دعا عمر الهامل الناشط الجمعوي و رئيس جمعية 13 فيفري برقان سابقا، إلى الضغط على فرنسا للاعتراف بجرائمها وإجبارها على تنظيف المنطقة من النفايات النووية التي خلفتها التفجيرات النووية في سنة 1960، وتحدث في هذا الحوار الذي خص به النصر عن معاناة سكان المنطقة من آثار التفجيرات النووية، خاصة انتشار الأمراض المزمنة، وأضاف بأن تلك التفجيرات لا تزال تشكل هاجسا لدى السكان، وكشف عن إحصاء 780 ملفا للتعويض وجهت للسلطات الفرنسية، تم قبول منها 30 ملفا للدراسة، وفي الأخير رفضت كل الملفات ولم تعوض.
* النصر: باعتبارك ناشطا جمعويا وكنت رئيسا في السابق لجمعية 13 فيفري برقان، حدثنا عن دور المجتمع المدني في التعريف بقضية التفجيرات النووية وكشف جرائم فرنسا ؟
- الهامل: حاولت من خلال جمعية 13 فيفري التي كنت أرأسها و كذلك قبل تأسيس هذه الجمعية إبراز هذا الملف الذي كان متكتما عليه، ومع أواخر الثمانينيات ترأست فرع الرابطة الولائية للنشاطات الثقافية والعلمية برقان، وتحت غطاء هذه الرابطة قمنا بإبراز مخاطر الإشعاع النووي، كما تحركنا عن طريق الإعلام لفضح الجريمة الفرنسية برقان، والتي لا يمكن فصلها عن مختلف الجرائم الأخرى عبر الوطن، ففرنسا تفننت في ارتكاب جرائمها بالجزائر من قنابل مضادة للأشخاص، والقنبلة الذرية، وقطع الرؤوس وغيرها من الجرائم. ولهذا يجب فضح كل الجرائم الفرنسية بالجزائر، لاسيما وأن السلطات الفرنسية استغلت في تفجيرات رقان أشخاصا كفئران تجارب، كما أضرت بالبيئة.
ونحن نرفض فلسفة بعض الباحثين الذين يتحدثون عن غياب الضحية في هذه التفجيرات، وهذا الطرح نرفضه نحن كسكان رقان، ولنفترض فعلا أنه لا يوجد ضحايا، كيف نتصور أن نجد شخصا كان بالقرب من التفجيرات، فمآله دون شك التبخر، وأيضا ماذا يمكن أن نقول عن البيئة وما خلفته التفجيرات الفرنسية من أضرار، والبيئة هي الوعاء الذي يعيش فيه الإنسان، وإذا كانت البيئة ملوثة، فهذه الأضرار بالطبع تمس الإنسان لأنه يعيش فيها، وبالتالي غياب الضحية ليس طرحا مناسبا، بل يوجد الضحية، وحتى ولو لم يوجد شخصا فالبيئة هي ضحية اليوم، ونشير في هذه النقطة إلى أن الخبراء والفيزيائيين أثبتوا بأن الإشعاع النووي برقان يعيش 24 ألف سنة، وبالتالي نحن في الثواني الأولى منه، ومظاهره بارزة في النفايات الموجودة في رقان .
نحن لا نبعد عن منطقة التفجير سوى بـ 60 كلم، وهذه المسافة بالنسبة للتفجير النووي قريبة جدا، خاصة أن هذا التفجير كان ضخما ويعادل 4 أضعاف تفجيرات هيروشيما باليابان، وغبار تفجيرات رقان وصل إلى أوروبا وفق تقديرات الفرنسيين، بالرغم من بعد المسافة، وماذا بالنسبة لنا نحن الذين نعيش بجوار موقع التفجيرات.
إذن هذا الإشعاع الذي يصلنا يخلف أضرارا كبيرة تظهر في التشوهات الخلقية، ويظهر في الزراعة والنخيل، وبالتالي المتضرر هو الإنسان والبيئة في نفس الوقت، فالإشعاعات مست حتى المواليد الجدد الذين يولد بعضهم بتشوهات خلقية.
* النصر:  كيف تقيّم جهودكم لفضح فرنسا ودفعها للاعتراف بجرائمها وتعويض الضحايا ؟
- الهامل: حضرنا ملتقيات دولية، وملتقيات في المؤسسات التربوية، وقمنا بتوعية المواطنين بعدم الاحتكاك بالنفايات النووية بمنقطة التفجير، كما قمنا بإيصال معاناتنا عن طريق وسائل الإعلام، وطلبنا من وزارة التربية الوطنية إدراج درس حول التفجيرات النووية.
وفي سنتي 2013 و 2014 كانت لي محاولة مع اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان الذين تواصلوا مع وزارة التربية الوطنية من أجل إدراج درس حول التفجيرات النووية في جميع المؤسسات التربوية عبر الوطن، وبالفعل بعد أسبوع تلقينا الرد بالموافقة وقدم الدرس سنتي 2013 و 2014، وهذا تاريخنا الذي يحمل عزتنا ويجب نقله للتلاميذ، وبقدر ما يبرز هذا التاريخ جرائم فرنسا فإنه في نفس الوقت نبرز من خلاله الوجه الحقيقي للإجرام الفرنسي وكذا بطولات المجاهدين والشهداء ونثمن تضحياتهم.
كما نقترح تنظيم يوم وطني للجرائم الفرنسية، وجريمة التفجيرات النووية تعد من أكبر الجرائم التي ارتكبتها فرنسا، ولكن ذكرى التفجيرات لم تلق حقها، ولهذا ندعو ليكون يوم 13 فيفري من كل سنة هو يوم الجريمة الفرنسية بالجزائر.
أما بخصوص إحصاء المتضررين والضحايا فلا يمكن ذلك، وعلمنا بأن 780 ملفا لضحايا التفجيرات النووية حولت إلى السلطات الفرنسية قبل منها 30 ملفا للدراسة، وفي الأخير رفضت كل الملفات ولم يقبل أي ملف لتعويضه.
* النصر: كيف تصف لنا معاناة المواطنين برقان مع مخلفات التفجيرات النووية؟
- الهامل:كما ذكرت سابقا الضحايا لا يمكن إحصاؤهم، بسبب غياب الأطباء الأخصائيين، بحيث المريض بعد أن يخضع للفحص العادي يوجه إلى مستشفيات الشمال، وعندما ينتقل للعلاج إما يشفى أو يتوفى، وبذلك لا يدرج ضمن أرقام المتضررين من التفجيرات، كما أن غياب أجهزة الكشف عن الأمراض خاصة السرطان هو الآخر جعل إحصاء المتضررين غير ممكن، لذلك فمعاناة المتضررين كبيرة ومستمرة، حيث يعانون من هاجس التشوهات الخلقية بالنسبة للمواليد الجدد، وعدة أمراض مزمنة أخرى، ولهذا المنطقة تحتاج إلى دعم أكبر من الأطباء الأخصائيين والأجهزة الطبية.
ونشير في هذا الإطار إلى أننا كنا قد تقدمنا بطلب إلى وزير الصحة في سنة 2010 لإنجاز مستشفى لمكافحة السرطان، وبالفعل تم إنجاز هذا المستشفى بأدرار التي تبعد بـ 150 كلم عن رقان، واستحسنا إنجاز هذا المستشفى بمركز الولاية، وهذا أفضل من إنجازه برقان، وذلك حتى يسمح لسكان المناطق الأخرى بالعلاج وتوفير الأخصائيين بعاصمة الولاية، لكن هذا المشروع الذي افتتح في سنة 2019 بقي هيكلا بدون روح، والخدمات الصحية التي يقدمها اليوم متواضعة جدا لغياب الأطباء الأخصائيين والأجهزة الطبية.
ولا يجب أن نغفل أيضا في هذا الموضوع الأضرار البيئية المختلفة التي خلفتها التفجيرات النووية، بحيث تقلص الإنتاج الفلاحي بشكل كبير، وحتى التمور لا تنتج إلا بشكل قليل، وفي الكثير من الأحيان غير صالحة بسبب تضررها بالإشعاعات النووية.
* النصر: ماهي الأمراض المنتشرة بالمنطقة؟
- الهامل: الكثير من الأمراض و معظمها أمراض العيون، السرطان، السكري، والعقم، لكن نفتقد للحلقة التي تثبت مدى علاقة هذه الأمراض المنتشرة بالتفجيرات النووية، وبالتالي الأخصائيين هم الذين يحددون علاقة الارتفاع المسجل في حالات الأمراض المذكورة بالإشعاعات النووية.
* النصر: هل كان للصهاينة دور في التفجيرات النووية برقان؟
- الهامل: التفجيرات أمر سري لدى الفرنسيين والأرشيف أخذوه معهم، لكن بدأت تتسرب بعض الوثائق، والمعطيات تشير إلى أن أمريكا والاتحاد السوفياتي وبريطانيا رفضوا مساعدة فرنسا في هذا الملف، ولهذا طلبت الدعم من الكيان الصهيوني ووقعت اتفاقية معهم سنة 1953، وبدأت فرنسا في التحضيرات للدخول إلى النادي النووي في سنة 1945 بعد أن أسست المحافظة النووية، لكنها لم تكن تمتلك تقنيين وأخصائيين في المجال النووي، وبعد رفض الدول المذكورة لجأت إلى الكيان الصهيوني الذي دعمها بـ 11 خبيرا وحوالي 400 تقني أخصائي كانوا يعملون في المفاعلات النووية الأمريكية، وذلك مقابل ثروات الصحراء الجزائرية.
* النصر: ما هي الرسالة التي يمكن أن توجهها باسم سكان رقان ؟
- الهامل: الرسالة الأولى هي لابد من الضغط على فرنسا من أجل الاعتراف بجريمتها، و إجبارها على تنظيف المنطقة من النفايات النووية، وبما أن الإشعاعات لا تزال منبعثة نحن سكان رقان لا نزال تحت التجربة، ومنطقة حامودية التي وقعت فيها التفجيرات غير قابلة للحياة اليوم، وهي أرض جزائرية عزيزة من المفروض تنظف وتعود لها الحياة، وتستغل في السكن والزراعة، وعلى فرنسا دفع الثمن، ولا يمكن تخطي جرائم الاستعمار الفرنسي من أجل بناء علاقة سوية مع فرنسا.                          ن ع

الرجوع إلى الأعلى