هكذا وفقت بين عملي كأستاذ جامعي وحكم نخبة

لخص الحكم الدولي المعتزل عبد الحق ايشتعلي مسيرته الطويلة الممتدة لأزيد من ربع قرن في ما حدث في مونديال قطر، لما تمكن ومواطنيه غربال وقوراري من افتكاك اعتراف اللجنة الدولية للتحكيم، مؤكدا في أول حوار مع جريدة جزائرية، بأنه فخور بما قدمه خلال البطولات العالمية السبع التي حضرها، كما تطرق إلى عدة جوانب مخفية في مسيرته، وخاصة التوفيق بين مسيرته العلمية والعملية كأستاذ جامعي في تخصص الإعلام الآلي وحكم نخبة، صال وجال وشرف الصافرة الجزائرية.

حاوره: سمير. ك

*أعلنت اعتزالك مؤخرا بعد المشاركة في آخر نسخة من المونديال، هل لك أن تعود بنا إلى أبرز محطاتك، وكم دامت مسيرتك في هذا المجال ؟
أتواجد في ميدان التحكيم منذ 26 سنة، وحققت نجاحات فاقت كل التوقعات، فعلى المستوى الوطني، لدي أربع نهائيات كأس جمهورية، وقاريا أمتلك سجلا حافلا ب5 مشاركات في نهائيات كاس أمم إفريقيا، وأربع نهائيات لمسابقة رابطة أبطال إفريقيا، ونهائيين لكأس الكونفدرالية الإفريقية، ونهائيان لكأس السوبر الإفريقي، بينما عربيا كنت حاضرا في البطولة العربية للأمم والبطولة العربية للأندية والألعاب العربية، وأما عالميا، فلدي 7 بطولات «فيفا» كاملة، ثلاث نهائيات مونديالية، وكأس القارات وبطولتي «موندياليتو»، وكأس العالم أقل من 17 سنة.
حضرت 3 طبعات من كأس العالم وبطولتي «موندياليتو» وكأس القارات
*كنت حاضرا في ثلاث نهائيات كؤوس عالم، حدثنا عنها وما هي المشاركة الأفضل بالنسبة لك ؟
تشرفت بالمشاركة في ثلاث نهائيات كأس العالم، بداية بمونديال البرازيل 2014، حيث كنت حاضرا ضمن طاقم جمال حيمودي، واعتبرها تجربة تاريخية بما تحمله الكلمة من معنى، بحكم أننا أدرنا أربع مقابلات كاملة من بينها اللقاء الترتيبي الذي جمع البلد المستضيف البرازيل بمنتخب هولندا، وهنا أود التأكيد على نقطة مهمة، وهي أننا كنا أول حكمين جزائريين يستعملان تقنية (goal ligne ) التي استخدمت لأول مرة في بطولة العالم للأندية باليابان، كما تواجدت في النسخة الموالية أيضا، وأعني بالذكر مونديال روسيا 2018، وهي أول نسخة من المونديال تطبق فيها تقنية “الفار”، وكنت رفقة عبيد شارف أول حكم جزائري يستعمل تقنية “الفيديو” التي كانت حديثة العهد، وأما بخصوص آخر تجربة، والمتعلقة بمونديال قطر الذي أسدل عنه الستار منذ أسابيع قليلة فقط، فأعتقد أنها أول مرة في تاريخ التحكيم الجزائري يكون الثلاثي كله جزائري مئة بالمئة ( مصطفى غربال وعبد الحق إيتشعلي ومقران قوراري)، وهنا تشرفنا بإدارة لقاءين مهمين ضمن دور المجموعات، بداية بمواجهة هولندا والإكوادور ومباراة الدانمارك وأستراليا، وهما المواجهتين اللتين شهدتا بعض الحالات التحكيمية، والحمد لله كانت قراراتنا صائبة، بتأكيد لجنة تحكيم “الفيفا”.
كنا في قطر الطاقم الإفريقي الوحيد المستمر لغاية النهائي
*أدرتم مباراتين في مونديال قطر، وكنتم حاضرين ضمن القوائم الأخيرة المعنية بلقاءي النصف النهائي وحتى المباراة الختامية، ماذا يعني لكم هذا، وهل ترون أنكم حُرمتكم من إدارة مباريات إضافية في الأدوار المتقدمة ؟
الحمد لله كنا حاضرين حتى المحطة النهائية، وكنا الطاقم الإفريقي الوحيد الذي أدرج ضمن القائمة الأخيرة، وبالتالي كنا في كامل التركيز للتشرف بإدارة لقاءات إضافية في الأدوار المتقدمة، ولكن لجنة التحكيم كان لها رأي آخر، ونحن نحترم ذلك، وإن كنا كطاقم تحكيمي جزائري راضون بمشاركتنا في المونديال العربي، إذ أدرنا لقاءين مهمين، ولم نرتكب أي أخطاء بشهادة أهل الاختصاص.
على العموم، تعيين حكام أفارقة في أدوار نصف النهائي والنهائي أمر خارج عن نطاقنا، وكحكام دورنا أن نكون جاهزين لأي مقابلة، والحمد لله كنا الطاقم الإفريقي الوحيد، الذي جددت لجنة التحكيم الثقة فيه إلى غاية الأمتار الأخيرة.
حققت نجاحات فاقت التوقعات على مدار 26 سنة كاملة
*مباراتكم الأولى التي جمعت بين هولندا والإكوادور شهدت حالة تحكيمية تتعلق بإلغاء هدف لممثل أمريكا الجنوبية، حدثنا عما جرى في تلك اللقطة بالتحديد ؟
الحمد لله قرارنا بعدم احتساب هدف الإكوادور كان صائبا، وما يحسب لنا أننا ألغيناه دون العودة إلى تقنية “الفار”، وهذه نقطة إيجابية في عملية التقييم من طرف لجنة التحكيم، وبالعودة إلى تلك اللقطة بالتحديد أود التأكيد لكم، بأن هناك ثلاث حالات للتسلل (التداخل في اللعب والتداخل مع المنافس والاستفادة من الوضعية)، وما حصل معنا في تلك المباراة يتعلق بنقطة التداخل مع الخصم، وهذه الجزئية تتضمن بدورها أربع حالات، من بينها حجب الرؤية، وبحكم موضع الحكم المساعد يُصعب عليه اتخاذ القرار.. هل اللاعب حجب الرؤية عن حارس المرمى؟، وهنا يتوجب أن يكون كل المهاجمين في وضعية سليمة، لأنه بالإمكان أن تؤثر وضعية المهاجم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهنا تواصلت مع الحكم غربال، وأخبرته بأن لدي لاعب في وضعية تسلل، ولكنني لا أدري إن أثر على الحارس أم لا، والحمد لله وضعيته كانت مناسبة، كونه شاهد عملية التأثير، ما جعلني أرفع الراية مباشرة، والحمد لله آخر القرار المتخذ كان سليما دون اللجوء إلى استعمال الفار، وبالتالي استحققنا العلامة الكاملة.

افتخر أنني أول جزائري يستعمل تقنيتي الفار و(goal ligne )
*كانت لكم حالة أخرى في المواجهة الثانية التي جمعت بين أستراليا والدانمارك، ماذا عنها ؟
نعم كانت لنا حالة تحكيمية ثانية في مواجهة “أستراليا – الدانمارك”  المهمة (الطرفان كانا يبحثان فيها عن التأهل للدور المقبل)، وحصلت معنا لقطة تُدرس سأعود إليها بالتفصيل، ولكن بعد الحديث عن حالة تحكيمية مهمة في لقاء الإكوادور وهولندا تضاف إلى تلك المتعلقة بإلغاء هدف بداعي التسلل (حجب الرؤية)، فالهدف الأول لمنتخب الإكوادور شرعي ولم نعُد للفار”، فمسجل الهدف كان في نفس الخط مع أحد لاعبي المنافس، والحمد لله زميلي مقران قوراري كان فطنا وفي كامل التركيز،
نلنا تقدير الفيفا بإلغاء هدف الإكوادور وضربة جزاء للدانمارك
وتواصل مع غربال بسرعة والهدف احتسب بالميليمتر، وبخصوص الموعد الثاني ( أستراليا – الدانمارك )، فقد كانت هناك ضربة جزاء لمنتخب الدانمارك، ولكن قبل ضربة الجزاء اللاعب الذي ارتكب عليه الخطأ كان في وضعية تسلل، وهنا زميلي مقران ترك استمرار اللعب، وبعد إعلان غربال عن ضربة جزاء تدخل الحكم المساعد مباشرة، وهنا اللجنة أشادت بذلك القرار، واعتبرت اللقطة مثالية وقد تكون من بين اللقطات التي تُدرس مستقبلا.
الفاف فتحت لي الباب ولن أبخل الحكام الشبان بخبرتي
*بصراحة، هل حكام التماس باتوا أكثـر أريحية منذ استعمال تقنية الفار أم أنها أربكتهم أكثـر ؟
عليكم أن تفهموا شيئا في عالم التحكيم وهو أن اللجوء إلى “الفار” لا يكون سوى في حالة الأخطاء الجسيمة، ولما الحكام ( ساحة أم مساعدين) يقومون بعملهم على أكمل وجه في الميدان، فهم لا يحتاجون إطلاقا للاستعانة بتقنية الفيديو، وفيما يخص حكام التماس، عندما تكون هناك حالة شك بتسلل علينا اتخاذ القرار، سواء بترك اللعب (الحالة تنتهي في لقطة الهدف) وبعدها ترفع رايتك، وفي حال تأكدك من عدم وجود تسلل لا ترفع الراية ومع دخول تقنية ( 3 D ثلاثي الأبعاد)، هناك بعض الحالات لا يمكن للحكم مشاهدتها وهنا نستعمل خبرتنا فقط، فمن لديه تجربة طويلة في هذا المجال، يحس بمثل هكذا حالات مشبوهة (الحدس).
*رغم نهاية المونديال هناك بعض الحالات التحكيمية مازالت تشغل بال الجماهير، على غرار ما حصل في لقاء تونس وفرنسا، حيث تم إلغاء هدف غريزمان رغم أنه تلقى الكرة من مدافع نسور قرطاج، هل لك أن تشرح لنا ما حصل بالضبط ؟
أؤكد لكم شيئا واحدا، وهو أن القرار كان صحيحا مئة بالمئة، والهدف ألغي بداعي التسلل، واللقطة تصنف ضمن الحالات المعقدة وتحتاج إلى شرح تفصيلي دقيق، وعندما تحين الفرصة سأتحدث عنها معكم بإسهاب، ففي شهر جويلية 2022، تلقينا تعديلات في لوائح التسلل وبالتالي فوضعية غريزمان لم تكن سليمة.
تشرفت بحضور اللقاء الترتيبي لمونديال البرازيل رفقة حيمودي
*لنتحدث عنك قليلا، كيف نجحت في التوفيق بين الدراسة، وأنت الذي تشغل منصب أستاذ جامعي (تخصص إعلام ألي) ومجال التحكيم الذي وصلت فيه إلى مستوى العالمية ؟
استغل الفرصة هنا لأتوجه بالشكر الجزيل لزملائي الأساتذة والطلبة وإدارة جامعة تلمسان (أبو بكر بلقايد )، فلولا المساعدات والتسهيلات المقدمة لي على مدار كل هذه السنوات، لما نجحت في التوفيق بين هاتين المهنتين الصعبتين، فكلاهما يتطلب بذل الكثير من المجهودات، فعلى سبيل المثال لديك التزامات مع الطلبة في الجامعة، وعليك أن لا تبخل عليهم بشيء، كما يتوجب عليك أن تكون مركزا بشكل كبير في عالم التحكيم لكي لا تهضم حق أي فريق أو منتخب، صدقوني عملي كحكم والممتد على مدار 26 سنة كاملة لم يكن سهلا على الإطلاق، والمولى عزوجل سخر لي أناس ساندوني طيلة مسيرتي، ومنهم ثلاث حكام متميزين (حيمودي وعبيد شارف وغربال) سأظل افتخر بهم، فالتحكيم الجزائري أعطى ومازال يعطي الكثير.
*ما هي النقاط المشتركة بين حيمودي وغربال وعبيد شارف ؟
عملت مع الثلاثي وكان لي شرف المشاركة مع كل حكم في نسخة من المونديال، وكلهم حكام متألقين وقمة في الأخلاق والتربية وأفتخر بالعمل معهم جميعا، فهم من أسباب نجاحي في عالم التحكيم، ويجب أن يكون التكامل بيننا والتحكيم يحضر له خارج الميدان، فالأجواء الأخوية ساعدتنا على شق طريق النجاح.

إلغاء هدف غريزمان أمام تونس صائب واللقطة صنفت «حالة معقدة»
*ماذا تقول عن التكريمات التي حظيت بها بعد العودة من قطر، وفي مقدمتها تكريم الفاف ؟
شكرا لكل من قام بتكريم الثلاثي الذي كان حاضرا في مونديال قطر، وعن مبادرة الفاف بقيادة الرئيس جهيد زفيزف ونائب رئيس لجنة التحكيم جمال حيمودي اتجاهنا فهي جد ايجابية، وتؤكد بأن مسؤولي الاتحادية الجزائرية واقفون خلف الحكام، وهذا يمنحنا الدافع لمواصلة تشريف الصافرة الجزائرية، كما يجعلنا مطالبين برد الجميل من خلال تأطير الحكام الشبان.
مونديال العرب شهد لأول مرة تواجد طاقم جزائري خالص
*حيمودي يصر على تدعيم لجنة التحكيم الجزائرية بكفاءة في شاكلتكم، ما تعليقك؟
الحمد لله أبواب الاتحادية الجزائرية لكرة القدم مفتوحة أمام الكفاءات الجزائرية وأشكر جمال حيمودي على التفكير في شخصي، وإن شاء الله أكون عند حسن ظنه وظن المسؤولين الجزائريين، فتجربتي البسيطة التي اكتسبتها تلزمني بمنحها للحكام الشباب، فكما منحنا التحكيم كل شيء، علينا أن نرد الجميل مستقبلا.
قادرون على تنظيم أكبر التظاهرات العالمية
*نختم هذا الحوار برسالة منكم إلى الجمهور الجزائري قبل أيام عن انطلاق بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين المقررة بالجزائر بداية من 13 جانفي الجاري؟
أقولها وأعيدها الجمهور الجزائري حضاري وذواق ويعشق كرة القدم، وأنا متأكد بأنه سيشرفنا، وسيعطي دون شك صورة جميلة عن الجزائر الحبيبة، كما فعل في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، ونحن قادرون على تنظيم أكبر التظاهرات العالمية وليس القارية فقط، في وجود مرافق ومباني تحتية من أعلى مستوى.

الرجوع إلى الأعلى