حان الوقت للتحرر من مركزية الإنتاج

قال الممثل جواد زهر الدين صاحب شخصية «عمار» في مسلسل «عين الجنة» الدرامي، بأن تنوع الإنتاج و غزارته لبى ذوق الجمهور هذه السنة، و عكس نوعا من النضج الدرامي، مضيفا بأن تقديم دراما تشبه المشاهد ضروري لاستقطابه، وهو أمر لا يتأتى إلا من خلال تحرير الأعمال من مركزية الإنتاج واختزال الوطن في المدن الكبرى.

حاورته: أسماء بوقرن

ظهرت في شخصية «عمار» في مسلسل «عين الجنة» هذه السنة و قدمت دورا مغايرا عما عهده الجمهور حدثنا عن هذه التجربة؟
جواد زهر الدين: سعدت كثيرا بتقديم شخصية عمار في مسلسل  «عين الجنة»، لأنها جديدة و مغايرة تماما للأدوار التي سبق لي أن أديتها، و التي كانت متشابهة بسيطة، تصب كلها تقريبا في قالب الشاب الهادئ المتخلق، لكن عمار شكل انطلاقة جديدة بالنسبة لي    لأنه قدمني للجمهور بصورة مغايرة، بفضل دور مركب لشخصية شريرة يعد إتقانها تحديا حقيقيا، فهذا الشخص منافق و متملق يظهر عكس ما يخفي، إذ كان يقوم بتأجيج الشارع ليثور على مسؤولي بلديته، ثم يتظاهر أمامهم بالتعقل وينتقد تصرفات سكان البلدية.
التصوير في بوسعادة أسكبنا محبة الناس
وتكمن الصعوبة هنا في الإقناع والتحكم في الملامح وإظهار المشاعر، مع ذلك فإن ردة فعل الجمهور هي المقياس الأنسب لمعرفة مدى نجاح الشخصية و بالتالي الممثل، وأعتقد أن دوري كان محوريا و مهما جدا في سير و تغير أحداث العمل، رغم أن المساحة ضيقة ولا تقارن بمساحة شخصيات مثل سليمان و الزهرة و النامول.  
قلت بأن الدور كان تحديا بالنسبة لك فهل نجحت فيه؟
ـ لا أستطيع تقييم أدائي لكنني راض عنه، خاصة بعد أن لاحظت ردة فعل فريق العمل و على رأسهم المخرج و السيناريست و المنتجة و كذا زملاء الذين أثنوا على دوري، وهو ثناء لا يدخل حسب رأي في خانة المجاملة، لأنه مهني و نابع من أهل الاختصاص.
أظن كذلك، بأن تفاعل مشاهدين كثر مع الشخصية دليل على الإقناع، وقد تلقيت شخصيا رسائل و  وصلتني تعليقات إيجابية كثيرة بعضها متاح في صندوق الوصف المرافق لحلقات المسلسل على يوتيوب، والثناء هنا لم يقتصر على الدور أو الشخصية فحسب، بل يشمل العمل ككل، ولعل أكثر رسالة أسعدتني كانت من مشاهدة قالت بأنها كرهت عمار بشدة، ما يعني بأن الشخصية لامست المشاعر و عانقت الواقعية، كما أحببت رسائل  مشاهدين من ولاية مسيلة و بوسعادة تواصلوا معنا للتعبير عن شكرهم لانتقالنا للتصوير هناك، و تقديم جانب من الوجه الجميل للمنطقة، وهو ما أكسبنا حبهم.
رغم إشادة نقاد و تصنيف مسلسل «عين الجنة» من بين الأحسن هذا العام، إلا أن نسب المشاهدة كانت ضعيفة لماذا في رأيك؟
ـ فعلا هناك نقاد عبروا عن إعجابهم بالمسلسل سواء من ناحية أداء الممثلين أو السيناريو و الإخراج، و الحقيقة أن نسبة المشاهدة مقبولة لكنها لا تعكس فعليا النجاح الكبير الذي حققه العمل، والذي يمكن أن نقف عليه من خلال التفاعل الإيجابي على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل مشاهدين و حتى فنانين على غرار الممثلة مليكة بالباي، التي قالت بأنها أغرمت بالعمل و بالشخصيات  كذلك كتاب سيناريو و مخرجون أثنوا عليه كثيرا من خلال منشوراتهم ومتابعتهم، و اتفق الغالبية على أنه عمل مختلف.
يجب التخلي عن علقلية الانتاج الموسمي
لماذا اخترتم قرية نائية و بعيدة لتصوير الحياة ومشاكلها في عين النعجة، وإلى أي حد خدمتم طبيعة المنطقة في إضفاء الواقعية على العمل؟
ـ كل أدوات النجاح كانت متوفرة في المسلسل فكاتب السيناريو أسامة بن حسين أجاد انتقاء الموضوع و كان جريئا في الطرح و أتقن بناء الشخصيات، وهو ما سهل العملية الإخراجية التي أرف عليها كريم موساوي، وأعتقد أن كل واحد منهم وضع بصمته الخاصة إلى جانب المساهمة الكبيرة للمنتجة و التوفيق في اختيار المنطقة و الديكور و التوغل في قلب الجزائر العميقة   و مناطق الظل التي لا نرى حولها أعمال كثيرة.
ولا يتوقف الأمر على ما ذكرت فحسب، فحتى الموسيقى التصويرية و استعمال الغيطة و القصبة  كان أمرا مناسبة جدا للفكرة ولطبيعة المنطقة ما جعلنا نعيش الأجواء، لأن الموسيقى لها دور بارز في إنجاح تحقيق الإقناع. «عين الجنة» مرر رسائل مفادها أن الدراما لا يجب أن تنحصر في المدن الكبرى، و من حق الجمهور الواسع أن يشاهد نفسه في أعمال تشبهه، أنا مع تنويع الإنتاج، وقد سعدت كذلك بمشاهدة سلسلة فكاهية صورت بأدرار، وأعتقد أن الوقت قد حان للتحرر من المركزية ومشاهد أعمال تبرز خصوصية كل مناطق الوطن.
لاحظنا بأن دراما هذا الموسم ركزت على السياحة التسويقية، من خلال الترويج لمناطق جميلة هل هو تقليد للدراما التركية أم انعكاس لنضج إنتاجي؟
ـ تمكن الإنتاج الدرامي هذا الموسم من مواكبة الركب و التركيز على الترويج السياحي، فبوسعادة مثلا تمتلك مقومات مدينه سينمائية بامتياز، بفضل قوة الضوء      وتضاريسها الخلابة التي تعد بمثابة ديكور طبيعي      وهناك أعمال خالدة صورت هناك مثل الطاكسي المخفي، كما أن هناك مناطق لا يعرفها حتى المشاهد الجزائري و بإمكان كاميرا المنتجين أن تكتشفها من خلال أعمال تلفزيونية هي انعكاس لنضج فعلي.
تطور كبير في الجانب التقني للأعمال الرمضانية
هل رافق تطور التقنية مع ما شهدناه من غزارة في الإنتاج وتنوع في المعالجة؟
ـ لاحظت في السنوات الخمس الأخيرة، تحسن مستوى الأعمال من الناحية التقنية، أما الجانب الفني فيختلف من عمل إلى آخر، هناك أعمال وفقت وأخرى لم توفق كليا لكن من الواضح أن هناك تطورا تقنيا هذا الموسم عكسه  المحتوى المقدم للجمهور و الدليل هو التجاوب الكبير.
هل تعتبر مواقع التواصل مقياسا لتقييم النجاح؟
ـ لا يمكن اعتماد مواقع التواصل كمرجع أساسي في تقييم مستوى الأعمال و مدى نجاحها، خاصة و في ظل وجود صفحات «مأجورة» تنشأ خصيصا لإنجاح عمل ما أو إفشاله،  و في رأيي المرجع الأوحد و الأصدق هو رد فعل الجمهور في الشارع.
لماذا طلقت الفكاهة هذا العام؟
ـ الكوميديا صعبة و تتطلب تحضيرا جيدا يفوق التحضير للدراما الاجتماعية، فإضحاك الناس يستدعي  بالدرجة الأولى نصوصا قوية و أداء متقنا و الصراحة لم أتلق نصوصا قوية في الكوميديا تساعدني على الظهور بمستوى أفضل هذه السنة.
حضرت عملا كوميديا لكن ضيق الوقت جعلني أؤجله للموسم القادم، كي أتفرغ للعمل عليه جيدا احتراما للجمهور، فيجب الابتعاد عن عقلية الإنتاج المتأخر المرتبط بالممولين و القنوات التلفزيونية و كتاب السيناريو، لأن الأصح هو بدأ انطلاق التحضير قبل ثلاثة أو أربعة أشهر على الأقل.
إضاءة على واقع مناطق الظل
متى نخرج من دائرة الإنتاج الموسمي لنقدم للمشاهد أعمالا جديدة على مدار السنة؟
ـ باستطاعتنا ذلك و علينا فعليا الخروج من حلقة الموسمية احتراما و استجابة لتطلعات الجمهور، الذي يحرم لسنة كاملة من إنتاج جديد، لتتهاطل عليه الأعمال في رمضان فقط، فيجد نفسه مشتتا و حائرا أمام اختيار الأنسب و متابعته، لأن هذا التوجه يؤثر على الأعمال في حد ذاتها، بدليل أن  هناك مسلسلات جيدة لم تأخذ حقها بسبب مواقيت البرمجة، خاصة الأعمال الفكاهية.
هل صالح نجاح الموسم المنقضي  الجمهور مع الشاشة الجزائرية؟
ـ الجمهور الجزائري يفضل مسلسلات بلده و يبحث فيهل عن ملامح هويته، هو لم يقاطع الشاشة لكن شح الإنتاج في مواسم مضت و ضعف المستوى بسبب سياسة الترقيع في الدقائق الأخيرة خلف نوعا من التذمر، لأن الجمهور الجزائري ذواق و لا يمكن إقناعه بسهولة، لذا كان المشاهد يهرب إلى الشاشات العربية غير أنها لا تلبي مطبه كثيرا.
تفاعل الشارع مقياس لتقييم النجاح
 لنستعيد ثقة الجمهور علينا تكثيف الإنتاج و التركيز على الجودة، فمثلا يمكن أن نقدم أجزاء من الأعمال التي تحصي أكثر من موسم، خلال أشهر السنة وليس بالضرورة في رمضان، لأن الجمهور يظل مرتبطا بالسلسلة، كما يتعين علينا أيضا التخلص من الخوف من الإنتاج الصيفي، لأنه منطق خاطئ، فنحن من عودنا الجمهور على العودة للشاشة الجزائرية في موعد واحد فقط و علينا تغيير ذلك، خاصة و أن هناك قنوات يوتوب تمكن المشاهد من متابعة الحلقات في الوقت الذي يريده.
من هي الأسماء والوجوه التي تعتبرها اكتشاف الموسم؟
ـ في رأيي كل برز في دوره و لا يمكنني ذكر أسماء معينة، لكن عموما هناك وجوه عديدة تألقت، وأوجه من خلال جريدتكم، التحية لكل من أبدع و أدعوا الجميع إلى تحسين الأداء و تطوير الذات.
استضفت كثيرا من النجوم في برنامجك الحواري التلفزيوني  «كابوتشينو»  كيف كان التفاعل مع الحلقات؟
ـ  كابتشينو برنامج حواري بدأت تقديمه السنة الماضية بطريقة مختلفة تبرز الجانب الإيجابي للفنان بعيدا عن الجدل، حيث أحرص على احترام الضيف و لا أمرر تصريحا إلا بموافقته، و قد حذفت كثيرا من التصريحات احترام لضيوفي، رغم أنها كانت ستضاعف نسب مشاهدة الحصة، فعلت ذلك حفاظا على سمعتي و سمعة زملائي و سمعة البرنامج عموما، أما أكثر حلقة لاقت النجاح هذا الموسم، فكانت العدد الذي أطل خلاله الفنان عبد الكريم دراجي، فقد تفاعل الجمهور كثيرا مع حديثه عن والدته.
ضجة بطلها كريم دراجي
ما رأيك في بعض البرامج الحوارية التي أصبحت تهين الضيف و تتصيد  عثـراته؟
ـ اعتماد أسلوب مستفز في محاورة الضيف يتعارض مع  ميثاق أخلاقيات المهنة، فالإعلام تضبطه مجموعة من المواثيق الواجب التقيد بها و الابتعاد عن هذه التجاوزات، التي تضر بالبرنامج و مقدمه بالدرجة الأولى، و تفقده مصداقيته،  فيما سيلقى الضيف تعاطفا في النهاية.
هل  من  كلمة ختامية؟
تحية لقراء جريدة النصر، أوجه رسالة حب من خلالكم إلى جمهوري و أتمنى أن يزدهر الإنتاج الفني الوطني لأنه مرآتنا التي تقدمنا للعالم و القناة التي تروج لموروثنا الثقافي و تنوعنا السياحي و تعكس صورة إيجابية عن بلادنا.
أ ب 

الرجوع إلى الأعلى