يرى رائد الأعمال عبد الغني سفال، أن الفرصة سانحة للشباب اليوم من أجل ولوج عالم المقاولاتية من بابه الواسع بفضل المزايا المتوفرة في السوق الجزائرية، كما يتطرق في حوار للنصر، إلى المشاريع الطموحة التي تعمل عليها شركته في مجال تطوير الحلول البيئية واعتماد تكنولوجيا حديثة في معالجة المياه تدخل أفريقيا لأول مرة، إلى جانب تصنيع كواشف ذكية للغاز في إطار اتفاقية أبرمت مؤخرا مع مراكز بحث جزائرية.

حاورته: ياسمين بوالجدري

تُعتبر اليوم من أبرز رواد الأعمال الشباب بالجزائر وقد ساهمت في تطوير تكنولوجيات عديدة وفي تأسيس شركات داخل الجزائر وخارجها. كيف كانت بداية دخولك لهذا المجال؟
بعد نيلي شهادة البكالوريا بمدينة خميس مليانة التي أنحدر منها، سجلت لدراسة الحقوق، لكن خلال فترة الدراسة فضلت التوجه إلى مجال المقاولاتية، ففي سنة 2000 بدأت التأسيس لمشاريع كانت سابقة لأوانها في ذلك الوقت، وقد انطلقت من فكرة إيجاد حلول للمشاكل التي يواجهها الحرفيون البسطاء.
وجدتُ أن هؤلاء الحرفيين يمضون نهارهم في العمل اليدوي المضني لينتهي اليوم بمردود لا يغطي حتى حاجتهم ولا يعكس الجهد الذي يبذلونه، لذلك فكرت في زيادة قدرتهم الإنتاجية من خلال آلات جلبتها من الخارج ثم قمت بتفكيكها وصناعة آلات أخرى باعتماد طريقة الهندسة العكسية.
هناك اهتمام أكبر بأهمية المقاولاتية في الجزائر
ولأنني كنت محظوظا لتوفر عائلتنا على جهاز كمبيوتر خلال التسعينيات، فقد كان لدي اهتمام بالتكنولوجيا والحوسبة مبكرا، وساعدتني شبكة الانترنت وانفتاحي قليلا على اللغة الانجليزية في ذلك الوقت، على تصنيع أدوات للحرفيين تضمن لهم إنتاجية عالية مثلا في صناعة النحاس والنسيج والأواني الفخارية، حيث كانت عدة حرف تتم بطرق يدوية بدائية ومردوديتها تعكس إجحافا في حق الحرفيين، على عكس ما هو موجود بدول أخرى أين يُراعَى الجهد المبذول في اعتماد أسعار المنتجات الحرفية، مثلما نرى مثلا في السجاد الإيراني.
فكرة المقاولاتية ترسخت لذي أكثر من خلال الرحلات التي كنت أقوم بها خارج الوطن والتي كانت في البداية فردية وعشوائية بغرض الاستكشاف، وقد ساعدتني هذه الرحلات في التعرف على ثقافات المجتمعات الأخرى. سنة 2009 دخلت مجال ريادة الأعمال عبر تأسيس شركة "آس فايف غروب" المختصة في تكنولوجيا المعلومات الصناعية والبيئة
.انطلاقا من تجربتك الطويلة في مجال المقاولاتية بالجزائر، هل تعتقد أن مفهومها تغير خلال السنوات الأخيرة مع ثورة المعلوماتية التي نعيشها؟
المقاولاتية في نظري يجب أن تنطلق من حلِّ مشكلة حقيقية يعيشها المجتمع، وقد تساهم في تحقيق أثر اجتماعي كبير يغير حياة الأفراد. لقد كان أجدادنا يمارسونها بالفعل عندما يؤدّون أعمالا يحلون من خلالها مشاكل الأشخاص، كانت تلك المقاولاتية بالمفهوم الناضج الذي تم ربطه اليوم بالتكنولوجيا الرقمية، وهنا ينبغي أن أشير إلى موجة جديدة تربط المقاولاتية بتكنولوجيا الرقمنة وهذا غير صحيح، فعدم توفر رائد الأعمال على تطبيق أو موقع الكتروني، لا يعني أبدا أنه بعيد عن المقاولاتية.
العالم يشهد موجات في مجال المقاولاتية لا تختص بمنطقة واحدة، فسنة 2013 بدأت موجة في الغرب ثم وصلت إلى الشرق الأوسط وبعدها الجزائر. اليوم هناك اهتمام بهذا المجال الذي صار موضة في العالم ويلقى دعما من الحكومات بعدما كانت هذه الأخيرة لا تفهم ولا تستوعب أهميته.
الفرصة سانحة للشباب لتأسيس علامات تجارية
لقد تغيرت الأمور كثيرا في الجزائر، فقد أنشئت وزارات لتؤطر مجال المقاولاتية وتم استحداث صندوق لتمويل رواد الأعمال الشباب، انطلاقا من الوعي بأهمية هذا القطاع، زيادة على تقنين صفة المقاول الذاتي.
كيف يمكن استغلال هذه الظروف لتطوير المقاولاتية واستحداث مؤسسات ناشئة تساعد في دعم الاقتصاد والصناعة الوطنية؟
الفرصة المتاحة اليوم للشباب الجزائريين كبيرة جدا، في ظل دعم الدولة لهذا المجال والاهتمام به، فكل الظروف تسمح بالنجاح والذهاب للعالمية. قد تحدث عقبات صغيرة في بداية الطريق لكن لا يجب أن تسبب صدمة للشاب الذي يكون متحمسا في غياب الخبرة، غير أن الكم الهائل من المعلومات المتوفرة في شبكة الانترنت يسمح له باكتساب مهارات مفيدة له.
السوق الجزائري من الأسواق الواعدة في العالم، فعدم انفتاحنا طيلة الأعوام الماضية على التجارة العالمية وعدم دخول علامات تجارية كبرى، يصنع اليوم الفرصة لرواد الأعمال الجزائريين للاستثمار والنجاح بتأسيس علاماتهم التجارية الخاصة، خصوصا أن الجيل الجديد من الشباب منفتح على التكنولوجيا والمعلوماتية.
هذه تفاصيل كواشف الغاز الجديدة
هناك تغير في المفاهيم والذهنيات، فالجامعة كانت تخرّج في السابق أحسن أجير لتوجيهه للوظيفة، لكن الاتجاه اليوم هو تخريج أحسن فرد يُشغِّل الأشخاص، وهذا أمر إيجابي جدا، لذلك لا يوجد أفضل من هذا التوقيت لإقامة المشاريع الخاصة.
تختص شركتك في تصميم وصناعة المعدات والحلول التكنولوجية في قطاعات البيئة، لماذا اخترت البيئة تحديدا وهو مجال قلما يتجه إليه الصناعيون؟
ساهم انخراطي في الكشافة الإسلامية الجزائرية ونشاطي ضمن الجمعيات البيئية منذ الصغر في هذا التوجه، ما جعلني أعي الأخطار والمشاكل البيئية المهددة لكوكبنا الذي وصل اليوم إلى نقطة اللا رجوع.
كنت على اطلاع مستمر بالتقارير السنوية العالمية التي يُعدها خبراء متعددو التخصصات، وكانت أهم نقطة لفتت انتباهي بروتوكول كيوتو المؤطر لاتفاقيات هيئة الأمم المتحدة حول تغير المناخ، وبدء ظهور مشاكل بيئية مثل تلوث خليج المكسيك بسبب التسرب النفطي، وغيرها من الأمور التي جعلتني أفهم أن الأسواق الصاعدة سيكون لها اهتمام بالبيئة، وتكملة لهذا المسار، حصلت على ماستر في القانون الدولي للبيئة.
نعتمد تقنية لمعالجة المياه هي الأولى أفريقيّا
اعتمدتم تكنولوجيا لتسيير الموارد المائية هي الأولى من نوعها في أفريقيا، هلا وضحت مبدأ عمل هذه التقنية ومدى أهميتها في تحقيق الأمن المائي في ظل مخاطر الجفاف في الجزائر؟
اخترت هذا المجال لأن الماء هو الحياة، فربما تكون لدينا مجموعة واسعة من أدوات الرفاهية لكنها لا تساوي شيئا دون ماء. تقع الجزائر في منطقة معروفة بالجفاف، وهي من الدول الملتزمة باتفاقية برشلونة الخاصة بحماية المنطقة الساحلية للبحر الأبيض المتوسط، حيث وضعت قرابة 200 محطة لمعالجة المياه، واليوم للجزائر طموحات وتحالفات اقتصادية جديدة باعتبارها سوقا واعدا، بالمقابل يجب ألا يتسبب التقدم الصناعي في التلوث، لذلك يكمن التحدي في الموازنة بين تحقيق التنمية وحماية البيئة، ويحدث هذا من خلال تقديم حلول للصناعيين الذين يتخلصون من كميات كبيرة من المياه يوميا، بحيث ينبغي تصفيتها طبقا للقوانين التي تنظم نسب القيم القصوى للمواد الملوثة.
والحقيقة أن هذه المياه الملوثة تذهب إلى محطات المعالجة، لكنها تخرج بدرجة نقاوة لا تؤهلها للاستعمال وبالتالي تذهب في الطبيعة دون استغلالها، لذلك فكرنا في الاسترجاع الكلي أو الجزئي لهذه المياه بغرض الاستخدامات الأخرى كالفلاحة، بالاعتماد على تقنية المعالجة الثلاثية وهي متوفرة لدى عدد قليل من الشركات في العالم وتدخل تكنولوجياتها للجزائر بالعملة الصعبة.
اليوم تتوفر لدينا تكنولوجيا كاملة لجيل الأوزون الذي طورناه خلال جائحة كورونا لدى صناعة وتطوير مكثفات الغاز وأجهزة التعقيم انطلاقا من مسؤوليتنا الأخلاقية في إطار المساهمة في محاربة الجائحة.
على ماذا تعتمد هذه التكنولوجيا تحديدا؟
الأوزون هو حل من حلول المعالجة وهو عبارة عن غاز مؤكسد للغاية يأتي من تكثيف الأوكسجين ويتميز بخصائص عديدة منها قتل الفيروسات وإزالة الروائح وألوان الطباعة. هناك تزايد في إقبال المؤسسات على التكنولوجيا التي نوفرها خاصة من قبل شركات الصناعة الصيدلانية، ومؤسستنا تعتبر السباقة في تقنية جيل الأوزون للمعالجة الثلاثية للمياه في إفريقيا.
سجلنا زيادة في إقبال الشركات على الحلول البيئية
اختيرت مؤسستكم للتوقيع مؤخرا على اتفاقية تعاون لتطوير أجهزة للكشف عن الغاز بين مركز البحث في تكنولوجيا نصف النواقل الطاقوية ومركز البحث العلمي والتقني في التحاليل الفيزيائية والكيميائية، ومؤسسة ناشئة أخرى. إلى أين وصل العمل الذي تقومون به؟
وقع الاختيار علينا من أجل إيجاد حلول تكنولوجية بناء على القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية للحد من حوادث الاختناق بالغاز. عملنا يرتكز على نظرة تتجه إلى ما هو أبعد، فليس أحادي أكسيد الكربون فقط ما يقتل الجزائري، بل هناك غازات أخرى تقتله ببطء والتي تسمى علميا المركبات العضوية المتطايرة. من هذا المنطلق فكرنا في تطوير جهاز يكشف عن كل الغازات. نعمل حاليا على هذه التكنولوجيا وسيرى منتجنا النور قريبا.
هلا أعيطتنا تفاصيل أكثـر عن هذا الجهاز؟
سيكون جهازا صغيرا مستقلا قابلا للشحن ولن يحتاج إلى توصيله بالكهرباء، ومن ميزاته القدرة على اتصاله بالهواتف الذكية.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى