* الإخراج حلم تأجل لـ 26 سنة

قالت هاجر سباطة، مخرجة الفيلم السينمائي الجديد «الطيارة الصفراء»  إن عملها تكريم لكل امرأة شاركت في الثورة التحريرية أو ضحت  بعزيز لأجل الاستقلال، موضحة أنها اختارت عنوانا برمزية كبيرة لدى الجزائريين، لتوقع دخولها مجال الإخراج بشكل لافت خصوصا وأنه حلم تأجل طويلا وتطلب أكثر من عشرين سنة من البحث والتعلم.

حاورتها: إيمان زياري

النصر: قدمت أول أفلامك قبل أيام، لماذا اخترت «الطيارة الصفراء» كعنوان له؟
هاجر سباطة: الطيارة الصفراء هي قصة أغنية يعرفها كل الجزائريين، و هي مصنفة على مستوى الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة كتراث تاريخي ثوري جزائري، ما يعني أنها ملك لكل الجزائريين، وقد أردت أن يكون العنوان رسالة مني لكل  عائلة قدمت تضحية لأجل الاستقلال وأسهمت بأي شكل في قضية التحرر، كما قمت كذلك بإسقاط العنوان على قصتي و جمعت بين الخيال والواقع لأنصف النساء المقاومات و المناضلات، وأكرم عطاءهن سواء كن مجاهدات أو أمهات أنجبن للوطن الشهداء و الأبطال، فقصة جميلة في الفيلم هي في الأصل حكاية عن كل أم أو شقيقة أو ابنة فقدت أخا أو ابنا أو أبا بسبب عدوان الطيارة الصفراء.
أليس الجمع بين الحقيقة والخيال في فيلم ثوري مماثل، مغامرة كبيرة، خاصة وأن الدارج في الأعمال من هذا النوع هو الاعتماد على التوثيق الدقيق، ألم يخفك ذلك؟
ـ لن أخوض في تفاصيل الفيلم حتى لا أفسد متعة مشاهدته، لكني أروي حقا قصة خيالية من خلاله، حيث يمكن لأي امرأة أن تكون «جميلة» التي فقدت شقيقها إبان الاستعمار، لقد أردت أن أخاطب كل النساء اللواتي عايشن هذا الألم، وعذبتهن الرغبة في الانتقام لمصير من رحلوا             وللوطن كذلك، وهذا ما تتناوله التفاصيل التي تتحدث عن النضال والتحدي و يعكس قهر الفقد الذي تجرعته الجزائريات خلال تلك الفترة.
لم أتردد في  الجميع بين الخيال والحقيقة في فيلم ثوري تاريخي، لأنني لم أحرف شيئا كون أغلب الأحداث مستنبطة من محطات حقيقية، وقد اعتمدت على الخيال لأثري لغة التعبير فحسب، ولو كان الفيلم طويلا لربما وظفت الحقيقة وحدها، لكنه من الصعب أن نختزل كل تلك المشاعر و القصص في فيلم قصير، دون أن نستنجد بالخيال وهو اختيار صعب وتحد حقيقي لتكريم كل التضحيات.
لماذا اخترت العمل على فيلم قصير، هل لأنها تجربتك الأولى في الإخراج السينمائي، أم لارتباطك بأعمال أخرى؟
ـ عندما قررت كتابة وإخراج أول فيلم لي، كنت مقتنعة أن الانطلاقة يجب أن تكون على هذا النحو، فمن غير الممكن أن أبدأ مشوارا صعبا بفيلم طويل لأن التجسيد سيكون معقدا.
اخترت القصة الخيالية في خطوة ثانية لضيق الوقت، أما ثالثا ففكرت في كيفية جعل العمل يستوعب كل فئات المجتمع الجزائري في تلك الحقبة، لذلك رفعت التحدي ومزجت بين الحقيقة والخيال لأقدم إنتاجا مقنعا.
جمعت أسماء كبيرة  مثل سيد أحمد آقومي و فتيحة سلطان و سهيلة معلم في عمل واحد، هل راهنت على نجومية هؤلاء لإنجاح الفيلم، أم أن الاختيار لم يكن بيدك أنت؟
ـ اختيار الأسماء بدأ مع كتابة السيناريو، وقد كنت أرى وجوها معينة وأنا أكتب السيناريو، بالمقابل أفرزت تجارب الأداء أسماء أخرى وفرضت طبيعة الشخصيات بعض الوجوه، وهو عمل استغرق أسابيع.
هل أنت راضية عن أداء الجميع؟
ـ نعم بالتأكيد، أنا راضية جدا، لأني لا أحكم على الممثل في بداية العمل  وقد عملت بجد على كل مشهد وحاولت أن أدفع الجميع لتقديم الأفضل.
حظي العرض الشرفي للعمل بأصداء إيجابية، هل أنت متفائلة بشأن توزيعه وعرضه و التفاعل وطنيا ؟
ـ عرف أول عرض للفيلم إقبالا كبيرا وحضور جمهور غفير، لدرجة أن هناك من لم يجدوا أماكن للوقوف وبقي آخرون خارج القاعة، وقد كنت سعيدة جدا حينها نظرا لحضور ممثلين وزملاء كثر بينهم نقاد ومخرجون، إلى جانب مؤثرين و إعلاميين، و أنا متفائلة بشأن الفيلم وعرضه لأن من حضروه أول مرة يقدرون السينما و يعرفون الأعمال الجادة، والعمل يقدم نفسه لأنه نتاج شراكة بين مختصين وفروا لإنجاحه إمكانيات فنية وتقنية.
هل وضعتم مخططا لتوزيعه وطنيا و دوليا؟
ـ وطنيا هناك مساع كبيرة لتطوير السينما ودعم وزارة الثقافة واضح في هذا الشأن، حيث يتم حاليا تحضير عدد كبير من القاعات لعرض الأفلام عموما، وقد تلقيت طلبا لعرض عملي في قاعات ستفتتح قريبا، ومن هنا أتمنى أن تكون صالات العرض متاحة بشكل أوسع وطنيا حتى تستقطب الجمهور و تسمح له بمشاهدة مثل هذه الأعمال.
 أما على الصعيد الدولي، فالمهرجانات ستأخذ الفيلم إذا رأت أنه يستحق العرض، علما أني شاركت في كتابة السيناريو مع كريم خديم، وكنت منتجة منفذة له وسأعمل أيضا على الترويج له، و سأحاول قدر المستطاع المشاركة به في مختلف المهرجانات، وكلي تفاؤل بقبوله في مناسبات دولية متمنية أن يحقق خلالها النجاح ويحصد الجوائز.
ارتبط اسمك بالسيناريوهات الاجتماعية مثل السلسلة الفكاهية «دار الفشوش»، وعملت كمديرة إنتاج و مديرة فنية، كيف توجهت لإخراج الأفلام الثورية فجأة ؟
ـ شغلت عدة مناصب إلى جانب ما ذكرتم، و عملت كمنسقة عامة ومديرة للبرمجة في مهرجان وهران لعدة طبعات، كما اشتغلت كمنسقة عامة في مهرجاني جونيف و قرطاج، وعملت في مهرجان «كان الدولي» في جزء «كان كلاسيك» سنة 2008، وكان لي احتكاك بكبار المنتجين والمخرجين العالميين، وكنت دائمة الإطلاع على جديد السينما عبر الإنترنيت، كما أطالع كتب كثيرة حولها، وهو ما سمح لي ببناء خلفية قوية و كافية لخوض تجربة حلمت بها طويلا.
كيف تقيّمين هذه التجربة ولماذا قررت خوضها في هذا التوقيت تحديدا؟
ـ أعتبرها تجربة رائعة ، علما أن كل شخص يحكم على العمل من منظور شخصي، ففي الكتابة مثلا كان علينا أن نختار لونا معينا لنتمكن من توظيف تقنيات جديدة، مع مراعاة الحبكة في المونتاج للحصول على منتوج متميز، تفاديا للوقوع في النمطية وغياب التجديد حتى لا نشعر أننا أنتجنا عملا مستهلكا.
استغرقت 26 سنة من الخبرة و العمل في المجال قبل أن أدخل عالم  الإخراج، وذلك لأتمكن من توظيف كل ما درست وكل ما تعلمت بشكل جيد، تأخيري للإخراج كان متعمدا لأن صفة مخرج كبيرة و تحتاج لأساسيات متينة، وقد كنت بحاجة للاقتناع أولا أني مخرجة، قبل أن أبدأ العمل و أقنع الجمهور وأقدم عملي للعالم، وأنا مستعدة للذهاب به بعيدا والرد على كل استفسار حوله بكل ثقة واضطلاع.
تحدثت عن توظيف تقنيات جديدة في الفيلم، هل اعتمدت على الذكاء الاصطناعي مثلا ؟
ـ أبدا، لم أعتمد على ذلك، اخترت تقنية الفلاش باك للعودة إلى الوراء وتصوير الذكريات، وهنا واجهت تحديا آخر يخض الإحداثيات الصوتية والمرئية لتبني السرد السينمائي، وهذا ما يشكل وجه الاختلاف مقارنة بالكتابة التلفزيونية، لأنه يستوجب حركات وتقنيات تخدم السرد يتلقاها المتفرج و يحس بأنها حقيقية، لذلك اخترت حركات لها معنى واعتمدت كثيرا على سيميولوجيا الصورة والسرد السينمائي.

بمن تأثرت في مجال الإخراج؟
ـ تأثرت كثيرا بالتقنيات الأمريكية في السينما، كما أن مشاركتي في مهرجان «كان السينمائي الدولي» سمحت لي بالتعرف أكثر على منتجين ومخرجين يعتمدون على المشاهد المستمرة غير المتقطعة، التي تصل مدتها إلى 6 أو 7 دقائق، وهي خيارات فنية لها معنى، وقد اخترتها لهذا الفيلم لأنها تخدم القصة والحبكة السينمائية، إلى جانب موسيقى قمنا بإعدادها رفقة ندى الريحان و المايسترو أمين دهان، بمعنى أن كل شيء في الفيلم له معنى فحتى الألوان لها دلالات في السينما.
هل خشيت دخول عالم الإخراج، خصوصا وأن النساء المخرجات قليلات في الجزائر ؟ وهل سنشاهد لك أعمالا في التلفزيون؟
ـ كنت لأخاف  لو كنت غير ملمة بكل التفاصيل والتقنيات، لكني أعرف اختياراتي جيدا تقنيا وفنيا، كما أن روح الفريق ساهمت بدرجة كبيرة في نجاحي. مدير التصوير مثلا يعرف جيدا ما أريد في الصورة وهو حقا فنان، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي أعضاء الفريق، الذي أوجه إليهم الشكر.
بخصوص التلفزيون، أقول إننا عندما نتذوق لذة العمل في السينما، يصعب علينا الإنتقال إلى فضاء آخر، مبدئيا أنا منتشية بعملي وبالقبول الذي لاقاه وسط المختصين والجمهور، لدي مشاريع أخرى وأريد المواصلة في السينما بنفس الحماس.
عكست المشاهد المسربة من العمل واقع الجزائر خلال الخمسينيات بشكل كبير
و بتفاصيل غاية في الدقة، كيف فعلتم ذلك وأين صورتم العمل تحديدا؟
ـ صورت المشاهد في «سانتوجان»، محطة السكك الحديدية آغا بالعاصمة، و مسرح الهواء الطلق و سيدي فرج، ناهيك عن دواودة والقليعة التي ما تزال تحافظ على طابع البناء الكولونيالي، كما صورنا في قرية آفيغو بدائرة مجانة ولاية برج بوعريريج، أين لاقينا ترحابا كبيرا ودعما من المواطنين وكل السلطات على رأسهم الوالي، وقد اخترت هذه الدشرة بالنظر لطبيعة بناياتها القديمة، وهنا قمنا باختيار زوايا التصوير لتحديد المواقع قبل الانطلاق في العمل، وحرصنا على كل التفاصيل بما في ذلك اللافتات و اللباس وكل صغيرة وكبيرة، وهي تفاصيل لها تأثير ملموس في الفيلم.
متى سيعرض الفيلم أمام الجمهور العام؟
ـ مبدئيا لم يتحدد البرنامج بعد، وهو في النهاية دور تختص به وزارة الثقافة التي ستقوم بضبط البرمجة الوطنية للفيلم، وتحديد نقاط ومواقيت العرض، بالتنسيق مع المركز الوطني لتنسيق السينما منتج العمل.
النصر: ماذا بعد «الطيارة الصفراء»؟
ـ أنا منشغلة حاليا بهذا الفيلم، ولدي بعض المشاريع مودعة على مستوى وزارة الثقافة والفنون تتعلق بالسينما، وهي أعمال في قوالب أخرى وتعد بالنسبة لي تحديات جديدة، أما فيما يخص الكتابة، فحبي لها دائم و لذلك أكتب في كل مكان و في أي وقت.
إ. ز

الرجوع إلى الأعلى