تراجع إصابات كورونا لا يعني نهاية الجائحة والجزائر تعاملت معها بيقظة
* كوفـيد قد يتحوّل لفيـروس موسـمي خـلال عامــين

يُؤكد الدكتور يحيى عبد المؤمن مكي اختصاصي علم الفيروسات والمستشار السابق بمنظمة الصحة العالمية، أن الانخفاض القياسي في الإصابات الجديدة بكورونا بالجزائر لا يعني أن الجائحة انتهت، وينصح في حوار للنصر، بالاستمرار في اتخاذ إجراءات الوقاية بالنسبة لذوي الأمراض المزمنة والحوامل، رغم ذلك  فإن الطبيب بمستشفى ليون، يتوقع  بأن يتحول كوفيد إلى مرض موسمي بعد عامين، كما يرى أن الجزائر تعاملت بيقظة خلال الأزمة الصحية، لكن ذلك لا ينفي، مثلما قال، وجوب إصلاح النقائص الحقيقية لتجاوز أي طارئ محتمل.

حاورته: ياسمين بوالجدري 

تشهد الجزائر لأول مرة منذ عامين، عدم تسجيل إصابات جديدة بكورونا. علميا، كيف نقرأ هذه المؤشرات الإيجابية؟
من الناحية العلمية والإحصائية يمكن القول إنه وبعد سنة من التلقيح ضد كورونا، كانت عملية مواجهته ناجحة لاسيما أن متحور أوميكرون كان أكثر انتشارا لكن أقل ضررا، ما ساهم في إنقاص العدوى وقلة عدد الإصابات الخطيرة.
حاليا نحن متحكمون في الوضع الوبائي، لكن ما تزال هناك بعض الحالات التي قد تكون حاملة للفيروس دون أن تعلم بذلك بسبب غياب الأعراض، أو تظهر عليها أغراض خفيفة.
لكن هنالك مخاوف من تأزم الوضعية الوبائية مع الارتفاع الأخير للحـالات في الصـين و أوروبا
بالفعل، في أوروبا عادت موجة كورونا منذ أسبوعين تقريبا، وفرنسا لوحدها أحصت منذ 3 أيام 98 وفاة في يوم واحد. كذلك الصين، قررت عزل 47 مليون شخص في شنغهاي لتقليل الإصابات التي تزايدت بشكل كبير، وهذا أمر مخيف.
لهذه الأسباب ارتفعت الحالات في أوروبا والصين
في الجزائر، وصلنا ربما إلى المناعة الجماعية بفضل التلقيح، لكن لا يجوز لنا القول إننا تخلصنا من الجائحة في ظل المؤشرات التي نشاهدها في دول أخرى. صحيح أننا توقعنا منذ بداية الجائحة أنه وبعد تلقيح 80 بالمئة من المواطنين، سيصبح فيروس كورونا المستجد كالانفلونزا، لكننا نظل في وضعية تريث، حيث نلاحظ ونراقب حاليا أي خطر يُحتمَل ظهوره، فمتحور أوميكرون ظهرت به 4 طفرات، كما أن 98 بالمئة من إصابات كورونا حول العالم حاليا، هي بأوميكرون، مع تسجيل حالات نادرة يقل عددها عن 200 بإصابة نفس الشخص بمتحوري أوميكرون ودلتا كرون.
كيف يمكن تفسير تفاوت الوضعية الوبائية بين دول العالم، فبينما يحصي بعضها اليوم 0 إصابة جديدة، تسجل أخرى معدلات إصابات قياسية؟
لقد ألغت أوروبا كل إجراءات الحجر واستخدام وسائل الحماية والأقعنة، ما تسبب في انتشار كورونا من جديد وارتفاع عدد الإصابات منذ أسبوعين، وتزامن ذلك مع انخفاض درجات الحرارة وتساقط الثلوج، في وقت كانت درجة الحرارة في بلدان أفريقيا تتجاوز 30 درجة مئوية، وهو ما يفسر ارتفاع الحالات بأوروبا، لكن في الصين التفسير مختلف، فأقل من 40 بالمئة من سكان هذا البلد أخذوا اللقاح وبالتالي لم تتشكل مناعة جماعية كافية، كما أن طفرات أوميكرون التي ظهرت به شديدة الانتشار والعدوى زيادة على عامل الكثافة السكانية وطبيعة المعيشة، رغم ذلك فإن الصين تحكمت في الوباء منذ البداية وأحصت أقل من 6 آلاف وفاة بينما تخطى الرقم مليون في بلدان أوروبية.
إلى جانب ذلك، هناك عامل السياحة، فقد تبيّن أن 99.99 بالمئة من إصابات كورونا في العالم سببها تنقلات الأشخاص وهذا كان سببا رئيسيا في انتشار متحور أوميكرون.
تُشكل حالات ما بعد كوفيد هاجسا آخر للأطباء بسبب التبعات الخطيرة للإصابة. ما مدى خطورة هذه الآثار الصحية وكيف يمكن تجــاوزها؟
من الدروس التي تعلمناها في الجائحة، هي أن كوفيد ليس فيروسا عاديا كالانفلونزا التي يشفى منها المريض تماما بعد أسبوع إلى 10 أيام. ما نسميه كوفيد المزمن، يؤثر على القلب والرئة والمناعة، كما يترك آثارا على الكبد تختلف حدتها حسب الحالة، وكذلك على ذوي الأمراض المزمنة وأهمها الأمراض القلبية وأمراض المناعة الذاتية.
كورونا يمكن أن يترك آثارا على الدماغ
منظمة الصحة العالمية قالت إن قرابة 15 مليون شخص في العالم تأثروا على مستوى القلب بإصابات مختلفة ناتجة عن الإصابة مسبقا بكورونا، سواء في الشرايين أو القلب بحد ذاته أو في دقات القلب أو كهرباء القلب. زيادة على ذلك فإن عددا كبيرا من الأشخاص أصبحوا بحاجة إلى جرعات الأوكسجين مدى الحياة، كما أن الفيروس دمر خلايا الكلى لكثير من المرضى الذين صاروا بحاجة إلى التصفية، وربما قد نكتشف مستقبلا الآثار الأخرى على أنسجة الدماغ.
هل يمكن القول إن الجزائر قد تخطّت الجائحة بما أن موسم البرد قد مضى دون تسجيل موجة جديدة؟
إطلاقا، لا يمكننا قول هذا، فقد رأينا كيف ضربت موجة كورونا، الجزائر شهري أوت وجويلية 2021، لذلك فإن سلوك فيروس كورونا يتغير في الزمان والمكان، وقد تزداد شدته في الشتاء أو الربيع أو الخريف وكذلك الصيف. ما قد يحدث، هو إمكانية تأقلم الفيروس ليصبح موسميا يعود كل خريف وشتاء إذا كانت هناك مناعة جماعية، كما قد يدخل في عائلة الفيروسات التنفسية ومنها كذلك الأنفلونزا بأنواعها.
لا يوجد أي عالِم في العالم يقول اليوم إن جائحة كورونا انتهت. يجب التمهل ومراقبة ودراسة انتشار الفيروس، فربما يعود من جديد، لذلك ينبغي الانتظار لسنتين تقريبا حتى يتحول كورونا إلى فيروس موسمي، ونحن نعلم أن الانفلونزا الموسمية تكون شديدة في سنة ما، وأقل شدة في سنة أخرى، وهذا ما قد يحدث في حالة كوفيد 19 مستقبلا. خلال السنتين القادمتين ربما يكون كوفيد الغالب تارة، والانفلونزا هي الغالب تارة أخرى.
في ظل هذه المُعطيات، كيف يمكن تقييّم التجربة الجزائرية في مجابهة الجائحة العالمية؟
الجزائر تصرفت منذ بداية جائحة كورونا مثلما تصرفت الدول الكبرى، فقد كانت أول دولة تنظم أياما طبية حول كوفيد قبل فرنسا وأمريكا وحتى قبل انتشار المرض خارج الصين، ففي 21 جانفي 2020 قدمتُ أول محاضرة عن بعد حول الموضوع بمعهد الطب بمستشفى تيارت وحضرها آنذاك عدد كبير من الأطباء، وأذكر أن أول سؤال طُرح حينها كان عن كيفية التعامل مع الحجاج المصابين القادمين من البقاع المقدسة لدى عودتهم.
بعد ذلك تم تنظيم محاضرة أخرى في 6 فيفري بالمستشفى الجامعي بقسنطينة بحضور أطباء من 14 ولاية بالشرق وتم حينها طرح سؤال مذهل من طرف طبيب تنبأ بما سيحدث، حيث استفسر إن كان ممكنا غسل المتوفى بكورونا، كما نظمنا بعد ذلك بـ 3 أيام محاضرة افتراضية مع إطارات في وزارة الصحة بينهم مدير الوقاية جمال فورار ومدير معهد باستور فوزي درّار، وناقشنا انتشار الفيروس المستجد وطرق حماية الجزائر.
الجزائر لم تكن لها خبرة في مثل هذه الحالة الوبائية ككل دول العالم، لكنها تعاملت بيقظة وكانت أيضا أول دولة بدأت في إجلاء طلبتها وعمالها الموجودين في البلدان التي انتشر بها المرض، حتى قبل أن تقوم دول مثل فرنسا وإيطاليا بذلك، وبينما كانت فرنسا تتخبط بسبب نقص الأقنعة الواقية، كانت الجزائر قد بدأت في تصنيعها وتوزيعها.
كذلك، عندما أجاز علماء استخدام دواء هيدروكسي كلوروكين في العلاج، بدأت الجزائر في استعماله، لكن عندما تبين أنه غير كاف، توقفت عن اعتماده، كما أنها خطت خطوة فعالة ومهمة في مجال البحث العلمي وهندسة اللقاحات، من خلال تصنيع لقاح كورونا، فكانت من الدول القليلة في العالم التي تقوم بهذا.
الكمامة ضرورية في وسائل النقل الجماعي
 كنا أيضا من أول الدول التي بدأت عمليات التلقيح، رغم ذلك ربما نكون قد أخفقنا في مواجهة الموجة الثالثة التي تزامنت مع الصيف وتراخي المواطنين في اتخاذ إجراءات الوقاية ما سبب أزمة أوكسجين وعتاد بالمستشفيات، لذلك يجب أن ندرك النقائص الحقيقية لكي نطور من أنفسنا ونكون جاهزين لأي طارئ قادم، فقد تكوّن طاقم طبي هائل.
ما هي النصائح التي يُمكن توجيهها للمواطنين اليوم بخصوص إجراءات الوقاية؟
كل شخص يشعر أنه مريض و ظهرت عليه حمى أو سعال، ينبغي عليه أن يعزل نفسه عن الآخرين ولا يذهب للصلاة أو الاجتماعات واللقاءات، إلى جانب الخضوع للفحوصات. بالنسبة لعامة المواطنين لا يمكن إلزامهم جميعا بوضع القناع الواقي في ظل انخفاض الحالات، فنحن نعلم أنهم عاشوا فترة عصيبة خلال العامين الماضيين كما أننا مقبلون على فصل الصيف الذي ترتفع فيه درجات الحرارة، لكن وضع الكمامة يبقى ضروريا بالنسبة للأطباء وشبه الطبيين وكذلك النساء الحوامل في حال الخروج للأماكن المكتظة.
الكمامة ضرورية أيضا للجميع في حال استعمال وسائل النقل الجماعي وخاصة بالنسبة للمرضى مهما كان نوع مرضهم، وكذلك بالنسبة لعمال الإدارات العمومية والأشخاص العاملين في مصانع الأغذية بمختلف أنواعها، أما النصيحة الأساسية التي أوجهها، فهي أخذ اللقاح المضاد لكورونا للذين لم يلَقَّحوا بعد، وذلك حماية لأنفسهم وللآخرين.
تُشكل حالات ما بعد كوفيد هاجسا آخر للأطباء بسبب التبعات الخطيرة للإصابة. ما مدى خطورة هذه الآثار الصحية وكيف يمكن تجاوزها؟
من الدروس التي تعلمناها في الجائحة، هي أن كوفيد ليس فيروسا عاديا كالانفلونزا التي يشفى منها المريض تماما بعد أسبوع إلى 10 أيام. ما نسميه كوفيد المزمن، يؤثر على القلب والرئة والمناعة، كما يترك آثارا على الكبد تختلف حدتها حسب الحالة، وكذلك على ذوي الأمراض المزمنة وأهمها الأمراض القلبية وأمراض المناعة الذاتية.
يجب الاستمرار في التلقيح
منظمة الصحة العالمية قالت إن قرابة 15 مليون شخص في العالم تأثروا على مستوى القلب بإصابات مختلفة ناتجة عن الإصابة مسبقا بكورونا، سواء في الشرايين أو القلب بحد ذاته أو في دقات القلب أو كهرباء القلب. زيادة على ذلك فإن عددا كبيرا من الأشخاص أصبحوا بحاجة إلى جرعات الأوكسجين مدى الحياة، كما أن الفيروس دمر خلايا الكلى لكثير من المرضى الذين صاروا بحاجة إلى التصفية، وربما قد نكتشف مستقبلا الآثار الأخرى على أنسجة الدماغ.
ترأس حاليا جمعية الشفاء للصحة الإنسانية الفرنسية الجزائرية، وقد ساهمت هذه الجمعية في تقديم الدعم للمستشفيات الجزائرية خلال ذروة الجائحة. كيف أظهرت الأزمة الصحية الدور الهام لجاليتنا بالخارج لاسيما الأطباء؟
بالفعل، لقد جنّدنا بالتنسيق مع شبكة الأطباء الجزائريين، طاقما هائلا من الأطباء الجزائريين في فرنسا ومختلف دول العالم، ونسقنا مع 365 طبيبا جزائريا من معظم الولايات وخاصة من مستشفيات المناطق البعيدة. وبفضل تبرع الجزائريين بالخارج وأصدقاء الجزائر، تمكنا من جمع أزيد من مليون و 100 ألف أورو قدمناه في شكل عتاد طبي وخاصة أجهزة الأوكسجين، حيث وُزعت على 85 مستشفى كما جهزنا بها 13 مستشفى جامعيا.
لقد أثبتت الجائحة قوة تضامن الجزائريين في الخارج مع مواطنيهم في الداخل، وقد طورنا خلالها شبكة طبية علمية قوية. الطبيب الجزائري من أحسن الأطباء في العالم وهناك جراحون يقومون بعمليات جراحية على مستوى عال، لذلك علينا أن نثق بهم وندعمهم لكي نبلغ مستوى الأبحاث العلمية التي وصلت إليه البلدان المتقدمة.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى