خالفت المنطق واحترفت كرة القدم لخمس سنوات بالبينين
فتح ابن مدينة قايس عبد الله بلقوت قلبه للنصر، في حوار شيق استرجع فيه ذكرياته الكروية، وكيف كان أول جزائري يلعب في   إفريقيا، عندما احترف في فريق أي سي دراغون لويمي، أكبر أندية البينين وأكثرها تتويجا، وكيف توج معه بلقبين وشارك في كأس إفريقيا للأندية البطلة، وسجل أهدافا حاسمة، كما يحمل ذكرى جميلة  حين واجه شبيبة القبائل.
حـاوره: فــوغـالي زين العـابديـن
صانع الألعاب بلقوت من مواليد 3 أفريل 1966 بمدينة قايس، بدأ مسيرته الكروية في فريق شباب قايس سنة 1980 إلى غاية 1987 قبل أن ينتقل إلى الجار اتحاد بلدية خنشلة، وبعد أداء الخدمة الوطنية حط الرحال بدولة البينين أين مكث   إلى غاية 1995.
لعبت في ناد مر عليه أبيدي بيلي وبيتر روفاي
• أين أنت الآن وما هي آخر أخبارك؟
حاليا متواجد بمدينة قايس وأتابع أخبار فريقي من بعيد، وأنتظر موعد التربص القادم الخاص بالمدربين للحصول على الشهادة ومواصلة مشواري في التدريب، بعد أن كانت لي تجربة مع أصاغر شباب قايس لموسمين، وعملت أيضا كمساعد مدرب لسعدان فلاح ومحمد بلشطر في صنف الأكابر.
• ما هو سبب ابتعادك عن محيط شباب قايس؟
لأن الأجواء غير ملائمة، وهذا ليس فقط في قايس بل في جميع الفرق الجزائرية، التي سيطرت عليها المادة وتغلل في دواليبها أصحاب المال، عكس ما كان عليه الحال في السابق، أين كان أغلب المسيرين متطوعين فقط، والآن أقتحم الميدان أشخاص غرباء عن مجال كرة القدم.
• كيف كانت بداية مسيرتك الكروية وأبرز المحطات قبل احترافك في الخارج؟
بدايتي ككل اللاعبين الجزائريين في الشارع، وبالضبط في الحي الشعبي الذي ولدت فيه «الدشرة» في قايس، والذي أنجب عدة مواهب، وفي سنة 1980 التحقت بأصاغر شباب قايس، وكان معي 14 لاعبا من حي الدشرة، وتدرجت بسرعة في الأصناف الصغرى وفي ظرف عامين فقط طرقت أبواب فريق الأكابر وعمري 16 سنة، وأصبحت لاعبا أساسيا في الفريق إلى غاية سنة 1987، ولعبت بعدها موسم 87/88 في اتحاد بلدية خنشلة لمدة 6 أشهر، قبل أن أتنقل لوهران لأداء الخدمة العسكرية.
• ما هو السبب الذي جعلك تقرر مغادرة الوطن؟
بعد نهاية فترة الخدمة العسكرية سنة 1990، التحقت بفريق شباب أوراس قايس، ولعبت معهم بعض المقابلات وتعرضت لإصابة، ومررت بفترة صعبة، كنت في وضعية نفسية مضطربة مما جعلني أفكر في اعتزال الكرة نهائيا ومغادرة أرض الوطن.
جولة في سوق بكوتونو كانت سببا في إمضائي لفريق دراغون
• لماذا اخترت دولة البينين بالتحديد؟
في تلك الفترة، كانت التأشيرة إلى دول أوروبا صعبة، وبعد بحث وتحري، وجدت أن هناك ثلاث دول تقدم تسهيلات، وبالإمكان الحصول بسهولة على منصب عمل فيها وهي، الفيتنام وكوبا والبينين، وبعد تفكير عميق قررت اختيار البينين، لعدة عوامل من بينها اللغة، وكنت أنوي الذهاب والاستقرار في كوت ديفوار، لكن وجدت صعوبات فقررت البقاء في البينين، وكان عمري وقتها 25 سنة، ولم أكن متزوجا لهذا غامرت دون التفكير في العواقب.
• هل وجدت عملا فور وصولك للبينين سنة 1990؟
قبل الاستقرار في البينين، مكثت شهرا في بوركينا فاسو، قبل التحول  للعاصمة كوتونو، أين تعرفت على رعايا توانسيين وليبيين ولبنانيين، وبحكم علاقاتي في فرنسا، توليت منصب مدير تجاري لشركة استيراد وتصدير للسيارات ، وكانت كل الأمور تسير على أحسن ما يرام ونسيت تماما شيئا اسمه كرة القدم.
• وكيف التحقت بصفوف دراغون لويمي أعرق أندية البينين وأكثـرها تتويجا؟
كانت صدفة غريبة جدا، فأثناء تجولي في أحد الأسواق الشعبية في كوتونو، كنت أرتدي  «شورت»، وكنت وقتها مفتول العضلات وجسمي يوحي بأنني لاعب كرة قدم، فوجدت شخصا يلاحقني في كل مكان، ولما دخلت محل صديق تونسي، دخل خلفي وألقى السلام وكان يعرف صديقي، وطرح علي سؤال إذا كنت لاعب كرة، فأجبته وعرف بنفسه وكان اسمه عبد الوهاب، وهو رئيس رابطة أنصار فريق دراغون لويمي، ودار حديث بيننا وعرض علي الالتحاق بالفريق،  كنت أظن في البداية أنه يمازحني، وأخذ عنواني ورقم هاتف محل صديقي التونسي، وبعد أسبوع اتصل، وقال أن رئيس الفريق يطلب ملاقاتي، مع العلم أن مقر الفريق يوجد في مدينة بورتو نوفو، ولم تكن وقتها عاصمة البينين.

• كيف استقبلك رئيس الفريق الذي كان وقتها رئيس برلمان البينين؟
بعد انتقالي لمدينة بورتو نوفو، استقبلني رئيس الفريق موشارافو قدسامي الذي كان يتولى منصب رئيس البرلمان، وتحدث معي وكان متحمسا لضم لاعب جزائري، لصفوف فريقه وطلب مني الالتحاق بالفريق، الذي تقمص ألوانه قبلي نجوم كبار في القارة الإفريقية، من بينهم الأسطورة الغانية أبيدي بيلي وحارس مرمى نيجيريا في كأس العالم 94 بيتر روفاي، بالإضافة لكبار لاعبي الكرة البينينية، وهو أكثر الأندية تتويجا على الإطلاق.
• وكيف سارت معك الأمور في الأيام الأولى ؟
قبل أول حصة تدريبية، لم تكن لدي فكرة عن الكرة البينينية، لكن منذ أول يوم وجدت أنهم تقدموا علينا في تلك الفترة، خصوصا في مجال التدريب، وقام المدرب باختباري في الحصص الأولى ووضعني في الفريق الرديف، وفي لقاء تطبيقي مع الفريق الأول، وأثناء المقابلة وقع احتكاك بيني وبين اللاعب الأساسي، الذي يلعب في الفريق الأول وكان لاعبا دوليا اسمه بيار، وكان يلعب معي بخشونة طيلة اللقاء، وقلت له سأرسلك للفريق الرديف، وهو ما حدث فعلا،  حيث تمكنت من فرض نفسي في التشكيلة الأساسية للفريق الأول، وحملت الرقم 10 وكان وقتها يضم 13 لاعبا من المنتخب البينيني، أذكر منهم يوسوفو، رامانو، الحارس عمر، داريسا، وموسى لاتانجي، الذي احترف فيما بعد في ألمانيا، وكان معنا أيضا لاعب من أنغولا وآخر من نيجيريا واثنان من غانا، مع العلم أن نادي دراغون كان أغنى فريق هناك، ويناصره كبار رجال الدولة في البينين، وفي موسمي الأول وصلنا لنهائي الكأس وخسرنا أمام فريق روكان واحتلينا المركز الثالث في البطولة.
تناولت المقويات لأجاري القوة البدنية لرفاقي في الفريق
• هل وجدت صعوبة في التأقلم مع المناخ الصعب في البينين؟
كان الأمر صعبا جدا في البداية، خصوصا أني كنت أعاني بدنيا بسبب توقفي لأكثر من سنتين عن ممارسة الكرة، وكنت أتدرب بمفردي صباحا والتحق بتدريبات الفريق في المساء، ومع هذا وجدت صعوبة في مجاراة البينين بدنيا، رغم أني كنت أفضلهم فنيا، ولم يكن أمامي حل سوى تناول بعض المقويات، أما المناخ فكان صعبا، وفي بعض الأحيان تجد صعوبة في التنفس خصوصا في المناطق الساحلية.
• هل تذكر أول لقاء وأول هدف لك مع دراغون؟
أول لقاء كان موسم 90ـ91 ضد فريق روكان (قروش الأطلس) وهو ناد    من العاصمة كوتونو، وكان تعد مواجهته «كلاسيكو» البينين وفزنا عليهم بهدف دون رد،  أما أول هدف فسجلته في المنافسة الإفريقية سنة 1992 ضد فريق النجم الساطع الطوغولي وسجلت عليهم ذهابا وإيابا.
• وهل وجدت صعوبة في التأقلم مع ظروف العيش هناك؟
كل شيء كان على أحسن ما يرام، والفريق كان يقدم لي راتبا محترما بالإضافة لعملي في مؤسسة استيراد وتصدير السيارات، والبينين في تلك الفترة، كانت تعيش نهضة وتطور ملحوظ، وكانت هناك أسواق أوروبية، كما أن علاقتي برئيس الفريق، الذي كان شخصية مرموقة في دولة البينين سهل لي العديد من الأمور، وكنت مثل الملك.
• وكيف كانت علاقتك مع الجمهور؟
الجمهور البينيني احتضنني منذ أول يوم، كما أن مدينة بورتونوفو كانت بها نسبة كبيرة من المسلمين ما سهل اندماجي، وحتى أنصار الفرق الأخرى كانوا يحبونني.
• في سنة 1993 ساهمت بتتويج دراغون باللقب بعد4 مواسم من الانتظار، حدثنا عن ذلك الموسم؟
موسم 1992/1993، وصل الفريق إلى قمة مستواه وحصدنا اللقب عن جدارة،  منذ آخر لقب حققه الفريق سنة 1989، وفي كأس افريقيا وصلنا إلى الدور الربع نهائي وواجهنا شبيبة القبائل.
واجهت الخضر مع فريقي وزملاء تاسفاوت ظنوا  أني لبناني
• حدثنا عن مواجهتك لشبيبة القبائل في ربع النهائي لكأس إفريقيا 93؟
قبل وصولنا لهذا الدور، أخرجنا فريقي النجم الساطع التوغولي وأولمبيك النيجر ذهابا وايابا وواجهنا شبيبة القبائل، ولم أتنقل للقاء الذهاب في تيزي وزو وخسره فريقي بنتيجة أربعة أهداف لصفر، وفي لقاء اللقاء العودة فقدنا الأمل، لكن أمور كثيرة حدثت كانت سببا في تضييعنا للتأهل.
• ماذا حدث في هذا اللقاء؟
في لقاء العودة في بورتو نوفو، استعان بعض المشجعين بأحد السحرة المحليين الذي قام بالتوجه إلى لاعبي «الجياسكا» ورش عليهم محلولا أعده بنفسه، وهو ما أغضبني وطلبت من صحفي القناة الإذاعية الثالثة الذي رافق الوفد،  إبعاد اللاعبين عن هذا الساحر، وكان كل شيء مهيأ لقلب الطاولة على الشبيبة، حتى أن الحكم النيجيري اكتشفت أن له أصول من قبيلة بينينية، وتمكن دراغون من تسجيل ثلاثة أهداف، وكان بإمكانه رفع الغلة وكنت وقتها متعاطفا مع الشبيبة، وتعمدت تضييع الأهداف، مما جعل الجمهور ينقلب على بعد اللقاء الذي انتهى بفوزنا 3ـ0.

إيغيل أراد ضمي للخضر وأجهل سبب عدم اتصاله
• وهل تفهم فيما بعد الجمهور البينيني موقفك؟
كل شيء عاد إلى نصابه، وعدت لإسعادهم بالأهداف الحاسمة، وتوجنا باللقب الثاني على التوالي سنة 1994، لكن في كأس إفريقيا أقصينا هذه المرة في الدور الأول أمام العملاق «شوتينغ ستار»  من نيجيريا.
• واجهت الفريق الوطني الجزائري سنة 93 في لقاء تحضيري بالبينين، حدثنا عنه؟
قبل تنقل الجزائر إلى نيجيريا للعب تصفيات المونديال، هناك قاموا بتربص مغلق في البينين، للتعود على الأجواء المشابهة لنيجيريا، وتمت برمجة لقاء ودي ضد فريقي دراغون، ولعبنا أمامهم وأعتقد لاعبو المنتخب الوطني أني لبناني (يضحك)، وتفاجئوا لما قلت لهم أني جزائري من قايس، وتحدث معي المدرب ايغيل وطلب رقم هاتفي لاستدعائي للمنتخب فيما بعد، وتكلم حتى مع مسيري فريقي، لكن لا شيء حدث فيما بعد، وفي اللقاء ظهرت بمستوى عالي رغم انهزامنا بنتيجة 4ـ1.
• لماذا غادرت البينين وهل تنوي العودة؟
غادرت مطلع سنة 1995، بعد الأزمة الاقتصادية التي مست البينين وأثرت على العملة المحلية، ووقتها مللت «الغربة» وقررت العودة إلى الجزائر للاستقرار وبناء أسرة، وعدت ولعبت مع شباب أوراس قايس واعتزلت نهائيا سنة 97، قبل أن أتنقل لفرنسا، أين مكثت هناك 10 سنوات وعدت للجزائر، وباشرت مشواري التدريبي، أما عن البنين فلدي رغبة في العودة كمدرب.
• لماذا لم تلتحق بنادي جزائري كبير بعد عودتك من البينين؟
بعد مواجهة شبيبة القبائل، طلب نور الدين سعدي خدماتي، وأخبرته أنه لا يمكنني ترك البينين في هذه الفترة، أما عن سبب عدم التحاقي بفريق كبير، فهذا راجع لعدم تطرق الإعلام هنا في الجزائر، لمشواري في البينين.
البينينيون استعانوا بساحر لهزم شبيبة القبائل
• هل مازلت في اتصال مع زملائك السابقين؟
نعم مع بعض اللاعبين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحتى بعض المناصرين، ولحد اليوم مازال اسمي منقوشا في لوحة شرف نادي دراغون، والغريب أن صفحات نادي دراغون مازالت تذكرني ليومنا هذا.
• كلمة تود أن تختم بها هذا الحوار؟
أشكر جريدة النصر على منحي هذه الفرصة، خصوصا أن الإعلام لم يذكرني، إلا في حالات نادرة، رغم أني اللاعب الجزائري الأول، الذي لعب في نادي إفريقي، غير أندية شمال افريقيا.        
ف/ ز

الرجوع إلى الأعلى