يعيش سكان قرية بلطرش السعيد الواقعة بالمكان المسمى العيفور بعين الباي بقسنطينة، «عزلة» يقولون إنها دفعت بأبنائهم إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى المدارس، رغم أنهم يقطنون بهذه المنطقة غير بعيد عن قاعة العروض الكبرى «زينيت»، لكن مندوبية زواغي بالبلدية، تؤكد أن القرية الفلاحية استفادت من عملية ترحيل يُصر السكان أنهم لم يكونوا معنيين بها.
الوصول إلى قرية بلطرش كان صعبا لوجود عبر مسلك صغير و غير مبعد يؤدي إليها، لتبدأ بالظهور على بعد أمتار من قاعات العروض الكبرى أحمد باي، كما أنها تطل على المطار الدولي محمد بوضياف و تبعد بكيلومترات قليلة عن حي «سوناتيبا».
السكنات تقع بمنحدرات طينية خالية وسط مخلفات بنايات مهدمة في كل الزوايا، و قد لفت انتباهنا انتشار اسطبلات منجزة بطريقة تقليدية أسقفها مصنوعة من «القرميد»، فيما بدت البنايات المتراصة بشكل فوضوي، مهلهلة، حيث تظهر عليها تشققات، ليؤكد أصحابها أنها تعود إلى سنة 1971، لكنها لم تعرف طيلة هذه المدة أية ترميمات.
السكان الذين أخبرونا أنهم يمتهنون الزراعة وتربية المواشي، يقطنون في منازل دون عقود منذ أكثر من 40 سنة، حيث استفادوا منها، حسبهم، في إطار الثورة الزراعية سنوات السبعينيات. و قال شباب بالقرية إنهم ورثوا النشاط الفلاحي من آبائهم و أجدادهم، إذ يقتاتون من بيع حليب البقر لبعض التجار، وقد شاهدنا قدوم بعض الشاحنات الصغيرة التي كانت محملة بصهاريج حديدية، لتغادر بعد تعبئتها بالحليب، لكن محدثينا طرحوا مشكلة «ضعف الإمكانيات»، ما جعلهم يطالبون بالدعم و تسوية وضعية منازلهم.
«تصدينا لغرباء حاولوا إنجاز أكواخ»
و ذكر السكان أنهم تصدوا لمحاولات إنجاز بيوت قصديرية بالقرية، و ذلك من طرف غرباء أرادوا، حسبهم، استغلال الأكواخ بغية الاستفادة من سكنات اجتماعية في ما بعد.  ومن خلال مواصلة الطريق نحو أسفل القرية، لاحظنا انتشار كميات معتبرة من القمامة يقول محدثونا إنهم يضطرون لرميها هناك في غياب مفرغة، وهو ما أدى إلى انتشار الجرذان والروائح الكريهة.
لاحظنا أيضا مخلفات هدم بنايات، يؤكد السكان أنها خاصة بتوسعات فوضوية قامت السلطات بإزالتها قبل أكثر من 8 سنوات، لكن الردوم لم ترفع و صارت مصدرا لانتشار الثعابين، حسب محدثينا، في حين أن السلطات المحلية قامت في أفريل من سنة 2013، بترحيل أزيد من 80 عائلة من هذه المنطقة إلى المدينة الجديدة علي منجلي، و هي عملية يقول محدثونا إنهم لم يستفيدوا منها.
عند التوغل في المسالك الضيقة، لاحظنا وجود عدة بساتين قريبة من السكنات، وعلمنا أنها مخصصة لزراعة الخضر على غرار الطماطم والبطاطا و الفلفل وبعض الفواكه، إضافة إلى الحبوب الصلبة، كما تظهر بين الحين والآخر عجائز و هن يسرحن بالماشية بينما تقوم أخريات بإطعامها داخل الإسطبلات، فيما لا تخلو الطرقات من قطعان الخرفان.
قطع 3 كيلومتر لشراء
 أكياس الحليب
السكان أكدوا لنا أن حوالي 40 عائلة تقطن بالقرية، منعزلة عن العالم الخارجي، لانعدام النقل والمحلات والمؤسسات التربوية والإدارات والإنارة العمومية، لذلك فهم ملزمون بقطع كيلومترات من أجل شراء كيس حليب، بما يمثل إشكالا كبيرا بالنسبة للذين لا يملكون وسيلة نقل خاصة.
محدثونا أضافوا أن هناك ابتدائية درست فيها أجيال متعاقبة، لكنها أغلقت تحت مبرر عدم توفر العدد الكافي من التلاميذ، ليضطروا لنقل أبنائهم يوميا إلى حي «سوناتيبا» وعلى مسافة تمتد لكيلومترات، فيما لا يتم توفير حافلة النقل المدرسي، و قد وجدنا بهذه المدرسة عددا كبيرا من الطاولات والكراسي المتلفة، فيما كانت المياه القذرة تصب إلى داخل الأقسام التي كانت في حالة كارثية.
و ذكر السكان أنهم يتكفلون بمختلف أعمال التهيئة من جيوبهم، حيث قاموا بوضع قنوات المياه على مسافة كيلومترات، و اكتروا آلات وشاحنات استعملت في العملية، كما أصلحوا أجزاء من الطريق المهترئ و كذا التسربات، و يضيف محدثونا أنهم استبشروا خيرا بعد علمهم بمشروع إنجاز قاعة العروض الكبرى، وظنوا أنها ستخرجهم من عزلتهم والحياة البدائية التي يعيشونها، ليتفاجأوا، مثلما يقولون، بأوامر تمنعهم من أخذ المواشي للرعي بالقرب من المنطقة العمرانية، كما تم غلق المدخل الوحيد المؤدي إلى مواقع سكناتهم.
nمندوب الفرع البلدي بزواغي شبيرة خالد
سكان القرية مرحّلون بالنسبة لنا
مندوب الفرع البلدي بزواغي سليمان ببلدية قسنطينة، شبيرة خالد، أوضح أنه و أمام ارتفاع عدد عائلات قرية بلطرش بالعيفور، مع مرور السنوات، وزعت السلطات المحلية 87 سكنا اجتماعيا على القاطنين بها، ولكن بعض المواطنين عادوا إلى المكان مؤخرا وأصبحوا يطرحون عدة مطالب.
وأضاف شبيرة أنه بالنسبة لمندوبية زواغي، فإن قاطني القرية يعتبرون مرحلين، أما سكناتهم فتعد فوضوية، وبالتالي لا يمكن تزويدها بالإنارة العمومية ولا إعادة تعبيد طرقاتها، موضحا بالمقابل أن إمكانات مصالحه بسيطة، ما أدى لتأخر رفع مخلفات عملية الهدم التي تمت قبل سنوات، متعهدا بالتخلص منها مستقبلا.
حاتم بن كحول

الرجوع إلى الأعلى