لم نكن نخشى اللعب في أدغال إفريقيا عكس لاعبي اليوم !
فتح اللاعب الدولي السابق مسعود بلوصيف قلبه للنصر في حوار استرجع فيه ذكرياته مع الكرة أين كان ركيزة أساسية في المنتخب الوطني بعد الاستقلال و نادي جمعية الخروب، كما تحدث عن رأيه في الوضعية الحالية للكرة الجزائرية والمنتخب الوطني الذي مثله في أكثر من 40 مقابلة دولية، مسعود بلوصيف من مواليد 26 فيفري 1943 بالخروب، لاعب سابق في جمعية الخروب وشباب قسنطينة، ومثل المنتخب الوطني في أول مشاركة في تاريخه في كأس أمم إفريقيا 68 بأثيوبيا والألعاب الإفريقية 65 وألعاب البحر الأبيض المتوسط 67 وتصفيات مونديال 70..
حـاوره: فــوغـالي زين العـابديـن
•انقطعت أخبارك عن المحيط الكروي منذ سنوات، فأين أنت الآن؟
أنا حاليا متقاعد بعد أن شغلت عدة مناصب بعد الاستقلال كموظف في البلدية ومسؤول ملعب الخروب، وأعيش الآن رفقة عائلتي بحجر الديس في عنابة، وألعب أحيانا بعض المباريات مع قدماء حمراء عنابة.
لماذا ابتعدت عن الكرة ولم نعد نراك حتى في محيط فريقك السابق لايسكا؟
كرة القدم الآن ليست كما كانت عليه أيامنا، اليوم اقتحمها دخلاء لا يعرفون الكرة ولا يقدرون قيمة اللاعبين السابقين، ولو أتقرب من محيط النادي يتم تأويلها بطريقة خاطئة لهذا أنا بعيد عن الكرة ولست حتى عضوا في الجمعية العامة.
• وما رأيك في مستوى الخضر في مقابلتي تنزانيا وإيران؟
للأسف مستوى المنتخب تراجع بشكل رهيب منذ 2014، وفي المقابلتين الأخيرتين لاحظت بطئا في تحركات اللاعبين وعشوائية في اللعب، وغياب الانسجام بين مختلف الخطوط.
المشكل ليس في ماجر بل في اللاعبين
• هل ترى أن ماجر قادر على إعادة هيبة المنتخب الوطني؟
بالنظر إلى الطاقم الفني الذي يعمل مع ماجر فهو في المستوى وكلهم لاعبون دوليون كبار ولديهم الخبرة، وماجر بإمكانه أن ينجح إذا عرف كيف يختار التوليفة المناسبة لهذا أنا أقول أن المشكل ليس في ماجر بل في اللاعبين.
• هل ترى أنه يوجد تكوين في الجزائر؟
مادامت المحسوبية موجودة من اكبر نادي إلى اصغر نادي في الجزائر فلا يمكن الحديث عن التكوين، الآن أصبح بعض المسيرين في الفئات الصغرى يساومون أولياء بعض اللاعبين من أجل إدراج أبنائهم مقابل حصولهم على امتيازات وما خفي كان أعظم.
• باعتبارك من المدافعين السابقين للمنتخب، ما رأيك في خط دفاع الخضر حاليا؟
لا يوجد مدافعين في المستوى واغلبهم عاديون والدليل انه منذ اعتزال عنتر يحيى وبوقرة بقيت الخطوط الخلفية مضطربة ولم يثبت المدربين المتعاقبين على تركيبة واحدة.
• لعبت في المنتخب الوطني في سن مبكرة بدون عقدة، في حين نجد اليوم لاعبين محترفين يخشون اللعب في إفريقيا، ماهو السبب حسب رأيك؟
بكل بساطة لأنني لما ظفرت بمكانة في المنتخب الوطني وفريقي وقتها في الدرجة الثالثة أردت أن لا أضيع الفرصة وأصبح ركيزة في المنتخب وهو ما حصل، ووقتها لم يكن لدي شيء أخشى عليه ولم يكن في ذهني سوى تشريف الراية الوطنية، عكس لاعبي اليوم الذين يخشون من الإصابة وضياع عقودهم الاحترافية.
• لنعد إلى البداية، كيف كانت انطلاقتك مع كرة القدم؟
بدايتي كانت قبل الاستقلال في أحياء وأزقة الخروب وخصوصا في حي «طريق لاقار» وكانت وقتها تباع كرات صغيرة ب50 «دورو»، وفي سنة 1958 أمضيت أول إجازة مع فريق الضمان الاجتماعي الذي لعبت له في بعض المباريات قبل أن التحق بفريق «روبس قسنطينة» الذي كانت يتشكل من اغلب لاعبي الموك، وتوقفت عن اللعب سنة 1961 بعد أن ازداد نشاط منظمة الجيش السري الفرنسية التي كانت تطلق النار على اللاعبين الجزائريين، وبعد الاستقلال أمضيت أول إجازة مع فريق مسقط رأسي جمعية الخروب سنة 1962.

• وكيف كانت مواسمك الأولى مع لايسكا؟
في تلك الفترة كانت الخروب تعج بالمواهب وكان مستوى لايسكا في ارتفاع مستمر وتمكنا من الوصول إلى نصف نهائي كاس الجمهورية سنة 1965 وكنت معاقبا في لقاء سعيدة ولم العب اللقاء وكانت تلك الكأس من نصيبنا لولا الذي حدث، كما نافسنا على الصعود للقسم الأول سنة 1967 وفزنا على مولودية العاصمة 4-1، ولعب إلى جانبي بوشركة وخطابي وبلشطر وغيرهم وكنت ألعب في جميع المناصب ليس فقط في الدفاع، وكنت أسجل الكثير من الأهداف أبرزها هدف التعادل ضد مولودية العاصمة في بولوغين وتعادلنا 2-2.
• حدثنا عن موسمك الوحيد مع شباب قسنطينة وكيف غادرت وقضيت سنة بيضاء؟
في سنة 1964 التحقت بشباب قسنطينة وكان يلعب وقتها في القسم الشرفي (الدرجة الثالثة)، وأمضيت لموسمين وفي الموسم الأول صعدنا للدرجة الثانية، وبعد اللقاء الأخير أمام الكويف والذي صعدنا فيه رسميا  وسجلت هدفا، وفي طريق العودة التقت الحافلة بسيارات الأنصار المتنقلين وقاموا بتحية جميع اللاعبين إلا أنا وأحسست نفسي غريبا فقررت العودة إلى الخروب، لكن كان هناك إشكال في الإجازة جعلني اقضي سنة بيضاء وألعب مع رديف لايسكا.
أصبحت أساسيا في المنتخب وفريقي يلعب في القسم الثالث
• كيف تم استدعاؤك للمنتخب الوطني لأول  ؟
في سنة 1964 كان الفرنسي لوسيان لوديك هو مدرب المنتخب وكان يبحث عن ظهير أيمن، وأخبره ماتام اونيس أن لاعبا في الدرجة الثالثة يملك جميع المواصفات التي يبحث عنها، وبالفعل شاهدني ألعب واستدعاني وكان وقتها مع ايبرير وخاباطو وبن تيفور، وتمكنت من فرض نفسي في المنتخب من 1964 إلى 1969 وشاركت في أكثر من 40 مقابلة دولية.
أول مقابلاتي مع الخضر كانت أمام العملاق السوفياتي وحارسه ياشين
هل تذكر أول مقابلة دولية لك ضد الاتحاد السوفياتي بقيادة العملاق ياشين؟
مقابلة الاتحاد السفياتي كانت أول مقابلة دولية لكن قبلها أجرينا تربصا في ألبانيا وتعادلنا مع نادي الباني، ثم استقبلنا الاتحاد السوفياتي بملعب بن عبد المالك وكان يومها حدثا لا ينسى باللعب ضد بطل أوروبا وقتها وأحد أفضل المنتخبات في العالم بقيادة الحارس الأسطوري ليف ياشين، وكدت أسجل عليه يومها، وتم تكليفي بمراقبة المهاجم الخطير كوسينوف، وانهزمنا بصعوبة 0-1.
• ساهمت في تأهل الجزائر لأول مرة للكان، ولعبت النهائيات في اثيوبيا68، حدثنا عنها؟
التصفيات لم تكن سهلة لأننا وقعنا في مجموعة فولتا العليا (بوركينا فاسو حاليا) ومالي بقيادة مهاجمها الخطير سليف كايتا هداف سانت ايتيان ومرسيليا، وفزنا بجميع مباريات التصفيات وتأهلنا للنهائيات ووقعنا في مجموعة صعبة فيها أوغندا وكوت ديفوار بقيادة القناص لوران بوكو والبلد المضيف اثويبيا وكنا المنتخب الوحيد الأبيض ضمن المنتخبات المشاركة وأتذكر أن الجالية الأوروبية والأمريكية التي كانت تعمل في إثيوبيا تنقلت إلى الملعب وناصرتنا بسبب لون البشرة، ورغم الظروف الصعبة التي عشناها هناك تمكنا من الفوز على أوغندا 4-0، وانهزمنا أمام كوت ديفوار 3-0 وإثيوبيا البلد المضيف 3-1 بحضور الإمبراطور هيلا سيلاسي وأتذكر إلى يومنا هذا لما كان جالسا في المنصة على عرشه ورجلاه لا تصلان الأرض (يضحك).
في الكونغو لم نجد شيئا نأكله
• كيف كانت ظروف اللعب في إفريقيا في وقتكم مقارنة باليوم؟
فرق كبير جدا وقتها كان الأفارقة متوحشين بالإضافة للظروف الصعبة وأتذكر في سنة 1965 لما شاركنا في الألعاب الإفريقية في الكونغو برازافيل بقينا عدة أيام بدون أكل وكنا نضطر لتناول الحبوب المقوية، وعانينا كثيرا في تنقلاتنا الإفريقية، و اليوم إفريقيا أصبحت مثل أوروبا سواء من ناحية الفندقة أو الملاعب.
الإصابة حرمتني من مواجهة بيلي، وكنت قبلها مكلفا بمراقبة غارينشا
• حدثنا عن الإصابة التي تعرضت لها عشية مواجهة البرازيل؟
كانت هذه من أسوأ الذكريات في مشواري، أين تعرضت لتمزق عضلي حرمني من مواجهة بيلي وغارينشا، وهذا الأخير كان اللاعب الذي كلفت بمراقبته قبل تلك الإصابة اللعينة، كما أنني تعرضت لإصابة أخرى سنة 69 حرمتني أيضا من مواجهة بيلي مع ناديه سانتوس ووقتها الرئيس الراحل هواري بومدين أرسلني إلى فرنسا للعلاج.
بومدين أرسلني للعلاج في الخارج
• وكيف غادرت المنتخب رغم أنك كنت في قمة العطاء؟
السبب هو تعرضي لمؤامرة في تيموشنت أين لعبت مع لايسكا هناك وقام احد لاعبي تيموشنت بضرب الحكم الذي دون في تقريره أنني أنا من اعتديت عليه وتمت معاقبتي بعامين دون لعب.
القوانين حرمتني من الاحتراف في مرسيليا وموناكو
• هل صحيح أن المدرب الفرنسي لوديك أراد نقلك إلى موناكو؟
ليس فقط موناكو بل مرسيليا أيضا، وكما تعلم أن لوديك هو من راهن علي في المنتخب وعند مغادرته تولى الإشراف على مرسيليا وموناكو وفي كل مرة أراد أخذي معه لكن وقتها كان يمنع على اللاعب الجزائري الذي يقل سنه عن 30 سنة مغادرة الجزائر، وتلقيت أيضا عروضا من سويسرا والمجر.
• لماذا اعتزلت الكرة في سن مبكرة نوعا ما؟
توقفت نهائيا سنة 1974 مع جمعية الخروب ووقتها حدثت لي مشاكل عائلية، جعلتني ابتعد تماما ودخلت في دوامة، ولم أسترجع أنفاسي إلا عندما غادرت للعيش في عنابة أين بدأت حياة جديدة.
• لماذا رفضت مقترح والي قسنطينة سنة 1978 بإجراء مقابلة اعتزالك في ملعب الشهيد حملاوي؟
أردت أن تلعب المقابلة في ملعب الخروب كتكريم لمدينتي التي كانت سببا في شهرتي فلا يعقل في حدث مثل هذا أدير لها ظهري، ويومها جاء نجوم الكرة الجزائرية إلى الخروب وتمت دعوة منتخب الكونغو كضيف شرف، وكان حدثا تاريخيا في الخروب وقتها.
•لم تذهب بعيدا في مجال التدريب؟
الظروف الصعبة التي عشتها جعلتني ادخل في دوامة أنستني أصلا إذا كنت لاعب كرة، وبخصوص التدريب فقد قمت ببعض التربصات ودربت فرقا صغيرة في عنابة كما عملت مساعدا لمحمد تبيب في لايسكا أواخر السبعينات.
بماذا تود أن تختم هذا الحوار
أشكر النصر على هذه الالتفاتة، وأتمنى أن يصلح حال كرتنا لأنها بصراحة أصبحت مرتعا لمن هب ودب في حين أن الرياضيين الحقيقيين تم تهميشهم.
ف.ز

الرجوع إلى الأعلى