهم، أعتقد أن قضية الريف ستخلق نقاشا  في الداخل المغربي، و تبعث النخب على التفكير في القضايا الوطنية، بعيدا عن التطبيع، و المدن الكبرى التي تؤثث للسياح والمجون وسهرات المخدرات، تبقى مطالب سكان الريف المهمش، قائمة و يبدو أن سكانه لا يعترفون بوساطة الأحزاب المنافقة التي أراد المخزن استعمالها، لتهدئة الوضع و سيحلمون بجمهورية الريف، التي أقامها عبد الكريم الخطابي بين 1921-1927 ، لكنها لم تعمّر طويلا.
مذكرة التعاون ستكون صك ابتزاز إسرائيلي للمغرب
ما هي التهديدات الأمنية التي يمكن أن تواجهها الجزائر بسبب التقارب الصهيوني المغربي؟ خصوصا بعد توقيع مذكرة التعاون الأمني بين الطرفين؟
ـ إضافة إلى المشاكل التاريخية مع المخزن، و التي يعرفها الجزائريون جيدا من خيانات لاستقلال الجزائر و مقاوميها، فإن المخزن يعلم بأن الجزائر قادت واحدة من أكبر الثورات التحررية في تاريخ القرن العشرين، و هي التي تمتلك القدرات الاقتصادية والجغرافية التي تؤهلها لقيادة المنطقة، وتزعم التغيرات التي يمكن أن تحدث مستقبلا، و هذا ما يزعج المخزن الذي في كل مرة يخلق تنافسا وهميا مثل ضم أراضي الصحراء الغربية لزيادة مساحة المغرب، أو بناء مسجد الحسن الثاني، كأكبر مسجد في إفريقيا، تنافسا مع مسجد الأمير عبد القادر آنذاك، أو السباق نحو التسلح بشراء الطائرات والصواريخ وهو على علم تام أن قدراته الاقتصادية لن تؤهله للمنافسة المستديمة مع الجزائر، لأنه لا يملك النفس الطويل، سواء في الموارد أو في شرعية القضايا التي تدافع عنها الجزائر، و صورتها في المحافل الدولية أو في شعبها الذي طرد الحلف الأطلسي و مليون ونصف من المعمرين من البلاد.
يعرف نظام المخزن، أن مفاصل الاقتصاد المغربي بأيدي الشركات الأجنبية و الجاليات الساكنة بالبلاد، و التي تمتلك القصور والأراضي والتي ما زال المخزن يضمن لها الأمن والعيش الكريم، مقابل قمع الشعب المغربي، " بلغ الناتج المحلي الإجمالي للمغرب 112.87 مليار دولار عام 2020، حسب بيانات البنك الدولي ويمثل 0.10 في المئة من الاقتصاد العالمي ، وهذا لا يمكنه من مقارنة نفسه بالجزائر، فمساحة الجزائر مليوني كلم مربع و المغرب 446.550 كلم مربع (يريد جعلها 710.850 كلم مربع بسرقة الأراضي الصحراوية و تكرار الكذبة على مواقع الإنترنت)، ميزانية الجزائر للدفاع 14 مليار دولار مقابل 6 ملايير، مخزون العملة الأجنبية 79 مليار دولار ، مقابل 26 مليار دولار، وتفوق الجزائر في العتاد الاستراتيجي والحرب واضح وكبير ويخرج المغرب من دائرة المنافسة...

و الحقيقة أن الجزائر لم تكن تتنافس مع المغرب كأولوية، لأنها دولة جارة ضعيفة، لكن الجزائر تبني ذاتها عسكريا، لأنها حصلت على استقلالها بالموت و الدم وهناك من القوى الخارجية الاستعمارية التي لم تستوعب الدرس التاريخي جيدا و الجزائر محترسة، لأنها تعرف معنى الاستعمار، ليس مثل الدول التي عاشت تحت الحماية، و لم تذق طعم الحرب و الكفاح المسلح ضد الظلم و الطغيان، و تعرف الخيانات و الحروب بالوكالة، لذا فهي دولة حريصة ألا يتكرر ما حصل لها مع جيرانها، أو لمواطنين آخرين في أي مكان من العالم، فمذكرة التعاون بين نظام المخزن والكيان الصهيوني في مجالات الاستخبارات والصناعات العسكرية والتدريب والأمن السيبراني، لن تأتي بثمارها بين اليوم والغد، لأن الكيان يعرف جيدا كيفية اقتناص الفرص لاستغلال المغرب وابتزازه، قبل أن يحصل على أي فتات وسوف يبيعه طائرات الدرون وغيرها من الأسلحة التي سيدفع ثمنها المواطن المغربي المغلوب على أمره.
الجديد في هذه القضية هو الكلام في الصحافة والتحليلات في بلاطوهات التلفزيونات، أما الشأن الأمني، فهو مطروح منذ مدة ولا جديد فيه بالنسبة للجزائر.
 لماذا تزامن التصعيد المغربي ضد الجزائر، بداية بالتصريحات الرسمية ووصولا إلى الاعتداء المسلح مع إعلان التطبيع؟
ـ إن نظام المخزن، يمارس ما يسميه الجزائريون "سياسة التايهوديت"، بعيدا عن المعنى العامي لهذه الكلمة، فلها حمولات أيديولوجية و سياسية مرتبطة بالتكتيك الذي رسمه اليهود والاستراتيجية التي بنتها الصهيونية، من خلال مبدأ المحرقة الواهي، والاعتراف بالظلم الذي لحق بهم من خلال "الحل النهائي" المزعوم، الذي ألصق بالنازية التي كانت عدوة للكثير من الشعوب، لعب دور الضحية هو ما يفعله نظام المخزن لتبرير "رقصته الشيطانية"، بالقول إن الجزائر مصدر تهديد دائم في الوقت الذي يفعل فعلته في الأمم المتحدة و يمرر فكرة "انفصال القبائل" و يبني سورا عازلا و يبيع المخدرات، وهذا من منطلق فرض "سياسة الوضع الراهن"، و هذه نصيحة الصهاينة للملك.
الحقيقة أن نظام المخزن لم يبدأ مع الجزائر فقط، بل مع السعودية، ثم ألمانيا، ثم إسبانيا، أي أنه يجعل من قضية الصحراء الغربية، قضية حيوية مصيرية لا تفاوض بشأنها (تماما كما فعلت فرنسا طيلة قرن كامل، حين اعتبرت الجزائر مقاطعة فرنسية) ثم يعود لربط العلاقات مع الدول التي تخاصم معها تماما، كما يفعل اليوم.
أما الهجوم المسلح على سائقي الشاحنات رحمة الله عليهم، ما هو سوى خطوة لجس النبض و انتظار رد عنيف من الجزائر، لكن الذي حدث هو ما لم يكن ينتظره نظام المخزن ومستشاروه اليهود، فقد تقدمت الجزائر بملف للمنظمات الدولية و الجهوية، تشرح فيه القضية وتمنح شرعية كاملة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع المخزن، ومنع طائراته من التحليق في الأجواء الجزائرية المقدسة وحرمانه من عائدات أنبوب النفط العابر على أراضيه.
 إن التصريحات التي قدمها المخزن كلها معادية للجزائر، وتمس بسمعتها لكن في نفس الوقت تعود سياسة "التايهوديت" متمثلة في خطاب "اليد الممدودة" التي لم تكن سوى ريشة توت، لم تستطع تغطية عورة النظام الملكي، و أظن أن آخر لعبة مارسها المخزن هي خارطة العالم العربي "الرسمية"، التي نشرها في الإنترنت مع عدم وجود الصحراء الغربية، لكنه قوبل باستهجان كبير من طرف الجميع، كما واصل الكذب على ألمانيا، بأنها تساند "مغربية" الصحراء، باستعمال مواقع كثيرة على النت، بما فيها مواقع قناة "الحرة" الأمريكية.
كل ما يقوم به نظام المخزن ضد الجزائر، هو مرحلة أخيرة من فشله وإعلان إفلاسه في قضية متعلقة بموضوع تصفية الاستعمار تتبناها الأمم المتحدة، وصولا إلى إجراء الاستفتاء على الاستقلال، بقوائم السكان التي لدى المنظمة الدولية قبل قيام المغرب بالمسيرة الخضراء.
هل يمكن اعتبار قضية التجسس وبرنامج بيغاسوس تحديدا، إعلانا صريحا لحرب تقودها إسرائيل ضد الجزائر انطلاقا من المغرب كبوابة خلفية؟
ـ قضية بيغاسوس لم تمس الجزائر فقط، بل كانت مسألة عالمية لشركة أمنية إسرائيلية تبيع برامج التجسس، وهذا ليس جديدا، لأن الكل يعرف كيف زرعت المخابرات المغربية ميكروفونات وتجسست على كل المقابلات بين الزعماء العرب في مراحل عدة، وكيف كان المخزن يزود الصهاينة بالمعلومات عن العالم العربي، وكيف ساهمت إسرائيل في تقديم معلومات للمخزن، من أجل تصفية المعارضين وقضية اشتراك الموساد، في قتل الراحل بن بركة، واحدة من القضايا التي ما زالت بالأذهان.
 بيغاسوس برنامج استعمل منذ 2016 للتجسس على 50 ألف رقم هاتف والغريب أن المخزن أراد استعمال الاسلوب الإسرائيلي، بالقول إن هواتف ملك المغرب والعائلة الملكية كانت على قائمة الأهداف المحتملة، لذا فالعملية قديمة أي أن تجسس إسرائيل على الجزائر كان أسبق من قضية "حفل التطبيع".
 حسب تقارير أمنية فقد استعمل المخزن بيغاسوس في بداية الحراك الجزائري، للتجسس على هواتف الرئيس الفرنسي وسفير فرنسا في الجزائر، وكذا بعض المسؤولين الجزائريين، لتتبع الأحداث وطريقة حل المشكلة، باعتبار أن الجزائر هي أولوية الأولويات في المغرب، و أرى أن رد الجزائر كان قويا، إضافة إلى أن الملف له جانب إيجابي، إذ حث الجزائر على تقوية أدواتها السيبرانية، وحماية أمنها من هذا النوع من الهجومات باستراتيجية استباقية (مثل إعلان إنشاء مركز الأمن السيبراني) ومنها تقوية الجبهة الداخلية وتقريب المقاربة الأمنية من المواطن، وتعريفه بالمخاطر المحدقة به، وبالتالي مساندته لقرارات تخصيص ميزانية كبيرة للدفاع عن الأرض الجزائرية المقدسة.

الرجوع إلى الأعلى