تصدر مؤخرا الرسام و المصور الفوتوغرافي،  يوسف شنوف ابن ولاية الجلفة، صفحات مجلات بريطانية و إسبانية، بصور فوتوغرافية لفصائل الطيور التي تشتهر بها منطقة أولاد نايل و توثق أيضا لتراث المنطقة، بعد أن نجح في جمع عناصر كثيرة داخل إطار ترويجي أبدعت عدسته في تقديمه كلوحة فنية راقية، كشف أسرار عنها في هذا الحوار مع النصر، كما تحدث عن السبب وراء اهتمام رسامين أجانب ومجلات بما يصوره، وقال بأن تخصصه يحتكم لتقنيات دقيقة سمحت لعمله بأن يكون محور معرض تشكيلي نظم بمدريد الإسبانية.

حاورته: أسماء بوقرن

انطلقت في عالم الفن من الرسم قبل أن يخطفك سحر الكاميرا، كيف كان ذلك؟
يوسف شنوف : قبل دخولي إلى عالم التصوير الفوتوغرافي، كنت رساما أعشق الرسم و مهتما بتوثيق التراث منذ نعومة أظافري، كنت متأثرا بلوحات الرسامين المستشرقين الكبار كليوناردو دافنشي و نصر الدين دينيه، كما كنت أعيد رسم لوحاتهم و بورتريهات لشخصيات تاريخية مثل الأمير عبد القادر، و مع مرور الوقت تأثرت بوالدي الذي يمارس فن التصوير الفوتوغرافي بشغف و حب كبيرين، ليخطفني سحر الكاميرا من الرسم.
بدأت  في تعلم أبجديات صورة و تحديد الإطار، و تعلمت لاحقا تقنيات التصوير الرقمي، فتطورت علاقتي بالكاميرا أكثر و عشقت الرسم بالصورة، بعد أن اكتشفت تخصصا فوتوغرافيا يجمع في جماليته بين الرسم و التصوير، و هو تخصص التصوير التقليدي أو كما يعرف بالفن الراقي «الفاين أرت»، الذي يعتمد على تقنيات تصوير و  مؤثرات خاصة و طرق حديثة لمعالجة الصورة كي تظهر و كأنها لوحة فنية مرسومة و تعكس بشكل دقيق خصوصية الموروث الثقافي و بالأخص اللباس.
تخصصت في التصوير الراقي للترويج لتراثنا
هل تلقيت تكوينا متخصصا في التصوير الفوتوغرافي التقليدي؟
ـ التصوير الفوتوغرافي التقليدي، هو أحد مجالات التصوير الفوتوغرافي للبورتريهات، لا يدرس في الجزائر و  هناك بعض البلدان التي اشتهرت به، مثل إيران و إنجلترا، لذلك فقد وجدت صعوبة كبيرة في تعلمه واحترافه في البداية، لأن الأمر يتطلب تكوينا     و معدات متطورة وسائل إضاءة خاصة، إلى جانب فضاء مناسب لالتقاط الصورة، وأنا للأسف أقطن في ولاية لا تتوفر على الإمكانات اللازمة، مع ذلك فقد حرصت على التكوين و الانطلاق من قاعدة متينة فدرست تقنيات السمعي البصري و الفوتوشوب و الاعلام و الآلي، و كنت بالموازاة مع ذلك، أتابع عمل مصوري الشخصيات و النجوم، خاصة الإيرانيين المتمكنين في هذا المجال، حيث استعنت كثيرا بقنوات اليوتيوب و اكتسبت عدة مهارات و تقنيات في الإضاءة و معالجة الصور التي تبرز رمزية اللباس و تعابير الوجه.
حدثنا عن بداياتك في المجال؟
ـ أول هدف كان إحياء التراث و اللباس التقليدي، فأنا أريد فعليا أن أترك بصمتي في هذا المجال و أن أوثق لتراثنا على اختلافه، خصوصا اللباس التقليدي، لذلك ركزت في انطلاقتي على ما تزخر به منطقة أولاد نايل و خصصت لها حيزا كبيرا من الاهتمام، بعد بحث معمق لتسجيل عناصر اللباس وفق ترتيب كرونولوجي و تدوين خصوصية كل قطعة و تاريخها، كما لم أستثن تراث باقي المناطق، كاللباس التارقي و الشاوي و العاصمي.
أعمالي موجودة على منصات إلكترونية عالمية
كيف تروج لفنك وكيف استطعت إيصاله إلى العالمية؟  
ـ اعتمدت في البداية على منصات إلكترونية عالمية لإيصال صوري إلى مختلف القارات، و حقق ذلك نتيجة جيدة، لكنني بقيت معزولا عن الجمهور المحلي، ولهذا توجهت مؤخرا، إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام و فيسبوك، لأقدم عملي للجزائريين كذلك وقد تعاملت في هذا الصدد من أسماء لامعة، من أمثال الفنانة ياسمين عماري و طاقم تمثيل سلسلة عاشور العاشر.
 هذا التوجه، وضعني أيضا في اتصال مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث طلب مني العمل  على ملف يبرز معاناة الأطفال المرضى، و قد وقعنا عقدا و كان من المزمع الانطلاق في التصوير في مستشفى لعلاج السرطان بمصر و آخر بسويسرا،  لكن الجائحة خلطت الأوراق و عطلت سير العملية، التي توقفت بسبب إجراءات الغلق، و وفاة المكلف بالمشروع ما حال دون استكماله.
قلت بأن التصوير الراقي يستدعي معدات خاصة  و متطورة غير متوفرة ببلادنا، فكيف تقوم باقتنائها؟
ـ أغلب المعدات أقتنيها من خارج الوطن، في البداية كنت اعتمد على آلات بسيطة جدا، لكن حاليا اشتريت معدات تصوير أكثر تطورا، تتطلبها إستراتيجيتي الجديدة في العمل، وذلك لإعادة تصوير بورتريهات شخصيات بلباس تقليدي بتقنيات عالية الدقة و توثيق كل ما هو تراثي بشكل عصري.
مجلات أجنبية انبهرت بصور اللباس التقليدي
هل توثيقك للتراث جزء من معركة حماية التراث؟    
ـ ظاهرة السطو، وحدت جهودنا جميعا كجزائريين كل في مجال اختصاصه، حيث نسعى اليوم إلى إحياء تراثنا والاعتزاز به، وقد ساعدت التكنولوجيات الحديثة و الثورة الرقمية في مجال التصوير، على إبراز القيمة الحقيقية لهذا الموروث، كما حقق غيري من الجزائريين تقدما في مجالات أخرى تصب كلها في نفس المسعى.  هذا الموروث فريد و يحقق الإبهار في كل مرة، بدليل مجلات أجنبية تتهافت اليوم، على نشر صور لباسنا وقد حدث ذلك معي تحديدا، حيث تلقيت طلبات عديدة لأجل التعاون مع مجلات عالمية.
 المؤسف هنا، هو أن يحظى عملك بالإعجاب في الخارج وأن يقابل بالتجاهل و التهميش في وطنك الأم دون أدنى تقدير لما يقدمه الشباب المبدع.
الصيد بالطيور بدا في الجزائر
من أول من اهتم بعملك و طلبه؟
ـ أول من تواصل معي هو إدريس الجزائري، وذلك حين كان يدرس الحضارة الإسلامية في جامعة أكسفورد، و طلب مني حينها بورتريهات عن شخصيات جزائرية، كما طلبت مجلة إسبانية صورا عن منطقة أولاد نايل و صورة لي بلباس إسلامي قديم مزين بإكسسوارات تعكس خصوصية حقبة الفتوحات.
 أسميت تلك الصورة بـ «ربيع قرطبة»، و بعد أن نشر العمل على صفحة عالمية للصور تعرف بـ  « يوكيب» تواصلت معي رسامة إسبانية مشهورة تدعى ماريا دافيلا، و طلبت مني الصورة الأصلية لعرضها في معرض أقامته بمدريد، كما رسمت لوحة تحاكيها و قدمتها ضمن مجموعتها في ذات المعرض، حيث فازت اللوحة بالجائزة الكبرى، وكانت صورتي هي المرجعية الفنية الأهم في ذلك المعرض. بعد ذلك، طلبت مني مجلة بريطانية صورا لفصائل الطيور بأولاد نايل، بعدما علقت على صور أرشيفية قدمت دبي وقطر، على أنهما أول دولتين امتهن فيهما نشاط تربية الطيور والصيد بها، حيث أرسلت مقطع فيديو قديم لمنطقة حجار الملح بولاية الجلفة يعود لسنة  1900، و يظهر بوضوح امتهان الصيد بالطيور و الخيل و الكلب فصيلة «سلوقي»، و يؤكد أسبقيتنا في هذا المجال. و فعلا استغليت طلب المجلة وأرسلت صورا أخرى تظهر فصائل الطيور، مع ملف يتضمن صورا تبرز اللباس التقليدي لمنطقة ولاد نايل و خصوصية الرجل النايلي في تلك الحقبة، و تظهر أصنافا من الطيور كالنسور على أكتافهم، و هو ما أبهر هيئة المجلة التي نشرت كل الصور عبر صفحاتها.
أُعد كتابا عن ثقافة أولاد نايل
هل تركز فقط على منطقة أولاد نايل في عملك؟
ـ أريد التركيز على المنطقة باعتبارها أكبر قبيلة منذ القدم، وذلك من خلال إبراز مختلف الألبسة التقليدية و تطورها على مر الأزمنة وصولا إلى المرحلة الحالية  كما أسعى إلى تدوين تاريخ اللباس النايلي بالصور و تقديم بطاقة تقنية عن كل لباس ضمن كتاب أعد له  وأسعى لأن أنشر من خلاله، صورا لشخصيات بارزة ميزت كل حقبة تاريخية عرفناها، مع التركيز على اللباس، خاصة وأنني أمتلك رصيدا ثريا أريد أن أثمنه باعتماد على أحدث الوسائل، لأساهم في إحياء تراث بلدي منطقتي تحديدا.
ماذا عن اهتمامك بتصوير الحياة البرية؟
ـ أحب تصوير الحياة البرية، لكن لا أركز اهتمامي عليها، حاليا أحاول أن أثري رصيدي المهني خاصة بعدما تبنت المجلة البريطانية عملي و قدم لي القائمون عليها طلبا للعمل معهم و قالوا بأنهم بحاجة لمساهمتي وأثنوا على تميز صوري.
أ ب

الرجوع إلى الأعلى