تعليم الموسيقى في المدارس يهذّب الذوق العام

يرى أستاذ الموسيقى و العازف على آلة العود عباس بوراس، بأن المجتمع الذي يفتقر إلى الذوق الفني هو مجتمع ميت في نظره، مبرزا دور تعليم الموسيقى في المدارس و في المعاهد المتخصصة، في ترقية المواهب و احتضانها و تحسين الذوق العام، داعيا إلى ضرورة إنشاء مؤسسات متخصصة في تعليم  العزف.  و تحدث العازف أيضا في هذا الحوار مع النصر، عن محطاته الفنية و دور والديه في تحديد مسار تكوينه الأكاديمي و في تذليل العقبات التي وقفت في طريقه، كما كشف عن سر تأثره بالمدرسة العراقية، و طبيعة علاقته بالموسيقار نصير شمة.

 حاورته / أسماء بوقرن

والداي غرسا بداخلي حب الموسيقى
النصر: تعلمت العزف على الآلات الموسيقية في سن مبكرة، و تعد من خريجي بيت العود العربي و المعهد الوطني العالي للموسيقى، حدثنا عن رحلتك في مجال الموسيقى؟
ـ عباس بوراس: بدأت تعلم الموسيقى و سني لا يتعدى 6 سنوات، بفضل والدي اللذين غرسا بداخلي حب الموسيقى الراقية، حيث أخذت دروسا نظرية في الصولفيج و كنت بالموازاة مع ذلك، حريصا على تعلم العزف على مختلف الآلات على غرار الموندولين و الكمنجة و القيثارة الأوروبية، و ذلك بين سنوات 1993 إلى سنة 2001، وقد تمكنت من محاورة هذه الآلات    و التحكم فيها و هو ما سهل علي التخصص في مجال العزف.
لماذا تخصصت في العزف على العود دون غيره؟
ـ لأني تعلقت أكثر بهذه الآلة الساحرة، فهي من الآلات المفضلة لدي، حيث تمرنت على مداعبة أوتارها عندما درست بفرع قسنطينة لبيت العود العربي، و كنت محظوظا كثيرا حينها، لأنني استفدت من تكوين على يد الموسيقار و الأستاذ العراقي الكبير نصير شمة، و ذلك بين سنتي 2004 و 2008، و هي السنة التي نلت خلالها شهادة البكالوريا و درست تخصص الحقوق في جامعة قسنطينة، ثم انتقلت بعدها إلى المعهد الوطني العالي للموسيقى أين درست علم الموسيقى، و تخرجت سنة 2012، بعد أن وفقت في إعداد  بحث حول «تاريخ العود و تطوره عبر الحضارات و العصور»، كما قدمت دراسة تحليلية لمختلف أنواع و مدارس العود حول العالم، لأصبح بعد نيلي للشهادة مباشرة أستاذا في التعليم الفني المتخصص في معاهد التكوين الموسيقي بقسنطينة و عنابة، أين درست عدة مواد نظرية و تطبيقية، أذكر منها نظريات الموسيقى الشرقية و تاريخ الموسيقى بالإضافة إلى آلة العود طبعا.
 و يعتبر العود من أهم الآلات الموسيقية التي تتميز بها الموسيقى العربية، رغم انتشار أنوع عديدة منه في بقاع العالم، و تعرف الجزائر بنوع خاص جدا يسمى بالعود الأحمر رباعي الأوتار، وهو عود أقدم من النوع الحديث المعروف حاليا.
 هناك أيضا، الأنواع الأخرى المعروفة عند عامة الناس بالعود الشرقي، وهي آلة تختلف من حيث الشكل و عدد الأوتار و طريقة العزف، الذي يمثل الموسيقى الطربية في بلدان المشرق، إذ تعد حديثة الاستعمال في الجزائر.

إلى أي حد ساهم محيطك الأسري  في صقل موهبتك؟
ـ للمحيط الأسري دور كبير في تنمية مواهب الأبناء  و أنا تلقيت كل التأطير و الدعم من قبل والدي، وهو ما ساعدني كثيرا على تنمية موهبتي وصقلها و تخطي كل الصعوبات و العراقيل التي يواجهها كل فنان خاصة من يسعى إلى التكوين الجيد في ظل غياب اهتمام بتعليم الموسيقى في بلادنا.
و للدعم المعنوي أيضا، دور كبير في مسيرتي الفنية إضافة إلى  المستوى الثقافي للعائلة حيث يلعب الجو و المحيط الأسري دورا كبيرا في التحفيز، كما كان التشجيع الدائم من قبل والدي دافعا قويا، و بمثابة الوقود الذي يضمن سير مركبتي مهما طالت مسافة الطريق    فإلى غاية اليوم، و رغم ما حققته من نجاح و إشرافي على تكوين أجيال أخرى من الطلبة، إلا أنهما لا يزالان يقدمان لي كل الدعم.
التكوين الأكاديمي مهم جدا في تعلم العزف
كيف تؤثر الدراسة الأكاديمية في مسار أي عازف؟
ـ الجانب الأكاديمي مهم جدا في تعلم العزف، بغية الاستفادة من تكوين موسيقى قاعدي متكامل، وهذا ما نعمل من أجله نحن الموسيقيون، لأن طموحنا هو تحسين مستوى العازفين و تأطيرهم جيدا، فضلا عن أن التكوين التطبيقي مهم لتحسين الذوق الموسيقي في المجتمع وهذا أهم شيء في نظري، لأن الموسيقى كما يقول الوالد هي غذاء الروح، و المجتمع الذي يفتقر للذوق الفني عامة و الموسيقي على وجه الخصوص   مجتمع ميت لا يعرف قيمة الجمال وهذا يؤثر سلبا على كل جوانب الحياة، سواء ما يخص علاقة الفرد  بمحيطه أو حتى علاقة الإنسان بنفسه، لكن للأسف  هناك نقص في الاهتمام بالمنظومة الثقافية ودورها وهو ما أثر على الذوق العام.
الأجانب يحبون العود و أنا أغذي شغفهم به
تشرف على ورشة خاصة للعزف على آلة العود الشرقي بدار الثقافة مالك حداد، و ذلك منذ سنة 2018، ما مدى اهتمام الجيل الصاعد بتعلم الموسيقى؟
ـ نعم هناك اهتمام من قبل الجيل الصاعد بالموسيقى   فأنا أتلقى اتصالات كثيرة من هواة و طلبة من مختلف جهات الوطن، يرغبون في التسجيل لتعلم العزف على آلة العود الشرقي، حيث يتحملون مشقة التنقل في سبيل التكوين لنقص الأساتذة عبر الوطن، وهو مشكل يرجع أساسا إلى نقص المعاهد و المدارس المتخصصة في هذا النوع الموسيقي.
 أعمل جاهدا على تلقين أصول العزف على العود العالمي في قسنطينة ومدن أخرى، و قد تخرج على يدي طلبة بمستويات جيدة  ثمانية من بينهم أصبحوا  أساتذة كما أشرف أيضا، على ورشات لأجانب يعشقون العزف على العود.

 ما هي الإضافة التي يمكن أن تقدمها مادة الموسيقى أو التربية الموسيقية لتلاميذ المدارس في اعتقادك؟
ـ الموسيقى مادة أساسية في المنهاج التربوي، لكن غياب الاهتمام بها جعل دورها يكاد ينعدم في المسار التعليمي و نتيجة ذلك واضحة و نراها  في تردي الذوق العام     و لذا و جبت إعادة النظر  في المناهج و المقررات التعليمية و كذلك في طريقة تدريس الموسيقى، و العمل على ضمان تكوين مستمر للأساتذة لتحسين مستواهم لأن هذه المادة تعتبر جزءا من النشاط الفكري الإنساني و أحد أشكال التدرب على التركيز الذهني و التعمق في التفكير و أداة لتطوير الملكات العقلية.
أعتبر نفسي محظوظا
تكونت على يد الموسيقار نصير شمة، أحد أشهر عازفي العود في العالم العربي، فما الذي  أضافه إلى مسيرتك؟  
ـ تأثرت كثيرا بالمدرسة العراقية، و خاصة بالأستاذ الموسيقار نصير شمة، الذي نلت شرف التكوين على يده و نهلت من علمه الكثير، حيث لم يبخل في تقديم ما بجعته من أسرار الفن و الموسيقى، وهو ما اعتبره حظا جيدا و امتيازا لي، فقد منحني أنا وغيري من العازفين عبر العالم إمكانية التكوين و دراسة آلة العود بطرق أكاديمية حديثة، و هذا شرف كبير لي  و أتمنى أن ينال كل شغوف و عاشق لهذه الآلة نصيبه من هذا التكوين.
أ ب

الرجوع إلى الأعلى