سكـان يتمسّكــون بخـدمة  الأرض رغـم النقــائص
عاد العشرات من  سكان مشتتي «النهار» و«سطارة» ببلدية بني حميدان في ولاية قسنطينة، إلى امتهان الفلاحة وخدمة الأرض، بعد عقود من القطيعة والنسيان، حيث بدأت الحياة تدب شيئا فشيئا في تلك المناطق الواقعة على الحدود مع ولاية ميلة، أين وجدنا شبابا تركوا المدينة  وفضلوا الاستثمار في أرض الأجداد، فهذا جلب شجيرات زيتون وبدأ في غرسها وآخرون امتهنوا الرعي وتربية النحل، وكلهم عزم على رفع التحدي وتعمير مزيد من الأرض ومحو سنوات الخوف وفتح عهد جديد مع الأمل والحياة.
في مشتى سطارة، التي تطل من على وادي ورزق، الذي يعد نقطة تماس بين ولايتي قسنطينة وميلة، استفاد غالبية السكان من مشاريع للبناء الريفي، حيث لم تبق عائلة واحدة إلا وحصل أحد أفرادها على إعانة الدولة لبناء منزل، لكن العديد من الشباب مازالوا يبحثون عن إعانات أخرى للبقاء في الريف وتشجيع الفلاحة فيه، بعد عقود من الركود بسبب الأزمة الأمنية، والتي قال القاطنون إن آثارها ما تزال راسخة في أذهان الكثيرين ممن قرروا الرحيل دون رجعة.
بسطارة وفت السلطات المحلية بوعودها التي قطعتها قبل أزيد من عامين، حيث دخل الغاز الطبيعي كل البيوت، وودع السكان قارورة البوتان و برد الشتاء القارس، كما تم تشييد مطعم مدرسي بابتدائية بوصاع و تمت إحطاتها بسور، لكن قاطني المنطقة ما زالوا يواجهون مشاكل و يوميات وصفوها بالصعبة، لاسيما في فصل الشتاء، حيث تنعدم التهيئة والطرقات التي تتحول إلى أوحال كلما تساقطت قطرات من المطر، كما اشتكوا من عدم توفر المياه الشروب وشبكات الصرف الصحي، حيث أكد من تحدثنا إليهم بأن السلطات قدمت التزامات بالتكفل بكل الانشغالات تدريجيا.
نقص في وسائل النقل
وذكر أحد السكان، بأنه يمتهن حرفة الرعي، و يطمح إلى توسيع نشاطه أكثر، فيما ذكر شاب أنه تحصل على قرض من وكالة “أونساج» في مجال تربية الأبقار الحلوب، حيث ما يزال المشروع في بدايته لكنه وصف مردوديته بالمقبولة، فيما قال ولي تلميذة، إن النقل المدرسي متذبذب وكثيرا ما اضطر التلاميذ إلى اللجوء إلى الخواص للوصول إلى المؤسسات التربوية بالبلدية الأم.
وتطابقت آراء جل من تحدثنا إليهم حول مشاكل البطالة الخانقة، التي يعاني منها شباب المنطقة وقالوا إنها لم تنل نصيبها الكافي من المشاريع التنموية، فضلا عن مرافقة الشباب في المجال المهني، كما اشتكوا من نقص في وسائل النقل، ما يضطرهم يوميا إلى الاستنجاد بسيارات «الفرود»  للوصول إلى وجهاتهم، وهو ما يكلفهم مبالغ باهظة.
غير بعيد عن سطارة تقع مشتى النهار أسفل منحدر جبلي، حيث تحيط بها المروج والأراضي الخضراء من كل جانب، و قد تنقلنا إليها عبر طريق صعبة غير معبدة، إذ شرعت مصالح البلدية قبل أشهر في عملية إزالة الطبقات القديمة المهترئة تمهيدا لتعبيد المسلك على مسافة تزيد عن كيلومترين، لكن الأشغال توقفت بحسب ما أكده لنا سكان المنطقة، الذين ذكروا بأنهم انتظروا هذا المشروع الذي يعد حلما بالنسبة إليهم منذ سنوات، لكنه لم ير النور إلى حد الساعة، حيث يأملون أن ينتهي هذا «الكابوس» في أقرب الآجال.
من زواغي إلى أرض الأجداد
وقد التقينا بأحد الشباب وسكان المنطقة الأصليين، حيث قال إنه كان يقطن رفقة عائلته الكبرى بحي زواغي بقسنطينة، قبل أن يقرروا العودة خلال السنوات الأخيرة وبناء منزل بأرض الأجداد التي غادرها سكانها مرغمين بسبب الإرهاب والخوف، وذكر محدثنا الذي كان يحمل في مركبته شجيرات زيتون لغرسها، أن هذه المنطقة كان يقطنها المئات قبل أن يغادروها، لكن الحياة عادت تدريجيا إلى المنطقة بعد عقود من الركود، كما أكد أن العودة لم تقتصر على الآباء والعائلة الكبيرة فقط، بل تعدتها إلى الأبناء الذين تترواح أعمارهم بين العشرين والثلاثين سنة.
وأكد محدثنا، أن افتقار المنطقة لأدنى شروط الحياة، لم يثن الشباب عن العمل بالأرض والفلاحة، التي تعرف تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة لاسيما في مجال زراعة الحبوب والأشجار المثمرة، مبرزا أن «النهار» ليست بحاجة سوى إلى طريق معبدة، فالآبار والتجمعات المائية امتلأت عن آخرها بعد سنوات من الجفاف، والكهرباء متوفرة باستثناء الإنارة العمومية، مؤكدا أنه وخلال تساقط الأمطار تنعزل المشتى الصغيرة عن العالم ويضطر قاطنوها إلى المشي لمسافة تزيد عن الكيلومترين، مطالبا السلطات بضرورة الإسراع في تعبيد الطريق كون المشروع قد قطع شوطا كبيرا ولم يتبق سوى صب طبقة الإسفلت.

ونحن نتجول بالمكان التقينا بشابين من مدينة قسنطينة، حيث قالا بأنهما ليسا من السكان الأصليين، لكنهما تعرفا على شباب المنطقة، ومن ثم انتقلا إلى المكان لممارسة مهنة تربية النحل، حيث يطمحان إلى تطوير هذه الشعبة بالمنطقة،  فيما تحدث آخرون عن العديد من طلبات السكن الريفية التي ما تزال عالقة.
وسبق أن زار الوالي السابق ومختلف السلطات المنطقتين،  وأكد أنه سيسعى إلى معالجة جميع المشاكل و حلّها، من أجل مساعدة الفلاحين على البقاء في أراضيهم، حيث تم تسجيل مشاريع لشبكة التطهير بالإضافة إلى مشروع إنجاز خزان مائي بسعة 500 متر مكعب  ليُزود 3 مشاتي بالماء الشروب، فيما تنقلنا إلى مقر بلدية بني حميدان لمعرفة مزيد من التفاصيل من رئيسها لكن لم نجده، كما لم نتمكن من الاتصال به عبر الهاتف رغم محاولاتنا.
لقمان/ق

الرجوع إلى الأعلى